عظم منزلة القلب على سائر الجوارح

والقلب هو الأساس، وهو المحور لهذا الإنسان وصلاحه وفساده، فإن صلح القلب استقامت هذه الجوارح وسلمت، وإن خبث القلب تبعته الجوارح، يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب، وفي صحيح مسلم رحمه الله عن النبي ﷺ أنه قال: إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، وفي اللفظ الآخر: ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، هكذا رواه مسلم رحمه الله.

فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن ربنا ينظر إلى القلوب والأعمال، والأعمال تابعة للقلوب، أما الأموال والصور فلا قيمة لها في نظر الله ، وإنما النظر والاعتبار بهذا القلب والعمل فإن صلح قلبك وصلح عملك أفلحت كل الفلاح، وأن خبث القلب وخبث العمل هلكت كل الهلاك، ولن تنفعك أموالك، ولا أولادك، ولا قوتك، ولو كنت أقوى من الجبال فلن تنجو من عذاب الله، وأنت صغير حقير بالنسبة إلى قدرة الله ، ولن تنفعك أموالك، ولو ملكت الدنيا كلها فلن تنفعك تلك الأموال التي ضيعتها في سبيل الشيطان أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [الأنفال:28]، ويقول سبحانه: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا [سبأ:37] الآية، فالمال والبدن إن استعملا في الخير نفعا صاحبهما، إن استعمل قوته وجماله ونشاطه وماله الكثير في طاعة الله فنعم المال ونعم البدن، وإن استعمل ذلك في معاصي الله فما أضره من ماله وما أضره من بدن وقوة.

قارون كما سمعتم في القرآن عنده مال كثير وعظيم شغل به عن الله وعن طاعة أنبيائه وبغى في الأرض وطغى وشغل بالشهوات والحظ العاجل فماذا صار عليه؟ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ [القصص:81]، لا انتصر، ولا نصر، فصار إلى الخسف في الأرض، ثم إلى النار بعد ذلك، هذه حال من بغى وطغى وشغل بالمال والشهوات.