الغلو في الصالحين واعتقاد أنهم يعلمون الغيب وبيدهم النفع والضر

فالغلو في الإطراء نهاية الشرك نعوذ بالله، فهؤلاء الذين يقيمون الموالد قد يفضي بهم هذا الأمر وليس كلهم لكن قد يفضي بكثير منهم في بلدان كثيرة قد يفضي بهم إلى الغلو والشرك الأكبر، فتجده يستغيث بالرسول، يا رسول الله أغثنا، يا رسول الله انصرنا، اشف مرضانا، انصرنا على أعدائنا، أنت تعلم ما نحن فيه، فجعلوه يعلم الغيب، وجعلوا النصر بيده، والغوث بيده، ونسوا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، وهكذا يقولون في الموالد الأخرى مع البدوي ومع الشيخ عبدالقادر ومع فلان ومع فلان ومع ابن عربي وغيرهم، يسألونهم الغوث والنصر على الأعداء، وهذا هو الشرك الأكبر، نعوذ بالله، والله يقول سبحانه في أمثال هؤلاء: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ۝ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ[فاطر:13-14] سمى دعاءهم شركًا وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14] بين كتابه العظيم أن هؤلاء الأموات والأصنام وأشباهها مما يعبدونهم المشركون إن يدعوا لا يسمعوا الدعاء ما بين جماد وميت لا يسمعون إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ [فاطر:14] ما عندهم قدرة أن ينصرونكم على عدو، أو يشفوا مريضًا، ما استطاعوا وهم أحياء فكيف وهم أموات؟ والرسول ﷺ ما شفى نفسه لما أصابه المرض حتى توفاه الله ، ويوم أحد ما دفع عن نفسه يوم أحد ضرب المشركون البيضة على رأسه حتى كسروها وأدموا وجهها وكسروا رباعيته عليه الصلاة والسلام، وقتلوا سبعين من أصحابه، ما دفع عنهم عليه الصلاة والسلام ولا استطاع أن يدفع عنهم عليه الصلاة والسلام، وقتلوا عمه حمزة يوم أحد عمه أخو أبيه، هذه أمور بيد الله المخلوق لا يستطيع شيئًا من هذا إلا بإذن الله، وبما يعطيه الله ، إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14]، ويقول : وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، ما قال الجاهلين وإلا العامة، قال: أَحَدًا يعم الأنبياء ويعم الصالحين ويعم الأصنام ويعم العامة والخاصة، فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا يعني كائنًا من كان، وقال سبحانه: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106] وجميع المخلوقين لا ينفعون ولا يضرون، النفع بيد الله سبحانه وتعالى، والضر بيد الله جل وعلا، ولهذا خاطب نبيه ﷺ يقول له: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106]، يعني من المشركين، وقال تعالى: وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88]، وقال سبحانه: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117]، فجعل دعاة غير الله كافرين وأنهم لا يفلحون، فدعاء الأموات والمستغيثون بالأموات هم من هذا الصنف من الناس، نسأل الله العافية، وهؤلاء أهل الموالد كثير منهم ليس عنده بصيرة، فلا يدري عن الشرك ولا غير الشرك، يحتفل مع الناس ويحضر هذه المآكل والمشارب والمطاعم ولا يهمه إلا بطنه وما يشاهده، وربما تحركت عاطفته حبًا للرسول صلى الله عليه وسلم لما يسمع من القصائد والأناشيد، ولكن لا يدري شيئًا عن شريعته، وعما جاء به من الهدى، وتجده بعيدًا عن المحافظة على الصلوات في الجماعة، وعن كثير من المنكرات، تراه يباشرها ولا يبالي، وتراه مع الزنا ومع شرب الخمور قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم ما معناه قال: والعجب أن هؤلاء الذين ينشطون في الموالد وأشباهها تجدهم كسالى عندما يدعا إلى الصلاة، وإلى ما شرع الله عز وجل هذه الفتنة العظيمة العمياء، نسأل الله العافية، فيجتمعون على الطعام والشراب والقصائد التي فيها الغلو، وأقل أحوالها أنها ما فيها شيء قصائد مجرد مدح لكن الغالب أنها لا تسلم كما في البردة، البردة التي ينشدونها ويحفظونها وبعضهم يحفظها، ولا يحفظ شيئًا من القرآن، البردة فيها الشرك الأكبر، يقول فيها صاحبها:

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم

 

ما له أحد يلوذ به إلا النبي نسي الله بالكلية.

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذ بيدي فضلا وإلا فقل يا زلة القدم

يقول الرسول إن ما هو آخذ بيده وإلا يهلك، أما الرب ما له ذكر.

إن لم تكن في معادي آخذ بيدي فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

هذا الرسول ﷺ من جود الرسول ﷺ الدنيا وضرتها، من جود الرسول الدنيا والآخرة، وأيش بقي لله؟ إذا كان الدنيا والآخرة كلها من جود الرسول، فماذا بقي لله؟ إذا ذهبت عن الله الدنيا والآخرة؟

ومن علومك علم اللوح والقلم

جعله يعلم الغيب، ويعلم اللوح، ويعلم ما جر القلم الذي قال له: «اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» الرسول ما يعلم إلا ما أطلعه الله عليه، الرسول ﷺ ما يعلم الغيب، إلا الشيء الذي أعلمه الله إياه وأوحاه إليه، كما أوحى إليه شيئًا من أمور الساعة وأشراط الساعة، أوحى إليه شيئًا من أمور الجنة وأمور النار والحوادث في آخر الزمان، وشيئًا مما مضى في الزمان، هذا كل شيء أوحى إليه بلغه عليه الصلاة والسلام، وسمعه المسلمون، وسمعه العلماء وعلموه كما علمهم النبي عليه الصلاة والسلام، لكن أمور ما أطلع الله عليها نبيه ولا علمه إياها ما يعلمها، عائشة رضي الله عنها لما رمها أهل الإفك في بعض غزواته ﷺ تأخرت وراحت تقضي حاجتها .......، وهي صغيرة ظنوا أنها في الهودج، فجاء بعض الصحابة فوجدها فاسترجع لما رآها، والناس قد ذهبوا وهي جاءت إلى مكانها واضطجعت في مكانها تنتظر يعودون إليها، فلما رآها أناخ بعيره، وركبت، وجعل يقود بها حتى وصل بها، فاتهموها بالفاحشة، وهي براء من ذلك، والنبي ﷺ توقف في أمرها، ولم يعلم الغيب، وشاور بعض أصحابه في ذلك، ولم يزل ينتظر أمر الله فيها حتى أنزل الله الوحي ببراءتها في قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۝ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ۝ لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور:11-13].

فبرأها الله من فوق سبع سماوات، وبين كذب من رماها، وبطلان ما قالوا، وأنه إفك وبهتان وظلم وعدوان، والنبي ﷺ لم يعلم ذلك حتى أنزل الله براءتها، ولما ضاع عقدها عقد لها ضاع انحبس ينتظر، وأمر الصحابة أن يلتمسونه هاهنا وهاهنا، فلم يجدوه، والرسول لم يعلم أين العقد؟ فلما قام البعير وجدوه تحت البعير عقد جنبهم عندهم تحت البعير لا درى هو ولا الصحابة، والصحابة هم أولياء الله بعد الأنبياء، هم أفضل الناس بعد الأنبياء، ما علموا الغيب، ما دروا عن العقد الذي تحت البعير حتى قام العير، راحوا يدورونه من هاهنا ومن هاهنا، فلا يعلم الغيب إلا من علمه الله إياه من علمه الله يكفي، ومن لم يعلمه الله إياه فهو عند الله ، يقول جل وعلا: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65].

وهؤلاء في موالدهم إذا صاروا في الموالد صاروا يلهجون بالغوث فلان، والغوث فلان، والقطب فلان، وينسبون إليه علم الغيب، وهم ما بين جاهل وما بين زنديق، وما بين فاجر، وخيرهم من كان من المؤمنين، أو من الأنبياء كنبينا عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك لا يبالون ....... أنه الغوث، وأنه القطب، وأنه يفرج الكروب، وأنه ينصر المؤمنين، وأنه يغيثهم، وأنه يعلم الغيب، وأنه كيت وكيت، ثم يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام فيصفونه بأشياء ليست من حقه، ولكنها من حق الله ، فيصفونه بأنه يعلم الغيب، وأنه يغيث الناس، وينصر الناس، ويعلم ما في قلوب الناس، إلى غير ذلك..