38- باب قول الله تعالى: فلا تجعلوا لله أنداداَ

 
قال شيخ الإسم محمد بن عبد الوهاب: باب قول الله تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. قال ابن عباس في الآية: "الأنداد: هو الشرك، أخفى من دببيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل". وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان، وحياتي، وتقول: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص. ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص. وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت. وقول الرجل: لولا الله وفلان. لا تجعل فيها فلانا; هذا كله به شرك" رواه ابن أبي حاتم.
وعن عمر بن الخطاب أن رسول الله ﷺ قال: من حلف بغير الله قد كفر أو أشرك رواه الترمذي، وحسنه وصححه الحاكم.
وقال ابن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذبا أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقا".
وعن حذيفة عن النبي ﷺ قال: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان رواه أبو داود بسند صحيح.
وجاء عن إبراهيم النخعي: "أنه يكره أن يقول أعوذ بالله وبك. ويجوز أن يقول: بالله ثم بك. قال: ويقول: لولا الله ثم فلان؛ ولا تقولوا لولا الله وفلان".


الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الباب في بيان شيء من أنواع الشرك الأصغر في تفسير قوله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 22] هذه الآية نزلت في الشرك الأكبر، والسلف يفسرون الشرك الأكبر بالشرك الأصغر أيضاً لأن النص يعم الأمرين، الآيات التي نزلت في الشرك الأكبر تعم ما ورد في الشرك الأصغر. 
ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 22] قال: هو الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء في الصخرة السوداء في ظلمة الليل، يعني أن كثيرًا من الناس يقع فيه ولا يشعر، ولا ينتبه، والأصل في الأنداد جمع ند، والند هو الشبيه والنظير، وكان المشركون يتخذون مع الله الأنداد من الأصنام والأولياء والملائكة والجن وغيرهم، ولهذا قال سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة: 165] يعني أشباه ونظراء يشبهونهم بالله فيما يصل لهم من العبادة من الدعاء والخوف والرجاء والذبح والنذر فصاروا بهذا قد اتخذوهم أندادًا يعني أشباهًا ونظراء لله وجعلوا الآلة متعددة، ولهذا أنكروا على النبي ﷺ لما قال لهم: قولوا: لا إله إلا الله قالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] وقالوا: أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات: 36] لأنهم اعتادوا الشرك وربوا عليه هم وأباؤهم وأسلافهم فجعلوا من ينهاهم عن الشرك قد أتى أمرًا عظيمًا؛ لأنه قد استقر في أذهانهم أن الآلهة كثيرة تدعى مع الله للشفاعة عند الله، فعندهم الإله الأعظم هو الله، وهذه آلهة دونه تشفع لديه. 
ولهذا لما أسلم حصين بن عبيد الخزاعي قال له النبي ﷺ: كم كنت تعبد يا حصين؟ قال: سبعة، قال: من هو الذي تعده لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: حينئذ الذي في السماء ما دام هو للرغبة والرهبة فدع البقية، فأسلم وترك الآلهة التي كان يعبدها من دون الله، وآمن بأن الله سبحانه هو المستحق للعبادة وهو حصين بن عبيد والد عمران.
فالمشركون كانوا يتخذون مع الله آلهة كثيرة، حتى صار لهم عند الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا منها هبل، مع ما يعبدون من غير ذلك، فأنزل الله جل وعلا قوله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 22] وذمهم وعابهم فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة: 165]، وقال سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 88]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65]، وقال سبحانه: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة: 72].
وبين عليه الصلاة والسلام ما هم عليه من الباطل ودعاهم إلى توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به جل وعلا، فآمن قليل وامتنع الكثير، حتى هاجر المدينة ثم استقر الهدى في المدينة والإيمان والإسلام، ثم استمرت الحروب بينه وبين قريش حتى فتح الله عليه مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجًا وعرفوا الحق وانقادوا للحق وتركوا الباطل.
ويقول ابن عباس في الشرك فسره بالشرك الأصغر: هو أخفى من دبيب النملة السوداء في الصخرة السوداء في الليلة الظلماء، وهو أن تقول: وحياتك يا فلان، يعني الحلف بغير الله، وحياتي، ورأسك وشرفك، وشرف فلان وما أشبه ذلك، كل هذا من الشرك الأصغر، وهكذا قول: لولا الله وفلان، هذا من الله ومن فلان، لولا كليبة هذا لأتى اللصوص، لولا البط -والبط طائر ينبه إذا دخل أحد- لأتى اللصوص، يعني الواجب أن تقول: لولا الله ثم البط، لولا الله ثم الحارس، لولا الله ثم كذا، ولهذا قال ابن عباس: لا تجعل فيها فلانًا، هذا كله به شرك، يعني قل: لولا الله، ثم فلان.

وهكذا حديث حذيفة: لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان
وهذا حديث عمر رضي الله عنه والمحفوظ ابن عمر عند أبي داود والترمذي: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، وأما حديث عمر فهو عند أحمد في المسند بلفظ: من حلف بشيء دون الله فقد أشرك فالحديث ثابت من طريق عمر ومن طريق ابنه عبدالله بن عمر في بيان أن الحلف بغير الله من الشرك وهو عند العلماء من الشرك الأصغر، وقد كان أهل الجاهلية يحلفون بآبائهم في أول الإسلام، وكان المسلمون يحلفون بآبائهم، ثم استقر النهي عن ذلك وأمرهم ﷺ أن يحلفوا بالله وحده، وأن لا يحلفوا بآبائهم.

وقال ابن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقًا" يعني الكذب الذي هو من أعظم الجرائم أهون من الشرك الذي هو الحلف بغير الله!.
وجاء عن إبراهيم النخعي أنه قال: لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان، لولا الله ثم فلان.
فالواجب على المؤمن أن يتأدب بالآداب الشرعية وأن يحذر أنواع الشرك كلها صغيرها وكبيرها فإذا دعت الحاجة إلى شيء في هذا يقول: لولا الله ثم فلان، لولا الله ثم أنت كان هذا، لولا الله ثم شفاعتك، لولا الله ثم قرضك ثم دعمك لنا لكان كذا، بثم لا بأس بهذا، مثل ما في الحديث: لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان.
وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: ما الفرق بين قوله ولحياتي ولعمري؟
الجواب: لعمري هذه جائزة ما فيها واو لحياتي لقسمي قسمي بكذا وكذا كان النبي يستعملها واستعملها غيره فهذا لا حرج فيه، أما إذا جاءت الواو أو الباء أو التاء أو الهمزة منع.
س: ما هي حروف القسم؟
الجواب: أربعة: الواو والباء والتاء والهمزة.
س: مراده بأن صاحب الشرك الأصغر تحت المشيئة؟
الجواب: لا، الشرك تبع الشرك، الأصل في الأدلة أنه لا يغفر له إلا بالتوبة منه أو برجحان حسناته.
س: الحلف بالأمانة أي نوع من أنواع الكفر؟
الجواب: من الشرك الأصغر، يقول النبي ﷺ: من حلف بالأمانة فليس منا
س: القسم بآيات الله؟
الجواب: لا بأس، القرآن كلام الله إذا أقسم بالقرآن لا بأس.
س: بعضهم يقول برأسك يعني بأجلك؟
الجواب: لا ما يصح، لا يقول برأسك ولا بوجهك لا يحلف إلا بالله.

س: بعض الأصدقاء في العمل يحلف بالنبي وقد نصحتهم وأعطيت لهم بعض الكتب فلم يستجيبوا، فهل أعصهم؟

الجواب: عليك أن تدعو لهم بالهداية وتستمر في نصحهم ولا تمل.