حكم إتيان السحرة والكهان وواجب المجتمع نحوهم

أما ما يتعلق بالكهنة والمنجمين والرمالين فقد علمتم ما أوضحه المحاضر الشيخ عبدالرحمن، وأن هذه الأشياء من أبطل الباطل، وأن التعلق بالمنجمين والرمالين أو الكهنة أنه أمر لا يجوز، ولا يجوز سؤالهم، ولا إتيانهم، ولا تصديقهم، كلها لا تجوز، وهؤلاء يدعون علم الغيب بأشياء يتخذونها ويلبسون بها على الناس، من الخط في الأرض، أو ضرب الحصاة، أو الخط في الرمل، أو السؤال عن نجم فلان، ونجم فلان، وطالع فلان، وطالع فلان، وعن اسم أمه وأبيه، وأنه إذا وافق كذا صار كذا، كل هذا من أخبار المنجمين والمشعوذين الضالين، فلا يجوز تصديقهم، جاء معاوية بن الحكم يسأل النبي ﷺ فقال: يا رسول الله! إن عندنا كهان قال: لا تأتوهم، قال: ومنا أناس يتطيرون، قال: ذلك شيء يجده أحدكم في صدره فلا يصدنه، وقال: من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا، وقال: من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، وقال: الطيرة شرك، الطيرة شرك.

فبين عليه الصلاة والسلام أن هذه الأمور من أعمال الجاهلية التي يجب اطراحها، وتركها، والحذر منها، وألا يؤتى أهلها؛ لأن إتيانهم يسبب شيوعهم في البلاد وانتشارهم في البلاد، وتصديق الناس بهذه الكهانة، وهذه الأمور الباطلة التي لا أساس لها، ويسبب وقوعهم في الشرك والباطل والمنكرات، فوجب على ولاة الأمور القضاء عليهم ومنع وجودهم بالتأديب الذي يمنعهم حتى يتوبوا إلى الله من أعمالهم، أو بالقتل إذا استمروا في أعمالهم الباطلة ودعواهم الباطلة، فإن من ادعى علم الغيب يكون كافرًا نعوذ بالله، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وهكذا السحرة؛ لأن من شأنهم يدعون علم الغيب ومن شأنهم الضرر في الناس الضرر العظيم، فلهذا وجب قتلهم من غير استتابة على الصحيح.

وقد وجد في عهد عمر ثلاثة من السحرة فدل عنهم فأمر بقتلهم جميعًا؛ لأن السحرة ضررهم عظيم مع دعواهم علم الغيب، يضرون الناس كثيرًا، ومما يجري على أيديهم الصرف والعطف والتفريق بين الزوجين وبين الأقارب بما يفعلون من أنواع السحر الذي يشوش على هذا وعلى هذا، فيبغض هذا لهذا، ويعطف هذا على هذا مما يتلقونه من الجن والشياطين فيخدمونهم، فالجن تخدم الإنس في هذه الأشياء الباطلة، والإنس تخدم الجن في عبادتها من دون الله، والذبح لها، والنذر لها، والاستغاثة بها، ونحو ذلك، وقد يستمتع هؤلاء بهؤلاء وهؤلاء بهؤلاء.

فالواجب على أهل الإيمان وعلى ولاة الأمور القضاء على هذه الشرور التي قد تقع في بعض البلدان من الكهنة والسحرة والمنجمين، ويتتبعوا ويسأل عنهم، ويجعل من الناس من يسأل عنهم ويتتبع أخبارهم حتى يمسكوا حتى يقضى عليهم بما شرعه الله من التأديب والقتل، وتأديب بعضهم وقتل البعض الآخر من استحق القتل يقتل، ومن استحق التأديب والضرب والسجن يفعل به ذلك، حتى يتخلص الناس من شرهم، وينبغي أن يعلموا، ولا ينبغي أن يستر عليهم لأجل دعوى أنهم يتربضون، فإن ما يتعلق بأمر الدين أمره عظيم، فلا يجوز أن يستر على مجرم يضل الناس من أجل دعوى أنه يتطبب أو يعالج المرضى بالطب العربي، وهو يكذب يعالجهم بالشعبذة، يعالجهم بخدمة الجن والعبادة للجن، فقد ينجح مرة ولا ينجح مئات المرات، ولكنه من دجله من التدليس والتلبيس على الناس وإدخال الشر عليهم، فبعضهم يقول: هات اسم أمك وأبيك وأنا أعرف مرضك وأعطيك الدواء المناسب، فيأخذ الآلاف الكثيرة، ثم لا يفيده شيئًا، ولو أفاده لم يجز له ذلك، فإن الشيطان قد يعرف دواء المرض، وقد يعرف دواء المرض الفلاني، وهكذا لكن خطرهم أكبر وشرهم أكبر.

فالحاصل أن هذا ليس بعذر، ولو زعم أنه يطب الناس أو يداوي المرضى ما دام علم أنه ساحر، أو رمال، أو عراف، يدعي علم الغيب، وجب القضاء عليه، ومنع تعاطيه لهذا الأمر، ومعاملته بما يستحق من تأديب، أو قتل، أو غير ذلك، والقضاء عليه، ومنع تعاطيه هذا الأمر، ومعاملته بما يستحق من تأديب، أو قتل، أو غير ذلك، حتى يزول هذا الشر من البلاد أو القرية أو القبيلة أو نحو ذلك، ولهذا قال فيه النبي ﷺ: ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، وقال: من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ.

فقد حذر النبي ﷺ من هؤلاء، وكانوا موجودين في الجاهلية كثيرًا كانوا في الجاهلية يتحاكمون إليهم، ويتصلون بهم لجهلهم، وعدم وجود ما يحكمون به لجهلهم وضلالهم، فيحتاج إلى هؤلاء الضالين، وقد أغنى الله المسلمين عن ذلك بما شرع الله لهم في كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وجعل له شرعًا يرجعون إليه، فلا حاجة بهم إلى الكهنة والمنجمين والعرافين والسحرة ونحو ذلك، والسحرة قد يتعلمون أشياء يفرقون بها بين المرء وزوجه وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102]، هذه الأشياء تقع لكن بإذن الله الكوني القدري بمشيئته سبحانه وتعالى لا يقع في ملكه ما لا يريد جل وعلا، ولكن بعض الأشياء وإن كانت بمشيئته يجب أن تحارب، فالشرك لا يقع إلا بمشيئة الله، والمعاصي لا تقع إلا بمشيئة الله، ولكن الله شرع أن تحارب، وأن تمنع، وأن تقام فيها الحدود، هكذا شرع الله ، فوجب على أهل الإيمان وعلى ولاة الأمور أن يحاربوا ما حرم الله ورسوله، بما شرع الله من إقامة الحد، ومن السجن ومن التأديب والضرب من غير ذلك مما يقضي على وجود المنكرات وأنواع الكفر والضلال حتى يتخلص منها الناس.