36- باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا
وقوله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود: 15، 16].
وقال رسول الله ﷺ: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطى رضي وإن لم يعط سخط؛ تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الترجمة عقدها المؤلف في الحث على الإخلاص في الأعمال، وأن يراد بالأعمال وجه الله والدار الآخرة لا الدنيا وحطامها، ولهذا قال رحمه الله: "باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا" يعني عمله الأخروي عمله الطاعات، ينبغي له بل الواجب عليه الإخلاص في عمله من صلاة وصيام وقراءة وجهاد وغير ذلك، قال تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110]، 
وقال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 88] 
وقال جل وعلا: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ [هود: 15] يعني لا ينقصون أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود: 16] ففي هذا الحث على الإخلاص في الأعمال سواء جهاد أو صلاة أو قراءة أو صيام أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو غير هذا يجب أن يفعلها العبد لله وحده لا للدنيا أو الرياء، بل يفعلها لله وحده، ولهذا قال جل وعلا محذرًا من العمل السيئ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ [هود: 15] يعني لا ينقصون: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود: 16] والآية الأخرى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى: 20] فالواجب الإخلاص في الأعمال لله وحده، فيصلي لله ويصوم لله ويتصدق لله لا لمراءة الناس، ويحج لله ويعتمر لله لا لمراءة الناس وحمدهم وثنائهم.

وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة يعني الذي يعمل للدرهم والدينار والخميصة والخميلة، الخميصة كساء له أعلام، والخميلة ليس لها أعلام، يعني تعس العبد الذي يعمل لأجلها يصلي لها أو يقرأ لها أو يحج لها وأشبه ذلك ليس قصده الله والدار الآخرة.
تعس وانتكس دعاء عليه بالتعاسة وإذا شيك فلا انتقش معناه سقط على أم رأسه: تعس وانتكس.
وإذا شيك يعني أصابته الشوكة: فلا انتقش يعني فلا يتيسر له نقشها وإخراجها.
ثم قال: طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه
لما ذكر العبد السوء، ذكر العبد الصالح، فقال: طوبى أي الجنة، يعني الجنة لعبد يعني مخلص آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه، يعني يقصد وجه الله والدار الآخرة في جهاده، ليس قصده المغنم، إنما قصده وجه الله.
إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع يعني غير معروف ليس له جاه، إنما قصده وجه الله والدار الآخرة ليس من أهل الدنيا، إن استأذن لم يؤذن له؛ لأنه غير معروف، وإن شفع لم يشفع؛ لأنه غير معروف ليس له وجاهه لكنه عبد لله يقصد وجه الله والدار الآخرة، فهذا فيه الحث على الإخلاص في الأعمال والتحذير من سوء النية في الأعمال، سواء كان العامل يقصد دراهم أو جاه أو كساء أو غير ذلك، وإنما الواجب على العامل في سبيل الله والعامل في طاعة الله أن يقصد وجه الله وأن يتقرب بما يتقرب يريد وجه الله والدار الآخرة، فيصلي لله ويصوم لله ويجاهد لله، وهكذا أعمال الخير يريد بها وجه الله والدار الآخرة.
وهذا من الشرك الأصغر، وقد يكون من الأكبر إذا فعل ما يوجب الشرك الأكبر لأجل الدنيا كأن يسب الله أو يسب الرسل أو يسجد لغير الله بسبب الدنيا فهذا شرك أكبر. وقد يكون أصغر كالرياء يصلي يرائي ويقرأ يرائي هذا من الشرك الأصغر.
وفق الله الجميع.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.