فضل ذكر الله في الطمأنينة وعدم تحديده بحد معين

السؤال:

له سؤال أخير يقول: قبل ثلاث سنوات شكوت إلى أحد الرجال الصالحين عندنا من كثرة تذبذبي بين العبادة، وبين أمور الدنيا، وعدم اطمئناني إلى عبادتي، كالصوم والصلاة؛ لأنني أصوم، وأصلي منذ عشر سنوات، ومغريات الدنيا كثيرة، فقال لي هذا الرجل: اتبع هذه الطريقة لعل قلبك يهدأ، تقول: اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، مائة مرة، وتقول: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه مائة مرة، وتقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، مائة مرة، فهل هذا صحيح أم لا؟

وهل هو المقصود بقوله تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[الرعد:28]؟

الجواب:

لا شك أن الإكثار من ذكر الله، والاستغفار والصلاة والسلام على النبي ﷺ من أعظم الأسباب في طمأنينة القلوب، وفي راحتها، وفي السكون إلى الله والأنس به وزوال الوحشة والذبذبة والحيرة. 

فالذي أوصاك به هذا الرجل قد أحسن في هذه الوصية، لكن ليس للاستغفار حد محدود، ولا للصلاة على النبي ﷺ حد محدود، بل تكثر من الصلاة على النبي ﷺ ولا يتعين في مائة، بل تكثر الصلاة والسلام على النبي ﷺ وتستغفر كثيرًا مائة وأكثر وأقل.

أما التحديد بمائة فليس له أصل، ولكنك تكثر من الصلاة والسلام على النبي ﷺ قائمًا وقاعدًا في الليل والنهار، وفي الطريق، وفي البيت؛ لأن الله -جل وعلا- قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب:56] وقال النبي ﷺ: من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا فأكثر من ذلك، وأبشر بالخير، وليس هناك حد محدود تصلي على النبي ﷺ ما تيسر عشرًا، عشرين، ثلاثين، مائة ألف أكثر أقل على حسب التيسير بغير تحديد، وهكذا الاستغفار تكثر من الاستغفار؛ لأنك مأمور بهذا، قال الله : وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[البقرة:199] قال سبحانه: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ[هود:3].

فالاستغفار له شأن عظيم، في الحديث الآخر يقول ﷺ: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب وجاء عنه ﷺ أنه قال: من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرت خطاياه فهذا له شأن عظيم، فينبغي لك أن تكثر من الاستغفار في جميع الأوقات، وتقول بعد كل صلاة: أستغفر الله ثلاث مرات، من حين تسلم وبعدها تقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، حين تسلم تستغفر ثلاثًا، وتقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، كان النبي يبدأ بهذا حين يسلم -عليه الصلاة والسلام- في صلواته الخمس، وتكثر من الاستغفار في الليل والنهار، أول النهار، وأول الليل، وآخر النهار، كل هذا مطلوب.

أما لا إله إلا الله، فقد جاء فيها حديث صحيح: أن من قالها مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، وكان في حرز من الشيطان في يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من عمله، فهذا شيء ثابت عن النبي ﷺ ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي ﷺ أنه قال: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة؛ كانت له عدل عشر رقاب يعني: يعتقها وكتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، وكان في حرز من الشيطان في يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من عمله وهذا فضل عظيم، فينبغي المحافظة على هذا كل يوم.

زاد الترمذي -رحمه الله- في روايته: يحيي ويميت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير بإسناد صحيح، فهذا ذكر عظيم، وفائدته عظيمة، وفضله كبير، تقول - كل يوم سواءً في أول النهار أو في آخره أو في وسطه أو في الليل -: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير له في هذا فضل عظيم.

وهكذا سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، لها فضل عظيم، قال النبي ﷺ: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.

وهكذا سبحان الله العظيم وبحمده، عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته، ثلاث مرات، لها شأن عظيم، دخل النبي ﷺ ذات يوم على جويرية، وهي في مجلسها -في مصلاها- بعد الصبح دخل عليها ضحى وقال: ما زلت مكانك الذي فارقتك عليه؟ قالت: نعم، قال: لقد قلت بعدك كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله العظيم وبحمده، عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته.

وهكذا سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لها شأن عظيم، قال النبي ﷺ: أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر وقال -عليه الصلاة والسلام-: لئن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس وقال أيضًا -عليه الصلاة والسلام-: الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فعليك -يا أخي- بالإكثار من هذه الأذكار، فبها تطمئن القلوب، وبها تستقيم الأحوال، وبها توفق للأعمال الصالحات، والتوبة النصوح من سائر السيئات.

فعليك بتقوى الله، والاستقامة على دينه، والحذر من المعاصي دائمًا، وعليك التوبة إلى الله، مما تقدم من المعاصي والسيئات، عليك أن تكثر من هذه الأذكار، ومن الصلاة والسلام على رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وأبشر بالخير، وأبشر بالعاقبة الحميدة، وأبشر بصلاح القلب وانشراحه، وزوال الذبذبة والحيرة، هذا وعده سبحانه لمن استقام على أمره، وسارع إلى طاعته، وأكثر من ذكره، ومن الصلاة والسلام على رسوله -عليه الصلاة والسلام-.

رزقنا الله وإياك الاستقامة، وأعاذنا وإياك من نزغات الشيطان وهدانا جميعًا صراطه المستقيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة