2- من حديث (لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو)

1278- وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1279- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ السَّعْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْعَدُوُّ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

1280- وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وفيه: وأصاب يومئذٍ جويرية.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بالجهاد، وتقدم أنَّ الجهاد فرضٌ عظيمٌ مع القُدرة، وأنه يكون دفاعًا، ويكون طلبًا، فالدفاع يجب على كل أحدٍ، وأما الطلب فيجب باستنفار الإمام، إذا استنفر الإمامُ الناسَ، أو حضر الصّفين وجب عليه الجهاد، وإلا فهو في حقِّه تطوع، ولهذا يقول ﷺ: وإذا استُنفرتم فانفروا، والله توعَّد مَن حضر الجهاد ثم نكص على عقبيه.

يقول ﷺ: مَن قاتل لتكون كلمةُ الله هي العُليا فهو في سبيل الله، فالناس في الجهاد تختلف نيّاتهم، قيل: يا رسول الله، الرجل يُقاتل شجاعةً، ويُقاتل حميةً، ويُقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فأجاب بقوله ﷺ: مَن قاتل لتكون كلمةُ الله هي العليا فهو في سبيل الله، بعض الناس قد يُقاتل حميةً لقومه، ما هو لله، وبعض الناس يُقاتل ليُرى مكانه، وأنه شجاعٌ، وبعض الناس يُقاتل رياءً ليُمدح، هؤلاء ليسوا في سبيل الله، بل في سبيل الشيطان، وإنما يكون في سبيل الله مَن قاتل لتكون كلمةُ الله هي العليا، يُقاتل لينصر دين الله.

وإنما يكون في سبيل الله مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، يُقاتل لينصر دين الله، ويحمي شريعة الله، ويُدافع عن المسلمين، هذا هو المقاتل في سبيل الله.

والحديث الثاني: يقول ﷺ: لا تنقطع الهجرةُ ما قُوتل العدو، وفي اللفظ الآخر: لا تنقطع الهجرةُ حتى تنقطع التوبةُ، ولا تنقطع التوبةُ حتى تطلع الشمسُ من مغربها، فالهجرة باقية ما دام العدو باقيًا، فإذا كان في بلدٍ لا يستطيع إظهار دينه وجبت عليه الهجرةُ إذا استطاع، أما إذا لم يستطع فالله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وقد هاجر المسلمون من مكة إلى الحبشة لما ضيَّق عليهم الكفَّار، وعجز آخرون فعذرهم الله.

فمَن استطاع الهجرة هاجر، ومَن لم يستطع فهو معذورٌ، وإذا استطاع الهجرة إلى بلد كافرةٍ لكنها أقل شرًّا من البلاد الأخرى فلا بأس، أما إذا فُتحت البلد وصارت بلد إسلامٍ فلا هجرةَ بعد ذلك كما تقدَّم.

فالحاصل أنَّ الهجرة تجب بأحد أمرين: تجب بالعجز عن إظهار الدِّين، وتجب أيضًا إذا خاف على نفسه أن يُضلوه، أما إذا كان لا يخاف على نفسه، ويستطيع إظهار الدِّين فالحمد لله.

والشرط الآخر: وهو القُدرة: إذا كان يقدر، أما إذا كان ما يقدر: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، عليه أن يبقى حتى يجد فرصةً، حتى يجد إمكانًا للهجرة بأي طريقةٍ.

والحديث الثالث حديث ابن عمر: أن النبي ﷺ أغار على بني المصطلق وهم غارّون –يعني: على غِرَّةٍ- فقتل مُقاتلتهم، وسبى ذريتهم، وكانوا قد دُعوا قبل ذلك وأُنذروا فأصرُّوا على الكفر والضلال وأبوا ولم يستجيبوا، فدلَّ ذلك على أنَّ مَن بُلِّغ الدَّعوة وأُرشد وأبى وامتنع يجوز أن يُغار عليه وهو غارٌّ؛ لأنه حينئذٍ قد أصرَّ على الكفر والضَّلال، وإن كُررت الدَّعوة له فهو أفضل إذا رأى وليُّ الأمر ذلك، كما فعل النبيُّ ﷺ مع أهل خيبر؛ كرر عليهم الدَّعوة: دعاهم، ثم دعاهم، ثم دعاهم، ثم أغار عليهم، فلولي الأمر أن ينظر الأصلح: إن رأى تكرار الدَّعوة كررها، وإن رأى الإغارة عليهم وهم غارُّون أغار عليهم بعد الدَّعوة الأولى.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: حديث عبدالله بن السعدي يُعارض حديث لا هجرة بعد الفتح؟

ج: لا، ما في معارضة يا ولدي، هذا إذا فُتحت البلاد، ما في هجرة بعد البلد التي فُتحت، مثل مكة لما فُتحت انتهت الهجرةُ منها، أما البلد التي فيها العدو يُهاجَر منها، فهذه حال، وهذه حال.

س: خاصٌّ بمكة: لا هجرةَ بعد الفتح؟

ج: نعم، وكل بلدٍ مثلها، كل بلد تُفتح مثل مكة سواء.

س: رجلٌ طلب مني دَيْنًا، ولم يكن عندي، ولكن اتَّفقتُ معه على أن نأخذ سيارةً بالتقسيط، ثم نبيعها ويأخذ المبلغ، ثم يقوم هو بتسديد الأقساط، فما حكم ذلك؟

ج: ما فيه شيء، إذا اشترى سيارةً وباعها بتقسيطٍ هو باعها وانتفع بثمنها، فلا بأس، ما في فائدة ولا شيء الحمد لله، التقسيط لصاحبها -لصاحب الحقِّ.

س: باسم الثاني؟

ج: إذا زيد شرى سيارةً بأقساط، ثم باعها على إنسانٍ، والإنسان الذي اشتراها باعها بالنقد لأجل أن يتزوج، أو ليُوفي دينًا، أو ليعمر -يُكمل عمارة- بيته، أو ما أشبه ذلك، ويؤدي الأقساط، ما باعها على الذي باعها عليه، باعها على غيره؛ فلا بأس.

س: الحكم على بلدٍ بأنه مسلم هل هو بالنظر إلى حكومته أو شعبه؟

ج: بظهور الكفر، إذا أظهر الشعبُ الكفرَ فهي بلاد كفر.

س: المُظاهرات والاعتصامات هل هي من الجهاد؟

ج: لا، هذا غلطٌ، هذه فتنة، هذا شرٌّ ما يصلح.

س: إذا عزم على السفر وأدركه وقتُ الصلاة، في مثل هذه الحالة ماذا يصنع؟ يُتم؟

ج: إن صلَّى مع الناس في البلد صلَّى تمامًا، وإن غادر البلد وهو ما صلَّى صلاها قصرًا بعدما يُغادر البلد، خرج مثلًا من الرياض ووصل المطار صلَّاها ثنتين، أو في جدة وصل المطار، أو غيرها غادر البلد، ولو أنه أذّن وهو في البلد، هذا الصواب الذي عليه الجمهور، العبرة بوقت فعله؛ إذا كان وقتُ فعله قد غادر البلد يُصلي ثنتين.

س: المطار يُعتبر سفرًا؟

ج: سفر، غادر البلد.

س: .........؟

ج: يُصلي العشاء في السفر.

س: ما يُصليها بعد المغرب في الحضر؟

ج: لا، ما يُصليها حتى يُغادر البلد.

س: لو صلَّاها تجب عليه إعادتها؟

ج: يُعيدها نعم.

س: هل سُؤر الحمار الإنسي نجس وعرقه؟

ج: الصواب لا، الصواب أنه طاهر: سؤره وعرقه، إذا شرب من إناءٍ ما ينجس، وإذا عرق وأنت فوقه ما يضرّ، النبي عليه الصلاة والسلام كان يركب الحمار عاريًا عليه الصلاة والسلام، ما عليه متاعٌ ولا عليه شيء، لا بد أن يعرق الإنسانُ، وسؤره كذلك؛ لأنه يُبتلى به، مثل الهرَّة.

س: الضَّابط؟

ج: لأنَّ الناس يُبتلون بالحمر، ويُبتلون بالقطط، ويُبتلون بالبغال، فسؤرها طاهر، وعرقها طاهر.

س: المطار هل يجوز القصرُ فيه؟

ج: نعم؛ لأنه خارج البلد، مطار جدة ومطار الرياض خارج البلد.

س: العمل الصالح إذا خالطه في أثناء تأديته رياءٌ هل يُبطله؟

ج: نعم يُبطله.

س: بالنسبة للكلب: إذا كان بال في الإناء هل يُغسل بالتراب أولاهنَّ وأُخراهنَّ؟

ج: سبع .....

س: إذن بال بوله كذلك؟

ج: أعظم من الريق.

1281- وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أو سريةٍ أَوْصَاهُ في خاصَّته بِتَقْوَى اللَّهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدُرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوكَ إِلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ: ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا فَأَخْبِرْهُمْ بأَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ

فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُم الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ عليهم بِاللَّهِ تعالى وَقَاتِلْهُمْ

وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوا أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَفْعَلْ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ; فَإِنَّكُمْ إِنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ، وَإِذَا أَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تَفْعَلْ، بَلْ عَلَى حُكْمِكَ; فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي: أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ تعالى أَمْ لَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

1282- وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.

أما بعد: هذا حديث سليمان بن بُريدة، عن أبيه، ذكر حديث عائشة، محل نظرٍ، يحتاج إلى مُراجعة الطرق، المعروف أنه من حديث بُريدة عن النبي ﷺ، أما زيادة عائشة فمحل نظرٍ، يحتاج إلى مراجعة الطرق.

النبي ﷺ كان إذا أمَّر أميرًا على جيشٍ أو سريةٍ أوصاه في خاصَّته بتقوى الله وبمَن معه من المسلمين خيرًا .. الحديث.

هذا الحديث دلَّ على تنظيم أمر الجهاد والسرايا، وأنه ﷺ كان إذا أمَّر أميرًا على الجيش أو على سريةٍ أوصاه بتقوى الله، وأصاه بمَن معه من المسلمين خيرًا، ثم يقول لهم: اغزوا في سبيل الله، قاتلوا مَن كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدًا، هذا هو الواجب على الغُزاة؛ ألا يغلوا، وألا يقتلوا وليدًا، بل تجب عليهم العناية بهذا الأمر، ولا يقتلوا مَن لا يُقاتل: من شيخٍ كبيرٍ عاجزٍ، أو مريضٍ.

فالمقصود أن يُقاتلوا مَن قاتل، بخلاف مَن كان لا يُحسن القتال، أما مَن قاتل يُقاتل، ولهذا قال: اغزوا ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليدًا يعني: الصغير، والنبي ﷺ نهى عن قتل النِّساء والصبيان في الجهاد؛ لأنهم ليسوا من أهل القتال، لكن لو قاتلوا قُتلوا.

والغلول معناه: الخيانة في الغنيمة، يُخفي شيئًا من الغنيمة يُسمَّى: غلولًا: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161]، والغدر كونه يُعطي العهودَ ويغدر، فلا يجوز الغدر، ولا الغلول، ولا قتل الصبيان والنساء، بل يجب على الغُزاة أن يستعملوا ما شرع الله لهم من قتال المقاتلة، واجتناب النساء والولدان، والحذر من الغلول والغدر؛ لأن الغدر لا يأتي إلا بالشر والبلاء -نسأل الله العافية.

فالواجب على أمراء المسلمين الوفاء بالعهود، والحذر مما حرَّم الله من غلولٍ وغدرٍ وغير ذلك، وهكذا جنود المسلمين يجب عليهم الحذر من ذلك: من الغلول، والغدر، وقتل الصبيان والنساء والشيوخ العاجزين الذين لا يُقاتلون.

وكان يأمرهم أن يدعوا عدوَّهم إلى ثلاثٍ: أولًا دعوتهم إلى الإسلام، يبدأ بالدَّعوة إلى الإسلام، دخوله إلى الإسلام، يدعو الكافر بالدَّعوة إلى الدخول في الإسلام، فإذا دخل في الإسلام يُؤمر بالتَّحول من داره إلى دار المهاجرين إن كان في البادية؛ حتى يكون مع إخوانه المسلمين؛ يُعينهم ويُساعدهم ويُكثر سوادهم.

فإن أبوا الدّخول في الإسلام يُسلِّمون الجزية إن كانوا من أهل الجزية: كاليهود والنَّصارى والمجوس، فالحديث هنا مُطلق، لكن مقيّد بالآية -آية التوبة- فيها أنه كان يأمرهم بالقتال: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]، وهكذا فعل الرسولُ ﷺ مع المجوس، عاملهم معاملة اليهود والنصارى في أخذ الجزية، أما بقية الكفَّار فكان يُقاتلهم، ولا يقبل منهم الجزية، كالعرب، فإنَّ أهل الجزيرة قاتلهم ولم يقبل منهم الجزية، وهكذا الصحابة لما قاتلوا الفرسَ لم يأخذوا منهم الجزية، فالجزية إنما تُؤخذ من أهل الكتاب ومَن أُلحق بهم من المجوس.

فالحديث المطلق هنا محمولٌ على المقيد، والنصوص يُقيد بعضُها بعضًا، قاعدة: النصوص المطلقة من القرآن تُقيد بالمقيدة، والنصوص المطلقة من السنة تُقيد بالمقيدة.

فإن أبوا الدّخول في الإسلام، وأبوا الجزية وهم من أهلها، انتقل معهم إلى الأمر الثالث وهو القتال، وهو قتالهم.

ثم بيَّن لهم ﷺ معاملة أهل الحصون: إذا حاصر أهلَ حصنٍ فأرادوا أن يجعلوا لهم ذمَّة الله وذمَّة نبيه، فلا يجعل لهم ذمَّة الله وذمَّة نبيه، بل يجعل لهم ذمَّته ..... فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمَّة الله، فيقول: لكم ذمَّتي وذمّة أصحابي.

وهكذا إذا أراد أن يُنزلهم على حكم الله، يقول: أنا أُنزلكم على الحكم الذي يظهر لي من الشرع، حكمي وحكم أصحابي؛ لأني قد أُخطئ، قد أغلط، فأنا أُنزلكم على الحكم الذي يظهر له من الشرع؛ ولهذا قال له النبيُّ ﷺ: على حُكمك وحُكم أصحابك؛ لأنَّك لا تدري أتُصيب حكم الله أم لا، يقول: أُنزلكم على حكمي الذي يظهر لي وأستطيع أن أبتّ فيه، حتى لا يقولوا: فعلتَ بنا! وفعلتَ بنا! فيُنزلهم على حكمه وحكم أصحابه الذي يظهر لهم من الشرع المطهر، فإن كان هناك شيء من الشروط التي يُريدها يُبين لهم الشروط التي يُريدها: تنزلون على كذا وكذا وكذا، كما كان النبيُّ ﷺ يُصالح الكفار على شروطٍ معينةٍ، كما صالح اليهود لما عاملهم في خيبر على أنَّ لهم النصف -نصف الثمرة- ويبقون في خيبر .....، وهكذا إذا صالح قومًا يُبين لهم شروط المصالحة التي يتَّفقون عليها؛ إن كانوا من أهل الجزية يتَّفقون على أداء الجزية، وإن كانوا ليسوا من أهل الجزية -كما صالح النبيُّ ﷺ أهل مكة- يُبين لهم الصلح، وأنَّ مدته كذا وكذا: عشر سنين، خمس سنين، وأنهم يفعلون كذا، وهو يفعل كذا، يُبين لهم وجوه الصلح، وشروط الصلح، كما فعل مع أهل مكة، وإن كانوا من أهل الذّمة بيَّن لهم الشروط التي يُريدها، والجزية التي يُريدها؛ حتى يتم الصلحُ بينهم على أمرٍ واضحٍ. وهكذا بإنزال الحكم ..... الذي يظهر له من شرع الله.

وفي حديث كعب بن مالك: أنه كان ﷺ إذا أراد غزوةً ورَّى بغيرها من باب المكيدة للعدو، فإذا أراد غزوةً في الشمال سأل عن الجنوب أو الغرب أو الشرق، كأنه ما يُريد الشمال؛ حتى يبغت العدو، وحتى لا يشعر به العدو، "ورَّى بغيرها" يعني: أظهر شيئًا يستشعر الناسُ الذين يسمعون كلامه أنه يريد الجهة الأخرى، فإذا أراد مثلًا جهة الشمال سأل عن طرقٍ تُؤدي إلى الجنوب، أو إلى الشرق، أو إلى الغرب؛ حتى لا يبلغ العدو أنه أرادهم، فإذا كان قد بلغتهم الدَّعوة جاز أن يُغير عليهم كما سيأتي، وإن كان ما بلغتهم الدَّعوة دعاهم، حاصرهم ودعاهم، فإن أجابوا وإلا قاتلهم.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: الذبح بالمنشار هل من التَّمثيل؟

ج: نعم؟

س: الواحد يذبح بالمنشار الأسير؟

ج: لا، ما يجوز، المنشار تعذيب، الرسول أمر أن تُحدّ السكين، والسكين جيدة تُحدّ أيضًا، ما يجوز التَّعذيب، إذا أراد أن يذبح يذبح بشيءٍ جيدٍ قوي حديد، ليس فيه ما يُعرقل.

س: المراد بأن تُخفروا؟

ج: الخفر: إخفار الذّمة، يعني: يُعطيهم عهودًا ثم يخفرهم، يخونهم وقد أعطاهم العهد، هذا لا يجوز، بل يجب الوفاء بالذِّمة.

س: الفرق بين الجيش والسَّرية؟

ج: الجيش الحملة الكبيرة، يقول النبيُّ ﷺ: خير السرايا أربعمئة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يُغلب اثنا عشر ألف من قلَّةٍ... حديث عن ابن عباسٍ عند أحمد بسندٍ جيدٍ، خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمئة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يُغلب اثنا عشر ألف من قلَّةٍ.

س: رواه من الحديث هذا؟

ج: رواه الإمامُ أحمد بإسنادٍ صحيحٍ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما.

س: هل المُعتزلة كفَّار؟ وهل الأشاعرة كفَّار؟

ج: المعتزلة والجهمية كفار، أما الأشعرية فمحل نظر؛ يعني: هم أوَّلوا بعضَ النصوص، لهم شُبه في تأويل بعض الصفات، وهكذا بعض مَن وقع له التأويل، يعني: لهم شبهة، في تكفيرهم نظر.

س: بالنسبة للنَّهي عن قتل النساء: هل المقصود به المُقاتلات وغير المُقاتلات؟

ج: لا، النساء ما يُقاتلن، أما لو اشتركت مع المقاتلة تُقتل.

س: إذا كان يُقدّ بالمنشار من باب قتل المثل، يعني: هو فعل بهذا الأسير المسلم، فالمسلمون يُريدون أن يقتلوا هذا الأسير الكافر مثلما قتل المُسلم؟

ج: يقول الرسول ﷺ: إذا قتلتُم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتُم فأحسنوا الذّبحة، ما يجوز أن يُعذّب، هكذا رواه مسلم في "الصحيح": إنَّ الله كتب الإحسانَ على كل شيءٍ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، أما القصاص: إن كان إنسانٌ قتل إنسانًا برضِّ الرأس يُرضّ رأسه، قتل إنسانًا بعمودٍ يُقتل بالعمود، قتل إنسانًا بالغرق يُغرق، أما لا، ما هو قصاص، إنما هو قتال غير القصاص، مثل: قتل الأسرى، يُقتل قتلًا حسنًا، ليس بقتلٍ مُؤذٍ.

س: قول الشارح عن جهاد المرأة أنها لا تُقاتل إلا مُدافعة، وليس فيها أنها تقصد العدو إلى صفةٍ؟

ج: النبي رأى امرأةً مقتولةً فقال: ما كانت هذه لتُقاتل!، فإذا قاتلت، حتى الشيخ الكبير إذا قاتل، حتى الصبي إذا قاتل يُقتل.

س: والمُسلمات عند الجهاد؟

ج: عند الدفاع بحسب طاقتها، تُدافع عن بيتها وعن أولادها بحسب طاقتها، ما يُعذر أحدٌ في الدفاع.