32- باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين}

باب قول الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين
وقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال: 2].
وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 64].
وقوله: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 3].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد ﷺ حين قالوا له: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173]" رواه البخاري والنسائي.

الشيخ:
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان وجوب التوكل على الله سبحانه وتعالى وأنه من أعظم العبادات، ومن أجمع العبادات التوكل على الله جل وعلا، ومعناه التفويض إلى الله والاعتماد عليه في كل الأمور، وأنه سبحانه مصرف الكائنات ومدبر الأمور فيتوكل على الله على اعتقاده أنه سبحانه مصرف الأمور ومدبرها، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولهذا قال جل وعلا: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة: 23] فدل على أن التوكل من الإيمان 
وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال: 2].
وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ [الأنفال: 64] يعني كافيك الله وكافي أتباعك المؤمنين. 
وقال عز وجل: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 3] يعني كافيه، فهذا يدل على وجوب التوكل على الله وأن ذلك من أهم واجبات الإيمان وأن من لم يتوكل على الله فليس بمؤمن به، من لم يعلم أن الله سبحانه مصرف الأمور ومدبر الأمور وأنه سبحانه هو الذي عليه الاتكال في كل الأمور وإنما على العبد الأسباب فيتوكل على الله في جلب الرزق وفي دفع المكروه مع فعل الأسباب، مع طاعة الله ورسوله مع توقي أسباب الشر، مع فعل أسباب الخير، فهو يأتي بالسبب مع التوكل على الله جل وعلا، كما في الحديث أنه ﷺ قال للأعرابي: اعقلها وتوكل فالمعنى أنه يعمل بالأسباب، يأكل ويشرب ويزرع ويغرس ويتوكل على الله، يبيع ويشتري ويتوكل على الله، ليس معناه الإعراض عن الله لا، الإعراض عن الله وعدم التوكل عليه ضلال بعد الهدى، ولكنه يؤمن بأن الله مصرف الأمور ومدبرها وعليه التكلان جل وعلا؛ وأنه سبحانه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ومع هذا يأخذ بالأسباب، ولهذا الإنسان يقاتل في الجهاد في سبيل الله، يزرع يغرس، يبيع ويشتري إلى غير هذا وهو متوكل على الله، الأمور بيد الله جل وعلا، إنما بيدك الأسباب.

وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173] قالها إبراهيم عليه السلام لما أُلقي في النار، وقالها محمد ﷺ حين قال له رهطٌ من الناس: إن قريشًا قد جمعوا لك فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، وذلك بعدما انصرف من أحد، فإنهم جاءهم ركب، قال أبو سفيان للركب: أبلغوا محمدًا أنا قد أعدنا الكرة عليه، فلما قيل له ذلك، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، يعني كافينا الله ونعم الوكيل الله جل وعلا. ثم أمر بالإعداد واللحاق بهم فخرج حتى بلغ حمراء الأسد وعرفوا أنه ﷺ مستعد لقتالهم فصرف الله قلوبهم وذهبوا إلى مكة.
فالمقصود أن الأمور بيد الله جل وعلا، هو الذي بيده العز والذل، وبيده النصر، وبيده الخذلان، وبيده الصحة والمرض إلى غير هذا، هو القادر على كل شيء: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49] فالواجب على أهل الإيمان التوكل على الله والثقة به والاعتماد عليه في أمورهم مع الأخذ بالأسباب، فالتوكل يجمع الأمرين، الاعتماد على الله و...
وفق الله الجميع.