حكم إصدار سندات اقتراض بربح

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد اطلعت على إعلان في صحيفة (الشرق الأوسط) الصادرة في يوم الإثنين 13/8/1409هـ، وفيها إعلان عن إصدار خزينة إحدى الدول العربية سندات اقتراض بربح أحد عشر واثني عشر في المائة (11%، 12%) لسنوات مبينة في الإعلان.
ولقد كدرني ذلك كثيرًا، ورأيت أن من واجب النصح لله ولعباده: بيان حكم هذا الاقتراض، فأقول:
قد دل الكتاب العزيز والسنة المطهرة على تحريم الربا بنوعيه: ربا الفضل، وربا النسيئة، تحريمًا شديدًا، وأبان الله سبحانه في كتابه الكريم الوعيد على ذلك فقال : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ۝ يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:275، 276].
وذكر سبحانه أن الربا محاربة لله ولرسوله ﷺ فقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۝ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:278، 279].
وقال النبي ﷺ: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الفضة بالفضة إلا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز[1]. متفق على صحته، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وقال عليه الصلاة والسلام: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواءً بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد[2]. أخرجه مسلم في صحيحه، من حديث عبادة بن الصامت . والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
ولا شك أن المعاملات الورقية لها حكم المعاملات بالذهب والفضة؛ لأنها حلت محلها في قيم المقومات وثمن المبيعات؛ فلا يجوز بيع عملة منها بعملة أخرى نسيئة، ولا اقتراض شيء منها بفائدة من جنسها ولا من غير جنسها إلا يدًا بيد، مثلًا بمثل إذا كانت عملة واحدة، فإن اختلفت العُمل كالدولار بالجنيه الإسترليني فلابد من التقابض في المجلس، ولا يشترط التماثل لاختلاف الجنس. وقد أجمع العلماء: على أن كل قرض شرطت فيه فائدة، أو اتفق الطرفان فيه على فائدة فهو ربا.
فنصيحتي للخزينة المذكورة: ترك هذه المعاملة، والحذر منها؛ لكونها معاملة ربوية، ونصيحتي لكل مسلم: ألا يدخل فيها؛ لكونها معاملة محرمة، مخالفة للشرع المطهر، ولقول النبي ﷺ: الدين النصيحة. الدين النصيحة. الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم[3].
وأسأل الله أن يوفق المسلمين جميعًا -حكامًا ومحكومين- للعمل بشريعته، والحذر مما يخالفها؛ إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا[4].

الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبدالله بن باز

 
  1. رواه البخاري في (البيوع)، باب (بيع الفضة)، برقم: 2177، ومسلم في (المساقاة)، باب (الربا)، برقم: 1584.
  2. رواه مسلم في (المساقاة)، باب (الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا)، برقم: 1587.
  3. رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين)، (حديث تميم الداري)، برقم: 16499، ومسلم في (الإيمان)، باب (بيان أن الدين النصيحة)، برقم: 55.
  4. نشرت في مجلة (الدعوة)، العدد: 1186، وتاريخ 30/8/1409هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 19/ 191).