الإيمان باليوم الآخر

وكذلك الإيمان بالبعث وهو الأصل الخامس، الإيمان بالبعث والنشور وقيام الساعة، وهو اليوم الآخر، هذا اليوم العظيم الذي أنكره الكفار وكذبوا به إلا القليل، أكثر أهل الأرض أنكروا هذا اليوم يوم القيامة أنكروه، ولهذا سعوا في الفساد واستمروا في الفساد والشر والشرك لعدم إيمانهم باليوم الآخر، فلهذا بقوا على ما هم عليه من الباطل، وساروا على ما هم عليه من الشر والفساد، فاليوم الآخر يوم عظيم جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب.

الله خلق الخلق لينقلهم من هذه الدار إلى دار أخرى، لم يخلقوا عبثًا ولا سدى، خلقوا لأمر عظيم، خلقوا ليعبدوا الله، ويطيعوا أمره، وينتهوا عن نهيه، وينشروا دينه، ويعلموا عباده، ويشكروه على إنعامه وإحسانه، ويستقيموا على طاعته، ويثنوا عليه بأسمائه وصفاته، ثم ينقلهم من هذه الدار إلى دار الآخرة إلى الجنة والسعادة، إلا من أبى واستمر في الطغيان والفساد فإن له دارًا أخرى، وهي دار الهوان، دار الشقاء، دار العذاب، وهي النار.

فهذه الدار فيها الغث والسمين، فيها الطيب والخبيث، فيها المسلم والكافر، ثم يوم القيامة يميزون فريق في الجنة وفريق في السعير، هذه الدار جامعة، دار الدنيا جامعة للطيب والخبيث، والكافر والمسلم، وأكثر أهلها على الكفر والضلال وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، ويقول سبحانه: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، ويقول سبحانه: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13]، ولما ذكر قصص جملة من الأنبياء قال بعدها: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء:8]، ويوم القيامة يميزون يميز أهل السعادة إلى الجنة والخير العظيم والفوز بكرامات الله والنظر إلى وجهه الكريم، وأهل الشقاوة يميزون إلى دار الهوان، وإلى دار الجحيم، نسأل الله العافية.

فاليوم الآخر يوم عظيم يجب الإعداد له، وهو يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لا ينفع فيه حسب فلان، ونسب فلان، ومال فلان، ولكنها الأعمال، كما قال : وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ:37]، ويقول النبي ﷺ: من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه، فيوم القيامة يوم الأهوال يوم الشدائد التي لا ينجو منها إلا من آمن بالله واستقام على دينه وقدم حقه على هواه فَأَمَّا مَنْ طَغَى ۝ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ۝ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ۝ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:37-41].

وإذا ختم الله للعبد بخاتمة حسنة بالتوحيد الصادق والإيمان الخالص والتوبة النصوح محا الله بها سيئاته وإن كثرت، ورزق الله العبد حسن الختام بتوحيد خالص وإيمان صادق وتوبة صادقة محا الله بها سيئاته، وثقلت حسناته وخف ميزان سيئاته، إذا مات على الخير والهدى والتوبة النصوح كما سمعتم في حديث البطاقة الذي مات على شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صادقًا مخلصًا، قد أحرقت حسناته سيئاته، ومات على عمل صالح على توحيد صادق وإيمان صادق محا الله به سيئاته؛ لأنه وقع عن إخلاص وعن صدق وعن ما يتضمن التوبة مما هو عليه من سيئاته والرجوع عنها، وأنه على غاية من النصح لله في توحيده وإيمانه به، حتى صار هذا الإيمان الصادق وهذا الإيمان الخالص بمثابة التوبة التي محا الله بها سيئاته، وخفف بها ميزان سيئاته، ورجح بها ميزان حسناته، وكل مسلم له هذه البطاقة، كل مسلم عنده هذه البطاقة لكن بعض المسلمين عنده هذه البطاقة وعنده سيئات ومعاصي مات ولم يتب منها ولم يحقق توحيده منها، فترجح سيئاته، ويصير إلى النار، ويعذب بسبب موته على سيئاته وأعماله السيئة الخبيثة، فإن المعاصي تنقص التوحيد، وتنقص الإيمان، وتضعف الإيمان حتى لا يرجح حتى تثقل السيئات، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لكن إذا مات على توحيد صادق خالص من جميع السيئات فإن هذا يحط الله به السيئات ويثقل به الميزان، وتكون هذه الحقيقة التي مات عليها عن صدق وإخلاص بمثابة التوبة الصادقة التي أحرقت السيئات ورجح الله بها حسناته على سيئاته.

فاليوم الآخر له شأن عظيم، وهو عسير على غير المؤمنين، ولكنه ميسر للمؤمنين بحمد الله، هو يوم عسير على الكافرين غير يسير، لكنه على أوليائه وأهل طاعته ميسر لمن استقام على أمر الله وحافظ على حقه واستقام على دينه ومات على ما يرضيه سبحانه وتعالى فالله جل وعلا يسهله عليه، ويثقل ميزاته، ويحاسبه حسابًا يسيًرا، لا يضره، بل مصيره إلى الجنة والسعادة والعافية، ويمر على الصراط كلمح البصر لا يضره حاله في الدنيا بسبب أعماله الصالحة وتوبته الصادقة وأعماله العظيمة التي وفقه الله لها وهداه لها.