الصلاة ودورها في خضوع العبد لربه

ومما شرعه الله على يديه وفرضه علينا هذه الصلوات الخمس التي بها راحة القلوب ونعيم الروح وقرة العين، وفيها الخضوع لله والذل بين يديه، قائمًا وقارئًا وراكعًا وساجدًا وقاعدًا في جميع أحوالك خاضعًا لله في هذه العبادة، وهي عمود الإسلام، فرضها علينا خمس مرات في اليوم والليلة، مع ما شرع لنا من تطوعات، كالصلوات الأخرى، لما في الصلاة من العبادة والخضوع والذل وصلاح القلوب، و....... في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: حبب إلي من دنياكم النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة، فقرة عينه في هذه الصلاة التي هي راحة القلب ونعيم الروح، وزبدتها ذل بين يدي الله، وخضوع بين يدي الله في قراءتك وحال قيامك وفي ركوعك وفي سجودك في قيامك بعد الركوع في جلوسك بين السجدتين في قراءة التشهد، كله خضوع لله، كله إنابة إلى الله وذل بين يديه، تقرأ كتابه تعظيمًا له منيبًا له مصدقًا له، وتدبر هذا الكتاب العظيم وتستفيد مما فيه صلاح قلبك وصلاح أعمالك وصلاح دينك ودنياك، ثم تركع خاضعًا معظمًا مستكينًا تسبحه وتعظمه وتقدسه جل وعلا، ثم ترفع أيضًا معظمًا ومثنيًا على ربك خاضعًا بين يديه ترجو ثوابه وتخشى عقابه، ثم تسجد ذالًا بين يديه معظمًا له راجيًا له مسبحًا له مقدسًا له تدعوه وترجوه وتسأله ما فيه سعادتك وتسأله خيري الدنيا والآخرة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم، يعني: فحري أن يستجاب لكم، وقال عليه الصلاة والسلام: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء، فالسجود في غاية الخضوع لله تضع وجهك الذي هو أعز شيء عليك من أعضائك الظاهرة، تضعه على الأرض تضعه خاضعًا ذليلًا منقاًدا لأمر الله معظمًا له ترجوه وتسأله وتعظمه وتقدسه، فهذا خلق عظيم من أعظم الأخلاق، ومن أعظم أسباب النجاة، ومن أسباب قربك من الله وإجابته لدعائك وقضائه لحاجاتك كما قال عليه الصلاة والسلام: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء، فالصلوات الخمس فيها السعادة والخير، وفيها راحة القلوب ونعيم الأرواح وسعادة الدنيا والآخرة، فيها عبادة الله بأنواع العبادة، فيها التذكير به وبعظمته والتحذير من الغفلة عنه والإعراض عن أمره ونهيه، ثم جعلها في أوقات مناسبة وهو العليم الحكيم ، في أول النهار في أول شيء تبدأ تبدأ بالصلاة من حين يطلع الفجر وأنت تبدأ نهارك بركعتي الفجر وبفريضة الفجر، تبدأ نهارك بهذه العبادة العظيمة التي فيها القراءة وفيها الدعاء وفيها التسبيح والتقديس وفيها الخضوع لله بالركوع والسجود، ثم الأذكار بعد ذلك في أول النهار، ثم تباشر أعمالك وحاجاتك إلى ارتفاع النهار، فإذا ارتفع النهار وزالت الشمس جاءت الظهر، فتذكر ربك وتعود إلى تعظيمه وتسبيحه وتقديسه بعدما شغلت وقتًا طويلًا في حاجات أخرى وأعمالًا أخرى في أمور دنياك من بيع وشراء من زراعة وصناعة من غير ذلك في شؤون هذه العاجلة وحاجات العبد فيها، فتذكر الله وتعظمه في صلاة الظهر، وتقرأ كتابه وتركع وتسجد خاضعًا لعظمته، وهكذا تفرغ بعدها لحاجاتك الأخرى بين الظهر والعصر، أو لراحتك، أو لأكلك وشربك، أو لشؤون أخرى، ثم تجيء العصر فتعود إلى ذكر الله وطاعة الله ودعائه واستغفاره، ثم تفرغ لحاجتك بعض الوقت بين العصر والمغرب، ثم ترجع إلى المغرب بعد غروب الشمس، وتبدأ ليلك بطاعة الله وعبادته وتعظيمه وقراءة كتابه وتسبيحه وتقديسه، ثم لك فسحة بين المغرب والعشاء تقضي فيها بعض الحاجات، تقضي فيها شأنًا من شؤون دنياك من شؤون آخرتك الأخرى من دراسة العلم في حلقة علم في قراءة قرآن في قضاء حاجات دنيوية في زيارة إخوان لك في عيادة مريض في غير ذلك من الوجوه، ثم تأتي العشاء فتختم بها أعمالك مصليًا معظمًا مقدسًا لربك عز وجل راجيًا وداعيًا وساجدًا وراكعًا، ثم بعد ذلك يأتي المنام وتأتي الراحة في الليل، ويأتي وقت السبات وقطع الحركة، فتستعين بهذا الليل على أعمال النهار الآتية مع ما لك في الليل من سعة كثيرة في الطاعات والتهجد والقراءة مع النوم والراحة.

فأمر الصلوات أمرها عظيم ومن نعم الله العظيمة وآلائه الجسيمة أن شرع لنا هذه الصلوات، فالمصلي على خلق عظيم، وعلى خير عظيم، وفي عبادة عظيمة منوعة يرجو بها ثواب ربه ويخشى عقابه.