الحلف بغير الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا وإمامنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

أيها المستمعون الكرام؛ حديثي معكم اليوم في حكم الحلف بغير الله. 

ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت هذا يدلنا على أن الحلف يكون بالله وحده، ولا يجوز أن يحلف بغيره، لا بالأمانة، ولا بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولا بالكعبة، ولا بحياة فلان، ولا شرف فلان، ولا أشباه ذلك، لأن اليمين تعظيم للمحلوف به، ولأن اليمين إنما يقصد منها تأكيد الشيء وتثبيته، وتأكيده وتثبيته إنما يكون من جهة يخشى منها الحالف إذا كذب في يمينه، وليس هناك من يعلم حقائق الأمور وصدق الحالف وكذب الحالف إلا الله وحده، فإنه العلام لأحوال عباده، والعالم بما في ضمائرهم، والعالم بالصادقين والكاذبين مطلقا في جميع الأحوال.

أما الناس فقد يخفى عليهم شيء من ذلك، وقد لا يعلمون صدقه وكذبه، ولأن الرب سبحانه هو المستحق للتعظيم على الكمال، فكان هو أولى بأن يحلف به ، فلا يجوز لأي أحد أن يحلف بغير الله ، فهو إن صدق استحق من الله الثواب، وإن كذب استحق العقاب، والله هو القادر على كل شيء جل وعلا.

وهو المستحق لأن يعظم ويجل لكمال قدرته، وكمال علمه، وكمال إحسانه، وكمال أسمائه وصفاته، فلذلك وغيره من الأسباب جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بتحريم الحلف بغير الله، والزجر عنه والتحذير منه، ومن هذا قوله عليه الصلاة والسلام: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، هذا يدل على أن الحلف بغير الله من المحرمات الشركية، وهذا زجر عظيم ووعيد شديد، وقال عليه الصلاة والسلام: من حلف بالأمانة فليس منا، وقال: لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون.

فعليك يا عبدالله أن تنتبه لهذا الأمر، وأن تحذر تقليد من وقع في هذه المشكلة وفي هذا المنكر، فأنت تسمع كثيرا في الإذاعات، أو في التلفزيون، أو تقرأ في الصحف من يحلف بغير الله، بحياتك، بشرفك، بالنبي، بالأمانة، وهذا منكر ومحرم، فعلى المسلمين أن يحذروه وأن يبتعدوا عنه حماية لجناب التوحيد، وحسما لمواد الشرك، وتحقيقا لما أمر الله به من تعظيمه سبحانه والإخلاص له في الأعمال، والتأدب في الألفاظ، والبعد عن كل ما يغضبه سبحانه.

فإذا أردت أن تحلف فعليك أن تحلف بالله وحده، والأولى أيضا الحذر من الحلف وألا تحلف إلا عند الحاجة، لأن الله سبحانه يقول: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89]، فالمؤمن إنما يحلف عند الحاجة إلى تثبيت شيء، أو نفي شيء، أو التصديق، أو التكذيب، فإذا احتجت إلى ذلك حلفت عند الحاجة، وإلا فدع اليمين ولا تجعلها ديدنًا لك ولا بضاعة لك، فقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زانٍ يعني شيخ زانٍ، والشيخ الشايب، أشيمط زانٍ، والأشيمط الذي شمطه الشيب، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه.

وحذر عليه الصلاة والسلام من الأيمان في البيع والشراء، ولا سيما مع الكذب، فإن ذلك يغضب الرب ويمحق البركة، ومن ذلك الحديث الصحيح: إياكم والحلف في البيع، فإنه ينفق، ثم يمحق، والحديث الآخر: الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للربح.

فالمؤمن يتباعد عن الكذب في أيمانه وأقواله وأفعاله، ويتحرى الصدق في أقواله وأيمانه وأعماله، وإذا حلفت فعليك أن تحرص على حفظ يمينك حتى إذا حنثت تكفر عن يمينك، لا تدعها بغير تكفير، فحفظ اليمين يكون بالتقليل منها وعدم الإكثار منها إلا عند الحاجة، ويكون أيضًا بالتكفير عنها إذا حنثت فيها، أو دعت الحاجة للحنث فيها، فإن المؤمن يشرع له الحنث إذا دعت الحاجة إلى ذلك، فلو قال مثلا: والله لا أزور أخي، أو والله لا آكل كرامته، فإن الأفضل له أن يكفر عن يمينه وألا يستمر فيها لأن هذا يفضي إلى القطيعة. 

وكذلك إذا قال: والله لا أكلم فلانا، وهو بغير حق، ما يستحق الهجر، فإن الأفضل أنه يكفر عن يمينه ويكلم أخاه، أو قال: والله لا أبر أبي، أو والله لا أبر أمي، فإن هذه يمين خاطئة، فعليه أن يكفر عنها، وعليه أن يبر أمه ويبر أباه وأشباه ذلك. فحفظ اليمين يكون بالتقليل منها، ويكون أيضا بالتكفير عنها إذا حنث فيها، ويجب عليه أن تكون أيمانه بالله وحده، أو بصفة من صفاته، كأن يقول: بالله، أو برب العالمين، أو بالرحمن، أو بالرحيم، أو بعلم الله، أو وعلم الله، أو وعزة الله، وأشباه ذلك. 

أما الحلف بغير الله من المخلوقين، بالأنبياء، أو بالكعبة، أو بالأمانة، أو شرف فلان، أو حياة فلان، فقد سبق أن هذا لا يجوز وأنه منكر لقول النبي ﷺ: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت، وقوله عليه الصلاة والسلام: من حلف بالأمانة فليس منا، وقوله عليه الصلاة والسلام: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك. خرجه الترمذي وصححه، وخرجه أبو داود بسند صحيح وصححه الحاكم أيضًا.

فهذه الأحاديث الصحيحة كلها تدلنا على تحريم الحلف بغير الله، وأن الواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن يبتعد عنه، وأن يوصي إخوانه بالبعد عنه.

وأسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه رضاه، وأن يحفظنا وإياكم من كل ما يغضبه ، وأن يهدينا جميعا صراطه المستقيم، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه.