الطيرة

وهكذا الطيرة نفسها ما أمضاك أو ردك، فالتطير بطائر أو بحمار أو بشهر أو بنوء أمر لا يجوز، والطيرة هي التي تمضيك، أو تردك عن حاجتك، فالذي يتطير بشوال أو بصفر أو بيوم الأربعاء يمتنع يقول: ما أتزوج في هذا، أو ما أسافر في هذا، من أجل اعتقاده الفاسد، فهذا نوع من الطيرة، وهو شرك أصغر، من الشرك الأصغر، فيجب الحذر من ذلك.

وهكذا إذا سمع طائرًا ينعق كالغراب أو رأى بومة أو غير ذلك فتشاءم بها، إذا رأى ذاك اليوم قال: ما أخرج أو ما أسافر إذا رأى طائرًا كرهه من غراب أو بومة أو غير ذلك، هذا من عمل الجاهلية، لا يضرك هذا، ولهذا قال النبي ﷺ في مثل هذا: إذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأت بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك، وفي اللفظ الآخر: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك.

 فالمسلم يعتصم بالله ولا يلتفت إلى هذه الأشياء، ولا يتعلق بها، ولا ترده عن حاجته، فإذا ردته عن حاجته شابه الجاهلية، ووقع في شرك الطيرة، ولكن إذا رأى مثل هذه الأشياء المكروهة التي قد يستنكرها قلبه وقد يقع في نفسه منها شيء فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك ...... يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وعليه أن يعتمد على الله في كل شيء، ويقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، يعني يكفينا الله ونعم ، ويمشي في أعماله التي شرعها الله وأباحها، ويأخذ بالأسباب، ويعتمد على الله، فالتوكل يجمع أمرين، اعتماد على الله، وثقة به، وأخذ بالأسباب الشرعية والمباحة، فلا هذا ولا هذا، لا بد من الأمرين، لا بد من الاعتماد على الله، والإيمان بأنه مسبب الأسباب، وأنه الذي قضى كل شيء، وقدر كل شيء ، ثم مع ذلك تأخذ بالأسباب، وتنتفع بالأسباب، تعلم أن المرض بإذن الله، ولكن تأخذ بالأسباب، تعالج المرض بالأدوية الشرعية بالمباح، تعالج الجوع بالأكل، تعالج الظمأ بالشرب، تعالج الخوف بأسباب الأمن من وجود أسباب الأمن.

وهكذا تعالج أسباب السرقة بإغلاق بابك، وبجعل الحرس على المحلات التي تخاف عليها، وما أشبه ذلك، مع الاعتماد على الله، والتوكل على الله، كما أنك تتزوج وتجامع أهلك ترجو الولد، وترجو العصمة عما حرم الله، تأخذ بالأسباب وتعتمد على الله .

وهكذا عند البرد تستدفي بالنار بالملابس التي شرع الله لك وأباح للإنسان .......، وأنت مع ذلك تؤمن بأن كل شيء بيد الله جل وعلا، فالإنسان يأخذ بالأسباب، ويحرص على ما ينفعه، ويستعين بالله في كل شيء مع إيمانه بأنه سبحانه مسبب الأسباب والقادر على كل شيء، وهو الذي أجرى هذه الأمور، وجعل فيها ما جعل، ورتب عليها ما رتب ، وشرع لنا سبحانه أن نتقي ما يضرنا من الأسباب، وأن نتعاطى ما ينفعنا من الأسباب التي أباحها لنا سبحانه وتعالى، فهذا هو شرعه ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.

تعالج مريضك وتأخذ بالأسباب، فإذا مات قل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل، ولا تقل بعد هذا لو أني سافرت إلى أمريكا أو إلى أوروبا لعاش لا، ما قضى الله به الأمر.. وانتهى، فلا وجه لهذا اللوم، ولا لهذا الكلام الذي يأتي به الشيطان.

كذلك تبيع وتشتري وتتسبب، وإذا قدر الله عليك شيئًا من الخسارة وعدم الربح تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل، لا تقل بعد هذا لو أني سافرت إلى بلد كذا لربحت انتهى الأمر، ما كتب الله قد وقع، فلا تعترض على قدر الله بلو، لكن خذ بالأسباب في الأمور الأخرى، انظر وتأمل إذا كان البيع والشراء في المحل الفلاني أنسب خذ به، وأما بعد وقوع الحادث فهو قدر الله.

وفق الله الجميع إلى مراضيه.