9- باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما

باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما
وقول الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ۝ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى  [النجم: 19، 20].
عن أبي واقد الليثي قال: "خرجنا مع رسول الله ﷺ إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط. فمررنا بسدرة ; فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؟ فقال لهم رسول الله ﷺ: الله أكبر، إنها السنن. قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف: 138] لتركبن سنن من كان قبلكم رواه الترمذي وصححه.

الشيخ:
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
يقول رحمه الله باب: من تبرك بشجرة أو حجر أو نحوهما، يعني ما حكمه؟ "من" استفهامية، وحكمه أنه كافر من تبرك بالأشجار والأحجار والأصنام صار كعباد الأصنام من جملتهم "من" استفهامية والجواب: فقد كفر، والدليل قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ۝ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ۝ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ۝ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ۝ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:19-23] فالهدى ضد ما هم عليه من عبادة اللات والعزى ومناة، اللات رجل كان يلت السويق للحاج ويطعمهم فلما مات عكفوا على قبره وعبدوه وعبدوا الصخرة، والعزى شجرة بين الطائف ومكة بنوا عليها وكانوا يعبدونها ويستنصرون بها كما قال أبو سفيان يوم أحد: لنا عزى ولا عزى لكم، ومناة صخرة بالمشلل عند قديد في طريق المدينة كان يعبدها أهل المدينة من الأوس والخزرج ومن كان حولهم، فأنزل الله فيها ذمهما وعيبها: أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ۝ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [النجم:19، 20] يعني أنفعت أم ضرت حتى تعبدوها؟! والمقصود إنكار ما يعملونه عندها وأن اتخاذ الأشجار والأحجار للتبرك بها والتعلق بها وتعليق السيوف بها أو ندائها أو ما أشبه ذلك كله من أعمال الجاهلية من أعمال الشرك فلا يجوز التعلق بالأشجار ولا بالأحجار ولا بغيرها من المخلوقات ولا بالأموات وإنما الواجب التعلق بالله والاستغاثة بالله وسؤاله النصر جل وعلا.
وكان المشركون يعبدون الأشجار والأحجار والأموات ومن هذا قول أبي سفيان يوم حد: اعل هبل، هبل صنم عند الكعبة، قال النبي ﷺ: قولوا: "اللهم أعلا وأجل"، فلما قال: لنا عزى ولا عزى لكم، قال النبي ﷺ، قولوا لهم: الله مولانا ولا مولى لكم.
فالتعلق على الأشجار والأحجار من عمل المشركين ومن عبادة غير الله ومن عمل أهل الأوثان.

وفي حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه أنهم خرجوا مع النبي ﷺ إلى حنين لما فرغوا من فتح مكة تجمعت هوازن وجماعة معها لقتال النبي ﷺ في حنين، ومعهم ثقيف من أهل الطائف، فخرج إليهم النبي ﷺ بعد الفتح في اثني عشر ألف مقاتل، فمروا على سدرة يتعلق بها المشركون، فمر المسلمون على هذه السدرة فقالوا: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؟ يعني المشركين، فقال النبي ﷺ: الله أكبر، إنها السنن يعني أنها طرق من كان قبلكم، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة فهذا يبين أن اتخاذ الأصنام أو الأشجار أو الأحجار أن هذا هو الشرك الأكبر هو عمل الجاهلية وأن الواجب الحذر من ذلك وأن لا يتأسى الإنسان بعمل الجاهلية في اللات أو العزى أو مناة أو هبل فالتعلق على الأصنام وهي الصور المنصوبة من صور الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم أو التعلق على الأشجار من السدر وغيره هو من عمل المشركين ومن عبادة غير الله، ولو قالوا أنها لا تخلق ولا ترزق بمجرد اعتقادهم أنها تشفع لهم أو أنها تنفع أو أنها تسبب النصر كله من الشرك الأكبر، فالمشركون ما يقولون أنها تستقل بشيء، يعني يؤمنون بأن الله هو النافع الضار الخالق الرازق، ولكن يرون أنها وسائط وأنها من أسباب نصرهم ومن أسباب عزهم فتعلقوا بها، فهكذا من فعل فعلهم يكون حكمه حكمهم نسأل الله العافية؛ ولهذا قال: قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، فجعل قولهم: اجعل لنا ذات أنواط مثل قول بني إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة.
وقوله: إنها السنن، يعني الطرق التي سلكها من قبلكم، وقوله: الله أكبر، هذه عادته عليه الصلاة والسلام إذا رأى ما ينكر كبر الله وسبحه تعظيمًا لله مما قاله هؤلاء، وقد يكبر عند التعجب أيضاً كما كبر المسلمون لما قال للصحابة: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة قال: فكبرنا، فلما قال: أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، كبرنا، فلما قال: أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة! كبرنا، فالتكبير والتسبيح يكون عند التعجب من محبوب أو مكروه، عند المكروه تعظيمًا لله وعند المحبوب تعظيمًا لله أيضاً ورجاء أن يحصل المطلوب.
الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة هذا يفيد أن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ، فاجعل لنا ذات أنواط مثل اجعل لنا آلهًا في المعنى.
إذًا المقصود المعاني لا مجرد الألفاظ، فهذا فيه التحذير من التعلق على الأشجار والأحجار وأن التعلق عليها من جنس التعلق على اللات والعزى وأنها شرك أكبر من جنس عمل عباد الأوثان.