07 خوف النبي صلى الله عليه و سلم على أمته من الشرك

قال المصنف رحمه الله تعالى: وعن ابن مسعودٍ : أن رسول الله ﷺ قال: مَن مات وهو يدعو من دون الله ندًّا دخل النار رواه البخاري.

قال ابنُ القيم رحمه الله: "النِّد: الشَّبيه، يُقال: فلان ندّ فلان، ونديده، أي: مثله وشبهه". اهـ.

قال تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22].

قوله: مَن مات وهو يدعو من دون الله ندًّا أي: يجعل لله ندًّا في العبادة: يدعوه، ويسأله، ويستغيث به؛ دخل النار.

قال العلامةُ ابن القيم رحمه الله تعالى:

والشِّرك فاحذره فشرك ظاهر ذا القسم ليس بقابل الغُفران
وهو اتِّخاذ النِّد للرحمن أي يًا كان من حجرٍ ومن إنسان
يدعوه أو يرجوه ثم يخافه ويُحبه كمحبَّة الدَّيان

الشيخ: وهذا من الشِّرك الأكبر؛ ولهذا قال سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]، وهذا شرك المشركين: اتِّخاذ اللَّات والعُزَّى ومناة، وعبادة الملائكة، كل هذا من التَّنديد، ومن الشرك الأكبر، نسأل الله العافية.

واعلم أنَّ اتِّخاذ النِّد على قسمين:

الأول: أن يجعله لله شريكًا في أنواع العبادة أو بعضها كما تقدم، وهو شركٌ أكبر.

والثاني: ما كان من نوع الشِّرك الأصغر، كقول الرجل: ما شاء الله وشئتَ، ولولا الله وأنت. وكيسير الرِّياء، فقد ثبت أنَّ النبي ﷺ لما قال له رجلٌ: ما شاء الله وشئتَ. قال: أجعلتني لله ندًّا؟! بل ما شاء الله وحده رواه أحمد، وابنُ أبي شيبة، والبخاري في "الأدب المفرد"، والنَّسائي، وابن ماجه. وقد تقدم حكمه في باب فضل التَّوحيد.

وفيه بيان أنَّ دعوةَ غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك جليّ: كطلب الشَّفاعة من الأموات؛ فإنها ملك لله تعالى وبيده، ليس بيد غيره منها شيء، وهو الذي يأذن للشَّفيع أن يشفع فيمَن لاقى الله بالإخلاص والتوحيد من أهل الكبائر، كما يأتي تقريره في باب الشَّفاعة إن شاء الله تعالى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: "ولمسلمٍ عن جابرٍ: أن رسول الله ﷺ قال: مَن لقي الله لا يُشرك به شيئًا دخل الجنة، ومَن لقيه يُشرك به شيئًا دخل النار".

جابر هو: ابن عبدالله بن عمرو بن حرام -بمُهملتين- الأنصاري، ثم السّلمي -بفتحتين- صحابي جليل هو وأبوه، ولأبيه مناقب مشهورة رضي الله عنهما. مات بالمدينة بعد السبعين، وقد كُفَّ بصره، وله أربع وتسعون سنة.

قوله: مَن لقي الله لا يُشرك به شيئًا.

قال القرطبي: "أي لم يتَّخذ معه شريكًا في الإلهية، ولا في الخلق، ولا في العبادة، ومن المعلوم من الشرع المجمع عليه عند أهل السنة: أنَّ مَن مات على ذلك فلا بدَّ له من دخول الجنة، وإن جرت عليه قبل ذلك أنواعٌ من العذاب والمحنة. وأنَّ مَن مات على الشِّرك لا يدخل الجنة، ولا يناله من الله رحمة، ويُخلد في النار أبد الآباد، من غير انقطاع عذابٍ، ولا تصرم آماد".

وقال النَّووي: "أما دخول المشرك النار فهو على عمومه، فيدخلها ويُخلد فيها، ولا فرق فيه بين الكتابي -اليهودي والنصراني- وبين عبدة الأوثان وسائر الكفرة، ولا فرق عند أهل الحقِّ بين الكافر عنادًا وغيره، ولا بين مَن خالف ملَّة الإسلام وبين مَن انتسب إليها، ثم حُكم بكفره بجحده، وغير ذلك".

وأما دخول مَن مات غير مُشرك الجنة فهو مقطوعٌ له به، لكن إن لم يكن صاحب كبيرةٍ مات مُصرًّا عليها دخل الجنة أولًا، وإن كان صاحب كبيرةٍ مات مُصرًّا عليها فهو تحت المشيئة: فإن عفا اللهُ عنه دخل الجنة أولًا، وإلا عُذِّب في النار، ثم أُخرج من النار وأُدخل الجنَّة.

الشيخ: وهذا كلام تحقيق، كلام النَّووي كلام جيد؛ فإنَّ المشرك إذا مات على الشرك، سواء كان يهوديًّا، أو نصرانيًّا، أو مجوسيًّا، أو وثنيًّا، أو شيوعيًّا، هذا مُخلد في النار أبد الآباد، أما مَن مات على التوحيد فهذا مصيره الجنة، فإن كان مات على التوبة، لم يُصرّ على كبيرةٍ؛ فله الجنة من أول وهلةٍ، أما إن مات مُصرًّا على كبيرةٍ، فهذا تحت المشيئة: إن شاء الله غفر له وعفا عنه، وإن شاء عذَّبه على قدر جريمته، كما جاءت به النصوص المتواترة: أنَّ كثيرًا من العُصاة يُعذَّبون في النار على قدر معاصيهم، ثم يخرجون منها إلى الجنة. وهذا قول أهل السنة والجماعة.

فالعُصاة تحت المشيئة كما قال جلَّ وعلا: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، إذا ماتوا على كبيرةٍ لم يتوبوا: على الزنا، أو الخمر، أو غير ذلك، بعض الناس قد يُعفا عنه بأعمالٍ صالحةٍ، أو لشفاعة الشُّفعاء. وكثيرٌ من الناس يدخلون النار بمعاصيهم، ويُعذَّبون فيها، لكن لا يُخلدون فيها خلود الكفَّار، بل يُعذَّبون فيها على قدر جرائمهم، ثم يُخرجهم الله منها بتوحيدهم وإخلاصهم، تارةً بشفاعة الشُّفعاء، وتارةً بغير ذلك، ويبقى بقية من العُصاة يُخرجهم الله من النار بغير شفاعة أحدٍ، بل بفضله ورحمته بعدما امتُحِشوا فيها وقاموا فيها ما شاء الله.

س: مَن سمع بموت زعيمٍ من زعماء اليهود أو النَّصارى فقال: هو في النار، هذا ما فيه بأس؟

ج: الظاهر أنه إذا عرف كفرَه، لكن الشَّاهد المعين محل نظرٍ، لكن إذا عُرف كفره: مات على اليهودية، أو مات على الوثنية؛ فهو مثلما نقول في أبي جهل وأشباهه: أنه في النار، مَن عُرف أنه مات على الكفر مثل: رئيس اليهود وأشباهه، لا شكَّ أنه من أهل النار، نسأل الله العافية.

وقال غيره: اقتصر على نفي الشِّرك لاستدعائه التوحيد بالاقتضاء، واستدعائه إثبات الرسالة باللزوم؛ إذ مَن كذَّب رسل الله فقد كذَّب الله، ومَن كذَّب الله فهو مُشرك، وهو كقولك: مَن توضأ صحَّت صلاته. أي: مع سائر الشُّروط، فالمراد: مَن مات حال كونه مؤمنًا بجميع ما يجب الإيمانُ به: إجمالًا في الإجمالي، وتفصيلًا في التَّفصيلي. انتهى.

باب الدُّعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

..........

وقول الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108].

قوله: "باب الدُّعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله".

لما ذكر المصنفُ رحمه الله التوحيد وفضله، وما يُوجب الخوف من ضدِّه، نبَّه بهذه الترجمة على أنه لا ينبغي لمن عرف ذلك أن يقتصر على نفسه، بل يجب عليه أن يدعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، كما هو سبيل المرسلين وأتباعهم.

كما قال الحسنُ البصري لما تلا قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] فقال: "هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحبّ أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين. هذا خليفة الله".

الشيخ: ولا شكَّ أنَّ مَن فعل هذا على صدقٍ وإخلاصٍ ممن فعل الخير العظيم: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، دعا إلى الله وعمل، حقق القول بالعمل مثلما قال الحسن: "هذا حبيب الله، هذا ولي الله"، أجاب الحقَّ، ثم دعا إلى الحقِّ، فأجاب الحقَّ، واستقام على الحقِّ، ودعا الناس إلى الحقِّ عن إخلاصٍ، وعن صدقٍ.

قال رحمه الله: وقوله: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108].

قال أبو جعفر ابن جرير: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمدٍ ﷺ: قُلْ يا محمد هَذِهِ الدَّعوة التي أدعو إليها، والطَّريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته، وترك معصيته سَبِيلِي طريقتي ودعوتي، أَدْعُو إِلَى اللَّهِ تعالى وحده لا شريكَ له، عَلَى بَصِيرَةٍ بذلك، ويقينٍ وعلمٍ مني به أَنَا، ويدعو إليه على بصيرةٍ أيضًا مَنِ اتَّبَعَنِي وصدَّقني وآمن بي، وَسُبْحَانَ اللَّهِ يقول له تعالى ذكره: وقل: تنزيهًا لله تعالى، وتعظيمًا له من أن يكون له شريكٌ في ملكه، أو معبود سواه في سلطانه. وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يقول: وأنا بريءٌ من أهل الشِّرك به، لستُ منهم، ولا هم مني". انتهى.

الشيخ: وهذا هو الواجب على الدَّاعي إلى الله: أن يكون على بصيرةٍ، وعلى علمٍ، وأن يتَّبع ما يدعو إليه، ويستقيم عليه، ويتبرأ إلى الله من الشِّرك وأهله، هكذا كان الرسلُ عليهم الصلاة والسلام، وعلى رأسهم وإمامهم وخاتمهم يدعو إلى الله على بصيرةٍ، ويتبع ما يدعوه.

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي يعني: طريقي ومحجَّتي وما أنا عليه، أَدْعُو إِلَى اللَّهِ لا إلى غيره: لا إلى ملكٍ، ولا إلى مالٍ، ولا إلى جاهٍ، ولا إلى غير هذا، أدعو إلى الله: إلى توحيد الله، وطاعته، واتِّباع شريعته، عَلَى بَصِيرَةٍ على علمٍ، وعلى هدى، لا على جهلٍ، أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي هو يدعو كذلك، وأتباعه كذلك: أهل البصائر، وأهل الإيمان، وأهل الهُدى.

قال في "شرح المنازل": يريد أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم، وهي البصيرة التي تكون نسبة المعلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر، وهذه هي الخصيصة التي اختصَّ بها الصحابة عن سائر الأمة، وهي أعلى درجات العلماء، قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي أي: أنا وأتباعي على بصيرةٍ. وقيل: "مَن اتَّبعني" عطف على المرفوع في "أدعو"، أي: أنا أدعو إلى الله على بصيرةٍ، ومَن اتَّبعني كذلك يدعو إلى الله تعالى على بصيرةٍ.

وعلى القولين فالآية تدل على أنَّ أتباعه هم أهل البصائر، الدَّاعون إلى الله تعالى، ومَن ليس منهم فليس من أتباعه على الحقيقة والموافقة، وإن كان مَن أتباعه على الانتساب والدَّعوى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: "فيه مسائل:

منها التَّنبيه على الإخلاص؛ لأنَّ كثيرًا من الناس لو دعا إلى الحقِّ فهو يدعو إلى نفسه.

ومنها: أنَّ البصيرة من الفرائض.

ومنها: أنَّ من دلائل حُسن التوحيد أنه تنزيهٌ لله تعالى عن المسبَّة.

ومنها: أنَّ من قبح الشِّرك كونه مسبّةً لله تعالى.

ومنها: إبعاد المسلم عن المشركين، لا يصير منهم ولو لم يُشرك". اهـ.

وقال العلامةُ ابن القيم رحمه الله تعالى في معنى قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125]، ذكر سبحانه مراتب الدَّعوة، وجعلها ثلاثة أقسامٍ بحسب حال المدعو:

فإنه إمَّا أن يكون طالبًا للحقِّ، مُحبًّا له، مُؤثِرًا له على غيره إذا عرفه، فهذا يُدعى بالحكمة، ولا يحتاج إلى موعظةٍ وجدالٍ.

وإما أن يكون مُشتغلًا بضدِّ الحقِّ، لكن لو عرفه آثره واتَّبعه، فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والتَّرهيب.

وإما أن يكون مُعاندًا، مُعارضًا، فهذا يُجادَل بالتي هي أحسن، فإن رجع وإلا انتُقل معه إلى الجدال إن أمكن. انتهى.

الشيخ: وهذا هو الحقّ: الناس أقسام، فالله رتَّبهم جلَّ وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ يعني: بالعلم، قال الله، وقال رسوله، وبوضع الأشياء في مواضعها، فيدعوه على قدر حاله، ويُوضح له الأدلة على قدر حاله؛ حتى يقبل الحقَّ، هذا إذا كان رغب بالحقِّ، ما عنده شُبهة، ولا عنده إعراض، بل يتطلب الخير، ويريد الخير، هذا يُخاطب بالتي هي أحسن، ويُوضح له الأمر بالأسلوب الحسن المناسب الذي يُوضح له الحقّ، فإن كان عنده أشياء مما يشغله عن العلم ويُثبطه عن القبول؛ رُغب بالموعظة والترغيب والترهيب، وذكر ما للمسلم من الخير العظيم، وما للكفَّار من الشَّر العظيم، فيحتاج إلى ترغيبٍ وترهيبٍ وموعظةٍ، أما إن كانت عنده شُبَهٌ ومُعارضات فيُجادَل بالتي هي أحسن في إقامة الأدلة وكشف الشبهة، فإن رجع واستقام وإلا انتُقل معه إلى ما يليق به: من استتابته، من تأديبه، من غير ذلك، كما قال جلَّ وعلا في آية العنكبوت: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]، مَن ظلم يُنتقل معه إلى ما يقتضيه ظلمه: من تأديبٍ، أو سجنٍ، أو غير ذلك، نعم.

س: الدَّاعية إذا كان في بلادٍ ينتشر فيها الشِّرك، واشتغل بإنكار الكبائر، فهل يثرب على هذا؟

ج: هذا ليس عنده بصيرة، يشتغل بإنكار الشرك، فترك الكبائر ما ينفع إذا بقي على الشرك، لكن يشتغل معه بتبيين التوحيد وأدلته، وبيان أنواع الشرك، لعله ينجو من الشرك، فإذا نجا من الشِّرك فقد نجا من شرٍّ عظيمٍ، والكبائر تحت المشيئة، ولكن يجتهد في إيضاح أدلة التوحيد وأدلة الشرك، لعله يقبل منه ويُخرجه الله من الكفر إلى الإسلام.

س: لو قال: إني أشتغل بالآخرين الذين يقعون في الكبائر، إذا كان المجتمعُ فيه أخلاط من مشركين وممن يقع في الكبائر؟

ج: هذا وهذا، كلٌّ ينصحه بما يليق به: أهل الكبائر لهم نصيحة، وأهل الشِّرك لهم نصيحة.

وقال أيضًا رحمه الله تعالى: "وَالْفَرق بَين حُبِّ الْإِمَارَة للدَّعوة إِلَى الله وَحُبِّ الرياسة هُوَ الْفَرق بَين تَعْظِيم أَمر الله والنُّصح لَهُ، وتعظيم النَّفس وَالسَّعْي فِي حظِّها، فَإِنَّ الناصح لله، الْمُعظم لَهُ، الْمُحبّ لَهُ يُحب أَن يُطاع ربّه فَلَا يُعْصى، وَأَن تكون كَلمته هِيَ الْعُليا، وَأَن يكون الدّينُ كُله لله، وَأَن يكون الْعِباد ممتثلين أوامره، مُجتنبين نواهيه، فقد نَاصح الله فِي عبوديته، وناصح خلقه فِي الدَّعْوَة إِلَى الله، فَهُوَ يُحب الْإِمَامَة فِي الدِّين، بل يَسْأَل ربَّه أَن يَجعله لِلْمُتقين إمامًا يَقْتَدِي بِهِ المتَّقون، كَمَا اقْتَدى هُوَ بالمتقين.

فَإِذا أحبَّ هَذَا العَبْدُ الدَّاعِي إِلَى الله أَن يكون فِي أَعينهم جَلِيلًا، وَفِي قُلُوبهم مهيبًا، وإليهم حبيبًا، وَأَن يكون فيهم مُطَاعًا؛ لكَي يأتموا بِهِ، ويقتفوا أثر الرَّسُول على يَده؛ لم يضرّهُ ذَلِك، بل يُحمد عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ دَاعٍ إِلَى الله، يُحب أَن يُطاع ويُعبد ويُوحد، فَهُوَ يُحب مَا يكون عونًا على ذَلِك، مُوصِّلًا إِلَيْهِ.

وَلِهَذَا ذكر سُبْحَانَهُ عباده الَّذين اختصَّهم لنَفسِهِ، وَأَثْنى عَلَيْهِم فِي تَنْزِيله، وَأحسن جزاءهم يَوْمَ لِقَائِه، فَذَكرهمْ بِأَحْسَن أَعْمَالهم وأوصافهم، ثمَّ قَالَ: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74]، فَسَأَلُوهُ أَن يُقرّ أَعينهم بِطَاعَة أَزوَاجهم وذُرياتهم لَهُ سُبْحَانَهُ.

مداخلة: الإخوان يقولون: عندي في النسخة زيادة ما هي في نُسخهم يا شيخ.

الشيخ: أيش عندك؟

الطالب: الكلام الذي هو: والفرق بين حبِّ الإمامة.

الشيخ: أيش الذي عندك؟

الطالب: وقال أيضًا مذكور في الحاشية، قال: من هنا ساقط. ومعلق من هامش الأصل.

الشيخ: الذي عندك؟

الطالب: الذي عندي بعد كلام ابن القيم: وقال أيضًا رحمه الله: والفرق بين حبِّ الإمامة والدَّعوة إلى الله وحبّ الرياسة.

الشيخ: ...... عندكم؟

الطلاب: ...........

الشيخ: نسخة، نسخة، ما يُخالف.

الطالب: لكن هو يقول: هذا كله ساقط؟

الشيخ: هذا تعليق على الحاشية، فائدة من كلام ابن القيم في بعض النُّسخ.

فَسَأَلُوهُ أَن يُقرّ أَعينهم بِطَاعَة أَزوَاجهم وذُرياتهم لَهُ سُبْحَانَهُ، وَأَن يسرّ قُلُوبهم بِاتِّبَاع الْمُتَّقِينَ لَهُم على طَاعَته وعبوديته، فَإِنَّ الإِمَام والمؤتم مُتعاونان على طاعته، وَإِنَّمَا سَأَلُوهُ مَا يُعاونون بِهِ الْمُتَّقِينَ على مرضاته وطاعته، وَهُوَ دعوتهم إِلَى الله بِالْإِمَامَةِ فِي الدِّين الَّتِي أساسها الصَّبْر وَالْيَقِين، قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24].

وسُؤالهم أَن يجعلهم أَئِمَّةً لِلْمُتقين هُوَ سُؤال أَن يَهْدِيهم ويُوفقهم ويمنَّ عَلَيْهِم بالعلوم النَّافعة والأعمال الصَّالِحَة ظَاهرًا وَبَاطنًا، الَّتِي لَا تتمّ الْإِمَامَةُ إِلَّا بهَا.

وَتَأمل كَيفَ نسبهم فِي هَذِه الْآيَات إِلَى اسْمِه: الرَّحْمَن جلَّ جَلَاله؛ ليعلم خلقه أَنَّ هَذَا إِنَّمَا نالوه بِفضله ورَحمته ومحض جوده ومِنَّته، وَتَأمل كَيفَ جعل جزاءَهم فِي هَذِه السُّورَة الغُرف، وَهِي الْمنَازل الْعَالِيَة فِي الْجنَّة، وهذا لما كَانَت الْإِمَامَةُ فِي الدِّين من الرُّتَب الْعَالِيَة، بل من أَعلَى مراتب يُعطاها العَبْدُ فِي الدنيا، كَانَ جَزَاؤُهُ عَلَيْهَا الغُرف الْعَالِيَة فِي الْجنَّة.

وَهَذَا بِخِلَاف طلب الرياسة؛ فَإِنَّ طالبيها يسعون فِي تَحْصِيلهَا لينالوا بهَا أغراضَهم من الْعُلُوِّ فِي الأَرْض، وَتعبّد الْقُلُوب لَهُم، وميلها إِلَيْهِم، ومُساعدتهم لَهُم على جَمِيع أغراضهم، مَعَ كَونهم عالين عَلَيْهِم، قاهرين لَهُم، فترتب على هَذَا الطَّلب من الْمَفَاسِد مَا لا يعلمهُ إِلَّا الله: من الْبَغي والحسد والطُّغيان والحقد وَالظُّلم والفتنة وَالْحَميَّة للنَّفس دون حقِّ الله، وتعظيم مَن حقره الله، واحتقار مَن أَكْرمه الله، وَلَا تتمّ الرِّياسة الدُّنْيَوِيَّة إِلَّا بذلك، وَلَا تُنَال إِلَّا بِهِ وبأضعافه من الْمَفَاسِد.

والرُّؤساء فِي عمى عَن هَذَا، فَإِذا كُشف الغطاء تبين لَهُم فَسَاد مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا إِذا حُشروا فِي صور الذَّر يطؤهم أهلُ الْمَوقف بأرجلهم؛ إهانةً لَهُم، وتحقيرًا، وتصغيرًا، كَمَا صغَّروا أَمر الله وحقَّروا عباده". انتهى كلامه رحمه الله.

قال: وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله ﷺ لما بعث معاذًا إلى اليمن قال: إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله -وفي روايةٍ: إلى أن يُوحِّدوا الله- فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم خمس صلواتٍ في كل يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً تُؤخذ من أغنيائهم، وتُردّ على فُقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإيَّاك وكرائم أموالهم، واتَّقِ دعوةَ المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب أخرجاه.

قال الحافظ: كان بعث معاذٍ إلى اليمن سنة عشرٍ، قبل حجِّ النبي ﷺ، كما ذكره المصنف -يعني: البخاري في أواخر المغازي- وقيل: كان ذلك في آخر سنة تسعٍ عند منصرفه ﷺ من تبوك.

رواه الواقدي بإسناده إلى كعب بن مالك، وأخرجه ابنُ سعدٍ في "الطبقات" عنه، واتَّفقوا على أنه لم يزل على اليمن إلى أن قدم في خلافة أبي بكر ، ثم توجَّه إلى الشام فمات بها.

قال شيخُ الإسلام: ومن فضائل معاذٍ : أنه ﷺ بعثه إلى اليمن مُبلِّغًا عنه، ومُفَقِّهًا، ومُعلِّمًا، وحاكمًا.

الشيخ: وهكذا يُشرع لولاة الأمور بعث الدُّعاة المعلمين والمرشدين إلى الجهات المحتاجة، مثلما بعث النبيُّ معاذًا، وبعث أبا موسى، وبعث عليًّا، وبعث السَّبعين القُرَّاء، وبعث غيرهم؛ ليُعلموا الناس ويُفقهوهم.

قوله: إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب.

قال القرطبي: "يعني به اليهود والنَّصارى؛ لأنهم كانوا في اليمن أكثر من مُشركي العرب، أو أغلب، وإنما نبَّهه على ذلك ليتهيأ لمناظرتهم".

وقال الحافظ: "هو كالتَّوطئة للوصية لجمع همَّته عليها".

قوله: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله.

"شهادة" رُفع على أنه اسم "يكن" مُؤخر. و"أول" خبرها مُقدم. ويجوز العكس.

قوله: "وفي روايةٍ: إلى أن يُوحِّدوا الله" هذه الرِّواية ثابتة في كتاب "التوحيد" من "صحيح البخاري"، وأشار المصنفُ بذكر هذه الرِّواية إلى التَّنبيه على معنى شهادة "أن لا إله إلا الله"؛ فإنَّ معناها: توحيد الله بالعبادة، ونفي عبادة ما سواه.

وفي روايةٍ: فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، وذلك هو الكفر بالطَّاغوت، والإيمان بالله، كما قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا [البقرة:256]، والعروة الوثقى هي "لا إله إلا الله".

وفي روايةٍ للبخاري: فقال: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله.

قلتُ: لا بدَّ في شهادة "أن لا إله إلا الله" من سبعة شروط، لا تنفع قائلها إلا باجتماعها:

أحدها: العلم المنافي للجهل.

الثاني: اليقين المنافي للشَّك.

الثالث: القبول المنافي للرد.

الرابع: الانقياد المنافي للترك.

الخامس: الإخلاص المنافي للشِّرك.

السادس: الصدق المنافي للكذب.

السابع: المحبَّة المنافية لضدِّها.

الشيخ: وهذا يجتمع في كونه يقولها عن إيمانٍ وصدقٍ وإخلاصٍ، وبراءةٍ من الشرك وأهله: شهادة أن لا إله إلا الله، وهكذا يشهد أنَّ محمدًا رسول الله، ولا إسلامَ إلا بهاتين الشَّهادتين، هاتان مفتاح الإسلام، وأول ما يدخل في الإسلام: أن يشهد أن لا إله إلا الله عن صدقٍ، وعن علمٍ أنه لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، ويشهد أنَّ محمدًا رسول الله.

وهذه الشروط السبعة يعرفها مَن تأملها، وجماعه أنه يقول ذلك عن صدقٍ، وعن إخلاصٍ، وعن براءةٍ من الشرك وأهله، ومحبّته لله جلَّ وعلا ورسوله، هذا هو الإخلاص، لا يقولوها وهو لا يعرف معناها، أو لا يُؤمن به، أو لا يُصدق به، أو لا يُخلص فيها، بل يُشرك مع الله، أو لا يقبل ما جاء به الرسول، ولا ينقاد له، بل لا بدَّ من هذا كله.

وجمعها بعضهم في بيتٍ فقال:

علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبَّة وانقياد والقبول لها

زاد شيخنا الشيخ سالم رحمه الله:

وزيد ثامنها الكفران منك بما سوى الإله من الأشياء قد ألها

وصارت شرطًا ثامنًا من باب الإيضاح لقوله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256].

والمقصود أنَّ الإنسان يأتي بهاتين الشَّهادتين عن علمٍ، عن بصيرةٍ، عن محبَّةٍ لله ورسوله، عن انقيادٍ للشرع، وقبولٍ ومحبَّةٍ وصدقٍ، فإن قال ذلك عن غير هذه الشروط ما صار مؤمنًا بها، فالجاهل الذي ما يعرف معناها ما وحَّد الله، لا بدَّ أن يعرف معناها، وأنَّ معناها ترك الشرك، وإخلاص العبادة لله وحده، ولا بدَّ أن يكون عن يقينٍ، ما هو عن ترددٍ وشكٍّ، لا بدَّ عن صدقٍ، ما هو عن كذبٍ كالمنافقين يقولونها باللسان، وفي الباطن يُكذب بها، هذه حال المنافقين.

فلا بدَّ من محبَّةٍ: يُحب الله ورسوله، ولا بدَّ من انقيادٍ للشرع، وقبول للشرع، أما مَن ترك الشَّرع ولم يقبله ولم يُرده فليس بمسلمٍ، فلا بدَّ أن يكون عنده انقيادٌ للشرع، وقبول للشرع، وخضوع له، مع محبَّةٍ لله ورسوله، مع الإخلاص لله في ذلك، والصدق في ذلك، والكفر بالطاغوت، والإيمان بالله، يعني: يتبرأ من عبادة غير الله ويُنكرها ويعتقد بطلانها، وأن العبادة الحقّ هي عبادة الله وحده دون كلِّ ما سواه، كما قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وقال عليه الصلاة والسلام: مَن قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبد من دون الله؛ حَرُمَ ماله ودمه كما يأتي.

س: أليس بين القبول والانقياد تداخل؟

ج: القبول شيء، والانقياد شيء، لا بدَّ أن يقبل الحقَّ، ولا بدَّ أن ينقاد له بالعمل يعني.

وفيه دليل على أنَّ التوحيد الذي هو إخلاص العبادة لله وحده لا شريكَ له، وترك عبادة ما سواه؛ هو أول واجبٍ؛ ولهذا كان أول ما دعت إليه الرسل عليهم السلام: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون:32]، وقال نوح: أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ [هود:26]، وفيه معنى "لا إله إلا الله" مُطابقة.

الشيخ: يعني: أول واجبٍ البراءة من عبادة غير الله، واعتقاد أنَّ العبادة الحقّ لله وحده، هذا أول واجبٍ: إخلاص العبادة لله وحده، وترك عبادة ما سواه، هذا أول واجبٍ، وأعظم واجبٍ: ترك الشرك، والإخلاص لله في العبادة، والإيمان بأنه سبحانه المستحقّ للعبادة دون كلِّ ما سواه، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62].

س: ...............؟

ج: هذا غلط، هذا طريقة جماعة التبليغ في الهند وباكستان -جُهَّالهم- هذا غلط، الأساس التوحيد إذا كان يدعو كفَّارًا، أما إذا كان يدعو مسلمين معروفين يدعوهم إلى الصلاة، وإلى الأعمال الصَّالحات، وإلى ترك المعاصي، لكن إذا كان يدعو الكفَّار لا بدَّ أن يدعوهم إلى توحيد الله، مثلما قال النبيُّ لمعاذٍ: ادعوهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، يبدأ بتوحيد الله، الأعمال ما تنفع، لو صلوا وصاموا وهم مُشركون ما نفعتهم.

أما إذا كانت الدَّعوة بين المسلمين: يُشجعهم على العبادات، ويُرغبهم، هذا ما يحتاج إذا اشتغل بالصلاة أو بالصوم أو بترك المعاصي، يُحذرهم من المعاصي.

طيب أيش ينفع لو قام يدعو إلى الله فقط يُحذر من الخمر، ويُحذر من المسكرات؟ مشكور، أو قام يدعو إلى الصلاة فقط، خصَّ كلامه بالصلاة والترغيب فيها، والتحريم من تركها، مشكور، أو قام يدعو إلى برِّ الوالدين وصلة الرحم، مشكور، أو يُحذر من الربا، هذه كلها من الدِّين.

س: مَن رأى مُسْبِلًا يُصلي بالناس، فقام وبيَّن أحاديث النبي ﷺ في تحريم الإسبال، فقام رجلٌ إليه فقال: أنت تتكلم فيما هو دون ذلك، والأولى بك أن تتكلم في التوحيد، وأن تدعو الناس إلى الجهاد؟

ج: لا، ما في بأس إذا تكلم، ما دام حقًّا الحمد لله، الناس محتاجون للحقِّ، إذا تكلم في الإسبال، أو تكلم في حلق اللِّحَى، أو توفير اللِّحَى، مشكور؛ لأنَّ الناس مُصابون بأشياء كثيرةٍ.

س: يقول: ينبغي أن تتكلم في الأولويّة؟

ج: لا، ما هو بلازمٍ، على حسب الأحوال: إذا كان الناس مُبتلون بحلق اللِّحى، وهم مُوحِّدون، مُصلون، ولكن ابتُلوا بحلق اللِّحَى؛ يُنبِّههم على حلق اللِّحى، ابتُلوا بالربا يُنبِّههم على الربا، ابتُلوا بإسبال الثياب وهم مُسبلون يُنبِّههم على الإسبال، أما إذا كان بين المشركين يدعوهم إلى توحيد الله، ما يدعوهم إلى ترك الإسبال، إذا كان بين المشركين يدعوهم إلى توحيد الله وترك الشِّرك.

قال العلامةُ ابن القيم: ولهذا خاطب الرسلُ أممَهم مخاطبةَ مَن لا شكَّ عنده في الله، وإنما دعوهم إلى عبادة الله وحده، لا إلى الإقرار به، فقالت لهم: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [إبراهيم:10]، فوجوده سبحانه وربوبيته وقُدرته أظهر من كل شيءٍ على الإطلاق، فهو أظهر للبصائر من الشمس للأبصار، وأبين للعقول من كل ما تعقله وتُقرّ بوجوده، فما مُنكره إلا مُكابر بلسانه وقلبه وعقله وفطرته، وكلها تُكذبه.

قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ [الرعد:2].

قال شيخُ الإسلام: "وقد عُلم بالاضطرار من دين الرسول ﷺ، واتَّفقت عليه الأمة: أن أصل الإسلام وأول ما يُؤمر به الخلق: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، فبذلك يصير الكافر مسلمًا، والعدو وليًّا، والمباح دمه وماله معصومَ الدَّم والمال.

ثم إن كان ذلك من قلبه فقد دخل في الإيمان، وإن قاله بلسانه دون قلبه فهو في ظاهر الإسلام دون باطن الإيمان.

قال: وأما إذا لم يتكلم بها مع القُدرة فهو كافر باتِّفاق المسلمين باطنًا وظاهرًا، عند سلف الأمة وأئمّتها وجماهير العلماء". اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: "وفيه أنَّ الإنسان قد يكون عالـمًا وهو لا يعرف معنى "لا إله إلا الله"، أو يعرفه ولا يعمل به".

قلتُ: فما أكثر هؤلاء، لا كثَّرهم الله تعالى.

قوله: فإن هم أطاعوك لذلك أي: شهدوا وانقادوا لذلك، فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم خمس صلواتٍ، فيه أنَّ الصلاة أعظم واجب بعد الشَّهادتين.

قال النَّووي ما معناه: أنه يدل على أنَّ المطالبة بالفرائض في الدنيا لا تكون إلا بعد الإسلام، ولا يلزم من ذلك ألا يكونوا مُخاطبين بها، ويُزاد في عذابهم بسببها في الآخرة، والصحيح أنَّ الكفَّار مخاطبون بفروع الشريعة: المأمور به، والمنهي عنه. وهذا قول الأكثرين. اهـ.

الشيخ: وهذا هو الصواب: أنهم مُخاطبون بفروع الشريعة، ولكن لا تُطلب منهم في الدنيا إلا إذا أسلموا، ولكن في الآخرة يُعاقبون عليها: على تركهم الحقّ وإعراضهم عنه إلى الباطل؛ ولهذا قال جلَّ وعلا في حقِّ الكفَّار: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ۝ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ۝ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ۝ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ۝ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:42- 46]، فأخبر أنَّ هذا هو الذي أدخلهم جهنم، نسأل الله العافية.

وهم مُخاطبون بفروع الشريعة، ويستحقّون العقابَ على ما ضيَّعوا، لكن لا تُقبل منهم في الدنيا، ولا يُطالبون بها في الدنيا إلا إذا أسلموا، إذا أتوا بالشَّهادتين يُطالبون بحقوق الإسلام.

قوله: فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً تُؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فُقرائهم فيه دليل على أنَّ الزكاة أوجب الأركان بعد الصَّلوات، وأنها تُؤخذ من الأغنياء، وتُصرف إلى الفُقراء، وإنما خصَّ النبيُّ ﷺ الفقراء لأنَّ حقَّهم في الزكاة آكدُ من حقِّ بقية الأصناف الثَّمانية.

الشيخ: ولهذا بدأ اللهُ بهم فقال: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]؛ ولأنَّ وجودهم أعمّ، خلاف الأصناف الأخرى، فالواجب أخذ المال من المزكِّي وصرفه في جهته: في الفقراء والمساكين، وإذا صُرفت في بقية الأصناف كذلك، لكن هؤلاء أهمّ وأعمّ وأكثر وجودًا وأحوج؛ ولهذا بدأ الله بهم: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، ثم قال: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60] إلى آخره، وهذا يدل على أنهم إنما يُطالبون بالزكاة والصَّلاة إذا أسلموا؛ ولهذا قال ﷺ: فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم، فدلَّ ذلك على أنهم إذا لم يستجيبوا للدخول في الإسلام لا يُطالبون بالزكاة، ولا بالصلاة، ولا بغيرها.

س: الأصناف الثَّمانية هل يُقدم بعضُهم على بعضٍ؟

ج: حسب الحاجة، حسب المصلحة، أقول: حسب الحاجة وحسب المصلحة، وإلا فالأصل هم الفقراء والمساكين، هم المقدَّمون، لكن قد يحتاج للتَّأليف لمصلحةٍ تقتضي ذلك، قد يكون هناك حاجةٌ إلى أبناء السَّبيل؛ لاضطرارهم، يبدأ بهم، أو خوفًا عليهم من الهلكة، فالمزكي يُراعي الأصلح فالأصلح، والأنفع فالأنفع، والأهم فالأهم.

س: .............؟

ج: هذا فيه تفصيل: إذا كان بين المسلمين يُقتل، وإن كانوا في الحرب لا، إذا كان في الحرب والجهاد لا، ولو قتل جماعةً إذا أسلم انتهى، عُصم دمه وماله، أما مُستأمن بين المسلمين: حرفي، وعامل، أو سائق؛ يَقتل يُقتل، ويُعمل بالقصاص في حقِّه، أما في الجهاد الذي مثل: قاتل المسلمين في البوسنة، وقتل المسلم، ثم أسلم الكافر، لا، ما يُقتل، أسلم على ما أسلف من خيرٍ، ويُرفع عنه، مثل: الذين قاتلوا مع النبي ﷺ في بدرٍ، وفي أحدٍ.

س: .............؟

ج: الإسلام يعصمه مما مضى.

س: .............؟

ج: إذا كان عندك سائقٌ أو عاملٌ كافرٌ وقتل واحدًا من جيرانك يُقتل به، المحكمة تحكم بقتله، الذي بين المسلمين إذا تعدَّى يُقتل، وإذا أخذ مالًا وأشباهه يُعامل بما يستحقّ، المسلم أولى منه، فإذا كان المسلمُ يُقتل فهو من باب أولى، ولكنَّ الكافر الذي بين الكفَّار في قتاله لنا في حال الحرب هذا إذا أسلم يعصم ما مضى، يعصم دمه في حال الحرب.

س: .............؟

ج: هذا من بيت المال، الخمس هذا من بيت المال، ما هو من الزكاة، هو من بيت المال، يُعطيهم ولي الأمر من بيت المال على حسب ما يرى من المصلحة؛ جبرًا لهم، أما الزكاة فلا يُعطون إلا إذا كانوا فقراء، وأبناء السَّبيل كذلك إذا كانوا فقراء، أما لو كان عنده مال فيُعطى وليه يُنفق عليه، والحمد لله.

وفيه: أنَّ الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها: إما بنفسه، أو نائبه، فمَن امتنع عن أدائها إليه أُخذت منه قهرًا.

وفي الحديث دليلٌ على أنه يكفي إخراج الزكاة في صنفٍ واحدٍ، كما هو مذهب مالك وأحمد.

الشيخ: وهذا هو الصواب، ما هو بلازمٍ أن تُوزع على الثَّمانية، إذا أعطى واحدًا من الأصناف كفى، أعطى زكاته للفقراء، لأبناء السبيل، أو للغارمين كفى.

وفيه أنه لا يجوز دفعها إلى غنيٍّ، ولا إلى كافرٍ غير المؤلف، وأنَّ الزكاة واجبة في مال الصبي والمجنون، كما هو قول الجمهور؛ بعموم الحديث.

الشيخ: لأنه قال: تُؤخذ من أغنيائهم يعمّ الصغير والكبير، يعمّ المجنون وغيره؛ لأنها تتعلق بمالٍ، فتعمّ أموال الصغار، وأموال المجانين، وأموال غيرهم.

س: ...............؟

ج: الظاهر والله أعلم أنه عامٌّ، إذا عرف أنه مؤلف نعم، لكن الإمام أبصر بهذا وأفهم لهذه المسائل، وإلا لا بدَّ أن الإنسان يعرف المؤلف، وأراد أن يُعطيه من الزكاة لتأليفه على الإسلام: من رؤساء الناس، ومن أعيان الناس، إذا كان يُرجى بإعطائهم إسلام نُظرائهم، أو قوة إيمانهم، الظاهر أنه يعمّ.

س: ...............؟

ج: يُعطون لتأليفهم على الإسلام، ولدفع شرِّهم أيضًا، أو إسلام نُظرائهم، أو لقوة إيمانهم.

قلتُ: والفقير إذا أُفرد في اللَّفظ تناول المسكين، وبالعكس، كنظائره. كما قرره شيخُ الإسلام.

قوله: إياك وكرائم أموالهم بنصب "كرائم" على التَّحذير، وجمع كريمة.

قال صاحبُ المطالع: "هي الجامعة للكمال الممكن في حقِّها: من غزارة لبنٍ، وجمال صورةٍ، وكثرة لحمٍ وصوفٍ". ذكره النَّووي.

قلتُ: وهي خيار المال وأنفسه وأكثره ثمنًا.

وفيه أنه يحرم على العامل في الزكاة أخذ كرائم المال، ويحرم على صاحب المال إخراج شرار المال، بل يُخرج الوسط، فإن طابت نفسُه بالكريمة جاز.

الشيخ: يعني إذا طابت نفسُه وأخرج الكريمة من نفسه فله أجر ذلك، لكن العامل لا يُلزمه بالكريمة، لا يأخذ الكريمة، ولا الرديئة، يأخذ الوسط.

قوله: واتَّقِ دعوة المظلوم أي: اجعل بينك وبينها وقاية: بالعدل وترك الظلم، وهذان الأمران يقيان مَن رزقهما من جميع الشُّرور دنيا وأخرى.

وفيه تنبيهٌ على التَّحذير من جميع أنواع الظُّلم.

الشيخ: ولهذا قال جلَّ وعلا: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19]، وقال سبحانه: وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [الشورى:8]، وقال النبي ﷺ: اتَّقوا الظلم؛ فإنَّ الظلم ظُلمات يوم القيامة، والواجب على المسلم الحذر من الظلم لزوجته، لأولاده، لجيرانه، لغيرهم، يجب الحذر من الظلم بالقول والفعل جميعًا، والواجب العدل؛ ولهذا قال ﷺ في الحديث الصحيح: كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمه، وماله، وعرضه.

قوله: فإنه أي الشأن ليس بينها وبين الله حجاب هذه الجملة مُفسرة لضمير الشَّأن، أي: فإنها لا تُحجب عن الله، فيقبلها.

وفي الحديث أيضًا قبول خبر الواحد العدل، ووجوب العمل به. وبعث الإمام العمَّال لجباية الزكاة، وأنه يعظ عُمَّاله وولاته ويأمرهم بتقوى الله تعالى ويُعلمهم.

الشيخ: بالفتح: ولاته جمع والٍ، مثل: قُضاة جمع قاضٍ، ما هو جمع مؤنث، جمع تكسير.

وأنه يعظ عُمَّاله وولاته، ويأمرهم بتقوى الله تعالى، ويُعلِّمهم، وينهاهم عن الظلم، ويُعرفهم سُوء عاقبته، والتَّنبيه على التَّعليم بالتَّدريج. قاله المصنف.

قلتُ: ويبدأ بالأهم فالأهم.

واعلم أنه لم يذكر في الحديث الصوم والحجَّ، فأشكل ذلك على كثيرٍ من العُلماء.

قال شيخُ الإسلام: أجاب بعضُ الناس: أنَّ بعض الرُّواة اختصر الحديثَ، وليس كذلك؛ فإنَّ هذا طعنٌ في الرُّواة؛ لأنَّ ذلك إنما يقع في الحديث الواحد، مثل حديث وفد عبد القيس، حيث ذكر بعضُهم الصيام، وبعضهم لم يذكره، فأما الحديثان المنفصلان فليس الأمرُ فيهما كذلك، ولكن عن هذا جوابان:

أحدهما: أنَّ ذلك بحسب نزول الفرائض، وأول ما فرض الله الشَّهادتين، ثم الصلاة. فإنه أمر بالصلاة في أول أوقات الوحي؛ ولهذا لم يذكر وجوب الحجِّ كعامَّة الأحاديث، إنما جاء في الأحاديث المتأخّرة.

قلتُ: وهذا من الأحاديث المتأخرة، ولم يذكر فيها.

الجواب الثاني: أنه كان يذكر في كل مقامٍ ما يُناسبه، فيذكر تارةً الفرائض التي يُقاتل عليها: كالصلاة والزكاة. ويذكر تارةً الصلاة والصيام لمن لم يكن عليه زكاة، ويذكر تارةً الصلاة والزكاة والصوم. فإما أن يكون قبل فرض الحجِّ، وإما أن يكون المخاطَبُ بذلك لا حجَّ عليه.

الشيخ: وهناك جوابٌ ثالثٌ، وهو أنَّ هذه الفرائض إذا التزم بها المؤمنُ التزم بغيرها، فالنبي صلى الله عليه وسلم حين يقتصر -أو القرآن حين يقتصر- على الصلاة والزكاة والتوحيد؛ لأنه إذا التزم بها المؤمنُ التزم بما سواها؛ لأنَّ الإيمان الذي حمله على الإيمان بها والالتزام بها يحمله على أداء الصيام والحجِّ وغير ذلك، فهذه أمّهات الدين، وأصول الدين: التوحيد والصلاة والزكاة، قد ..... عليها في الآيات والأحاديث الكثيرة؛ لأنه متى التزم بها المؤمنُ واستقام عليها استقام على ما سواها؛ لأنها تدعوه إلى ما سواها؛ ولأنَّ إيمانه بها والتزامه بها يدعوه إلى الالتزام بما سواها: من صومٍ وحجٍّ وجهادٍ وبرِّ والدين، وغير ذلك؛ ولهذا جاء الاقتصارُ عليها في عدة آيات وأحاديث، قال تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]، في آيات، هذا يدل على أنَّ هذه الأمور العظيمة متى التزم بها المؤمنُ صحَّ إسلامه واعتُبر مسلمًا، وهذه الأشياء متى التزم بها التزم بما سواها، وانقاد لما سواها؛ لأنَّ إيمانه بها يدعوه إلى إيمانه بما سواها، والتزامه بما سواها من أمور الدين؛ لأنها أصول وأُسس.

س: ...............؟

ج: في بعض الأشياء، في بعض الأشياء.

وأما الصَّلاة والزكاة فلهما شأنٌ ليس لسائر الفرائض؛ ولهذا ذكر اللهُ تعالى في كتابه القتال عليهما؛ لأنهما عبادتان ظاهرتان، بخلاف الصوم فإنه أمر باطن، من جنس الوضوء، والاغتسال من الجنابة، ونحو ذلك مما يُؤتمن عليه العبد، فإنَّ الإنسان يُمكنه أن لا ينوي الصوم، وأن يأكل سرًّا، كما يُمكنه أن يكتم حدثه وجنابته، وهو ﷺ يُقاتل في الأعمال الظَّاهرة التي يُقاتل الناس عليها، ويصيرون مسلمين بفعلها؛ فلهذا علَّق ذلك بالصلاة والزكاة دون الصوم، وإن كان واجبًا، كما في آيتي براءة؛ فإنَّ براءة نزلت بعد فرض الصيام باتِّفاق الناس.

وكذلك لما بعث معاذًا إلى اليمن لم يذكر في حديثه الصوم؛ لأنه تبعٌ، وهو باطن، ولا ذكر الحجَّ؛ لأنَّ وجوبه خاصٌّ، ليس بعامٍّ، ولا يجب في العُمر إلا مرة. انتهى بمعناه.

قوله: "أخرجاه" أي: البخاري ومسلم، وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود والترمذي والنَّسائي وابن ماجه.