الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمان الأمة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة في موضوع عظيم، وهو موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صاحبي الفضيلة: الشيخ حمد بن .......، والشيخ عبدالمحسن بن ناصر العبيكان، وقد أجادا وأفادا وبينا ما يجب بيانه، وأحسنا فيما قالا، فجزاهما الله خيرًا، وضاعف مثوبتاهما، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقًا، وجعلنا وإياكم وإياهما هداة مهتدين.

لا شك أن موضوعنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم المهمات، ومن أعظم الفرائض، ولا ريب أيضًا أن المجتمع يصلح ويفسد بحسب استقامة هذا الواجب، فمتى استقام واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقام به أهله استقام المجتمع وصلح المجتمع وصار مجتمعًا صالحًا إسلاميًا يرجى لأهله كل خير في الدنيا والآخرة، ومتى ضعف جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اختل المجتمع بحسب ذلك، وظهر فيه من المنكرات والشرور والتفرق والاختلاف بحسب ما حصل من النقص في الأمر والنهي، ومتى عدم ذلك عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك للناس الحبل على الغارب كل يفعل ما يشاء فلا تسأل عن فساد المجتمع وظهور المنكرات والخطر العظيم في حلول العقوبات والنقمات.

وقد سمعتم ما ذكره الشيخان في هذا الأمر العظيم في قوله جل وعلا: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ۝ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ[المائدة:78-79]، لعن أولئك على لسان النبيين الكريمين داود وعيسى ابن مريم؛ بسبب عصيانهم واعتدائهم، ومن جملة ذلك أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، فدل ذلك على أن عدم التناهي عن المنكر من أعظم الأسباب في لعن الله لذلك المجتمع، ومن أعظم الأسباب في هلاكه وظهور الشر في أفراده.

وقال النبي عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه، هذا يدلنا على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ذلك من أعظم الأسباب لصلاح المجتمع، وأن إضاعة ذلك من أعظم الأسباب لهلاك المجتمع.

وخطب الناس الصديق بعدما ولي الخلافة كما سمعتم من كلام الشيخين فقال: "أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها"، وهي قول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ[المائدة:105] يعني يقرأ بعض الناس هذه الآية ويظن أن الإنسان إذا اهتدى في نفسه لم يضره ما يفعله الناس من المنكرات، فبين الصديق أن هذا الفهم خطأ، وأنه يضره ما يفعله الناس إذا قصر ولم يأمر ولم ينه، فلا تتم هدايته التي بها السلامة إلا إذا قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله شرط في عدم الضرر إذا اهتديتم لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، وقيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الهداية، وإذا ضيعوا ذلك نقصت هذه الهداية، ولم تتم هذه الهداية، فلا يسلمون حينئذ من الضرر، فعلم بذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر مفترض وأمر لازم، وأنه لا يسلم الناس من الضرر والعتب والخطر بحلول العقوبات إلا إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وإلا فهم على خطر من عتب الله عليهم وغضبه عليهم ولعنه إياهم، وعلى خطر من وقوع العقوبات العامة والنقمات العامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولهذا خطبهم الصديق فقال: سمعت الرسول يقول عليه الصلاة والسلام: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه خطب الناس ذات يوم على المنبر وقال: أيها الناس إن الله يقول: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم، وقبل أن تسألوني فلا أعطيكم، وقبل أن تستنصروني فلا أنصركم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.