التحذير من الزهد في الحق لقلة السالكين أو الاغترار بالباطل

إن التقوى كلمة جامعة تجمع الخير كله، وحقيقتها أداء ما أوجب الله، واجتناب ما حرمه الله على وجه الإخلاص له والمحبة والرغبة في ثوابه والحذر من عقابه، وقد أمر الله عباده بالتقوى ووعدهم عليها بتيسير الأمور وتفريج الكروب وتسهيل الرزق وغفران السيئات والفوز بالجنات. قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1]، وقال تعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم: 34].
فيا معشر المسلمين، راقبوا الله سبحانه وبادروا إلى التقوى في جميع الحالات، وحاسبوا أنفسكم في جميع أقوالكم وأعمالكم ومعاملاتكم، وتداركوا أنفسكم وتوبوا إلى ربكم، وتفقهوا في دينكم، وبادروا إلى أداء ما أوجب عليكم واجتنبوا ما حرم الله لتفوزوا بالعز والأمن والهداية والسعادة في الدنيا والآخرة، واحذروا من الانكباب على الدنيا وإيثارها على الآخرة.
قال بعض السلف رحمهم الله: لا تزهد في الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين.
وأوصي إخواني المسلمين بخمسة أمور:
الأول: الإخلاص لله وحده في جميع القربات القولية والعملية والحذر من الشرك كله دقيقه وجليله، وهذا أوجب الواجبات وأهم الأمور.
الثاني: التفقه في القرآن وسنة الرسول ﷺ والتمسك بهما وسؤال أهل العلم عن كل ما أشكل عليكم في أمر دينكم، والحذر من اتباع الهوى، وعليكم بالتمسك بالحق والدعوة إليه والحذر مما خالفه للفوز بخيري الدنيا والآخرة.
الثالث: إقامة الصلوات الخمس والمحافظة عليها في الجماعة، فإنها من أهم الواجبات وأعظمها بعد الشهادتين، وهي عمود الدين والركن الثاني من أركان الإسلام، وهي أول شيء يحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة.
الرابع: العناية بالزكاة والحرص على أدائها كما أوجب الله، وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة، أما غير المكلف من المسلمين كالصغير والمجنون فالواجب على وليه العناية بإخراج زكاة ماله كلما حال عليه الحول؛ لعموم الأدلة من الكتاب والسنة، والدالة على وجوب الزكاة في مال المسلم مكلفا كان أو غير مكلف.
الخامس: يجب على كل مكلف من المسلمين أن يطيع الله ورسوله في كل ما أمر الله ورسوله، كصيام رمضان وحج البيت مع الاستطاعة وسائر ما أمر الله به ورسوله، وأن يعظم حرمات الله، ويتفكر فيما خلق لأجله وأمر به، ويحاسب نفسه في ذلك دائما، فإن كان قد قام بما أوجب عليه فرح بذلك وحمد الله عليه وسأله الثبات، وأخذ حذره من الكبر والعجب وتزكية النفس، وإن كان قد قصر فيما أوجب الله عليه بادر إلى التوبة الصادقة والندم والاستقامة على أمر الله، والإكثار من الذكر والاستغفار والضراعة إلى الله سبحانه وسؤاله، والتوبة من سالف الذنوب والتوفيق لصالح القول والعمل، ومتى وفق العبد لهذا الأمر العظيم فذلك عنوان سعادته ونجاته في الدنيا والآخرة.
فاتقوا الله عباد الله وعظموا أمره ونهيه وبادروا بالتوبة إليه من جميع ذنوبكم، واعتمدوا عليه وحده وتوكلوا عليه فإنه خالق الخلق ورازقهم، ونواصيهم بيده سبحانه، لا يملك أحدهم لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
قدموا -رحمكم الله- حق ربكم وحق رسوله على حق غيره، وطاعة غيره كائنا من كان، وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، وأحسنوا الظن بالله وأكثروا من ذكره واستغفاره، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان[1].

 
  1. نشرت في جريدة الندوة، العدد (12033) بتاريخ 8 / 2 / 1419 هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 28/ 188).