33- باب قول الله تعالى: {أفأمنوا مكر الله}

باب قول الله تعالى: {أفأمنوا مكر الله}
وقوله: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ [الحجر: 56].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ سئل عن الكبائر؟ فقال: الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله.
وعن ابن مسعود قال: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله رواه عبد الرازق.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فيقول المؤلف رحمه الله في كتاب التوحيد الذي جمعه رحمه الله في بيان حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك والتنبيه على أمور كثيرة من أمور الشرك والبدع التي وقع فيها الناس، وهو كتاب عظيم النفع عظيم الفائدة، ومنها هذا الباب، قال: باب قول الله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف: 99]، وقوله سبحانه: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 56] الله جل وعلا حذر عباده من الأمن من مكره والقنوط من رحمته، فالواجب على أهل الإيمان أن يجمعوا بين الخوف والرجاء، أن يخافوه ويرجوه سبحانه وتعالى، فلا قنوط ولا أمن، بل يجب أن يرجى لكمال إحسانه وكمال جوده وكرمه، ويجب أن يُخاف لعظيم انتقامه وشدة بطشه، قال تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۝ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر: 49-50]، وقال جل وعلا: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج: 12]، وقال تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف: 99]، وقال سبحانه: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 56]، وقال جل وعلا: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87]، وقال عز وجل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53].

فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يخاف الله ويرجوه، وأن يكون بين الخوف والرجاء، يخاف الله مما يقع منه من الذنوب والسيئات، ولعظم انتقامه وعظيم بطشه لمن خالف أمره، ويرجوه لكمال إحسانه وكمال جوده وكرمه وعظيم رحمته سبحانه وتعالى في حق من اتقاه، وقام بحقه وسارع إلى مراضيه، ولهذا يقول جل وعلا: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ [الأعراف: 99] مكر الله عقوبته وأخذ من العبد على غرة: فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف: 99] يعاقبهم بمثل ما فعلوا: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران: 54]، والمكر هو فعل ما حرم الله بالطرق المعوجة بالخداع والتلبيس فالله يعاقبهم بمثل ما فعلوا جزاء وفاقًا، وهكذا المخادعة: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: 142] فمن خادع الناس وظلمهم فقد خادع الله بذلك، وهو جدير بالعقوبة من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم.
وهكذا من مكر جدير بأن يمكر به عقوبة له بمثل ما فعل، والله يوصف بالمكر في مقابل المكر، والاستهزاء في مقابل الاستهزاء، والخداع في مقابل الخداع، فهذه صفات لربنا عز وجل في مقابل أضدادها فمن مكر مكر به، ومن خادع خدع، ومن استهزأ استهزئ به، ومن كاد كيد: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ۝ وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق: 15-16]، وهو في حقه كمال؛ لأنه عدل منه سبحانه وتعالى، فالخداع في حقه والمكر والكيد والاستهزاء كله في حقه حق؛ لأنه صدر منه في مقابل المجرمين في جزائهم على عدوانهم، والانتقام من الظالم بمثل ما فعل حق ومدح، وإن عفا فهو أهل الفضل سبحانه وتعالى.

وفي حديث ابن عباس المروي عنه أن النبي ﷺ بين أن الكبائر اليأس من روح والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله، فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك.
وهكذا ما جاء من أثر ابن مسعود: أكبر الكبائر اليأس من رحمة الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روحه سبحانه وتعالى، والأمن من مكره جل وعلا، كل هذه الكبائر يجب الحذر منها: الأمن والقنوط واليأس من رحمة الله والمكر والخداع، يجب على المؤمن أن يكون ذا إنصاف وذا عدل وذا عناية بالحق ورحمة وعطف، وأن يكون عظيم الخوف من الله شديد الحذر من عقابه جل وعلا بعيدًا عن صفات المنافقين من الخداع والاستهزاء والمكر.
وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: ما هي علامات الأمن من مكر الله؟
الجواب: من علاماته المضي في المعاصي والسيئات وعدم المبالاة، فهذا دليل على أنه غير مبال وهو على خطر عظيم.
س: المكر من صفات الله؟
الجواب: في مقابل الماكرين نعم من صفاته المقابلة، والخداع والاستهزاء والكيد كل هذه بالمقابل.
س: وتأويل هذه الصفات؟
الجواب: تأويلها غلط، لكن ثمراتها من باب بيان ثمراتها؛ وهو الانتقام والعقوبة لمن مكر وخادع واستهزأ، فهذا من ثمراتها ومن مقتضاها العقوبة، مثل ما أنه يغضب، ومن مقتضى الغضب أن يعاقب من غضب عليه، يغضب سبحانه ويرضى، فمن موجبات الغضب عقوبة من غضب عليه، ومن موجبات الرضا والرحمة الإحسان إلى من رحمة ورضي عنه.
س: هل الاحتيال في الدين من المكر؟
الجواب: من المكر ومن صفات المنافقين نسأل الله العافية.
س: ما المقصود بالقنوط من رحمة الله؟
الجواب: اليأس.
س: هل صنف كتاب في التوحيد مثيل لكتاب الشيخ محمد؟
الجواب: قبله صنف بعض الناس كتابًا قريبًا منه لعله من أسباب تصنيف الشيخ، وفي قديم كتاب التوحيد لابن خزيمة.