13- من حديث (سبيعة الأسلميةَ، نفست بعد وفاة زوجها بليال، فجاءت النبي ﷺ فاستأذنته أن تنكح)

بَابُ الْعِدَّةِ والْإِحْدَادِ والاستبراء وغير ذلك

1114- عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نُفِسَتْ بَعْدَ وفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَجَاءَت النَّبِيَّ ﷺ، فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ، فَأَذِنَ لَهَا، فَنَكَحَتْ.

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَصْلُهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ".

وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ وفَاةِ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً.

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: ولَا أَرَى بَأْسًا أَنْ تَزَوَّجَ وهِيَ فِي دَمِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حتَّى تَطْهُرَ.

1115- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "أُمِرَتْ بَرِيرَةُ أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ".

رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، ورُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ.

1116- وعَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا: لَيْسَ لَهَا سُكْنَى، ولَا نَفَقَةٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث المتعلقة بالعدَّة:

الحديث الأول حديث المسور بن مخرمة: يدل على أنَّ المرأة إذا وضعت الحملَ خرجت من العدَّة، ولها أن تتزوج بعد وضع الحمل، ولو في النِّفاس؛ لأنَّ الله يقول: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، والنبي ﷺ أفتاها بذلك، أفتى سبيعة لما وضعت بأنها قد انتهت، ولها أن تتزوج مَن شاءت، وهذا هو قول جمهور أهل العلم.

وقال بعضُهم: أنها تعتدّ بأطول الأجلين؛ إن مضى أربعة أشهر وعشرًا تعتدُّ بوضع الحمل، وإن وضعت قبل أربعة أشهرٍ تصبر حتى تُكمل أربعة أشهرٍ، وهذا قولٌ ضعيفٌ، ساقطٌ، ليس بشيءٍ، والذي عليه الجمهور وهو كالإجماع أنها تعتدُّ بوضع الحمل؛ لأنَّ الله سبحانه يقول: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، نصٌّ صريحٌ، سواء كانت مطلقةً، أو متوفًّى عنها، وحديث سبيعة يُوافق ذلك.

والحديث الثاني حديث عائشة في قصة بريرة: أن الرسول ﷺ أمرها أن تعتدَّ بثلاث حيض، والحديث صحيحٌ، وقول المؤلف أنه معلولٌ لا وجهَ لما ذكر فيه من العلَّة، وقد راجعنا إسناده، ولا بأس بإسناده، وهكذا البُوصيري صحَّحه، ولم يذكر له علَّةً، وهذا يدل على أنَّ المرأة إذا أعتقت تحت العبد تعتدُّ بثلاث حيضٍ كالطلاق، إذا أعتقت الجاريةُ تحت العبد، واختارت نفسها، فإنها تعتدُّ بثلاث حيضٍ؛ لأنَّ بريرة كانت تحت عبدٍ، فلما أعتقت خيَّرها النبيُّ ﷺ، فاختارت نفسها، وأمرها أن تعتدَّ بثلاث حيضٍ.

وحديث فاطمة بنت قيس القرشية يدل على أنَّ المرأة إذا طُلِّقَتْ ثلاث تطليقات فإنها لا تحلُّ لزوجها إلا بعد زوجٍ، وليس لها نفقة، ولا سُكنى، إنما النَّفقة إذا كان لزوجها الرجعة، كما قال تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا [البقرة:228] يعني: في العِدَّة، إذا كانت طلقةً واحدةً، أو طلقتين، أما إذا كان طلَّقها آخر الثلاث؛ فإنها تبين بينونةً كبرى، وليس لها نفقة، ولا سكنى، ولا تحلُّ له إلا بعد زوجٍ؛ لقوله سبحانه: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، وفاطمة طلَّقها زوجُها آخر الثلاث، وهو أبو عمرو ابن حفص، طلَّقها آخر الثلاث، وكان لها طلقة باقية فطلَّقها إياها وهو في اليمن.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: الإحداد هو لحق الزوج؟

ج: يأتي الإحداد إن شاء الله، اصبر قليلًا، ويأتيك إن شاء الله.

س: سبب تطليق النبي ﷺ لزوجته حفصة بنت عمر ؟

ج: ما أتذكر، يُنظر في صحَّة الرواية، في صحَّته نظر، في صحَّة طلاقه لها نظر، وإذا صحَّ فالأسباب كثيرة بين الزوج وزوجته، ما يحتاج السؤال عنها، يقع بين الزوج والزوجة أشياء، ولو كانت الزوجةُ من خير الناس لكن النَّظر في صحَّة الرواية.

س: هل كِبَرُ السن عذرٌ في الطَّلاق؟

ج: ليس بعذرٍ، قد يحتاج لها، وقد تكون أفضل له من الشباب، ولا سيما إذا كان شيبةً، أسباب الطلاق كثيرة غير كبر السن.

س: هل تجوز تعزية الكفَّار؟

ج: يجوز بغير دعاء للميت، يقول: "جبر الله مصيبتك"، "أحسن الله عزاءك"، وما أشبه ذلك، ولا يُقال: "غفر لميتكم"؛ لأنَّ الميت من الكفَّار ما يُدعا لهم بالمغفرة.

س: المُطلَّقة إذا راجعها وهي حامل قبل أن تضع تُحسب طلقة؟

ج: نعم، تحسب طلقة، إذا طلَّقها طلقةً واحدةً أو طلقتين تُحسب عليه.

س: راجعها قبل الوضع؟

ج: ولو، تُحسب عليه، ويبقى له الباقي، إذا كان ما طلَّق إلا واحدة أو طلقتين يُراجعها، ويبقى لها الباقي، يُراجعها قبل وضع الحمل، طلاق الحامل محسوبٌ عليه.

 

1117- وعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَحِدَّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا، ولَا تَلْبَسْ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، ولَا تَكْتَحِلْ، ولَا تَمَسَّ طِيبًا، إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أو أَظْفَارٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ، والنَّسَائِيِّ مِن الزِّيَادَةِ: وَلَا تَخْتَضِبْ.

وَلِلنَّسَائِيِّ: وَلَا تَمْتَشِطْ.

1118- وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَعَلْتُ عَلَى عَيْنِي صَبْرًا بَعْدَ أَنْ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّهُ يَشِبُّ الْوَجْهَ، فَلَا تَجْعَلِيهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ، وانْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ، ولَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ، ولَا بِالْحِنَّاءِ، فَإِنَّهُ خِضَابٌ، قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ؟ قَالَ: بِالسِّدْرِ.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ، وإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

1119– وعَنْهَا رضي الله عنها: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَتِي مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، أَفَنَكْحُلُهَا؟ قَالَ: لَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1120- وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: طُلِّقَتْ خَالَتِي، فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَتَت النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: بَلْ جُدِّي نَخْلَكِ، فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي، أو تَفْعَلِي مَعْرُوفًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.

أما بعد: فهذه بعض الأحاديث المتعلقة بالعدَّة والإحداد:

وفيها حديث أم عطية رضي الله عنها، وهي نسيبة الأنصارية رضي الله عنها: أن النبي ﷺ قال: لا تحدّ امرأة على ميتٍ فوق ثلاثٍ، إلا على زوجٍ أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصفر، ولا تكتحل، ولا تمسّ طيبًا إلا إذا طهرت، نبذة من قسطٍ أو أظفارٍ، هذا يدل على أن المرأة ليس لها إحدادٌ على أقاربها: كالأب، والعم، والأم، والأخ، ونحوهم إلا ثلاثة أيام فقط، لا بأس أن تحدَّ على أقاربها ثلاثة أيام، ترك الزينة، والطيب، ونحو ذلك ثلاثة أيام فأقل، أما ما زاد على ذلك فلا يجوز إلا في حقِّ المرأة على زوجها، فإنها تحدّ أربعة أشهر وعشرًا كما قال الله جلَّ وعلا: والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ويَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا [البقرة:234] يعني: جميع أيام العدَّة تحدّ عليه.

وبيَّن النبي ﷺ ما هو الإحداد: ألا تلبس ثوبًا مصبوغًا يعني: ثوب زينةٍ، أما صبغ العصفر الذي ما ..... وهو جميل فلا بأس، إن كانت الثياب مصبوغةً، لكن من جنس العصفر، صبغ ما يكون فيه جمال، فالثياب المصبوغة لكن ليس صبغها من باب الجمال لا بأس أن تلبسها.

ولا تكتحل لأنَّ الكحل يُجمل الوجه، ولا تمسّ طيبًا إلا إذا طهرت -من حيضها- نبذة من قسط أو أظفار إذا طهرت من الحيض تستعمل الطيب لأجل إزالة بقية آثار الحيض، هذا في حقِّ المحاداة التي مات عنها زوجُها.

وفي رواية أبي داود والنَّسائي: ولا تمسّ طيبًا –تختضب- ولا تمتشط يعني: بمشاط عليه طيب، مثل الذي تكون فيه رائحة الطيب، فلا تمتشط به، ولا تختضب بالحناء، ولا تمتشط بالحناء، ولكن بالسدر كما في الحديث الآخر.

وفيه أيضًا أنها لا تكتحل، وأنَّ الصبر إذا دعت الحاجة إلى الدواء يُجعل في الليل، دواء العين يُجعل في الليل، ويمسح بالنهار، إذا كان يحصل له أثرٌ في العين، يشبّ الوجه، إذا كان يُزَيِّن يُجعل في الليل، ويمسح في النهار لعلاج العينين، ولهذا لما قالت امرأةٌ: يا رسول الله، إنَّ ابنتي اشتكت عينها، أفنكحلها؟ قال: لا، فدلَّ ذلك على أنها لا تكتحل بكحل الزينة، أما كونها تُداويها بالدواء الذي ما هو بكحلٍ فلا بأس، كما قال النبيُّ ﷺ لأم سلمة: اجعليه في الليل، وانزعيه في النهار يعني: الصبر؛ لأنه يشب الوجه: أي يُجمل الوجه ويُنوِّره، فاستعمال الدواء للعينين الذي ليس فيه زينة فليس به بأس، أما الكحل الذي يجمل العين فلا تستعمله المحاداة.

أما المطلَّقة فليست مثل الحادَّة، فلا بأس أن تستعمل الكحل، ولا بأس أن تستعمل الطيب، ولا بأس أن تخرج لحاجاتها، كما قال جابر عن خالته ..... تخرج لنخلها، لحاجة نخلها، ولو كانت في العدَّة، لكن لا تخرج في حياة زوجها إذا كانت عنده في البيت إلا بإذنه، أما إذا كانت عند أهلها فلها الخروج لحاجاتها، ولو كانت في العدَّة، فما هي مثل المتوفَّى عنها زوجها، تخرج لحاجاتها، وتتطيب، وتلبس الجميل من الثياب، لا بأس، إنما هذا في حقِّ الحادة، أما المطلقة فليس لها حكم الحادَّة.

والحادة لها أن تخرج أيضًا لحاجاتها، كأن تشتري حاجتها من السوق، تخرج للمُستشفى، للمحكمة، لا بأس أن تخرج لحاجاتها، لكن يكون سكنها وإقامتها في البيت الذي مات فيه زوجُها، كما يأتي في حديث فريعة إن شاء الله، الحديث الذي بعد هذا إن شاء الله يأتي مع أحكام الخروج، في حديث فريعة.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: جَعَلْتُ عَلَى عَيْنِي صَبْرًا؟

ج: ..... أنت تعرف الصبر، معروف الصبر؟

س: المُطلَّقة الرجعية هل تبقى في بيت أهلها؟

ج: لا، تبقى في بيت زوجها، لا تخرج إلا بإذنه.

س: هل عليها إحدادٌ؟

ج: لا، ما عليها إحداد، لكن تبقى في بيت زوجها؛ لأنها زوجته، لا تخرج إلا بإذنه، وليس له إخراجها، وله جماعها.

س: إذا مات عنها زوجُها؟

ج: عليها الحداد؛ لأنها زوجته، إلا إذا طلَّقها الطلقة الثالثة، صارت بائنة .....

س: إذا كان ما في أحد يعولها هل يجوز أن تخرج لحاجتها؟

ج: إذا دعت الحاجةُ لا بأس، إذا دعت الحاجةُ للخروج من البيت، أو ما عندها مَن يُؤنسها، خطر، أو ما عندها مَن يُنْفق عليها؛ تنقل إلى أهلها ليُنْفِقوا عليها، لا بأس، إذا دعت الضَّرورة فلا بأس، تخرج من البيت.

س: تخرج وتعمل؟

ج: يأتي البحث في هذا إن شاء الله في حديث فريعة في الدرس الآتي.

س: بعض النساء اعتادت على لبس الأسود عند الحداد؟

ج: لا، ما هو بلازمٍ، أي لبس تلبسه إذا كان ما هو بجميلٍ: أسود، أو أحمر، أو أصفر، المهم ما يكون صبغه جميلًا.

س: خروج المرأة للصلاة على زوجها؟

ج: ما فيه بأس، تخرج لحاجتها، هذا من حاجتها.

 

1121- وعَنْ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ: أَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ، فَقَتَلُوهُ، قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رسول الله ﷺ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي؛ فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْ لِي مَسْكَنًا يَمْلِكُهُ، ولَا نَفَقَةً، فَقَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ نَادَانِي فَقَالَ: امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا، قَالَتْ: فَقَضَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عُثْمَانُ.

أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، والْأَرْبَعَةُ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، والذُّهْلِيُّ، وابْنُ حِبَّانَ، والْحَاكِمُ، وغَيْرُهُمْ.

1122- وعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: قلتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلَاثًا، وأَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ"، فَأَمَرَهَا، فَتَحَوَّلَتْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1123- وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: "لَا تُلْبِسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا، عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا".

رَوَاهُ أَحْمَدُ، وأَبُو دَاوُدَ، وابْنُ مَاجَهْ، وصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالِانْقِطَاعِ.

1124- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "إِنَّمَا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ".

أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي قِصَّةٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بعدَّة المتوفى عنها، وأين تسكن.

فدلَّ القرآنُ الكريم على أن عدَّتها أربعة أشهر وعشرًا، المتوفى عنها، إلا أن تكون حاملًا فعدَّتها وضع الحمل كما قال الله جلَّ وعلا: والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ويَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا [البقرة:234]، ويقول جلَّ وعلا: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4].

وفي حديث فريعة الدلالة على أنها تمكث في بيتها الذي مات زوجُها وهي ساكنةٌ فيه؛ لأنَّ الرسول ﷺ قال: ابقي في بيتك حتى يبلغ الكتابُ أجلَه، فمكثت فيه حتى انتهت، وقضى به عثمانُ ، هذا هو الواجب، والحديث صحيحٌ.

فالواجب على المتوفَّى عنها البقاء في البيت الذي مات زوجُها وهي ساكنةٌ فيه، إذا تيسَّر ذلك، أما إذا ما تيسر بأن كان البيتُ مُستأجرًا وانتهت مدَّته، أو تخاف وليس عندها مَن يُؤنسها وتخاف، أو ما أشبه ذلك، أو تهدم البيت، تخرج للضَّرورة، وإلا فالأصل بقاؤها في البيت حتى تكمل العدَّة المتوفِّي عنها؛ لهذا الحديث: حديث فريعة رضي الله عنها.

وحديث فاطمة بنت قيس في المطلَّقة: جاء في الحديث أنها طُلِّقَتْ آخر الثلاث، كان زوجُها في اليمن، وأرسل لها بالطلقة الأخيرة، فكانت تخاف من بيتها، فأمرها أن تعتدَّ عند ابن أم مكتوم، أولًا أمرها أن تعتدَّ عند أم شريك، ثم قال: تلك امرأةٌ يغشاها أصحابي، اعتدِّي عند ابن أم مكتوم؛ فإنه رجلٌ أعمى، تضعين ثيابك فلا يراكِ، فاعتدت عند ابن أم مكتوم رضي الله عنها.

فدلَّ ذلك على أنَّ المطلقة لا يلزمها الاعتداد في بيت الزوج، ولا في البيت الذي طُلِّقَتْ فيه، تعتدُّ حيث شاءت، ولا سيما البائن، أما الرجعية فتبقى عند زوجها لا يُخرجها؛ لأنه قد يمنّ الله عليه، ويشرح الله صدره لمراجعتها، إذا كانت طلقةً واحدةً أو ثنتين تبقى في البيت؛ لأنَّ الله قال: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ولَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق:1]، هذه المطلَّقة التي ليست بائنةً، ولهذا قال جلَّ وعلا: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وأَحْصُوا الْعِدَّةَ واتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ [الطلاق:1].

فالمطلَّقة لعدَّةٍ -وهي المطلَّقة واحدة أو ثنتين- تبقى عند زوجها؛ لعلَّ الله يشرح صدره لمراجعتها حتى تنتهي، أما البائن فهي تنتقل؛ لأنها ليست زوجةً، تنتقل إلى أهلها، أو إلى مكانٍ آخر، كما انتقلت فاطمةُ بنت قيسٍ إلى بيت ابن أم مكتوم.

وفي حديث فاطمة الدلالة على أنَّ الأعمى لا يُحتجب عنه، ولهذا قال: اعتدِّي عند ابن أم مكتوم؛ فإنه رجلٌ أعمى، تضعين عندك ثيابك فلا يراكِ، فدلَّ على أنَّ الأعمى لا يُحتجب عنه.

ومن هذا قوله ﷺ: إنما الاستئذان من أجل البصر، فالذي لا يُبْصِر لا حجابَ عنه، أما حديث أوعمياوان أنتما؟ في قصة أم سلمة فهذا حديثٌ ضعيفٌ.

والحديث الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت عن الإقراء فقالت: "إنها الأطهار"، في قوله تعالى: ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] ذهب جماعةٌ إلى أنها الأطهار كما قالت عائشة، وجماعة -منهم مالك رحمه الله والشافعي وجماعة- قالوا: إنها الأطهار.

فإذا طُلِّقت المرأة في الطُّهر الذي طُلِّقَتْ فيه تُحتسب واحدة، ثم الطهر الثاني بعد الحيضة الأولى تحتسب الثانية، ثم الطّهر الذي بعد الحيضة الثانية، فإذا طعنت في الحيضة الثالثة تمَّت العدَّة، هذا قولٌ، إذا طعنت في الحيضة الثالثة تمَّ لها ثلاثة أطهارٍ، وهذا قول جماعةٍ من أهل العلم، منهم مالك رحمه الله وجماعة.

والقول الثاني: أنَّ الأطهار هي الحيض؛ لقوله جلَّ وعلا: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، هذا القول يُروى عن الصديق ، وعن عمر، وعثمان، وعلي، وجماعة من الصحابة؛ أن المراد بالقروء الحيض، وقاله جمعٌ آخرون من الصحابة، وجمعٌ من أهل العلم، وهذا هو الصواب.

فالصواب والراجح من الأقراء هو الحيض، فإذا انتهت من الحيضة الثالثة واغتسلت تمَّت وبانت من زوجها بينونةً صغرى، إذا كانت لم تُطلَّق آخر الثلاث، بل طلقة واحدة أو اثنتين، بخروجها من العدَّة تبين بينونةً صغرى، ما تحل له إلا بعقدٍ جديدٍ، أما قبل انقضاء العدَّة فله مُراجعتُها، أما إن كانت طُلِّقت في آخر ثلاثٍ فإنها في إكمال العدَّة في الحيضة الثالثة، و..... منها تكون بانت منه بينونةً كبرى، ولا تحلّ له، لكن تحلّ لزوجٍ غيره، الانتهاء بعد الانتهاء من الحيضة الثالثة وغسلها، يحلّ لها أن تتزوج بعد، أما أن يُطلِّقها ..... قد بانت بينونةً كبرى، وحرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره؛ لقوله سبحانه: فَإِنْ طَلَّقَهَا يعني: الثالثة فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا يعني: الزوج الثاني فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا [البقرة:230] يعني: بعد أن يذوق عسيلتها، بعد الدخول بها.

والخلاصة: أن القروء في الآية هي الحيض على الصحيح، وأنها لا تخرج من العدَّة إلا بمرور ثلاث حيض، وتغتسل من الحيضة الثالثة.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: عدَّة أم الولد؟

ج: أم الولد ذكرها أيضًا استطرادًا، حديث عمرو بن العاص غير صحيحٍ، تعتدُّ أولًا حيضة واحدة كالجارية، عدَّتها حيضتان ..... إذا كانت مسبيةً أو مبيعة حيضة واحدة، أما إذا كانت مطلَّقة فعدَّتها حيضتان، هذا هو الصواب.

س: حكم المكوث في بيت الزوج الذي طلَّقها طلقة أو طلقتين؟

ج: تبقى عند زوجها لعله يُراجعها؛ لأنَّ الله قال: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ولَا يَخْرُجْنَ [الطلاق:1].

س: حكم هذا المكوث؟

ج: واجب.

س: زوجي طلَّقني ثلاثًا دفعةً واحدةً؟

ج: لا، طلّقها في روايةٍ أخرى: طلَّقني آخر الثلاث.

س: سكن الزوج هل هو السكن الأصلي؟

ج: .....

س: حتى لو كان توفِّي مثلًا في الرياض، والسكن في جدَّة؟

ج: ..... ساكن في جدَّة، ونقلوه للمُستشفى للعلاج، تقرّ في بيتها.

س: في بيتها في جدَّة؟

ج: في جدة، أو في الشام، أو في اليمن.

س: ثمرة الخلاف سواء قلنا: الأطهار، أو الحيض؟

ج: ثمرة الخلاف: أنها إذا كانت الأطهار تطهر بمضي حيضتين، والطهر من بعد الحيضة الثانية، إذا طعنت في الحيضة الثالثة تمَّت الأطهارُ الثلاثة، وإذا قلنا: حيض، بقيت في عدَّةٍ حتى تطهر من الحيضة الثالثة، الحيضة الثالثة هي محل النِّزاع.

س: مَن طُلِّقت ثلاثًا يجب عليها البقاء في بيت زوجها؟

ج: إذا كانت آخر طلقةٍ لا، ما تبقى عنده؛ لأنها ما لها رجعة، أما إذا كانت ..... آخر واحدٍ، هذا على خلافٍ بين العلماء، مُحرَّمة عليه، لا تبقى عنده، ومن .....

س: ..... من حديث جواز الخلوة بلا .....؟

ج: لا، ما يُشرع، لكن فقط لها أن تكشف، لها أن لا تحتجب، والخلوة لا، لا للأعمى، ولا لغير الأعمى.

س: مَن قال لها: طالق، ثم قالت: أريد التأكيد، تُحسب ثلاثًا؟

ج: "ثم" ما يكون تأكيدًا، تُحسب عليه، لكن "ثم" ما هي من التأكيد، "ثم" للاستئناف.

س: حديث عمرو بن العاص ما يصحّ؟

ج: ما يصح، لا.

س: المُطلَّقة حيضتان -أم الولد- يدل على هذا، سواء كانت مطلقةً أو مسبِيَّةً؟

ج: احتجَّ العلماء على هذا بقول ..... على المحصنة النِّصف، والحيضتان ما تنصف، فكملت.

س: لو ما صرَّح، لو سأله شخصٌ قال: كيف عيالك؟ قال: تركناهم، أو من هذا القبيل؟

ج: على نيته، إن أراد الطلاقَ فهو طلاقٌ، وإن كان ما أراد إلا الخبر: تركناهم لكذا، وإلا كذا، ما يقع الطلاقُ، الأعمال بالنيات.