دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد أولاً

ولما بعث الله نبيه محمدًا عليه الصلاة والسلام إلى قومه وهم العرب ويتبعهم غيرهم من الأمم دعاهم إلى هذه الكلمة، قال: يا قوم قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فأجاب إليها القليل، ودخلوا في دين الله واحدًا بعد واحد وجماعة بعد جماعة، وأباها الأكثرون واستنكروها وقالوا ما ذكر الله عنهم: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، وقالوا أيضًا فيما ذكر الله عنهم: أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات:36]، فاستكبروا عن هذا الأمر، إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ۝ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات:35-36].

سموه شاعرًا ومجنونًا؛ لجهلهم وضلالهم وفساد عقولهم، فاستمر عليه الصلاة والسلام في الدعوة والتوجيه والإرشاد وصبر على الأذى حتى دخل الجم الغفير في توحيد الله، ثم اشتد الأذى فهاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام، وهاجر معه من استطاع من أصحابه، وهاجر إليه كل من أسلم من سائر أرجاء الجزيرة، ثم لحق به من هداه الله من الناس من خارج الجزيرة أيضًا، ولم يزل يدعو إلى الله .

ثم شرع الله له الجهاد وجاهد في سبيل الله، ولم يزل في جهاد وصراع مع قومه حتى أظهره الله عليهم، وحتى دخلوا في دين الله أفواجًا بعدما فتح الله عليه مكة، ثم أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة عليه الصلاة والسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، ثم قبضه الله إليه ورفعه في الرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام، فجسده في الأرض وروحه في أعلى عليين عليه الصلاة والسلام.

ثم قام بالأمر بعده أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، يجاهدون في سبيل الله، ويدعون إلى توحيد الله والالتزام بشرعه؛ حتى نشروا دين الله في المعمورة، فحاربوا الفرس والروم وغيرهم من الأمم، حتى ظهر دين الله، وحتى علت كلمة الله، وحتى انتشر التوحيد في الأرض وعرفه من جهله، فتوحيد الله هو الأساس، وهو الأصل، وبقية أمور الدين تابعة لذلك.