ضرورة حفظ المرأة وصونها وعدم اختلاطها بالرجال

ومعلوم أن توظيفها مع الرجال في أعمال مختلطة من أعظم الأسباب في وقوع الفاحشة وانتهاك العرض وأنواع الفساد، والله يقول جل وعلا: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33]، فأمرهن بالقرار في البيت إلا من حاجة، ونهاهن عن التبرج وهو إظهار المحاسن والمفاتن منها، تبرجها إظهار محاسنها ومفاتنها وتغنجها وتكسرها ونحو ذلك مما يوجب الفتنة بها، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء، هكذا رواه الشيخان في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد، ورواه مسلم رحمه الله من حديث سعيد بن زيد أيضًا، فهي فتنة أينما كانت، فوجب على الرجال أن يصونوها وأن يحفظوها، وأن يسلكوا بها ما بين الله في كتابه العظيم، وما جاء به رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام، فتعطى حقوقها، وتبقى مصونة في البيت تعلم أولادها، وتقوم على أولادها، وتحفظ شئون البيت، وتقابل زوجها في أحسن حال، وتحفظ زوجها وولدها وبيتها مما لا ينبغي، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وفي ولده ومسؤولة عن رعيتها»، فهي راعية في البيت فيما يتعلق من البيت وشؤونه وشؤون الزوج إذا حضر إذا شؤونه مهيأة وبشؤون أولادها الصغار إلى غير ذلك مما يتعلق بالبيت، فإذا خرجت إلى الأعمال الأخرى ضيعت البيت، وضاع الأولاد، وضاع شؤون البيت، وإذا كان ولا بد فليكن خروجها سليمًا وبعيدًا عما يضر، قد خرجن مع النبي ﷺ في بعض الغزوات يكن في المعسكر يهيئن ما ينبغي من طعام، ويحضرن ما ينبغي من دواء المرضى والجرحى على وجه ليس فيه محذور ولا فتنة، وكان نساء الصحابة رضي الله عنهن وأرضاهن من أتقى الناس لله، بل أتقى الناس لله وأكملهن في كل خير مع الحشمة والبعد عن كل أسباب الفتنة، أما بعد ذلك فقد تغيرت الأحوال ولاسيما في هذا العصر، فاتضح من أحوالهن في هذا العصر وفي كل وقت وكل مكان يقل فيه العلم ويغلب فيه الجهل ويكثر فيه اختلاط الحابل بالنابل والطيب بالخبيث والمؤمن بغيره في مثل هذه الأوقات تعظم المصيبة، وتعظم الفتنة في وجودها مع الرجال أو في قرب الرجال، وقد كن يصلين مع النبي ﷺ في مؤخر الصفوف خلف الرجال فإذا سلم ﷺ والصحابة تريثوا حتى يخرجن من المسجد، ثم يخرج الناس، ويقول ﷺ في الحديث الصحيح: لا يخل رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ويقول: لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان، والله يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59]، فأمر الجميع بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، والجلباب: محلفة تكون فوق الملابس، فوق الثياب يحصل بها الستر الكامل علاوة على ما تحتها من القمص.

ويقول جل وعلا: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] بين سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع، وقال سبحانه: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية، والزينة زينتان: زينة خلقة، وزينة مستجلبة من الكحل والبودرة وكذا وكذا والملابس، فإن اجتمع هذا وهذا فلا تسأل عما يقع من الشر عند وجودها بين الرجال وتكشفها، ولا ريب أن وجودها لدى المكاتب سكرتيرة أو لدى المدير أو الطبيب لا شك أن هذا من أعظم الأسباب في خلوته بها وتمتعه بها إلا من عصم الله، فالفتنة قائمة ولا سبيل إلى السلامة إلا بأن تكون مع النساء، وفي تمريض النساء فقط، وهكذا ما يشبه ذلك كالطبيبة للنساء والمعلمة للنساء، أما وجودها في عمل الرجال ومكاتب الرجال فهي فتنة عظمى وفساد كبير، والعاقبة وخيمة، فلا حاجة إلى الإطالة، فالأمر واضح، والخطر كبير.

ونسأل الله أن يوفق ولاة الأمور لحسم هذا الشر والقضاء عليه، وأن يوفقهم جميعًا لما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يمنحهم صالح البطانة، ويصلح أحوال المسلمين جميعًا، وأن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.