انتفاع أهل البصائر بآيات الله الكونية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة المتعلقة ببيان شيء من الآيات الكونية، والآيات المتلوة المنزلة من السماء، التي قام بها واشترك فيها أصحاب الفضيلة: الأستاذ عبدالستار سعيد، والأستاذ محمد بن حسن الدريعي، والأستاذ محمد رأفت سعيد، جزاهم الله خيرًا، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى وتوفيقا، وقد أجادوا وأفادوا، وأسمعونا بحمد الله خيرًا كثيرًا، وبينوا شيئًا كثيرًا مما يتعلق بالآيات، وما فيها من العظات والذكرى إذا صادفت قلوبًا واعية صادقة، أما إذا لم تصادف قلوبًا واعية فإنها لا تغني شيئًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فآيات الله واضحة، وحججه قائمة على عباده، الحجج المنزلة من السماء من الآيات التي جاء بها الكتاب العزيز ومن الحجج المنزلة على رسول الله من السنة المطهرة والآيات الكونية التي سمعتم شيئًا منها، فآيات الله كثيرة، وقد عاقب بالآيات الكونية أممًا كثيرة سمعتم قصصها في كتاب الله، وذكر لكم بعضها أصحاب الفضيلة، ولكنها لم تغن شيئًا عمن طبع على قلبه وعن من أعمى الله بصيرته، فإنه لا يتأثر ولا يتذكر كما قال : قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [يونس:101] يعني من العبر والعجائب، ثم قال بعده: وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ [يونس:101]، هكذا يقول ، فليحذر العاقل أن يكون من هؤلاء الذين لا يؤمنون، وليسأل ربه التوفيق والهداية، وأن ينفعه بما يسمع وبما يتلو، وألا يجعله من الذين عميت بصائر قلوبهم، قال : فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]، متى عميت القلوب لم تنتفع بناصح ولا مذكر، ولم تنتفع بمشاهد ولا مسموع، قال : إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ۝ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس:96-97]، فالآيات واضحة، والبراهين ساطعة، والحجج قائمة، ولكن ينتفع بها أرباب البصائر أصحاب البصائر أصحاب الإقبال على الله أصحاب الرغبة في الخير الذين ينشدون الهدى ويطلبون السعادة، أما الغافلون المعرضون المطبوع على قلوبهم الذين قد عميت صائر قلوبهم وحقت عليهم كلمة الله فإن ذلك لا يجدي عليهم شيئًا، وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3]، وقال سبحانه: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44]، وقال : وَلَقَدْ ذَرَأْنَا يعني خلقنا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].