الشروط الواجب توافرها في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر

وأما ما يتعلق بالقدوة والعدالة في الأمر والنهي فلا شك أن العدالة أمر مطلوب في الأمر والنهي، ولا شك أن القدوة أمر مطلوب في الأمر والنهي، يجب على ولاة الأمور أن يختاروا لهذه الأمور من خيار الناس في أعمالهم وأقوالهم، حتى لا يسيئ بهم الظن الناس، وحتى لا يتهاونوا بأمرهم ونهيهم إذا رأوا منهم التقصير وما يقدح في العدالة، فينبغي أن يختار لهذا الأمر من هو من خيرة الناس ومن أكمل الناس، ولا يشترط أن يكون معصومًا، ليسوا الناس معصومين إلا الرسل فيما يبلغونه عن الله عليهم الصلاة والسلام، لكن والي الأمر يختار لهذا خيرة الناس حسب الإمكان، وأكثر الناس اعتدالًا بحسب الإمكان؛ لأن هذا أجدى في الموضوع، وأقرب إلى التأثير، وأبعد عن احتقار الناس للآمر والناهي.

ولكن إذا تغيرت الأحوال وساءت الأمور وغلبت المعاصي وكثر الشر اختير الأمثل فالأمثل، اختير من العصاة الأمثل فالأمثل، ومن الفساق الأمثل فالأمثل في كل شيء فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، في كل شيء في القضاء وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وغير هذا من الأمور يختار الأفضل فالأفضل، والأتقى لله، وإن كان عنده شيء من الذنوب، وشيء من التقصير.

ولا ريب أيضًا أن القدوة لها شأن عظيم، فإذا كان الداعي والآمر يسابق إلى الخيرات ويسارع إلى الطاعات كان أثره في الناس أكثر وأنفع وأكمل حتى في أولاده وفي أهل بيته، فأما إذا كان يأمر ويتأخر ساء ظن الناس فيه، وقل الانتفاع به، وصار يوم القيامة عرضة للنار -نعوذ بالله-، كما سمعتم في حديث أسامة أنه يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، يعني: أمعاءه، فيدور في النار كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار ويسألونه مالك يا فلان؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: بلى، ولكنني كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه، فافتضح والعياذ بالله فضح يوم القيامة بين أهل النار -نعوذ بالله، نسأل العافية-، فلا شك أن القدوة لها شأن عظيم، فالواجب على الآمر والناهي أن يتقي الله ما استطاع، وأن يكون من أسبق الناس إلى ما يدعو إليه، وأن يكون من أبعد الناس عما ينهى عنه.