الخصال الحميدة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

أيها المستمع الكريم، حديثي معك اليوم في بيان أمور مهمة وجه إليها النبي ﷺ وأرشد إليها.

يقول النبي عليه الصلاة والسلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، هذه الأمور الأربعة من محاسن الإسلام، ومن الأخلاق الكريمة، وهي: حفظ اللسان عما لا ينبغي، وإكرام الضيف، وإكرام الجار، وصلة الرحم، يجب على المسلمين أن يعنوا بهذه الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة التي أرشد إليها رسول الله عليه الصلاة والسلام وندب إليها، وهي من محاسن شريعة الإسلام، ومن مكارم الأخلاق، ومن الصفات الكريمة التي يحافظ عليها أهل الإيمان، ويسارع إليها أهل المروءة ومكارم الأخلاق.

الخصلة الأولى: حفظ اللسان عما لا ينبغي من السباب، والكذب، والغيبة، والنميمة، وسائر الأخلاق التي لا تنبغي، قال النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، وقال الله في كتابه العظيم: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].

فأنت يا أخي محفوظ، وعليك رقيب وعتيد، وعليك ملائكة كرام كاتبون، يحصون أقوالك وأعمالك، ويكتبون عليك كما قال ربنا : وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ۝ كِرَامًا كَاتِبِينَ ۝ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12].

فاتق الله يا عبدالله، واحفظ لسانك عما لا ينبغي، واستعمله فيما يرضي الله، ويقرب لديه من الذكر بأنواعه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله ، وتوجيه الناس إلى الخير، وكل ما ينفع الناس في أمر دينهم ودنياهم، هذا هو الذي ينبغي للعاقل، وهذا هو الذي ينبغي للمسلم.

واللسان خطره عظيم، فمن لم يحفظه أعطبه، قال النبي عليه الصلاة والسلام: وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟، وقال عليه الصلاة والسلام: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما يلقي لها بالا فيزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها فيكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه.

فأنت يا أخي على خطر من لسانك، فاللسان أمره عظيم، وخطره جسيم، فعليك بحفظه وصيانته.

قال بعض السلف: ما شيء أحق بطول السجن من اللسان، فهو حقيق بالسجن والحفظ إلا في الخير، فعليك بالسكوت والإمساك عما يضرك، والنطق بما ينفعك وينفع المسلمين، ومن ذلك قراءة القرآن الكريم، والإكثار من ذلك، والإكثار من ذكر الله من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار والدعاء ونحو ذلك، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وتعليم الناس ما ينفعهم إلى غير ذلك من وجوه الخير.

أما الغيبة والنميمة والسب والشتم وشهادة الزور وأشباه ذلك من الأعمال الخبيثة فإن الواجب عليك حفظ لسانك وصيانته منها لعلك تنجو وتسلم من شره وعاقبته الوخيمة، ومن ذلك الاستهزاء بدين الله، أو بشيء من كتاب الله، أو شيء مما جاءه رسول الله عليه الصلاة والسلام، أو بالجنة والنار، أو أشباه ذلك، فإن الاستهزاء بذلك من أعظم أنواع الكفر بالله كما قال الله سبحانه: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ [التوبة:65].

الخصلة الثانية: إكرام الضيف، فإكرام الضيف من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، فالواجب إكرامه والعناية به، والضيافة المشروعة ثلاثة أيام، والواجب منها يوم وليلة، وما زاد على ذلك فهو صدقة ومعروف، فالضيف له حق واجب يوم وليلة، والسنة القربة ثلاثة أيام، وما زاد على ذلك فهو تطوع وصدقة، ولا ينبغي للضيف أن يقيم عند مضيفه إقامة تحرجه وتضره وتشق عليه، وإكرام الضيف من مكارم الأخلاق، ومن محاسن الأعمال، وهو من شيم العرب وعادتهم الجميلة، وقد جاء به الإسلام ومدحه الإسلام، وأقره الإسلام، فينبغي للمسلم أن يعنى بإكرام ضيفه بطلاقة وجهه، وكلامه الطيب، وبشاشته، وتقديم ما يحسن تقديمه من القرى، طاعة لله ولرسوله، وأخذا بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وابتعادا عن البخل، وعن الأخلاق الذميمة.

الخصلة الثالثة: إكرام الجار والإحسان إليه وعدم إيذائه، إكرام الجار والإحسان إليه وكف الأذى عنه من واجبات الإيمان، ومن محاسن الشريعة، ومن مكارم الأخلاق، فالواجب على كل مؤمن أن يكرم جاره، وأن يحسن إليه، وأن يكف الأذى عنه عملا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: من كان يؤمن بالله اليوم الآخر فليكرم جاره، وفي لفظ: فليحسن إلى جاره، وفي لفظ: فلا يؤذ جاره، وقال النبي عليه الصلاة والسلام أيضا: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه فالجار له حق عظيم، فعليك يا عبدالله بإكرامه والإحسان إليه وكف الأذى عنه، لا تؤذه بأي شيء، لا برياء، ولا بكلام قبيح، ولا بغيبة ونميمة، ولا بماء تلقيه في وجه بيته، أو غير هذا من أنواع الأذى.

فالواجب عليك إكرامه والإحسان إليه وكف الأذى عنه من جميع الوجوه في ليلك ونهارك، وفي جميع الأحوال.

والجار أقسام: جار مسلم له حقان: حق الإسلام، وحق الجوار، وجار مسلم قريب له ثلاثة حقوق: حق القرابة، وحق الإسلام، وحق الجوار، وجار قريب له حقان: حق الجوار، وحق القرابة، وإن كان كافرا وجار كافر ليس بقريب له حق واحد وهو حق الجوار.

فعليك أن تكرم جيرانك كل بقدر حقه، وعليك أن تتصبر وتتحمل الأذى منهم من دون إساءة إليهم، فإذا آذاك جارك فتحمل واطلب إليه كف الأذى بعبارة حسنة والأسلوب الطيب، فإن ذلك من أسباب تقارب القلوب، ومن أسباب تآلفها، ومن أسباب طيب الجوار وحسن الجوار، وأما أنت فإياك أن تؤذيه، بل عليك أن تحسن إليه وتكرمه وتكف الأذى عنه، فإن آذاك فتحمل وتصبر، واسعَ في زوال الأذى بالأسلوب الحسن والطرق الطيبة الكريمة مهما استطعت إلى ذلك من سبيل.

الخصلة الرابعة: صلة الرحم وإكرام القرابة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، وفي الحديث الصحيح يقول النبي عليه الصلاة والسلام: لا يدخل الجنة قاطع راحم، والله يقول سبحانه في كتابه الكريم: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ [النساء:36] فأمر سبحانه بالإحسان إلى ذوي القرابة.

فعليك يا عبدالله أن تحسن إلى قراباتك، وأن تصلهم بما تستطيع، ولاسيما الكلام الطيب الذي ينبغي منك مع إخوانك المسلمين، ولا سيما مع القرابة، وإذا كان القريب محتاجا ... مواساته بالمال والإحسان إليه ودفع الضرر عنه بالقرض أو الصدقة أو الزكاة إذا كان من أهلها، كل هذا من الصلة، وفي الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة، وقال عليه الصلاة والسلام: من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أجله، فليصل رحمه. فصلة الرحم من أفضل القربات، ومن أفضل العبادات إذا احتسبها المؤمن وقصد بها وجه ربه ، وفيها العناية بقرابتك ومواساتهم والإحسان إليهم، وتقدير الرحم التي بينك وبينهم.

والله المسؤول أن يوفقنا والمسلمين لما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يمن علينا بموافقة شرعه الكريم، والحذر مما خالفه، إنه جواد كريم، وصلى الله و سلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه.