حسن الخلق من الصلة والبر

والصلة والبر بأنواع يكون بالكلام الطيب والمخاطبة الحسنة وبسط الوجه ولين الجانب مع الأقارب، يقول ﷺ: لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، وفي اللفظ الآخر: بوجه طليق، ويقول ﷺ: إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق، ويقول ﷺ: البر حسن الخلق، ويقول عليه الصلاة والسلام: إن أحبكم إلي وأقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، فليكن منك لوالديك البشر الطيب، وحسن الخلق، والكلام الحسن، والسمع والطاعة لهما في المعروف، إذا طلبا منك شيئًا تلبي الطلب بكلام طيب وصدر منشرح ووجه منبسط ما دام في المعروف ليس فيه ما يغضب الله وأنت تستطيعه ولهما فيه حاجة، هكذا مواساتهما بالمال إذا كانا محتاجين، أو طلبًا إليك لحاجة لقضاء دين أو لسد حاجة لهما، أو أنت تحملهما إلى محل معين، أو تأتي لهما بحاجة، إلى غير ذلك من أنواع البر، ومن أهم ذلك حسن الخلق طلاقة الوجه وطيب الكلام ولين الجانب، وليحذر أن تحمله زوجته أو أولاده على عقوق والديه أو قطيعة أرحامه، بل يكن فوق ذلك، يعالج أمور الزوجة بما يقطع تعلقها بالقطيعة أو العقوق، كثير من الناس يبتلى بالعقوق والقطيعة بأسباب زوجته أو بأسباب أولاده، قد تكون زوجة مشؤومة، أو ولدًا مشؤومًا يسبب له عقوق والديه وقطيعة أرحامه، فليحذر وليعالج الأمور بحكمة مع زوجته ومع أولاده؛ حتى لا يكون أحد منهم سببًا للعقوق والقطيعة، وهكذا ليكن فوق مستوى النمائم التي تنقل، فلا يرض أن تنقل إليه النميمة والقيل والقال عن أبيه وأمه وأخيه وأخته ونحو ذلك، ثم لو فرض وقوع ذلك أو أنهم أسمعوه شيئًا يسوؤه فليتحمل وليكتم الغيظ وليصل رحمه ولا يقطع، فليس الواصل بالمكافئ، وليبر والديه ولا يقطعهما.

وفي الحديث الصحيح أيضًا أن رجلًا قال: يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحلم عنهم ويجهلون علي، وأحسن إلي ويسيئون إلي، فقال له عليه الصلاة والسلام: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المَلَّ يعني الرماد الحامي، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، يعني عوين عليهم ما دمت على ذلك. فالواصل يعان ويوفق ويهدي الله له والديه وأرحامه ويعرفون له فضله وقدره إذا صبر.

وفيما سمعتم -بحمد الله- من المشايخ -جزاهم الله خيرًا- الخير الكثير، والفوائد الجمة، وهذا الذي أقوله الآن تأكيد لما قاله المشايخ من وجوب صلة الرحم وبر الوالدين والعناية بذلك والحذر غاية الحذر من القطيعة، ولا يرضى أحد منكم أن يكون واصلًا مكافئًا، لا، بل يكن فوق ذلك، يصلهم وإن قطعوه، ويحسن إليهم وإن أساؤوا، ويحلم عنهم وإن جهلوا، وهكذا يكون المؤمن كامل الإيمان قوي الإيمان يعفو ويصفح ويعرض عما ينقل كأنه ما سمع، ويصل أرحامه بما استطاع، حتى لا تبقى وحشة، ولا تبقى قطيعة، يرجو ما عند الله من المثوبة، ويخشى ما عنده من العقاب، ويرجو ما رتب الله على الصلة من الخير الكثير في العاجل والآجل.

والله المسؤول أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأن يوفقنا جميعًا لصلة الرحم وبر الوالدين والحذر من الإساءة إلى الوالدين والرحم والقطيعة، كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع المسلمين في كل مكان لما فيه رضاه، ولما يقرب لديه، ولما فيه صلاح القلوب والأعمال، وأن يعيذنا وإياهم وسائر إخواننا في كل مكان من شرور النفس ومن سيئات العمل، كما أسأله سبحانه أن يصلح قادة المسلمين وحكامهم، وأن يوفقهم لتحكيم شريعته والرضا بها، وإلزام الشعوب بها، والحذر مما يخالفها.