23- باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان
وقول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء: 51].
وقوله تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [المائدة: 60].
وقوله تعالى: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف: 21].
عن أبي سعيد أن رسول الله ﷺ قال: لتتبعن سَنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ أخرجاه.
ولمسلم عن ثوبان أن رسول الله ﷺ قال: إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها. وأعطيت الكنْزين الأحمر والأبيض. وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم؛ وإن ربي قال: يا محمد، إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا ورواه البرقاني في صحيحه.
وزاد: وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون؛ كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الترجمة التي ذكرها المؤلف رحمه الله وهو الإمام أبو عبد الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي رحمه الله الإمام الداعي إلى الله المجتهد الذي رحم الله به العباد في النصف الثاني من القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية فدعا إلى الله وجدد معالم الإسلام في هذه الجزيرة وأوضح للناس توحيد الله وحثهم على لزومه والاستقامة عليه، وحذرهم من الشرك والتعلق بالقباب والأشجار والأحجار والقبور وغير ذلك.
فنفع الله بدعوته وهدى الله به الجم الغفير وأعاد إلى هذه البلاد دينها الحق وعبادتها لله وحده لا شريك له، وذهب ما بليت به من الشرك بالله وعبادة الأوثان وانتفع بذلك جم غفير من سائر ...
يقول رحمه الله: باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان، يعني باب ما جاء بالأدلة أن بعض هذه الأمة يسلك مسلك من كان قبله، وأنهم يعبدون الأوثان كما عبدها من قبلهم، قال جل وعلا: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [النساء: 51] وجد في الأمة من آمن بالجبت والطاغوت، فالجبت الشعر والطاغوت الشيطان، وقيل الجبت كل شيء لا خير فيه وكل بلاء يقال له جبت، الصنم جبت والطاغوت جبت، والشرك جبت، والطاغوت الشيطان، وقد وقع في هذه الأمة من بلي بالسحر وعبادة الطواغيت والتعلق بهم تقليدًا للأمة السابقة.
وهكذا قوله جل وعلا: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة: 60] فكما أن من كان من قبلنا من عبد الطاغوت فهكذا يكون في هذه الأمة من يعبد الطاغوت فهو كل ما عبد من دون الله يقال له طاغوت.
فإن كان لم يرض فالطاغوت الشيطان الذي دعا إلى عبادته كالأنبياء والصالحين ليسوا بطواغيت، وإنما الطواغيت الشيطان الذي دعتها إلى عبادتها وزينتها للناس، وهكذا الصنم يقال له: طاغوت، والمعبود من دون الله وهو راض كفرعون والمنمرود يقال له: طاغوت، والحاكم بغير ما أنزل الله يقال له: طاغوت.
المقصود: أن دعاة الباطل يقال لهم طواغيت، فكما في الماضيين في اليهود والنصارى فهذا يوجد في هذه الأمة.
قال تعالى: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا  [الكهف: 21] يعني قال رؤساؤهم وكبراؤهم لنتخذن عليهم مسجدًا، فهكذا في هذه الأمة من قلد المشركين وعبد القبور واتخذ المساجد عليها كما يوجد الآن في أمصار المسلمين التعلق بالقبور وعبادتها من دون الله ، وعبادة الأنبياء والصالحين، كل هذا تقليد لمن مضى واتباع لمن مضى، وسير على من مضى من المشركين.
ويدل على هذا المعنى قوله ﷺ: لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، فكما وقع في الماضين يقع في هؤلاء المتأخرين: حذو القذة بالقذةقذة السهم بقذته الأخرى.
حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموهيعني من شدة المبالغة في متابعتهم وتقليدهم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. وهذا ضرب لشدة التقليد والمتابعة للماضين، حتى لو فرضنا أنهم دخلوا جحر ضب لدخلتموه؛ يعني أنهم يبالغون في اتباع من مضى من الكفرة والظالمين حتى لو قدر أنهم دخلوا جحر ضب لدخلها هؤلاء المتأخرون.
قالوا: تعني اليهود والنصارى، قال: فمن؟ وفي اللفظ الآخر: فارس والروم؟ قال: فمن الناس إلا أولئك؟!
والمعنى أن هذه الأمة تقلد اليهود والنصارى وفارس في عبادة غير الله كعبادة القبور واتخاذ الآلهة من دون الله من الأنبياء والصالحين وهذا موجود الآن في مصر والشام وغير ذلك.
وكثير من الناس يعبدون النبي ﷺ إذا جاؤوا إلى قبره دعوه واستغاثوا به وبعضهم يستغيث من بلاد بعيدة بالنبي ﷺ أو بالمسيح أو بعيسى أو بموسى أو بعبدالقادر الجيلاني في العراق أو بأبي حنفية في العراق، وهكذا ما يقع في مصر من عبادة الحسين والبدوي وغيرهم ممن بُلي بهم عامة الناس نسأل الله العافية.

وهكذا في الشام يعبدون الداعية إلى الإلحاد ابن عربي وهكذا في أمصار كثيرة في إفريقية وفي المغرب وغير ذلك، كل هذا الذي أخبر به النبي ﷺ وقع، وقع في الناس الشرك، وكان في الجزيرة من يعبد زيد بن خطاب في جبيلة، عليه قبة في جبيلة حتى هدمها الشيخ رحمه الله ومن معه، وكانوا يعبدون جملة من الغيران والأشجار في الدرعية وفي الرياض وفي غيرها، حتى أزالها الله بهذه الدعوة المباركة.

وهكذا حديث ثوبان يقول ﷺ: إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وإن أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني دعوت الله لأمتي ألا يعذبها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدو من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وأن ربي قال: يا محمد، إني قضيت قضاء لا يرد، وإني أعطيت لأمتك ألا أهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم -يعني من غيرهم- فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا ويسبي بعضهم بعضًا يعني حتى يقع منهم الفتنة والشرك- والفتن فيما بينهم فيتسلط عليهم الأعداء، أما إذا اجتمعوا على الحق وتمسكوا به فإن الله ينصرهم كما قال في آخر الحديث: ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر اللهما دام أهل الحق متمسكين به، فإنه لا سلطان للعدو عليهم، فإذا اختلفوا وتنازعوا وتقاتلوا دخل العدو وتمكن من كثير من بلادهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويقول ﷺ: إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين يعني دعاة الباطل دعاة الشرك هم أصل البلاء، هم الذين تقع بهم الكوارث، دعاة الشر والفساد من أمراء ومن علماء نسأل الله العافية.
وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، وهذا من أعلام النبوة وقد وقع السيف في عهد عمر وقتل عمر، ثم قتل عثمان ثم استمرت الفتن نسأل الله العافية.
ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر اللههذا بشارة أن الله جل وعلا يبقي في هذه الأمة طائفة على الحق منصورة تكون قدوة لغيرها في الخير حتى تأتي الريح الطيبة التي يقبض الله بها أرواح المؤمنين والمؤمنات فلا يزال في هذه الأمة من يعبد الله ويستقيم على دينه حتى يأتي أمر الله بقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات فيبقى الأشرار فعليهم تقوم الساعة.
وأخبر أنها لا تقوم الساعة حتى يلحق حي يعني قبيلة وفي اللفظ الآخر: قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان، والذي قبلها... لتتبعن سَنن من قبلكم، فأخبر ﷺ أنه لا تزال هذه الأمة بالخير ما لم تبتل بالأمة المضلين وما لم تختلف فيما بينها، فإذا اختلف بليت بالشر والتحق منها الكثير بالمشركين وعبدوا الأوثان وقلدوا غيرهم واتبعوا سنن من كان قبلهم بسبب اختلافهم وتقاتلهم وإضاعتهم أمر الله .
وفي الحديث هذا: أنه سيخرج في أمته كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وهذا وقد وقع وآخرهم الدجال يدعي أنه نبي ثم يدعي أنه رب العالمين وهو آخرهم قبحه الله!
ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة، لا يضرها من خذلها ولا من خالفها حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.

الأسئلة:

س: تقليد اليهود والنصارى في أي شيء؟
ج: في الشرك وغيره كما قد وقع.
س: ما معنى الفئام؟
ج: يعني الجم الغفير.
س: قوله: حتى يسبي بعضهم بعضًا يدل على أنهم يكفرون بعضهم؟
ج: نعم، نسأل الله العافية، وقد أول ذلك في عهد عثمان وعلي أول الفتنة وقعت في عهد عثمان وعلي.