02 من حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب لحاجته في غزوة تبوك)

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

41- حَدَّثَنِي يَحْيى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ -مِنْ وَلَدِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ- عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ بِمَاءٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ الْمَاءَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْ جُبَّتِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ ضِيقِ كُمَّيِ الْجُبَّةِ، فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَؤُمُّهُمْ، وَقَدْ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ، فَفَزِعَ النَّاسُ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَحْسَنْتُمْ.

الشيخ: وهذا يدل على أنه ﷺ أذن في مثل هذا، وأنَّ الإمام إذا تأخَّر عن الوقت المعتاد للجماعة أن يُقدموا من يؤمَّهم؛ لأنه ما أنكر على عبدالرحمن ولا عليهم، قال: أحسنتم، وكان هذا في غزوة تبوك، ذهب يقضي حاجته بعد أذان الفجر، فتأخَّر عليه الصلاة والسلام، فلما رأوه تأخَّر قدَّموا عبدالرحمن فصلَّى بهم، فجاء النبيُّ ﷺ وقد صلَّى ركعةً، فصلَّى مع الناس هو والمغيرة الركعة التي بقيت، فلما سلَّم عبدُالرحمن قام النبيُّ وقضى هو والمغيرة ما فاتهما، ففزع الناسُ من ذلك، فقال: أحسنتم.

في روايةٍ أخرى أنَّ عبدالرحمن لما رآه أراد أن يتأخَّر، فأشار إليه أن يبقى، فهذا يدل على أنه لا بأس أن يتقدم أحدٌ الجماعة يُصلي بالناس إذا تأخَّر الإمام عن الصلاة، وليس للإمام أن يُنكر ذلك، وليس له أن يتكلم، ما دام تأخَّر عن العادة فلهم هذا الحقّ، لا يحبسهم، بعض الأئمة قد يغلط في هذا ويُنكر عليهم، وهذا غلط، إذا تأخَّر الإمامُ عن الزمن المعتاد الذي غابه، وقدَّموا مَن يُصلي بهم فلا بأس، لا يُحبَسوا لهذه القصة.

وفيه فضل عبدالرحمن: أنه صلَّى بالناس، وأمَّ النبيَّ ﷺ في الركعة الأخيرة.

وفيه من الفوائد: أنَّ مَن تأخَّر عن الوقت المعتاد من الأئمة أنهم يُقدِّمون مَن يُصلي بهم، ولا حرج عليه.

وفيه من الفوائد: أنَّ الذي فاته بعض الصلاة يقضي بعد السلام، يقضي ما فاته بعد سلام الإمام.

وفيه من الفوائد: إعانة الرجل في الوضوء، لا بأس أن يُعان، والنبي ﷺ استجمر ولم يُذكر أنه استنجى بالماء، بل اكتفى بالحجارة، ولما جاء توضَّأ وصبَّ عليه المغيرة.

وفيه جواز لبس الضيق من الثياب عند الحاجة: ضيق الكمَّين، كانت جبَّة شاميَّة ضيقة الكمَّين، فأخرج يديه من تحت فغسلهما لضيق الكمَّين.

س: ...............؟

ج: هو أفضل لعموم: ما أدركتُم فصلوا، وما فاتكم فأتمُّوا، العموم يقتضي أنه يدخل معه ولو في التَّشهد؛ لأنه قال: ما أدركتُم فصلوا، وما فاتكم فأتمُّوا.

س: ...............؟

ج: نعم، يتقيدون بما جعلت له الأوقاف.

42- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ: أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَدِمَ الْكُوفَةَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ أَمِيرُهَا، فَرَآهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: سَلْ أَبَاكَ إِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِ. فَقَدِمَ عَبْدُاللَّهِ، فَنَسِيَ أَنْ يَسْأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ، حَتَّى قَدِمَ سَعْدٌ، فَقَالَ: أَسَأَلْتَ أَبَاكَ؟ فَقَالَ: لَا. فَسَأَلَهُ عَبْدُاللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: "إِذَا أَدْخَلْتَ رِجْلَيْكَ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا"، قَالَ عَبْدُاللَّهِ: وَإِنْ جَاءَ أَحَدُنَا مِنَ الْغَائِطِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: "نَعَمْ، وَإِنْ جَاءَ أَحَدُكُمْ مِنَ الْغَائِطِ".

الشيخ: نعم، كما جاءت الأدلةُ بذلك، إذا لبسهما على طهارةٍ يمسح، ولو جاء من الغائط، حتى تتم المدةُ: يوم وليلة للمُقيم، وثلاثة أيامٍ بلياليها للمُسافر، إلا في الجنابة فيخلع، إن كان جنابةً يخلع.

وفي هذا من الفوائد: أنَّ الرجل الفاضل قد يخفى عليه بعضُ العلم، ولا نقصَ عليه، العلم أوسع، قد يكون رجلٌ من أهل العلم والفضل ويخفى عليه بعضُ العلم، فلا يضرّه ذلك، عليه أن يتعلم، وعليه أن يقبل الحقَّ إذا بلغه؛ ولهذا لما خفي على ابن عمر قال له سعد: "سل أباك"، يعني: من باب التوثيق، وإلا فسعد ثقة كافٍ، لكن من باب زيادة التوثيق.

س: ...............؟

ج: ما دام على طهارةٍ ..... إذا خلعهما يُعيدها، لكن إن كان قد أحدث لا، إذا خلع بطلت الطَّهارة، أما لو لبسهما على الطَّهارة ثم خلع وهو على الطهارة -ما بعد أحدث- يُعيد الوضوء، لا بأس.

س: ...............؟

ج: ما يمسح عليها، لا بدَّ أن يكون ساتر الكعبين.

س: ...............؟

ج: إذا مسح على الشَّراب وعليها لا بأس، أو على الشَّراب وحده لا بأس، أما على الكندرة وحدها وهي قاصرة لا، لكن له أن يمسح عليهما جميعًا، ويخلعهما جميعًا، وله أن يمسح على الجورب فقط إذا كان ساترًا ويكفي، وإذا خلع الكندرة ما يضرّ.

س: ...............؟

ج: يمسح ظاهر الخفَّين.

43- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَالَ فِي السُّوقِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ دُعِيَ لِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا.

الشيخ: يعني بعدما علم من أبيه المسح على الخفَّين.

44- وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ أَتَى قُبَاء فَبَالَ، ثُمَّ أُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، ثُمَّ جَاءَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى.

قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ وُضُوءَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ بَالَ، ثُمَّ نَزَعَهُمَا، ثُمَّ رَدَّهُمَا فِي رِجْلَيْهِ، أَيَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ؟ فَقَالَ: لِيَنْزِعْ خُفَّيْهِ، وَلْيَغْسِلْ رِجْلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ بِطُهْرِ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا مَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا غَيْرُ طَاهِرَتَيْنِ بِطُهْرِ الْوُضُوءِ فَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ.

الشيخ: لأنه أحدث، لبسهما على غير طهارةٍ، لا بدَّ أن يكون لبسه لهما على الطَّهارة، فإذا خلعهما ثم أعادهما بعدما أحدث لا ينفع.

س: ................؟

ج: لا، لا، أعد.

44- وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ أَتَى قُبَاء فَبَالَ، ثُمَّ أُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، ثُمَّ جَاءَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى.

قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ وُضُوءَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ بَالَ، ثُمَّ نَزَعَهُمَا، ثُمَّ رَدَّهُمَا فِي رِجْلَيْهِ، أَيَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ؟ فَقَالَ: لِيَنْزِعْ خُفَّيْهِ، وَلْيَغْسِلْ رِجْلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ بِطُهْرِ الْوُضُوءِ.

الشيخ: واضح، يعني: أنه خلعهما بعد البول، فأمره أن يتوضأ وأن يمسح عليهما وأن يلبسهما بعد الوضوء.

س: ...............؟

ج: إيه في الوضوء يعني.

س: ...............؟

ج: تبطل، إذا كان بعد الحدث تبطل، إذا خلعهما بطلت الطَّهارة عند جمهور أهل العلم.

س: ...............؟

ج: ..... إذا كان لبسهما على طهارةٍ، ثم الطَّهارة من الحدث –يعني- ثم مسح عليهما، ثم خلعهما يبطل الوضوء، أما لو كان لبسهما على طهارةٍ، ثم خلعهما قبل أن يُحدِث؛ يُعيدهما، لا بأس.

س: هل يعد الوضوء؟

ج: إذا كان قد أحدث.

س: ...............؟

ج: ما دام على الطَّهارة الأولى، ما بعد أحدث: إن شاء خلعهما، وإن شاء أبقاهما، ما يضرّ، إذا كان على طهارته الأولى التي لبس عليها الخفَّين ما بعد أحدث، توضأ ولبس الخفَّين، ثم مسح عليهما على طهارةٍ، ثم خلعهما على طهارةٍ، ما زالت، ما يضرّ.

قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ خُفَّاهُ، فَسَهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَتَّى جَفَّ وَضُوؤهُ وَصَلَّى. قَالَ: لِيَمْسَحْ عَلَى خُفَّيْهِ، وَلْيُعِدِ الصَّلَاةَ، وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ.

الشيخ: هذا قول ضعيف؛ لأنه بطل، طول المدة، لا بدَّ من التَّوالي، يتوضأ متواليًا، فلا بدَّ من كونه يتوالى.

س: ...............؟

ج: لا، إذا كان ما زال على طهارته الأولى فلا يضرّ، وجودها كعدمها، وجود المسح كعدمه.

س: ...............؟

ج: ما زال على طهارته، يعني جدد وهو على طهارته، ما في حدث.

س: ...............؟

ج: وهو ما أحدث، على طهارته، لا يضرّ.

س: ...............؟

ج: يبطل، إذا كان أحدث ثم تطهر يبطل، لكن لو لبسهما الآن على طهارةٍ ثم خلعهما وهو على طهارته، ما صار شيء.

س: ...............؟

ج: يلبسهما ثم يمسح، ما دام على طهارته -الطَّهارة السَّابقة التي غسل فيها قدميه.

وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ غَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ، فَقَالَ: لِيَنْزِعْ خُفَّيْهِ، ثُمَّ ليَتَوَضَّأْ، وَلْيَغْسِلْ رِجْلَيْهِ.

 

بَابُ الْعَمَلِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

45- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّهُ رَأَى أَبَاهُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، قَالَ: وَكَانَ لَا يَزِيدُ إِذَا مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى أَنْ يَمْسَحَ ظُهُورَهُمَا، وَلَا يَمْسَحُ بُطُونَهُمَا.

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: كَيْفَ هُوَ؟ فَأَدْخَلَ ابْنُ شِهَابٍ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ الْخُفِّ، وَالْأُخْرَى فَوْقَهُ، ثُمَّ أَمَرَّهُمَا.

قَالَ يَحْيَى: قَالَ مالِكٌ: وَقَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ.

الشيخ: هذا غلط، قول ابن شهابٍ هذا غلط، الصواب مسح ظاهر الخفَّين كما في حديث المغيرة في "الصحيحين" وغيرهما، المقصود أنَّ المسح يكون على ظاهر الخفَّين، وهكذا قال علي: "لو كان الدِّينُ بالرأي لكان أسفل الخفَّين أولى بالمسح من أعلاهما، وقد رأيتُ النبيَّ يمسح على ظاهر الخفَّين"، رواه أبو داود بإسنادٍ جيدٍ، وهكذا في غيره من الأحاديث النبي مسح على ظاهر الخفَّين، أما أسفلهما يُوالي الأرض والخبث، ما يُمسح، المسح يزيد بلاءً، يزيد اليد بلاءً، ويزيد الخفَّ بلاءً، فهذا الذي فعله الزهري ورحمه، وأيَّده مالك ليس بجيدٍ، بل هو خلاف السُّنة، خلاف الأحاديث الصَّحيحة، وهذا يُبين لنا أنَّ الإنسان وإن كان كبيرًا قد يخفى عليه بعض السنة، فالزهري من أحفظ الناس للسنة، ومالك من أحفظ الناس، ومع هذا خفيت عليهما هذه السنة العظيمة.

س: ..............؟

ج: نعم، إذا انتهت المدةُ يستأنف الوضوء.

بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّعَافِ

46- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا رَعَفَ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى وَلَمْ يَتَكَلَّمْ.

الشيخ: اجتهادٌ منه ، والصواب أنها تبطل صلاته إذا انصرف وتوضأ؛ لأنَّ هذا عملٌ كثيرٌ، والرّعاف إذا كثر يحصل به نقض الوضوء عند جمعٍ من أهل العلم، ومثل هذا عمل كثير يبطل الصلاة: يذهب ويتوضأ ثم يُعيد، هذا معناه أنه اعتقد أنه ناقضٌ، فذهب وتوضأ، فالبناء غير وجيهٍ، وابن عمر له اجتهادات متعددة لم يُوفق فيها للصواب، قال عليه الصلاة والسلام: إذا فسا أحدُكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليُعد الصلاة.

س: ................؟

ج: إذا كان فيه العمل الكثير هذا.

س: ................؟

ج: يعني بنى على أول صلاته.

47- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَرْعُفُ فَيَخْرُجُ فَيَغْسِلُ الدَّمَ عَنْهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَبْنِي عَلَى مَا قَدْ صَلَّى.

الشيخ: بلاغات مالك ضعيفة، أسنده؟ المحشي أسنده؟

الطالب: ما ذكر فيه سندًا ..... بلغه أنَّ عبدالله بن عباس.

الشيخ: ما تكلم عليه بشيءٍ؟

الطالب: نعم: (أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَرْعُفُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا، (فَيَخْرُجُ فَيَغْسِلُ الدَّمَ) عَنْهُ، (ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَبْنِي عَلَى مَا قَدْ صَلَّى) لِأَنَّ وُضُوءَهُ لَمْ يَنْتَقِضْ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مُنَافٍ، وَالرُّعَافُ لَيْسَ بِنَاقِضٍ.

الشيخ: هذا عند جمعٍ من أهل العلم مثلما تقدم عن مالكٍ رحمه الله.

48- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ: أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ رَعَفَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَأَتَى حُجْرَةَ أُمِّ سَلَمَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى عَلَى مَا قَدْ صَلَّى.

 

بَابُ الْعَمَلِ فِي الرُّعَافِ

49- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَرْعُفُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ، حَتَّى تَخْتَضِبَ أَصَابِعُهُ مِنَ الدَّمِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ.

50- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ: أَنَّهُ رَأَى سَالِمَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ الدَّمُ حَتَّى تَخْتَضِبَ أَصَابِعُهُ، ثُمَّ يَفْتِلُهُ، ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ.

الشيخ: وهذا كله بناءً على أنَّ الرّعاف لا ينقض، ولا شكَّ إذا كان يسيرًا لا ينقض، أما إذا كثر الدمُ فالأحوط للمُؤمن الوضوء؛ خروجًا من الخلاف، واحتياطًا لدِينه.

س: ضابط الكثرة؟

ج: عرفًا: ما يستفحشه في نفسه.

بَابُ الْعَمَلِ فِيمَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ مِنْ جُرْحٍ أَوْ رُعَافٍ

51- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا، فَأَيْقَظَ عُمَرَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَقَالَ عُمَرُ: "نَعَمْ، وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ"، فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا.

52- وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِيمَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ مِنْ رُعَافٍ فَلَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ؟

قَالَ مَالِكٌ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: ثُمَّ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: أَرَى أَنْ يُومِئَ بِرَأْسِهِ إِيمَاءً.

قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ.

الشيخ: المقصود أنه إذا تيسر له التَّخلص يُصلي على حسب حاله، مثلما صلَّى عمر وجرحه يثعب، والمستحاضة تُصلي والدَّم يخرج منها، الحمد لله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، يتوضأ إذا دخل الوقتُ ويكفي، وهكذا الرّعاف إذا استمرَّ يُصلي على حسب حاله، لكن الصَّواب أنه يسجد ولو خرج منه شيء لا يضرّه ذلك؛ لأنه معذور.

بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَذْيِ

53- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ- عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الرَّجُلِ إِذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ، مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلَهُ. قَالَ الْمِقْدَادُ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ بِالْمَاءِ، وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ.

54- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: "إِنِّي لَأَجِدُهُ يَنْحَدِرُ مِنِّي مِثْلَ الْخُرَيْزَةِ، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ، وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ" يَعْنِي: الْمَذْيَ.

55- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ جُنْدُبٍ -مَوْلَى عَبْدِاللَّهِ بْنِ عياش- أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ الْمَذْيِ، فَقَالَ: إِذَا وَجَدْتَهُ فَاغْسِلْ فَرْجَكَ، وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ.

الشيخ: وهذا هو الثابت في حديث عليٍّ: يغسل ذكره ويتوضأ، معنى النَّضح يعني: يغسل ذكره ويتوضأ من المذي، والمذي: ماء لزج يخرج على طرف الذَّكر عند مُلامسة المرأة، أو عند النَّظر إليها، أو عند استحضار الوسوسة بالنساء يخرج المذي هذا، والواجب فيه الوضوء، مثل البول، لكن مع هذا يغسل ذكره وأُنثييه، كما في الرواية الأخرى: يغسل ذكره وخصيتيه ويتوضَّأ.

الطالب: قوله: (مولى عبدالله بن عياش) في الشرح يقول: بتحتية ومُعجمة، ابن أبي ربيعة المخزومي، قال ابن حذاء: لم يذكره البخاري.

الشيخ: فقط؟

الطالب: نعم.

الشيخ: ما ذكر شيء آخر.

الطالب: لا، ما ذكر.

الشيخ: وأنت عندك شيء شيخ سعد؟ ما نبَّه على عيَّاش وعبَّاس؟

الطالب: أشوفه في الحاشية: بتحتية ومُعجمة، ابن أبي ربيعة.

الشيخ: الصواب عياش.

س: ما معنى النضح؟

ج: النَّضح بمعنى الغسل، ينضح ذكره: يغسل ذكره، الرِّوايات تُفسر بعضُها بعضًا.

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَذْيِ

56- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ سَمِعَهُ وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَجِدُ الْبَلَلَ وَأَنَا أُصَلِّي، أَفَأَنْصَرِفُ؟ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: لَوْ سَالَ عَلَى فَخِذِي مَا انْصَرَفْتُ حَتَّى أَقْضِيَ صَلَاتِي.

الشيخ: وهذا قول سعيدٍ ليس بشيءٍ، هذا من سعيد بن المسيب ، خفيت عليه السنة، وظنَّ أنَّ هذا لا يضرّ، وأنه يُكمل صلاته، والسنة هي الحاكمة على الناس، الصواب أنه يبطل الصلاة، فيذهب يتوضأ ويغسل ذكره وأُنثييه ويتوضأ وضوءه للصلاة، والقاعدة: أنَّ القول الذي يأتي يُخالف السنة من صحابيٍّ، أو من تابعيٍّ، أو من غيرهما، لا يُلتفت إليه.

س: لو نضح فرجَه بعد المذي ثم شكَّ بعد ذلك؟

ج: ما عليه شيء، يعمل بالأصل وهو الطَّهارة حتى يجزم يقينًا أنه خرج شيء.

57- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ زُبَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنِ الْبَلَلِ أَجِدُهُ، فَقَالَ: انْضَحْ مَا تَحْتَ ثَوْبِكَ بِالْمَاءِ وَالْهَ عَنْهُ.

الشيخ: وهذا من جنس كلام سعيد بن المسيب، سليمان بن يسار تابعي، وهذا ليس بشيءٍ خروج المذي، لا بدَّ من غسله، أما إذا كان وسواس ينضح ما حول الفرج حتى يشغله ذلك عن الوسوسة، أما إذا جزم أنه خرج شيء فالواجب غسل الذَّكر والأُنثيين والوضوء الشَّرعي، كما جاءت به السُّنة.

بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ

58- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَتَذَاكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الْوُضُوءُ، فَقَالَ عُرْوَةُ: مَا عَلِمْتُ هَذَا، فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ.

الشيخ: وهذا سندٌ صحيحٌ.

59- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أُمْسِكُ الْمُصْحَفَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَاحْتَكَكْتُ، فَقَالَ سَعْدٌ: لَعَلَّكَ مَسِسْتَ ذَكَرَكَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: قُمْ فَتَوَضَّأْ. فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ.

60- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ.

61- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ.

62- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ، أَمَا يَجْزِيكَ الْغُسْلُ مِنَ الْوُضُوءِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أَحْيَانًا أَمَسُّ ذَكَرِي فَأَتَوَضَّأُ.

63- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي سَفَرٍ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ لَصَلَاةٌ مَا كُنْتَ تُصَلِّيهَا، قَالَ: إِنِّي بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأْتُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ مَسِسْتُ فَرْجِي، ثُمَّ نَسِيتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ، فَتَوَضَّأْتُ وَعُدْتُ لِصَلَاتِي.

 

بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ

64- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنَ الْمُلَامَسَةِ، فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ.

الشيخ: هذا من اجتهاده ، يُشير إلى قوله تعالى: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]، ويرى أن القبلة واللَّمس باليد من الملامسة، وأنها تنقض الوضوء، والصواب أنها لا تنقض الوضوء، وأنَّ الملامسة الجماع: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ هذا الحدث الأصغر أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ هذا الحدث الأكبر، والدليل أنه ﷺ كان يُقبل بعضَ نسائه ثم يُصلي ولم يتوضأ، فدلَّ ذلك على أنَّ القُبلة لا تنقض الوضوء.

وللناس في هذا أقوال ثلاثة:

أحدها: أنَّ الملامسة تنقض مطلقًا، متى مسَّ المرأة انتقض مطلقًا، ولو بغير شهوةٍ.

الثاني: أنها لا تنقض مطلقًا، بشهوةٍ وبغير شهوةٍ، إلا إذا خرج منه مذي.

الثالث: التفصيل: إن كان عن شهوةٍ كما ..... عند أحمد نقض، وإلا فلا.

والصواب أنه لا ينقض مطلقًا، الصواب قول مَن قال أنَّ المسَّ لا ينقض مطلقًا إلا إذا خرج مذيٌ، إذا خرج مذيٌ انتقض وضوؤه بإجماع المسلمين، أما مجرد المسِّ أو القُبلة فالصواب أنه لا ينقض الوضوء؛ لأنَّ الرسول ﷺ وهو سيد الخلق وأكرمهم وأعظمهم احتياطًا كان يُقبل ولا يتوضَّأ.

ثم هذا أمرٌ تعمُّ به البلوى، لو كان ينقض لبيَّنه النبيُّ للناس، كل إنسانٍ عنده في بيته زوجة، كل إنسانٍ مُتزوج عنده زوجة أو زوجتان أو أكثر، لو كان مسُّ المرأة ينقض أو قبلتها لكان هذا من أهم الأمور أن يُبين للناس حتى يفهموه، فلما لم يُبين النبيُّ للناس ولم يقل لهم ذلك عرف أنه لا ينقض الوضوء.

65- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ الْوُضُوءُ.

66- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ الْوُضُوءُ.

 

بَابُ الْعَمَلِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ

67- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ بِغَسْلِ يَدَيْهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ.

الشيخ: هذا هو الغسل الكامل: كونه يستنجي، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يفيض على رأسه ثلاث مرات، ويُخلل شعره، ثم يصبّ على بدنه الماء: جنبه الأيمن، ثم الأيسر، هذا هو الكمال، وإن عمَّم جسمه بالماء من غير تفصيلٍ أجزأ، لكن هذا هو الكمال.

س: ...............؟

ج: لا بدَّ أن يتمضمض في الوضوء والغسل جميعًا؛ لأنَّ الأنف والفم له حكم الظَّاهر.

س: ...............؟

ج: لا، لا يُجزئ هذا، لا بدَّ من وضوءٍ إلا في الجنابة عند بعض أهل العلم إذا نواهما أجزأ: إذا نوى الوضوء والغسل دخل في غسل الجنابة، دخل الأصغرُ في حكم الأكبر، لكن الأفضل أنه يتوضأ ثم يغتسل، هذا هو الأفضل، كما فعله النبيُّ ﷺ.

س: ...............؟

ج: يتوضأ ويستنشق ولو بعد؛ لأنه ما في ترتيب في الغسل.

س: ...............؟

ج: بنية الجنابة، بنية الحدثين.

س: ...............؟

ج: الصواب غسل الجنابة؛ لأنَّ الأصغر يدخل في الأكبر، تبع.

س: ...............؟

ج: ما هو بالظاهر؛ لأنَّ غسل يوم الجمعة مُستحبّ.

س: ................؟

ج: يُعيد الوضوء، إذا مسَّ فرجه يُعيد الوضوء، أو أحدث -خرج منه ريحٌ أو شيءٌ- يُعيد الوضوء.

68- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إِنَاءٍ هُوَ الْفَرَقُ مِنَ الْجَنَابَةِ.

69- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَنَضَحَ فِي عَيْنَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ الْيُسْرَى، ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اغْتَسَلَ وَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ.

الشيخ: وهذا من اجتهاده، صبّ الماء إلى عينيه هذا من اجتهاده؛ ولهذا صار هذا من أسباب عماه، ذهب بصرُه ، والعين لا يُصبّ فيها الماء، إنما تُغسل من غير صبِّ الماء فيها، يغسل ظاهرها، له اجتهادات مثل هذا: صبّ الماء في العينين، ومثل: اجتهاده في أخذ ما زاد على القبضة في اللِّحية في الحجِّ، ومثل: اجتهاده في صوم يوم الشَّك إذا كان غيمًا، كل هذا من اجتهاداته، والصواب خلاف ما فعل .

س: ..............؟

ج: تحريًا للسنة، كان يتحرى السنة، لكن يجتهد في بعض الأشياء من شدة الورع.

70- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَنْ غُسْلِ الْمَرْأَةِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَقَالَتْ: لِتَحْفِنْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِنَ الْمَاءِ، وَلْتَضْغَثْ رَأْسَهَا بِيَدَيْهَا.

الشيخ: حديث أم سلمة قالت: يا رسول الله، إني أشدّ شعر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة والحيض؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليه الماء فتطهرين، دلَّ على أنها إذا ضفرت رأسها يكفي أن تحثي عليه ثلاث حثيات، ويكفي في غسل الجنابة، ولكن في الحيض نقضه أفضل وأكمل.

س: ...............؟

ج: هذا ما هو عندك؟

الطالب: ليس في المتن، لكن في الشرح: قَالَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ: لَمْ يُتَابِعِ ابْنَ عُمَرَ عَلَى النَّضْحِ فِي الْعَيْنَيْنِ أَحَدٌ. قَالَ: وَلَهُ شَذَائِذُ فِيهَا حَمَلَهُ عَلَيْهَا الْوَرَعُ.

الشيخ: شذائذ يعني: شذوذات.

الطالب: قَالَ: وَفِي أَكْثَرِ الْمُوَطَّآتِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: أَشْرِبُوا أَعْيُنَكُمْ مِنَ الْمَاءِ عِنْدَ الْوُضُوءِ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ عَدِيٍّ، قَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: سَنَدُهُ ضَعِيفٌ. بَلْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ: لَمْ نَجِدْ لَهُ أَصْلًا. أَيْ: يُعْتَدُّ بِهِ.

الشيخ: نعم، المقصود أنَّ صبَّ الماء في العينين لا أصلَ له، وهو من اجتهاداته ، الذي حمله عليه الورع، كاجتهادات أخرى خالف فيها السنة ورعًا منه ، خفيت عليه السُّنة.

وفي هذا دلالة على أنَّ الرجل وإن كان كبيرًا، وإن كان عالـمًا قد تخفى عليه بعض السُّنة، قد يخفى عليه بعضُ العلم، وكل أحدٍ يُؤخذ من قوله ويُترك، ولو كان كبيرًا، كآحاد الصحابة، وآحاد العلماء الكبار؛ ولهذا يقول جلَّ وعلا في محكم التَّنزيل: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، ويقول سبحانه: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، هذا هو المعيار والمحكّ الذي ترجع إليه الأقوال، سواء من الصحابة، أو من غير الصحابة، لا بدَّ من عرض ما اختلف فيه الناسُ على هذا الأصل الأصيل: كلام الله، وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام، فما وافقهما وجب الأخذُ به، وما خالفهما وجب ردُّه وإن كان مَن قاله كبيرًا.

س: ................؟

ج: أفضل، وفي رواية مسلم: "والحيضة"، يدل على عدم الوجوب، لكن النبي ﷺ جاء في أحاديث قال لها: تنقضي رأسك، وتأخذي سدرك... إلى آخره، يدل على أنَّ هذا هو الأفضل والأكمل.

س: ..............؟

ج: ظاهر الحديث لا حاجةَ؛ لأنه قال في الحيضة: تشدّ شعر رأسها في الجنابة. والحيضة في رواية مسلم من حديث أم سلمة.

بَابُ وَاجِبِ الْغُسْلِ إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ

71- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ- كَانُوا يَقُولُونَ: "إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ".

72- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ- مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؟ فَقَالَتْ: هَلْ تَدْرِي مَا مَثَلُكَ يَا أَبَا سَلَمَةَ؟ مَثَلُ الْفَرُّوجِ يَسْمَعُ الدِّيَكَةَ تَصْرُخُ فَيَصْرُخُ مَعَهَا، إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ.

الشيخ: تُشير إلى أنه صغير، المقصود أنَّه إذا بلغ الختانُ الختانَ وجب الغسل وإن لم يُنزل منيًّا، متى جاوز طرفُ الذكر موضع ختان المرأة -يعني: أولج- وجب الغسل وإن لم يُنزل، مثلما في حديث أبي هريرة: "ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم يُنزل"، وقول عائشة رضي الله عنها: "إذا مسَّ الختانُ الختانَ فقد وجب الغسلُ"، كانوا في أول الإسلام يكفي الوضوء، ثم نُسخ ذلك ووجب الغسل، في أول الإسلام مَن لم يُنزل فلا غسلَ عليه إلا الوضوء، ثم نُسخ ذلك وأوجب اللهُ الغُسلَ.

س: .................؟

ج: ما فيها غسل، إذا وضع الذَّكر عند الفرج ولم يُولج ولم يخرج منيٌّ فلا غسل.

73- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ أَتَى عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ- فَقَالَ لَهَا: لَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فِي أَمْرٍ، إِنِّي لَأُعْظِمُ أَنْ أَسْتَقْبِلَكِ بِهِ. فَقَالَتْ: مَا هُوَ؟ مَا كُنْتَ سَائِلًا عَنْهُ أُمَّكَ فَسَلْنِي عَنْهُ. فَقَالَ: الرَّجُلُ يُصِيبُ أَهْلَهُ، ثُمَّ يُكْسِلُ وَلَا يُنْزِلُ؟ فَقَالَتْ: إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: لَا أَسْأَلُ عَنْ هَذَا أَحَدًا بَعْدَكِ أَبَدًا.

74- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ كَعْبٍ -مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنِ الرَّجُلِ يُصِيبُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ وَلَا يُنْزِلُ؟ فَقَالَ زَيْدٌ: يَغْتَسِلُ. فَقَالَ لَهُ مَحْمُودٌ: إِنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ كَانَ لَا يَرَى الْغُسْلَ؟ فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ نَزَعَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ.

الشيخ: يعني: رجع، كان في أول الإسلام ثم نُسخ.

س: ...............؟

ج: لا، مسّ الفرج من وراء الحائل لا ينقض الوضوء، لا بدَّ أن يكون اللَّحمُ باللَّحم، يمسّ اللحمُ اللحمَ، أما لو مسَّ ذكره من وراء السِّروال، أو من وراء الإزار، أو من وراء المقطع ما ينقض الوضوء، ولو بشهوةٍ، ولو بشهوتين إن كان لها تعدد، إلا إذا خرج مذيٌ ينتقض الوضوء.

75- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ.

 

بَابُ وُضُوءِ الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ

76- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ يُصِيبُهُ جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ.

77- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ، فَلَا يَنَمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ.

الشيخ: هذا هو السنة، إذا جامع أهله يتوضأ وضوءه للصلاة، يغسل ذكره ويتوضأ وضوءه للصلاة، ثم ينام، وإن اغتسل فالغسل أفضل، وإن أخَّره إلى آخر الليل كما كان النبيُّ ﷺ يفعل ذلك فلا بأس، كان النبيُّ ﷺ ربما أخَّر إلى آخر الليل، وربما اغتسل في أول اللَّيل.

س: ...............؟

ج: لا، هذا ضعيف، من رواية أبي إسحاق، ومحمول على ماء غير الغسل، لا يمسّ الماء يعني: غير ماء الغُسل، أما الوضوء فكان يتوضأ في "الصحيحين"، ثابت، أما الرِّواية هذه ففيها ضعف، فيها تدليس أبي إسحاق، ومن جهة إجماله، فالمجمل يُحمل على المفسر، يعني: لا يمسّ الماء للغُسل.

س: ...............؟

ج: لا يقرأها، يأتي بالتَّعوذات التي ما فيها قرآن.

س: الوضوء للوجوب أو للاستحباب إذا أراد النوم؟

ج: سنة، سنة.

78- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ طَعِمَ أَوْ نَامَ.

الشيخ: كأنه مختصر، يعني: توضأ؛ لأنَّ الأحاديث صريحة في الوضوء وعدم ذكر الرِّجْلَين، كأنه تساهل من الراوي، أو لأنه معروف، المقصود لا بدَّ، السنة الوضوء الكامل، وضوء كامل، يغسل ذكرَه ويتوضأ وضوءًا كاملًا، هذا هو السنة إذا أراد أن يأكل أو ينام.

بَابُ إِعَادَةِ الْجُنُبِ الصَّلَاةَ، وَغُسْلِهِ إِذَا صَلَّى وَلَمْ يَذْكُرْ، وَغَسْلِهِ ثَوْبَهُ

79- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ أَبِي حَكِيمٍ: أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ.

الشيخ: هكذا في هذه الرِّواية، وفي الرِّواية الأخرى المشهورة أنه ﷺ وقف قبل أن يُكبر، تذكر أنه لم يغتسل، عليه غسل الجنابة، فأشار إليهم، وذهب واغتسل ثم رجع، أيش قال الشَّارح؟

الطالب: وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ. هِيَ الصُّبْحُ.

رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَكَبَّرَ، ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَيْهِمْ.

وَيُعَارِضُهُ مَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ ﷺ خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ، حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ فَانْصَرَفَ.

وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ، فَقَالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ.

فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ انْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ قَوْلِهِ: "كَبَّرَ" عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُكَبِّرَ، أَوْ بِأَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ، أَبْدَاهُ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ احْتِمَالًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّهُ الْأَظْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ حِبَّانَ كَعَادَتِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ، كَذَا فِي "الْفَتْحِ".

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: مَنْ قَالَ: "إِنَّهُ كَبَّرَ" زَادَ زِيَادَةَ حَافِظٍ يَجِبُ قَبُولُهَا.

(ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا) مِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ.

فَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ "الصَّحِيحَيْنِ": (فَقَالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ) مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالْكَلَامِ.

(فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَكَبَّرَ".

وَفِي رِوَايَةٍ: "فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا رَأْسُهُ يَنْطِفُ مَاءً، وَقَدِ اغْتَسَلَ".

وَفِي رِوَايَةٍ: "فَصَلَّى بِهِمْ" كَمَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا فَنَسِيتُ أَنْ أَغْتَسِلَ.

وَفِيهِ جَوَازُ النِّسْيَانِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِي أَمْرِ الْعِبَادَةِ لِلتَّشْرِيعِ، وَطَهَارَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَجَوَازُ الْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: "فَكَبَّرَ"، وَقَوْلَهُ: "فَصَلَّى بِهِمْ" ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِقَامَةَ لَمْ تُعَدْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالضَّرُورَةِ وَبِأَمْنِ خُرُوجِ الْوَقْتِ.

وَعَنْ مَالِكٍ: إِذَا بَعُدَتِ الْإِقَامَةُ مِنَ الْإِحْرَامِ تُعَادُ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، كَذَا فِي "الْفَتْحِ".

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى قُرْبِ الزَّمَانِ، فَإِنْ طَالَ فَلَا بُدَّ مِنْ إِعَادَةِ الْإِقَامَةِ. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى قُرْبِ الزَّمَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ ﷺ: مَكَانَكُمْ، وَقَوْلُهُ: "وَخَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ".

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ التَّفْرِيقَ إِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ ابْتَدَأَ الْإِقَامَةَ، طَالَ التَّفْرِيقُ أَوْ لَا، كَمَا قَالَ فِي "الْمُدَوَّنَةِ" فِي الْمُصَلِّي بِثَوْبٍ نَجِسٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَيَسْتَأْنِفُ الْإِقَامَةَ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْقَهْقَهَةِ، وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ، فَإِنْ طَالَ اسْتَأْنَفَ الْإِقَامَةَ، وَإِلَّا بَنَى عَلَيْهَا.

وَفِيهِ أَنَّهُ لَا حَيَاءَ فِي الدِّينِ، وَسَبِيلُ مَنْ غَلَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرِهِ مُوهمٌ، كَأَنْ يُمْسِكُ بِأَنْفِهِ لِيُوهِمَ أَنَّهُ رَعَفَ.

وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ، خِلَافًا لِلثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ، وَبَعْض الْمَالِكِيَّةِ.

الشيخ: وهذا يُفيد أنه ﷺ يجري عليه ما يجري على الناس من النِّسيان؛ ولهذا قال في حديث ابن مسعودٍ: إنما أنا بشر، أنسى كما تنسون، فإذا نسيتُ فذكِّروني؛ ولهذا نسي الغسل فخرج حتى اغتسل ثم رجع.

ويدل على أنه لا حاجةَ إلى إعادة الإقامة، الإقامة الأولى تكفي؛ لأنه خرج للعُذر، فلا حاجةَ لإعادة الإقامة، يأتي ويُكبر، والصَّواب ما في "الصحيحين" أنه تذكر قبل أن يُكبر.

س: ................؟

ج: ظاهر مكانكم أنهم بقوا وقوفًا، ولكن هذا على حسب التَّيسير، إذا لم يشقّ عليهم ذلك؛ لأنه ﷺ اغتسل بسرعةٍ.

س: لكن لو ذكر بعد أن كبَّر؟

ج: يقطعها.

س: ويبقون، وإلا يتقدم مَن يتم؟

ج: إن بقوا فهو أحوط؛ لقوله: مكانكم، ولكن يبتدئ الصَّلاة ابتداءً، يُكبر تكبيرة الإحرام، لا يبني على الأولى؛ لأنها انقطعت، ما صحَّت، اتَّضح أنه على غير طهارةٍ، صار التَّكبير وجوده كعدمه.

س: والمأمومين ما مضى من صلاتهم لا يُعتد به؟

ج: إذا قلنا أنهم بقوا على حالهم وكبَّر بنوا على صلاتهم، لكن ظاهر رواية "الصحيحين" أنه كأنه انصرف قبل أن يُكبر، وهي أثبت وأقوى، وهي العُمدة.

س: الأحوط الاستخلاف أم أنهم يبقون كما هم؟

ج: الرسول قال: مكانكم، الأفضل أن ينتظروا حتى يأتي، فإذا حصلت مشقَّة واستخلف فلا بأس.

س: ..............؟

ج: إن كان قد مضى بعد الصلاة يبني، وإن كان ما مضى شيء يبدأ أول الصلاة، وإن كانت مضت ركعة أو ركعتان أو كذا يبني، مثل قصة النبي ﷺ مع الصِّديق.

س: لو تذكر في نهاية الفاتحة واستخلف الذي بعده يقرأ السُّورة التي بعدها؟

ج: إذا كان قد قرأ الفاتحة.

80- وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زُبَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى الْجُرُفِ، فَنَظَرَ، فَإِذَا هُوَ قَدِ احْتَلَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ، فَقَالَ: "وَاللَّهِ مَا أرَانِي إِلَّا احْتَلَمْتُ وَمَا شَعَرْتُ، وَصَلَّيْتُ وَمَا اغْتَسَلْتُ"، قَالَ: فَاغْتَسَلَ، وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ، وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَ، وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا.

81- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَقَالَ: "لَقَدِ ابْتُلِيتُ بِالِاحْتِلَامِ مُنْذُ وُلِّيتُ أَمْرَ النَّاسِ"، فَاغْتَسَلَ، وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِن الِاحْتِلَامِ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ.

الشيخ: يعني: ولم يأمرهم بالإعادة؛ لأنَّ صلاتهم صحيحة، فهم صلّوا، فلم يُؤمَروا بالإعادة، وهو يُعيد، إذا بان له بعد الصَّلاة أنه على غير وضوءٍ أو على جنابةٍ يُعيد ولا يُعيدون، وأما غسل ما أصاب ثوبه فلعله من باب النَّظافة، كانت عائشةُ تغسل المني من ثوب النبي ﷺ من باب النَّظافة.

س: ثم صلَّى بعد ارتفاع الضُّحى مُتمكِّنًا؟

ج: يعني قضى صلاته.

س: ربط كثرة الاحتلام بالخلافة؟

ج: الله أعلم.

الطالب: تكلم عليه الشَّارح: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا) ذَهَبَ أَوَّلَ النَّهَارِ (إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَرَأَى فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَقَالَ ..).

الشيخ: ما لزوم، المعنى ظاهر.

س: ...............؟

ج: الأقرب والله أعلم أنه يكفي الإقامة، لكن هذا بعد وقت الضُّحى، والنبي ﷺ لما نام عن الصَّلاة أذَّن وأقام، ما استيقظ إلا بعد الشَّمس، أما في الوقت فيكفي أذان الناس، أما إذا ما استيقظ إلا بعد الصَّلاة يُؤذِّن أذانًا خفيفًا ويُقيم، وإن اكتفى بالإقامة كفى والحمد لله.

س: ...............؟

ج: ضبطه عندك الشَّارح؟ تكلَّم على: أو أقام؟

الطالب: نعم.

الشيخ: على كل حالٍ إذا كان بعد الوقت يُؤذن ويُقيم لا بأس، أذانًا خفيفًا؛ لأنَّ النبي ﷺ لما نام عن الصَّلاة حتى أيقظه حرُّ الشمس أذَّن وأقام، أما الذي في البلد فيكفيه الإقامة والحمد لله.

الطالب: قال في الشَّرح: وأذَّن أو أقام، بالشَّك.

طالب آخر: عندنا: وأقام.

الشيخ: ما ضبطه؟ ما تكلم؟

الطالب: لا.

الشيخ: محتمل، على كل حالٍ الأمر فيه سعة، لكن إذا كان عند الوقت يكفيه أذانُ الناس، إذا كان استيقظ في الوقت يكفيه الأذانُ، يُقيم ويُصلي والحمد لله.

82- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا، فَقَالَ: "إِنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ لَانَتِ الْعُرُوقُ"، فَاغْتَسَلَ، وَغَسَلَ الِاحْتِلَامَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَعَادَ لِصَلَاتِهِ.

83- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ: أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَّسَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ، فَاحْتَلَمَ عُمَرُ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ، فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً، فَرَكِبَ حَتَّى جَاءَ الْمَاءَ، فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِلَامِ حَتَّى أَسْفَرَ. فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: أَصْبَحْتَ وَمَعَنَا ثِيَابٌ، فَدَعْ ثَوْبَكَ يُغْسَلُ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: "وَاعَجَبًا لَكَ يَا عَمْرُو بْنَ الْعَاصِ! لَئِنْ كُنْتَ تَجِدُ ثِيَابًا، أَفَكُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثِيَابًا؟! وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُهَا لَكَانَتْ سُنَّةً، بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ، وَأَنْضَحُ مَا لَمْ أَرَ".

قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ أَثَرَ احْتِلَامٍ، وَلَا يَدْرِي مَتَى كَانَ؟ وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا رَأَى فِي مَنَامِهِ، قَالَ: لِيَغْتَسِلْ مِنْ أَحْدَثِ نَوْمٍ نَامَهُ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ فَلْيُعِدْ مَا كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا احْتَلَمَ وَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَرَى وَلَا يَحْتَلِمُ، فَإِذَا وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَاءً فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ أَعَادَ مَا كَانَ صَلَّى لِآخِرِ نَوْمٍ نَامَهُ، وَلَمْ يُعِدْ مَا كَانَ قَبْلَهُ.

الشيخ: وهذا هو الصواب الذي نصَّ عليه أهلُ العلم: إذا وجد احتلامًا في ثوبه -يعني منيًّا- فإنه يغتسل ويُعيد الصلاة التي بعد النوم -بعد آخر نومة- فإنَّ الأصل السَّلامة، فلا يُعيد إلا ما بعد النَّومة الأخيرة، يُحمل الاحتلام على أنه وقع في النَّومة الأخيرة، فإذا كانت النَّومة الأخيرة في الضُّحى من قائلةٍ يُعيد .....، فإذا كانت النَّومة الأخيرة بعد الظهر يُعيد العصر، إن كان بعد العصر، وهكذا، فإذا كانت النَّومة الأخيرة نومة الليل وتنبَّه لما في ثوبه الصبح أو الضُّحى يُعيد الفجر.

الطالب: ..............

الشيخ: نعم؟

الطالب: قال كاتبه عبدالله العنجري يقول: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، وبعد:

فهذه نبذة مُوجزة حول ما جاء من أمر النبي ﷺ بلالًا أن يُؤخِّر الأذانَ ليتم أحد الصحابة سحوره، وهذه النّبذة مقسومة إلى ثلاثة أقسام، وهي:

الأول: الكلام على هذا الحديث بعينه.

الثاني: إيراد عدد من الأحاديث التي تُفيد معناه.

الثالث: فائدة مهمة.

فأما الحديث فقد جاء في طريقين:

الأولى: رواها الطيالسي عن ابن عمر فقال: حدَّثنا قيس بن زهير ابن أبي ثابت الأعمى، عن تميم بن عياض، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان علقمةُ بن عُلاثة عند رسول الله ﷺ يتسحَّر، فجاء بلال يُؤذنه بالصلاة، فقال رسولُ الله ﷺ: رويدًا يا بلال؛ يتسحر علقمة، وهو يتسحَّر برأسٍ.

قال الهيثمي في "المجمع": رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه قيس بن الربيع، وثَّقه شعبة وسفيان، وفيه كلام.

وتعقبه الألباني في "السلسلة الصحيحة" بقوله: وهو حسن الحديث في الشَّواهد؛ لأنه في نفسه صدوق، وإنما يُخشى من سوء حفظه، فإذا روى ما وافق الثِّقات اعتُبر بحديثه.

قلتُ: وللحديث طرق أخرى عن عليٍّ رواها البزار فقال: حدَّثنا خلاد بن أسلم قال: حدَّثنا حنيفة بن مرزوق، عن سوار بن مصعب، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن قيس ابن أبي حازم، عن علي بن أبي طالب قال: دخل علقمةُ بن عُلاثة على النبي ﷺ، فدعا له برأسٍ، وجعل يأكل معه، فجاء بلال فدعا إلى الصلاة، فلم يُجب، فرجع فمكث في المسجد ما شاء الله، ثم رجع فقال: الصلاة يا رسول الله، قد والله أصبحتَ. فقال رسولُ الله ﷺ: رحم الله بلالًا، لولا بلال لرجونا أن يُرخص لنا ما بيننا وبين طلوع الشمس.

قال البزار: تفرد به سوار، وهو لين الحديث. انتهى.

قلتُ: هذا المعنى الذي جاء في حديث عليٍّ وابن عمر قد وردت به عدة أحاديث.

الشيخ: هذا فيما يتعلق بتأخير الإقامة -أذان الإقامة يعني- وهذا أوسع، هذا تأخير الإقامة، نعم.

الطالب: قد وردت به عدَّة أحاديث يشهد بعضُها لبعضٍ، ومنها:

الحديث الأول: روى عبدالرزاق في "المصنف" عن ابن عُيينة.

الشيخ: طويل البحث؟

الطالب: نعم.

الشيخ: على كل حالٍ الحديث إما ضعيف، وإلا محمول على الإقامة، وأما الأذان إذا طلع الفجر أو حضر الوقت ما يُؤخر، يُؤذن، ما يُؤخر لأجل أن يتعشى فلان، أو يتغدَّى فلان، الأحاديث المحكمة في الصحيح معروفة، فإذا حضر الوقتُ على المؤذن أن يُؤذن، وخصوصًا الفجر فيه حقّ الصائم، لا يتأخَّر، يُؤذن للناس، هذا إما شاذٌّ، وإما ضعيف، وإما المراد به الأذان الذي هو الإقامة، تُسمَّى: أذانًا.

بَابُ غُسْلِ الْمَرْأَةِ إِذَا رَأَتْ فِي الْمَنَامِ مِثْلَمَا يَرَى الرَّجُلُ

84- حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مِثْلَمَا يَرَى الرَّجُلُ، أَتَغْتَسِلُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ، فَلْتَغْتَسِلْ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: أُفٍّ لَكِ! وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَرِبَتْ يَمِينُكِ! وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟!.

الشيخ: يعني لولا أنَّ لها ماءً ما جاء الشَّبَه، الولد يخرج من مائهما: من ماء الزوج والزوجة، فالحاصل أنَّ المرأة ترى ما يرى الرجلُ، لكن بعض النِّساء يقل منهن ذلك، يقل احتلامهن؛ ولهذا يستنكرن ذلك، وإلا فهو موجود، في رواية "الصحيحين": إذا رأت الماء زيادة، يعني: المني.

س: ..............؟

ج: نعم، المقصود عليك وعلى أبيك .....، مقصود حديث عليك وعلى أبيك.

85- حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ -امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ- إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ.

 

بَابُ جَامِعِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ

86- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: "لَا بَأْسَ أَنْ يُغْتَسَلَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ مَا لَمْ تَكُنْ حَائِضًا أَوْ جُنُبًا".

87- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَعْرَقُ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ.

الشيخ: لأنَّ الجُنب طاهر مثلما قال ﷺ: المسلم ليس بنجسٍ، لما صادف أبا هريرة وحُذيفة وانخنسا منه، وذكرا أنهما جنبان، قال: إنَّ المسلم لا ينجس.

88- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْسِلُ جَوَارِيهِ رِجْلَيْهِ، وَيُعْطِينَهُ الْخُمْرَةَ وَهُنَّ حُيَّضٌ.

وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ لَهُ نِسْوَةٌ وَجَوَارٍ: هَلْ يَطَؤُهُنَّ جَمِيعًا قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ جَارِيَتَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ، فَأَمَّا النِّسَاءُ الْحَرَائِرُ فَيُكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى، فَأَمَّا أَنْ يُصِيبَ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يُصِيبَ الْأُخْرَى وَهُوَ جُنُبٌ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.

الشيخ: لكن بعد الوضوء، السنة بعد الوضوء، كما في الحديث: ..... فليتوضأ بينهما وضوءًا، السنة أن يكون بينهما الوضوء.

س: ...............؟

ج: لأنَّ الحرائر لها، كل حرَّةٍ لها يوم خاصّ، يجب العدل، أما الإماء لا يلزم عدل، ولا يلزم يوم خاصّ، لكن ثبت في "الصحيحين": أنَّ النبي ﷺ طاف على نسائه بغسلٍ واحدٍ، فإذا عدل بينهن صار وقتًا مُشتركًا، لا بأس، ما يكون فيه الوضوء.

س: ...............؟

ج: هذا من اجتهاده وأرضاه، مثلما قال في الحديث الصحيح: لا يغتسل الرجلُ بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل، وليغترفا جميعًا من باب الفضل، من باب الاختيار، وإلا فيجوز؛ ولهذا النبي اغتسل من فضل ميمونة عليه الصلاة والسلام وقال: إنَّ الماء لا يجنب، لكن إذا ترك الفضلَ -فضل غسلها- وتركت فضلَ غسله عند الاستغناء عنه أفضل؛ لأنَّ الحديث الحكم فيه النَّهي عنهما جميعًا: حديث عمرو الغفاري: نهى رسولُ الله أن يغتسل الرجلُ بفضل المرأة، والمرأةُ بفضل الرجل ..... من أصحاب النبي ﷺ قال: نهى رسولُ الله أن يغتسل الرجلُ بفضل المرأة، والمرأةُ بفضل الرجل، وليغترفا جميعًا، حديث الحكم فيه فضل المرأة خاصَّةً.

فالحاصل أنَّ السنة ثابتة فيهما جميعًا، لكن إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك لا كراهةَ، أما إذا تيسر ماء غير الفضل فهو أفضل.

س: ...............؟

ج: ولو ما خلت به.

س: ...............؟

ج: لا وجهَ له، الحكم واحد، الجنب والحائض الحكم واحد.

وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ جُنُبٍ وُضِعَ لَهُ مَاءٌ يَغْتَسِلُ بِهِ، فَسَهَا فَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِيهِ لِيَعْرِفَ حَرَّ الْمَاءِ مِنْ بَرْدِهِ، قَالَ مَالِكٌ: إِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ أُصْبُعَهُ أَذًى فَلَا أَرَى ذَلِكَ يُنَجِّسُ عَلَيْهِ الْمَاءَ.

الشيخ: صدق، مثلما قال رحمه الله، لو أصاب الماء بيده، يده ما هي بنجسةٍ، يد الجنب طاهرة، فإذا أصاب بها الماء لا يُؤثر بالماء إلا إذا كان في يده نجاسة مثلما قال مالك، بدنه كله طاهر، إنما هو معنًى من المعاني أوجب الغسل، فبدنه كله طاهر: عرقه، وأصبعه، ورجله، ويده، ورأسه، كله طاهر؛ ولهذا لما قال النبيُّ لعائشة: هاتِ الخُمْرَة، قالت: يا رسول الله، إني حائض! قال: إنَّ حيضتك ليست بيدك، وقال في حقِّ حُذيفة وأبي هريرة -وكانا جُنبين- لما انخنسا منه: سبحان الله! إنَّ المسلم لا ينجس.

س: هل ورد في بعض الرِّوايات النَّهي عن الوضوء بفضل وضوء المرأة إذا هي خلت به؟

ج: هذا من اجتهاد عبدالله بن سرجس الصَّحابي، كان يرى إذا خلت، وعبدالله بن سرجس من الصحابة، أما السنة فليس فيها شيء، سواء خلت وإلا ما خلت، الحكم واحد.

هَذَا بَابٌ فِي التَّيَمُّمِ

89- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعَنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى فَخِذِي.

فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَتَيَمَّمُوا.

فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ.

قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ.

الشيخ: وفي هذا من الفوائد: أنَّ الإمام يُراعي الرَّعية -أفراد الرعية- ولو كانوا أفرادًا إذا حصل له حادث، ولو وقف الجيش، ولو نزلوا إذا هناك حادثٌ له أهمية لا بأس، هذا من الرِّعاية: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيَّته، وكان هذا العقد استعارته من أسماء أختها.

المقصود أنه ﷺ راعى هذا الأمر، فإذا قال واحدٌ من الرعية أو من الجيش أو من السَّرية: إنه سقط مني كذا، سقط مني كيس فيه دراهم، سقط مني كذا، شيء له أهمية؛ يُوقف الجيش، ويدورون وينظرون أين ذهب؟ إلا إذا كان هناك أمرٌ ضروري يمنع، إذا كان هناك خطرٌ هذا شيء آخر، لكن ما دام الناسُ في سعةٍ، وليس هناك خوفٌ ولا خطرٌ لا بأس أن يُوقف الجيش أو السَّرية لمصلحة الواحد من الرعيَّة.

وفي هذا أيضًا فضل عائشة رضي الله عنها وصبرها، وما كان يفعله النبيُّ ﷺ معها: كان ينام على فخذها، كل هذا يدل على فضلٍ خاصٍّ.

وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَيَمَّمَ لِصَلَاةٍ حَضَرَتْ، ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى، أَيَتَيَمَّمُ لَهَا أَمْ يَكْفِيهِ تَيَمُّمُهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: بَلْ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَغِيَ الْمَاءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَمَنِ ابْتَغَى الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ.

الشيخ: إذا كان معروفًا، ما هناك ماء، الصواب لا يلزمه التَّيمم؛ لقوله ﷺ: الصَّعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماءَ عشر سنين، فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، وما زال على طهارته كالماء، هذا هو الصواب، أما قول مَن قال: إنه مُبيح، وأنه ينتقض بخروج الوقت. فليس عليه دليلٌ، والصواب أنه كالماء طهور حتى يجد الماء، إن كان فاقدًا للماء، أو حتى يبرأ من مرضه الذي منعه من الماء.

وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَيَمَّمَ: أَيَؤُمُّ أَصْحَابَهُ وَهُمْ عَلَى وُضُوءٍ؟

قَالَ: يَؤُمُّهُمْ غَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَلَوْ أَمَّهُمْ هُوَ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا.

الشيخ: الأمر واسع، والصواب أنه لا بأس أن يؤمَّهم، مثلما أمَّ عمرو بن العاص جماعته وهو مُتيمم، وهم مُتوضِّئون، هذا طهارة شرعية، وهذا طهارة شرعيَّة.

س: ...............؟

ج: نعم، أو ثلاث، أو أربع، إذا كان ما أحدث: توضَّأ للظهر وبقي على طهارةٍ الظهر والعصر والمغرب والعشاء لا بأس، مثل الوضوء، هذا هو الصواب إذا كان ما هناك ماء، أو مريض ما يقدر أن يستعمل الماء.

قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَيَمَّمَ حِينَ لَمْ يَجِدْ مَاءً، فَقَامَ وَكَبَّرَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، فَطَلَعَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ مَعَهُ مَاءٌ؟ قَالَ: لَا يَقْطَعْ صَلَاتَهُ، بَلْ يُتِمُّهَا بِالتَّيَمُّمِ، وَلْيَتَوَضَّأْ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الصَّلَوَاتِ.

الشيخ: يعني مسألة خلافية: وجد الماء في الصَّلاة، منهم مَن قال: يقطعها. ومنهم مَن قال: لا يقطعها. ثم هذا الماء قد يُعطيه منه، وقد لا يُعطيه منه، محل شكٍّ.

س: ................؟

ج: محل نظرٍ، إن كان الماء مُتيسِّرًا الأقرب والله أعلم أنه يقطع؛ لأنَّ الله قال: فَلَمْ تَجِدُوا [النساء:43]، وهذا وجد وهو في الصلاة، مثلًا: نزل المطر والماء متيسر، أو جاء ..... وجاءت السيارةُ بالماء وهو في الصَّلاة، الأقرب يقطع كما هو مذهب أحمد وجماعته؛ لأنه عمَّته الآية: فَلَمْ تَجِدُوا، وهذا وجد.

س: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33]؟

ج: إلا لعلةٍ شرعيَّةٍ، يعني: النَّهي لعلَّةٍ غير شرعيَّةٍ، أما إذا أبطلها لعلَّةٍ شرعيَّةٍ لا بأس.

س: ...............؟

ج: يؤمّهم أقرؤهم، سواء متيممًا أو مُتوضئًا، أفضلهم يؤمّهم.

قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً، فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ التَّيَمُّمِ، فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَلَيْسَ الَّذِي وَجَدَ الْمَاءَ بِأَطْهَرَ مِنْهُ، وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً؛ لِأَنَّهُمَا أُمِرَا جَمِيعًا، فَكُلٌّ عَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ.

الشيخ: صدق رحمه الله.

وَإِنَّمَا الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْوُضُوءِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ، وَالتَّيَمُّمِ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ.

وقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْجُنُبِ: إِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَقْرَأُ حِزْبَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَيَتَنَفَّلُ مَا لَمْ يَجِدْ مَاءً، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ.

س: ...............؟

ج: يلزمه استعمال الماء للصلاة الجديدة.

س: ...............؟

ج: ولو بطل التَّيمم مثلما قال ﷺ: إذا وجدت الماء فأمسّه بشرتك، إذا وجد الماء بطل التَّيمم.

س: ...............؟

ج: إذا كان الماءُ قليلًا وهو مُستغنٍ عنه يغسل ما تيسر بالماء، ثم يتيمم للباقي، مثل: جنب يغسل ما تيسر، ثم يتيمم للباقي إن كان مُستغنٍ عن الماء.

س: ...............؟

ج: مثله إن كان مُستغنيًا عن الماء.

بَابُ الْعَمَلِ فِي التَّيَمُّمِ

90- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنَ الْجُرُفِ، حَتَّى إِذَا كَانَا بِالْمِرْبَدِ نَزَلَ عَبْدُاللَّهِ فَتَيَمَّمَ صَعِيدًا طَيِّبًا، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ صَلَّى.

91- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَيَمَّمُ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ.

وَسُئِلَ مَالِكٌ: كَيْفَ التَّيَمُّمُ؟ وَأَيْنَ يَبْلُغُ بِهِ؟ فَقَالَ: يَضْرِبُ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةً لِلْيَدَيْنِ، وَيَمْسَحُهُمَا إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ.

الشيخ: هذا قولٌ ضعيفٌ، كأنه من اجتهاد ابن عمر وأرضاه، وابن عمر له اجتهادات مرجوحة، والصواب أنها ضربة واحدة، هذا الأفضل في التَّيمم، ويكون في الكفَّين فقط، الذِّراعان لا يمسحهما، والدليل على هذا حديث عمَّار في "الصحيحين": أنَّ النبي ﷺ قال: إنما كان يكفيك أن تقول هكذا ثم ضرب بيديه الأرض، فمسح وجهه وكفَّيه عليه الصلاة والسلام، هكذا جاء في "الصحيحين"، هذا هو السنة: ضربة واحدة يمسح بها وجهه وكفَّيه، أما ما ذكر المؤلفُ عن ابن عمر أنه كان يضرب ضربتين، أو يمسح ذراعيه، واختاره مالك رحمه الله، هذا ضعيف مرجوح مخالفٌ للسنة الصَّحيحة.

س: ...............؟

ج: نعم، يبدأ بالوجه ثم الكفَّين.

س: ...............؟

ج: لا، يبدأ بالوجه ثم الكفَّين.

س: ...............؟

ج: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43] ابدؤوا بما بدأ اللهُ به.

س: ...............؟

ج: الحكم واحد، قصة عمَّار في الحدث الأكبر ضربة واحدة لوجهه وكفَّيه في الحدثين جميعًا: الأكبر والأصغر جميعًا.

س: ...............؟

ج: بلى، لكن الرِّواية التي فيها التَّرتيب هي الموافقة للقرآن، وهو الأصحّ والأرجح: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ابدؤوا بما بدأ اللهُ به.

بَابُ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ

92- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنِ الرَّجُلِ الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ ثُمَّ يُدْرِكُ الْمَاءَ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: إِذَا أَدْرَكَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ.

قَالَ مَالِكٌ فِيمَنِ احْتَلَمَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، وَلَا يَقْدِرُ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا عَلَى قَدْرِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ لَا يَعْطَشُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَاءَ، قَالَ: يَغْسِلُ بِذَلِكَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ الْأَذَى، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ صَعِيدًا طَيِّبًا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ.

وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ جُنُبٍ أَرَادَ أَنْ يَتَيَمَّمَ فَلَمْ يَجِدْ تُرَابًا إِلَّا تُرَابَ سَبَخَةٍ: هَلْ يَتَيَمَّمُ بِالسِّبَاخِ؟ وَهَلْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي السِّبَاخِ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي السِّبَاخِ، وَالتَّيَمُّمِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]، فَكُلُّ مَا كَانَ صَعِيدًا فَهُوَ يُتَيَمَّمُ بِهِ، سِبَاخًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.

الشيخ: وهذا هو الصواب؛ للآية الكريمة، ولقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، السِّباخ، أو رمال، أو جبال، الذي يتيسر، إن تيسر التراب تيمم بالتراب، وإلا من أي مكانٍ: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ للحدثين: للحدث الأصغر، والحدث الأكبر، في أي مكانٍ، نعم.

س: ..............؟

ج: الظاهر أنه يلزمه التراب؛ لقوله: تربتها لنا طهورًا، جعل الترابَ لي طهورًا، فإذا وجد الترابَ يبدأ به.

س: ..............؟

ج: الأقرب والله أعلم أنه يلزمه التراب؛ لأنه هو الذي فيه غبار ويعلق باليد، فإذا تيسر فهو المقدم.

س: ..............؟

ج: إذا كان ترابًا ما هو طينًا ما في بأس.

س: ..............؟

ج: بالوجه ثم اليدين، يمسح وجهه ثم يديه: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43]، ابدؤوا بما بدأ اللهُ به.

س: إذا كان يُدرك التُّراب قبل خروج الوقت يلزمه طلبه؟

ج: مثل الماء، التَّيمم في محلِّه فقط يكفي مثل الماء، مثلما أنه قد يجد الماء في آخر الوقت، يتيمم في أول الوقت والحمد لله.

س: الثَّلج والرُّخام في نفس الحُكم؟

ج: الثلج ما يتوضأ به إلا إذا تيسر، يسخن ويصير ماءً طيبًا.

س: ..............؟

ج: نعم، نعم، يُجعل عند المرضى يتيممون منه.

س: ..............؟

ج: نحن كتبنا لوزير الصحة في هذا، وأجاب بأنه عمَّم بهذا.

س: ..............؟

ج: لا، الواجب التراب، نحن كتبنا لهم التّراب الذي فيه الغبار.

س: ..............؟

ج: كتبنا، نُعيد الكتابة إن شاء الله.

س: ..............؟

ج: قد يكون شيء يسير.

بَابُ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ

93- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَا يَحِلُّ لِي مِنِ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لِتَشُدَّ عَلَيْهَا إِزَارَهَا، ثُمَّ شَأْنَكَ بِأَعْلَاهَا.

94- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ ابْنِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ- كَانَتْ مُضْطَجِعَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّهَا قَدْ وَثَبَتْ وَثْبَةً شَدِيدَةً، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا لَكِ؟ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ؟ يَعْنِي: الْحَيْضَةَ. فَقَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: شُدِّي عَلَى نَفْسِكِ إِزَارَكِ، ثُمَّ عُودِي إِلَى مَضْجَعِكِ.

95- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عُبَيْدَاللَّهِ بْنَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا: هَلْ يُبَاشِرُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَتْ: "لِتَشُدَّ إِزَارَهَا عَلَى أَسْفَلِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا إِنْ شَاءَ".

96- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنِ الْحَائِضِ: هَلْ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا إِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ؟ فَقَالَا: لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ.

الشيخ: وهذا هو الصواب؛ لقوله تعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ [البقرة:222]، ليس له قربانها -يعني: جماعها- حتى تغتسل، وأما استمتاعه بها بغير جماعٍ فلا بأس، لكن الأفضل من وراء الإزار؛ سدًّا للذَّريعة، لئلا تغلبه شهوته إذا كان من وراء الإزار، ولكن المحرم هو الجماع؛ لقوله ﷺ: اصنعوا كلَّ شيءٍ إلا النكاح رواه البخاري أو مسلم عن أنسٍ : اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح يعني: إلا الجماع، فيجوز له أن يستمتع بها فيما دون الفرج، لكن الأفضل له مثلما قال ﷺ: تشدّ عليها إزارها؛ لكون هذا أبعد عن الفتنة.

الطالب: في بحث.

الشيخ: أيش؟

الطالب: حديث: هذه ثم ظهور الحُصر.

الشيخ: إيه، نعم.

الطالب: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن والاه، تخريج حديث "هذه ثم ظهور الحصر": رواه الإمامُ أحمد في "مسنده": حدَّثنا يزيد بن هارون وحجاج، قالا: أنبأنا ابنُ أبي ذئبٍ. وإسحاق بن سليمان قال: سمعتُ ابن أبي ذئبٍ، عن صالح مولى التَّوأمة، عن أبي هريرة : أنَّ رسول الله ﷺ قال لنسائه عام حجَّة الوداع: هذه ثم ظهور الحصر، قال: فكن كلهن يحججنَ إلا زينب بنت جحشٍ وسودة بنت زمعة، وكانتا تقولان: والله لا تُحركنا دابَّة بعد أن سمعنا ذلك من النبي ﷺ.

وأخرجه أبو داود الطيالسي: حدَّثنا ابنُ أبي ذئبٍ به.

وأخرجه أبو يعلى من طريقين: حدَّثنا هارون بن عبدالله: حدَّثنا ابنُ أبي فديك. ح، وحدَّثنا أبو خيثمة: حدَّثنا إسحاق بن سليمان الرَّازي. كلاهما عن ابن أبي ذئبٍ به.

ورواه الطَّحاوي في "شرح مشكل الآثار": حدَّثنا الربيع المرادي: حدَّثنا أسد بن موسى: حدَّثنا ابن أبي ذئب.

ورواه البيهقي في "سننه" من طريق الطيالسي.

ورواه الطبراني وعلي بن الجعد في "مسنده" من طرقٍ عن ابن أبي ذئبٍ به.

وهذه أسانيد صحيحة إلى ابن أبي ذئب، وهو محمد بن عبدالرحمن بن المغيرة، القرشي، العامري، الفقيه، ثقة فاضل، من رجال الجماعة.

وصالح مولى التَّوأمة هو ابن نبهان، والتَّوأمة بنت أمية بن خلف المديني، اختلط بآخرةٍ، قال مالك: ليس بثقةٍ. كان مالك أدركه وقد اختلط، فمَن سمع منه قديمًا فذاك، وقد رواه عنه ..... المدينة، وهو صالح الحديث، لا أعلم به بأسًا. وقال ابنُ معين: إنما أدركه مالك بعد أن كبر وخرف، لكن ابن أبي ذئبٍ سمع منه قبل أن يخرف.

وقال الجوزجاني: تغير أخيرًا، وحديث ابن أبي ذئبٍ عنه مقبول؛ لسنِّه وسماعه القديم.

وقال ابنُ عدي: لا بأس به إذا روى عنه القدماء، مثل: ابن أبي ذئب، وابن جريج، وزياد بن سعد. انتهى من "التهذيب".

قلتُ: والرَّاوي عنه ..... ابن أبي ذئبٍ، الإسناد جيد، ورواه البزارُ من طريقين: عن سفيان وصالح بن كيسان، عن صالح مولى التَّوأمة به، ويشهد له ما تقدم.

طريق أخرى: قال الإمامُ أحمد في "مسنده": حدَّثنا سعيد بن منصور: حدَّثنا عبدالعزيز بن محمد الدَّراوردي، عن زيد بن أسلم، عن واقد ابن أبي واقد اللَّيثي، عن أبيه: أنَّ رسول الله ﷺ قال. فذكره.

ورواه البيهقي من طريق أحمد به. ورواه أبو داود عن النُّفيلي، عن الدَّراوردي به. ورواه أبو يعلى وابنُ أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"، كلاهما من طريق الدَّراوردي.

وواقد ابن أبي واقد قال ابنُ القطان: لا يُعرف حاله. وذكره ابنُ منده في الصحابة، وكناه: أبا مراوح. قال: وقال أبو داود: له صُحبة. انتهى من "التهذيب".

قال الحافظ في "التهذيب": إسناد حديث أبي واقد صحيح.

قلتُ: ويعضد هذا ما تقدم.

فصل

قال البخاري في "صحيحه": "باب حجِّ النِّساء". وذكر إذن عمر لأزواج النبي ﷺ في آخر حجَّةٍ حجَّها، فبعث معهن عثمان وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهما، ثم أسند حديث عائشة، لكن أحسن الجهاد وأجمله الحجّ المبرور، قالت عائشةُ رضي الله عنها: "فلا أدع الحجَّ بعد إذ سمعتُ هذا من رسول الله ﷺ".

قال الحافظ: وأورد المهلب، فزعم أنَّ حديث هذه ..... موضوع الحصر من وضع الرافضة؛ لقصد ذمِّ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في خروجها إلى العراق للإصلاح بين الناس في قصة وقعة الجمل، وهو إقدامٌ منه على ردِّ الأحاديث الصَّحيحة بغير دليلٍ، والعذر عن عائشةَ رضي الله عنها أنها تأوَّلت الحديث المذكور -كما تأوَّله غيرها من صواحباتها- على أنَّ المراد لا يجب عليهن غير تلك الحجَّة، وتعين ذلك عندها؛ لقوله ﷺ: لكن أفضل الجهاد الحجّ والعمرة، ومن ثمَّ عقبه المصنف بهذا الحديث في هذا الباب، وكأنَّ عمر كان مُتوقِّفًا في ذلك، ثم ظهر له الجواز فأذن له، وتبعه على ذلك مَن ذكر من الصحابة ومَن في عصره من غير نكيرٍ.

وقال الطَّحاوي في "شرح مشكل الآثار" في الجمع بين قوله ﷺ: جهادكن الحجّ المبرور مع حديث التَّرجمة: كَانَ جَوَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي اسْتِئْذَانِهَا إِيَّاهُ لَهَا وَلِمَنْ سِوَاهَا لِلْخُرُوجِ مَعَهُ فِي الْجِهَادِ مَا ذَكَرَ مِنْ جَوَابِهِ إِيَّاهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ جِهَادَهُنَّ لَا يَنْقَطِعُ، كَمَا لَا يَنْقَطِعُ جِهَادُ الرِّجَالِ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ ﷺ لَهَا وَلِسَائِرِ نِسَائِهِ سِوَاهَا: هذه ثم ظهور الحصر، فَوَقَفَتْ عَلَى ذَلِكَ هِيَ وَمَنْ سِوَاهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ عَلَى ذَلِكَ دُونَ مَنْ لَمْ تَقِفْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقِفْ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ زَيْنَبُ، وَلَا سَوْدَةُ، فَلَزِمَتَا مَا فِي الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَكُلُّهُنَّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِنَّ أَجْمَعِينَ عَلَى مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَحْمُودَاتٌ، وَخُلَفَاءُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَرَضِيَ عَنْ أَصْحَابِهِ، وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ فِي تَرْكِهِمُ الْخِلَافَ عَلَيْهِنَّ فِي ذَلِكَ، وَفِي إِطْلَاقِهِمْ إِيَّاهُ لَهُنَّ مَحْمُودُونَ بِعِلْمِهِمْ مَا عَلِمُوا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِلَّا عَلَى مَا حَمَلْنَاهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ السَّلَامَةَ وَحُسْنَ الظَّنِّ بِخُلَفَاءِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَأَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَفِيمَا سِوَاهُ ضِدُّ ذَلِكَ مِمَّا نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهُ.

تنبيهٌ: قال الذَّهبي في "الميزان": واقد ابن أبي واقد اللَّيثي روى عن أبيه، تفرد عنه زيد بن أسلم، حديثه: قال ﷺ لنسائه: هذه ثم ظهور الحصر، وهذا مُنكر، فما زلن يحججنَ.

قلتُ: الحديث صحيح، فله طريق أخرى، والجمع ممكن، فلا نكارةَ، والله أعلم.

الشيخ: على كل حالٍ، الذي يظهر والله أعلم أنَّ الأحاديث غير صحيحةٍ، صالح مولى التَّوأمة اختلط، وأصابه ما أصابه، لا يُعتمد عليه في مثل هذا الأمر العظيم، وإن كان من ابن أبي ذئب روى عنه قبل الاختلاط، كذلك حديث واقد لا تُعرف حاله، روى عنه زيد بن أسلم مثلما قال الذَّهبي، كون عمر يحجّ بهم لو كان ثابتًا فيه شيء ما حجَّ بهم عمر، ولا حجّوا بعد ذلك، ولكانوا امتثلوا.

وقوله لعائشة: أفضل الجهاد الحجّ والعمرة، لهنَّ جهاد: الحجّ والعُمرة، كل هذا يدل على أنَّ الأمر واسعٌ لهن ولغيرهنَّ، فالأقرب أنَّ حديث واقد وحديث مولى التَّوأمة ليسا صحيحين، بل هما غلط من بعض الرُّواة، غلط من صالح، وابن واقد ليس ممن يُعتمد عليه.

وفَّق الله الجميع.