12- من حديث (حسابكما على الله تعالى، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها)

بَابُ اللِّعَانِ

1105- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَأَلَ فُلَانٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ! فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ، فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ، ووَعَظَهُ، وذَكَّرَهُ، وأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، قَالَ: لَا، والَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثم دَعَاهَا فَوَعَظَهَا كَذَلِكَ، قَالَتْ: لَا، والَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله، ثم ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ، ثم فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1106– وعَنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِي؟ فقَالَ: إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1107- وعَن أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا فَهُوَ لِزَوْجِهَا، وإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا فَهُوَ للَّذِي رَمَاهَا بِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.

أما بعد: فهذا الباب فيما يتعلق باللِّعان:

واللعان: مصدر لعن يُلاعن لعانًا، وملاعنةً، يعني: رمى زوجته بالفاحشة، ولاعنها بالشَّهادات الأربع، والخامسة التي فيها اللَّعنة، سُمِّيت لعانًا لأنَّ فيها اللعنة، ومعنى ذلك: أن الرجل قد يدَّعي على امرأته أنها أتت الفاحشةَ، وليس عنده بينةٌ، فماذا يفعل؟ إن طالبت بالحدِّ يُقام عليه الحدُّ ثمانين جلدة، حدّ القذف، فكيف يتخلَّص؟ جعل الله له مخلصًا في اللِّعان: إما أن يُلاعِن، وإما أن يُقام عليه حدُّ القذف إذا رماها وأنكرت.

ولهذا لما سأله ﷺ أمسك عنه، وكره مثل هذه المسائل، ثم جاءه الرجلُ فقال: يا رسول الله، إنَّ الذي سألتُك عنه قد ابتُليتُ به! يعني: قد رأيتُها فعلت الفاحشة، فوعظه النبيُّ وذكَّره، وأخبر أنَّ عذاب الدنيا -وهو الحد- أهون من عذاب الآخرة، قال: والذي بعثك بالحقِّ، ما كذبتُ عليها، ثم أحضر المرأة ووعظها وذكَّرها، وقال: إنَّ عذاب الدنيا –يعني: حدّ الزنا- أهون من عذاب الآخرة، فقالت: والذي بعثك بالحقِّ، إنه لكاذب، كل واحدٍ يُكذِّب الآخر، فتلاعنا عند النبي ﷺ، وشهد الرجلُ أربع شهادات بالله إنه لمن الصَّادقين، وشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصَّادقين، وفرَّق النبيُّ ﷺ بينهما.

فقال له الرجلُ: يا رسول الله، ما لي؟ فقال: لا مالَ لك، إن كنتَ صدقتَ عليها فهو بما استحللتَ من فرجها، وإن كنتَ كذبتَ عليها فذاك أبعدُ لك منها.

والرجل إذا طلَّق بعد الدخول استحقَّت المالَ كله، وهذا فراقٌ بعد الدخول، فلها المال كله، وإن كان كاذبًا فهو أبعد وأبعد؛ لأنه جمع لها بين الظلم وأخذ المال.

وقال: حسابكما على الله، يقول لهما النبيُّ ﷺ: الله الذي يتولى حسابكما، أحدكما كاذب، لكن ما يُدْرَى مَن هو؟ هل هو الزوج أو الزوجة؟ هذا يقينٌ أنَّ أحدهما كاذب.

فدلَّ ذلك على أنَّ الحكم كما بيَّنه الله جلَّ وعلا في قوله: والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ يعني: يرمونهم بالفاحشة ولَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ ليس عندهم بينة، فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ۝ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ۝ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ، أن تشهد فاعل يدرأ، ويدرأ عنها العذاب أي: الحد، أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ۝ وَالْخَامِسَةَ أي: وتشهد الخامسة أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور:6- 9]، فهذا حكم الله فيمَن رمى زوجتَه بالفاحشة.

وفيه من الفوائد: أنه لا سبيلَ له عليها بعد ذلك، تحرم عليه على التَّأبيد، لا ينكحها، لا بعد زوجٍ، ولا غير ذلك، تحرم عليه بعد هذه المصيبة العظيمة، لا تحل له أبدًا، تكون محرمةً على التأبيد، لكن ليست مَحْرَمًا، ولا يستحق شيئًا من المهر؛ لأنه بما استحلَّ من فرجها، وهي عليها أن تُراقب الله، وأن تتَّقي الله في ذلك، فإن أصرَّتْ ولاعنت فارقته مفارقةً تامَّةً بائنةً.

وفي الحديث الثاني دلالة على أنَّ الشَّبَه له أثرٌ، وأنها إن جاءت به على شبه الذي رُميتْ به فهو له، وإن جاءت به على زوجها فهو له، لكن ما يُلحق بهما شرعًا؛ لأجل اللعان، ولهذا في الرواية الأخرى: لولا الأيمان لكان لي ولها شأنٌ يعني: أيمان اللِّعان، لكن في هذا فضيحة لها إذا جاءت به على شبه مَن رُميتْ به، أما إن جاءت به على شبه الزوج فهو علامة على صدقها، وكذبه، ولكن الحكم على ما مضى، لا يُغير الحكم، مثلما قال ﷺ: لولا الأيمان لكان لي ولها شأنٌ، لا ينتظر الولادة، بل يحكم بينهما باللعان، ولا يعتبر الشَّبه، كما يأتي في الحديث الأخير في آخر الباب: لعله نزعه عرقٌ.

 

الأسئلة:

س: بعض الصغار يُطلقون بعضهم لبعضٍ: يا عاهر؟

ج: يا عاهر معناه: يا زانٍ، إذا نوى به قذفًا، إذا نوى هذا، وإن لم ينوِ شيئًا .....، يُسأل عن نيته، إن كان قصده الزنا فهو قاذف، عليه حدّ القذف، إلا أن يعفو المقذوف، وإن كان أراد شيئًا آخر، عاهر يعني: أراد أنه فاسق، أو .....، أو أنه يغتاب الناس، أو بذيء الكلام، أو ما أشبه ذلك، إذا أراد شيئًا آخر فعلى نيته.

س: يعني: يرجع إلى النية؟

ج: نعم.

س: ............؟

ج: يُنْسَب إلى أمه.

س: يُنْسَب لأمه؟

ج: نعم.

س: مثل البطاقة هكذا .....؟

ج: إيه، يُنسب إلى أمه: ابن فلانة، مثل: عبدالله ابن أم مكتوم، وعبدالله بن سلوم، كلهم النسبة إلى أمِّهم.

س: يُثبت أحسن الله إليك في صكٍّ فيه ذكر الماضي بأنه ...؟

ج: يُبين كل شيء، على التأمين، وإنما يُنسب إلى أمه، لا يُنسب إلى غيره.

س: يُكتب هكذا، يثبت، يثبت له على أنه كصكٍّ؟

ج: يُثبت القاضي ما جرى عنه من اللِّعان والتَّحريم، ومثل ولد الشخص بالنسبة إلى أمِّه، وأن زوجها بريءٌ منه -نسأل الله العافية.

س: إذا خرج الولدُ يُشبه أباه؟

ج: ولو أشبهه ما ..... فقط إنها فضيحة عليها، يدل فيه ..... وإلا ما هو بلازم؛ لأنَّ الشبه قد ينزعه عرق إلى أمه بعد اللعان، ما في إلا أمه، ولو جاء الشَّبه لأبيه، على شبه الزوج.

س: ............؟

ج: نعم؛ لأنه انتهى كل شيءٍ، لكنه فضيحة، يتّهم إذا كان له شبه .....

س: ما صحَّة حديث البلاء مُوكَّلٌ بالمنطق؟

ج: ما أعرفه.

س: قوله: "قد ابتُلِيتُ عنه" يعني: النَّهي عن الأسئلة، عن مثل هذه الأمور؟

ج: نعم، إلا إذا كان من باب التَّفقه في الدين، من باب التَّعلم، ما الحكم إذا وقع كذا وكذا؟ لأنَّ الشريعة استقرَّت والحمد لله.

س: البيان لأجل المُغازلات؟

ج: أيش هو؟

س: أقول: البيان، كثر المُطلِّقون لأجل المُغازلات؟

ج: الواجب عليه التَّثبت، وعدم العجلة، وإذا طلَّق .....

 

1108- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ عَلَى فِيهِ، وقَالَ: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ، ورِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

1109- وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -فِي قِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ- قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا قَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1110- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ، قَالَ: غَرِّبْهَا، قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسِي، قَالَ: فَاسْتَمْتِعْ بِهَا.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، والْبَزَّارُ، ورِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بِلَفْظ: قَالَ: طَلِّقْهَا، قَالَ: لَا أَصْبِرُ عَنْهَا، قَالَ: فَأَمْسِكْهَا.

1111- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، ولَم يُدْخِلهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ، وأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ ولَدَهُ -وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ- احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ، وفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ، الْأَوَّلِينَ والْآخِرِينَ.

أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ، وابْنُ مَاجَهْ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

1112- وعَنْ عُمَرَ قَالَ: "مَنْ أَقَرَّ بِوَلَده طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ".

أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وهُوَ حَسَنٌ مَوْقُوفٌ.

1113- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ امْرَأَتِي ولَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ! قَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: هَلْ فِيهَا مَنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنَّى ذَلِكَ؟ قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "وهُوَ يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ"، وقَالَ فِي آخِرِهِ: "ولَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ".

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالملاعنة، واللعان، وجحد الأولاد:

الحديث الأول: أنه ﷺ أمر في وقت اللِّعان أن يضع رجلٌ يده على فم الملاعن عند الخامسة، وقال: إنها موجبة، هذا فيه تحذيرٌ من الاستمرار في اللِّعان، وتخويف الملاعن؛ لأنَّه قد يكون كاذبًا فيستحق اللَّعنة، وأَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:7]، فينبغي عند الخامسة أن يُوقف، ويُحذَّر، لعله يرجع إن كان كاذبًا؛ لأنها موجبة، لأنه يقول في الخامسة: أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ففي هذا التَّحذير من الكذب باللِّعان، ورمي البريئة بما حرَّم الله.

وفي حديث سهل بن سعدٍ : أنه لما فرغ المتلاعنان قال الزوجُ: كذبتُ عليها يا رسول الله إن أمسكتُها، يحسب أنَّ له إمساكًا، يقول: إن أمسكتُها فهذا دليلٌ على أني أكذب عليها، ثم طلَّقها ثلاثًا، فدلَّ ذلك على أن الملاعنة لا يلحقها طلاقٌ؛ ولهذا قال له النبيُّ ﷺ: لا سبيلَ لك عليها، وهي مُحرَّمة تحريمًا مُؤبَّدًا، فطلاقه هذا ظنًّا منه أنَّ الطلاق يلحقها، ولا يلحقها الطلاق، ولهذا لم يقل له النبيُّ ﷺ في هذا شيئًا؛ لأنَّ الطلاق الآخر لا قيمةَ له بعد ثبوت التَّلاعن؛ لأنها بهذا تكون بائنةً بينونةً كبرى، لا يلحقها طلاقٌ ولا غيره.

وفي الحديث الآخر الدّلالة على أنَّ مَن ألحقت بقومٍ ولدًا ليس منهم فقد تعرَّضَتْ لغضب الله وعقابه، فالواجب الحذر، وهكذا الرجل يحذر أن يجحد ولده وهو ينظر إليه، وفي هذا الوعيد الشديد، فالواجب على المرأة أن تتَّقي الله، وأن لا تُلحق بزوجها أو غيره مَن ليس منه، وأن تصون فرجَها، وهكذا الرجل يجب عليه ألا يجحد ولده، وأن يحذر إنكاره لأسبابٍ لا تسوغ له ذلك، ولهذا في حديث عمر: "مَن أقرَّ بولدٍ طرفة عينٍ فهو ولده، لم يجز له أن ينتفي منه"، والأنساب يجب حفظها، والحذر من إضاعتها.

والحديث الأخير: أنَّ رجلًا رأى امرأته ولدت غلامًا أسود، يعني: يُخالف لونه ولونها، فجاء يسأل النبيَّ ﷺ عنه، قال: يا رسول الله، إنَّ امرأتي ولدت غلامًا أسود، يعني: وهو ليس بأسود، وهي ليست بسوداء، وهو يعرض بأن ينفيه، فقال له النبيُّ ﷺ: هل لك من إبلٍ؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: فهل فيها من أورق؟ يعني: أسود يُخالف لونها، قال: نعم، قال: فأنى أتى ذلك؟ قال: لعله نزعه عرق، فقال: لعلَّ ابنك هذا نزعه عرق، لعله جاء على خالٍ، أو جدٍّ بعيدٍ، أو عمٍّ، أو ما أشبه ذلك، فهذا فيه أنَّ اللون لا يُوجب اللِّعان، ولا يُجيز تهمتها بالزنا، فالولد قد يأتي على غير صورة أبيه، وعلى غير صورة أمه، بل على شبهٍ آخر بعيدٍ من عمٍّ، أو خالٍ، أو جدٍّ بعيدٍ؛ ولهذا قال: لعله نزعه عرق، ولم يُرخص له في الانتفاء منه، فكون الولد يأتي على غير شكل أبيه وأمه ويُخالفهما لا يُجَوِّز للزوج أن يُلاعن من أجل هذا، أو يتَّهمها بالفجور وهي بريئة.

وحديث ابن عباسٍ كذلك: أن رجلًا جاء إلى النبي ﷺ، وسأله فقال: إن امرأتي لا ترد يدَ لامسٍ، فقال: غرِّبها، قال: أخاف أن تتبعها نفسي، وفي اللفظ الآخر قال: طلِّقْهَا، قال: لا أصبر عنها، قال: فأمسكها.

الحديث هذا فيه إشكال، وابنُ القيم رحمه الله وجماعة تأوَّلوه على أنَّ المراد أنها متساهلة وقت إباحة السفور، وأنها كانت تشاهد بمصافحة الرجال، أو معانقة الرجال، أو ما أشبه ذلك، ولهذا قال النبي ﷺ: غرِّبها، طلِّقْها؛ لأنها حينئذٍ متَّهمة، فينبغي تغريبها، وعدم إمساكها، فقال له: أخاف أن تتبعها نفسي، قال: أمسكها، وفي اللفظ الآخر: أمسكها.

هذا يدل على أنه إذا كان عندها تساهل ينبغي تغريبها، ينبغي طلاقها؛ لأنها لا تُؤْمَن، لكن إذا كان له تعلُّق بها، وقلَّة صبر، ويخشى أن تتبعها نفسه، فينبغي له أن يُعالج الموضوع، وأن يُجاهدها بمنعها من تعاطي التَّساهل.

أما النَّسائي رحمه الله فذكر أنَّ الحديث لا يصحّ، وإن كان رجاله ثقات، ذكر أنَّ الصواب إرساله، وأنه إنما يُحفظ عن عبدالله بن عبيد بن عمير، ولا يصح عن النبي ﷺ.

وقول النَّسائي في هذا قويٌّ رحمه الله، لكن لو صحَّ يُحمل على أنها عندها تساهل، فالسنة في مثل هذا إبعادها وتطليقها؛ لئلا يجرَّه هذا التَّساهل إلى الوقوع فيما حرَّم الله، لكن إن كانت عنده شدَّة تعلُّق بها، ويخشى أن تتبعها نفسه، فليُمسكها مع علاجها ومنعها وملاحظتها، حتى تتوب من عملها السيئ -نسأل الله العافية.

 

الأسئلة:

س: ..... رأيكم فيه؟

ج: نعم؟

س: ..... وتطليقها مثل هذه يجب؟

ج: إذا كان ما هناك دلالة على وقوع الزنا، وإلا ما يجوز، الله جلَّ وعلا أمر بنكاح المحصنات، وحذَّر من غير المحصنات، حتى من الكافرات، لا بد أن تكون محصنةً، قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:25]، وأباح المحصنات، وحرَّم غير المحصنات، فلا يجوز نكاح غير المحصنات، لكن إن كان شيء من التَّساهل ما يدل على الزنا، إنما بعض النساء عندها جرأة على الكلام مع الرجال، والتساهل، وأنه ..... على زوجها أن يمنعها من هذا، ويكون قويًّا عليها، فإن تيسر امتناعها، وإلا فارقها، هذا المشروع: البُعد عنها؛ لئلا تقع فيما حرَّم الله.

س: إذا لم يكن عنده مالٌ، ويريد الخلع، قال: لا أُطلِّقها حتى تأتي بالمال، حتى أتزوَّج أخرى، ليس عندي مال، ما رأيكم فيه؟

ج: الذي يظهر لي وجوب المخالفة منها، وجوب الطلاق في مثل هذا؛ لأنَّ النساء .....، ولو ما خالعته بعدها، هو الذي ينبغي له لو صحَّ الحديث، وفي صحَّته نظر مثلما قال النَّسائي رحمه الله، النَّسائي صوَّب عدم صحَّته رحمه الله.

س: أمر رجلًا أن يضع يدَه على فيه، حتى المرأة كذلك؟

ج: لا، هذا الرجل، والمرأة تُنْصَح، ولا تضع يدها على فيها، ولكن تُنصح من باب النَّصيحة.

س: الذي يضع اليد رجلٌ آخر؟

ج: نعم، إما القاضي، أو غير القاضي، أو بعض الحاضرين.

س: عندنا في الحاشية: وقد ضعَّف الحديثَ أحمدُ بن حنبل، والنَّسائي، وابن الجوزي.

ج: يمكن، المقصود أن النَّسائي ضعَّفه رحمه الله.

س: مَن طلَّق طلقتين أو ثلاثًا في مجلسٍ واحدٍ، هل يُقال: مبتدع، آثم، أو مُبتدع فقط؟

ج: السنة أن يُطلِّق واحدةً، أما التطليق بالثلاث فلا يجوز، الرسول ﷺ نهى عنه وزجر عنه، وإن طلَّق طلقتين فلا بأس، ولكن الزجر عن الثلاث.

س: يكون آثمًا؟

ج: يأثم.

س: "إنها مُوجبة" ما المقصود بها؟

ج: الموجب اللَّعن -نسأل الله العافية.