04 من قوله: (ثم الإسناد وهو الطريق لموصلة إلى المتن)

ثمَّ الإِسْنادُ، وهُو الطَّريقُ المُوصِلَةُ إِلى المتنِ.

والمَتْنُ: هُو غايَةُ ما يَنْتَهي إِليه الإِسنادُ مِن الكلامِ، وهُو إِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلى النَّبِيِّ ﷺ.

الشيخ: الإسناد هو ما يأتي بعده المتن، هو ما يسوقه المحدث، يقال له إسناد، ويقال له سند، وهو الرجال الذين يحدثون بالمتن عن النبي ﷺ في الرواية عن النبي، أو في الأشياء الأخرى، فالإسناد هو الطريق الذي يأتي به المحدث حتى ينتهي إلى من هو إليه، وفي هذا حتى ينتهي إلى النبي ﷺ يقال له إسناد، ويقال له سند، سنده كذا، وسنده كذا، ويطلق الإسناد أيضًا على الألفاظ التي يساق بها السند، يقال إسناده معنعن، إسناده ليس به عنعنة، بل صريح السماع.

والنهاية هي التي يكون بعدها المتن، فإن كانت إلى النبي ﷺ فهذا هو المرفوع، وإن كانت النهاية إلى الصحابي فهذا الموقوف، وإن كانت النهاية للتابعي فهذا هو المقطوع كما يأتي.

وهُو إِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلى النَّبِيِّ ﷺ، ويقتَضي لفظُهُ - إِمَّا تَصْريحًا، أو حُكْمًا - أَنَّ المنَقْولَ بذلك الإِسنادِ مِن قولِهِ ﷺ، أو مِن فِعْلِهِ، أو مِن تَقريرِهِ.

مثالُ المَرفوعِ مِن القولِ تَصريحًا: أَن يقولَ الصَّحابيُّ: سمعتُ النبيَّ ﷺ يقولُ: كذا، أَو: حدَّثَنا رسولُ اللهِ ﷺ بكَذا، أو يقولُ هو، أو غيرُه: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ كذا، أَو: عنْ رسولِ اللهِ ﷺ أَنَّه قالَ كذا، أو نحوَ ذلك.

ومِثالُ المَرفوعِ مِن الفِعْلِ تَصريحًا: أَن يقولَ الصَّحابيُّ: رأَيْتُ رسولَ اللهِ ﷺ فعَلَ كذا، أو يقولَ هُو، أو غيرُه: كانَ رسولُ اللهِ ﷺ يفعَلُّ كذا.

ومِثالُ المَرفوعِ مِن التَّقريرِ تَصريحًا: أَنْ يقولَ الصَّحابيُّ: فعَلْتُ بحضرَةِ النبيِّ ﷺ كذا، أو يقولَ هو، أو غيرُه: فعَلَ فُلانٌ بحَضْرَةِ النبيِّ ﷺ كذا، ولا يذكُرُ إِنكارَهُ لذلك.

الشيخ: هذا التصريح القولي، والفعلي، والتقريري، إذا قال الصحابي قال رسول الله ﷺ كذا، أو سمعت رسول الله ﷺ يقول كذا فهذا التصريح القولي، والفعلي رأيت النبي يصلي كذا، ورأيت النبي ﷺ يفعل كذا فهذا فعل، والتقرير كأن يخبر عن النبي ﷺ أنه شاهد كذا، وكذا، وأنه فعل بحضرة النبي ﷺ كذا، وكذا فأقره.

ومثالُ المرفوعِ مِن القولِ حُكْمًا لا تَصْريحًا: أَنْ يقولَ الصَّحابيُّ - الَّذي لم يأْخُذْ عَنِ الإِسرائيليَّاتِ - ما لا مجالَ للاجْتِهادِ فيهِ، ولا لهُ تعلُّقٌ ببيانِ لُغةٍ، أو شرحِ غريبٍ؛ كالإِخْبارِ عنِ الأمورِ الماضيةِ مِن بدْءِ الخَلْقِ، وأَخْبارِ الأنبياءِ، أو الآتيةِ: كالملاحمِ، والفِتَنِ، وأَحوالِ يومِ القيامةِ.

وكذا الإِخْبارُ عمَّا يحْصُلُ بفِعْلِهِ ثوابٌ مَخْصوصٌ، أو عِقابٌ مَخْصوصٌ.

وإِنَّما كانَ لهُ حُكْمُ المَرفوعِ؛ لأنَّ إِخبارَهُ بذلك يقتَضي مُخْبِرًا لهُ، وما لا مَجالَ للاجتِهادِ فيهِ يَقتَضي مُوقِفًا للقائلِ بهِ، ولا مُوقِفَ للصَّحابَةِ إِلاَّ النبيُّ ﷺ، أو بعضُ مَن يُخْبِرُ عَن الكُتبِ القديمةِ، فلهذا وقعَ الاحْتِرازُ عنِ القسمِ الثَّاني، وإِذا كانَ كذلك؛ فلهُ حُكْمُ ما لو قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ؛ فهُو مَرْفوعٌ؛ سواءٌ كانَ ممَّا سمِعَهُ منهُ، أو عنهُ بواسِطةٍ.

الشيخ: وهذا هو المرفوع حكمًا أن يقول الصحابي شيئًا لا مجال للرأي فيه كالإخبار عن الجنة، أو النار، وما مضى من الأمم والرسل، أو ما يأتي في آخر الزمان، ولا يصرح بأن النبي ﷺ قاله، فهذا يكون له حكم المرفوع؛ لأن مثل هذا لا مجال للرأي فيه، فيكون قول الصحابي له يزاد له حكم الرفع، إلا إذا كان الصحابي ليس ممن يأخذ عن بني إسرائيل عن أهل الكتاب، أما إذا كان ممن يأخذ عن أهل الكتاب كابن عباس، وابن مسعود، وغيرهم يكون هذا قد سمعه من بعض أهل الكتاب، أو كان الكلام مما يتعلق بالتفسير من كلمة لغوية، أو خبر تاريخي، أو ما أشبه ذلك فهذا له حكم الاجتهاد، والعلم إنما يكون بالرفع ما لا مجال للرأي فيه، وليس مما يأخذ عن أهل الكتاب.

سؤال: ما ورد في البخاري من حديث جابر حينما قتل أباه في يوم أحد أنه يأخذ يكشف عن وجهه، ويقبله، ويبكي فأخذ الصحابة ينهونه عن ذلك، والنبي ﷺ لا ينهاه؟

الشيخ: هذا من باب التقرير.

سؤال: لكن ذكر الحافظ في الفتح في الشرح ذكر أن فعل النبي ﷺ بعدم نهيه للصحابة أن هذا إقرار منه على فعل الصحابة لنهيهم عن جابر؟

الشيخ: لكن كونه الرضا عنه يدل على الجواز.

ومِثالُ المَرفوعِ مِن الفِعْلِ حُكمًا: أَنْ يفعَلَ الصَّحابيُّ ما لا مَجالَ للاجْتِهادِ فيهِ فيُنَزَّلُ على أَنَّ ذلك عندَه عنِ النبيِّ ﷺ كما قالَ الشافعيُّ في صلاةِ عليٍّ في الكُسوفِ في كُلِّ ركعةٍ أَكثرَ مِن رُكوعَيْنِ.

الشيخ: لأن هذا يحمل على أنه رآه من النبي ﷺ؛ لأن هذا لا مجال للرأي فيه، والآخرون يقولون في مثل هذا من الاعتبار بما صح عن النبي ﷺ، وأن هذا وهم من بعض الرواة، وإنما الثابت أنه ﷺ صلى ركعتين بركوعين، وسجدتين، وقراءتين، هذا هو المحفوظ في الصحيحين، وآخرون قالوا: لعلها تنوعت الحادثة لعلها من باب التنوع.

س: .....؟

ج: ... يكفي الركوع، لكن إذا صرح رفع ثلاثة، أو أكثر، أو سجد... لكن الركوع، أو القراءة إذا تعددت فكانت ركوعين هذا هو محل بحث.

س: من قال أنها تنوعت صفة صلاة الكسوف للحاجة مع أن النبي ﷺ لم يفعلها إلا مرة واحدة؟

الشيخ: من قال هذا قال: لعلها وقعت مرات، وفي هذا الصواب أن صلاة الكسوف بركوعين، وقراءتين؛ لأن المشهور أنه ما فعلها إلا مرة يوم مات إبراهيم، كسفت الشمس يوم مات إبراهيم، ولهذا حكم البخاري، وجماعة على ما أن ما زاد على ركوعين وقراءتين غلط ووهم من بعض الرواة، وهذا هو الأرجح؛ لأن الكسوف لم يتعدد في النهار من النصوص، إنما جاء في قصة إبراهيم حينما كسفت الشمس، فلا يقال بالتعدد إلا بدليل، وإن كان الأغلب أنه قد يتعدد؛ لأنها مدة عشر سنين في المدينة، لكن الذي رووا الكسوف كلهم قالوا يوم مات إبراهيم، فالأظهر قول البخاري - رحمه الله -، وجماعة أن الأولى أن تكون الصلاة بقراءتين، وركوعين، وسجدتين.

س: المرفوع من القول حكمه قال ما لا للاجتهاد فيه، يقتضي موقفًا للقائل ما معنى هذا؟

الشيخ: يعني مرشدًا له، معلمًا له، الموقف المعلم.

ومثالُ المَرفوعِ مِن التَّقريرِ حُكْمًا: أَنْ يُخبِرَ الصَّحابيُّ أَنَّهُم كانُوا يفْعَلونَ في زمانِ النبيِّ ﷺ كذا؛ فإِنَّهُ يكونُ لهُ حُكمُ الرَّفعِ مِن جهةِ أَنَّ الظَّاهِرَ اطِّلاعُهُ ﷺ على ذلك لتوفُّرِ دَواعِيهِم على سُؤالِهِ عن أُمورِ دِينِهم؛ ولأنَّ ذلك الزَّمانَ زمانُ نُزولِ الوَحْيِ فلا يقعُ مِن الصَّحابةِ فِعْلُ شيءٍ، ويستمرُّونَ عليهِ إِلاَّ وهُو غيرُ ممنوعِ الفعلِ.

الشيخ: وهذا واضح، فإذا كان فعل شيء في عهده ﷺ، ولم ينه عنه دل على أنه قد أقره، مثل قوله: «كنا نعزل، والقرآن ينزل، ولو كان شيئًا لنهانا القرآن»، في بعض الروايات: «فبلغ ذلك النبي ﷺ، ولم ينهنا» لأن الرسول ﷺ لا يقرهم على باطل، بل القرآن ينزل، والله يعلم أحوالهم، فدل ذلك على أنه أمر مشروع أمر مباح على حسب حاله ...

س: إذا قال التابعي... عن كذا؟

ج: هذا يدل على ثبوت ...

وقدِ استدلَّ جابِرٌ، وأَبو سعيدٍ الخُدريُّ - رضي الله عنهما - على جوازِ العَزْلِ بأَنَّهُم كانوا يفعَلونَه والقرآنُ ينزِلُ، ولو كانَ ممَّا يُنْهَى عنهُ لنَهى عنهُ القُرآنُ.

ويلتَحِقُ بقَولي: «حُكْمًا» ما وردَ بصيغةِ الكنايةِ في موضعِ الصِّيَغِ الصَّريحةِ بالنِّسبةِ إِليه ﷺ؛ كقولِ التَّابعيِّ عنِ الصَّحابيِّ: يرفعُ الحَديثَ، أو: يرويهِ، أو: يَنْميهِ، أَو: روايةً، أَو: يبلُغُ بهِ، أَو: رواهُ.

وقد يَقْتَصِرونَ على القولِ معَ حَذْفِ القائلِ، ويُريدونَ بهِ النبيَّ ﷺ.

الشيخ: وهذا أمر اصطلحوا عليه فهو مسلم، حين قال رواية، أو يرفعه، أو ينميه المقصود إلى النبي ﷺ، هذا اصطلاح حكمه حكم الرفع مثل ما قال العراقي - رحمه الله -:

وقولهم يرفعه يبلغ به رواية ينميه رفع فانتبه

يعني اصطلحوا على هذه الكلمات، قد يحذف النبي ﷺ، يقول: قال قال ويسكت، يعني قال: قال النبي ﷺ اصطلاحًا لبعض التابعين عن بعض الصحابة.

وقد يَقْتَصِرونَ على القولِ معَ حَذْفِ القائلِ، ويُريدونَ بهِ النبيَّ ﷺ؛ كقولِ ابنِ سيرينَ عنْ أَبي هُريرةَ قالَ: قالَ: تُقاتِلونَ قَوْمًا الحديث.

وفي كلامِ الخَطيبِ أَنَّه اصْطِلاحٌ خاصٌّ بأَهلِ البَصرَةِ.

ومِن الصِّيَغِ المُحْتَمِلةِ: قولُ الصَّحابيِّ: مِن السُّنَّةِ كذا، فالأكثرُ على أَنَّ ذلك مرفوعٌ.

ونقلَ ابنُ عبدالبرِّ فيهِ الاتِّفاقَ؛ قالَ: وإِذا قالَها غيرُ الصَّحابيِّ؛ فكذلك، ما لم يُضِفْها إِلى صاحِبِها كسُنَّةِ العُمَرينِ.

وفي نَقْلِ الاتِّفاقِ نَظَرٌ، فعَنِ الشَّافعيِّ في أَصلِ المسأَلةِ قولانِ.

وذَهَبَ إِلى أَنَّهُ غيرُ مرفوعٍ أَبو بكرٍ الصَّيرفيُّ مِن الشَّافعيَّةِ، وأَبو بكرٍ الرَّازيُّ مِن الحنفيَّةِ، وابنُ حزمٍ مِن أَهلِ الظَّاهِرِ، واحتَجُّوا بأَنَّ السُّنَّةَ تتردَّدُ بينَ النبيِّ ﷺ، وبينَ غيرِه، وأُجِيبوا بأَنَّ احْتِمالَ إِرادةِ غيرِ النبيِّ ﷺ بعيدٌ.

وقد روى البُخاريُّ في صحيحِه في حديثِ ابنِ شِهابٍ، عن سالِمِ بنِ عبداللهِ بنِ عُمَرَ عن أَبيهِ في قصَّتِه معَ الحجَّاج حينَ قالَ لهُ: إِنْ كُنْتَ تُريدُ السُّنَّةَ فهَجِّرْ بالصَّلاةِ يومَ عَرَفَةَ.

الشيخ: وهذا هو الصواب إذا قال الصحابي من السنة، أو السنة كذا، فمراده سنة النبي ﷺ، هذا الذي عليه الجمهور، وحكى ابن عبدالبر عليه الإجماع، ومن هذا قول ابن عمر للحجاج إذا كنت تريد السنة فهجر، أي بادر بالوقوف بعرفة، صلاة الجمع بين الظهر والعصر حين الزوال، ومن هذا قول ابن عباس ما روته السنة في حق المسافر إذ صلى خلف المقيم أن يصلي أربعًا، فإذا قال الصحابي السنة كذا، ومن السنة كذا، فالمراد سنة النبي ﷺ.

س: .....؟

س: إن قال التابعي من السنة كذا؟

الشيخ: يصير مرسلًا.

قالَ ابنُ شِهابٍ: فقلتُ لسالِمٍ: أَفَعَلَهُ رسولُ اللهِ ﷺ؟ فقالَ: وهل يَعْنونَ بذلك إِلاَّ سُنَّتَهُ ﷺ؟!

فنَقَلَ سالمٌ - وهو أَحدُ الفُقهاءِ السَّبعَةِ مِن أَهلِ المدينةِ، وأَحدُ الحفَّاظِ مِن التَّابعينَ عنِ الصَّحابةِ - أَنَّهم إِذا أَطلَقوا السُّنَّةَ؛ لا يُريدونَ بذلك إِلاَّ سُّنَّةَ النبيِّ ﷺ.

وأَمَّا قولُ بعضِهِم: إِذا كانَ مرفوعًا؛ فلمَ لا يقولونَ فيهِ: قالَ رسولُ اللهِ؟

فجوابُهُ: إِنَّهُم تَرَكوا الجَزْمَ بذلك تورُّعًا، واحتِياطًا.

ومِن هذا: قولُ أَبي قِلابةَ عن أَنسٍ : «مِن السُّنَّةِ إِذا تزوَّجَ البِكْرَ على الثَّيِّبِ أَقامَ عندَها سَبعًا»، أَخرَجاهُ في الصَّحيحينِ، قالَ أَبو قِلابةَ: لو شِئْتُ لقلتُ: إِنَّ أَنسًا رفَعَهُ إِلى النبيِّ ﷺ.

أَي: لو قُلتُ: لمْ أَكْذِبْ؛ لأَنَّ قولَه: «مِن السُّنَّةِ» هذا معناهُ، لكنَّ إِيرادَهُ بالصِّيغَةِ التي ذَكَرها الصَّحابيُّ أَوْلى.

ومِن ذلك: قولُ الصَّحابيِّ: أُمِرْنا بكَذا، أَو: نُهينا عنْ كذا، فالخِلافُ فيهِ كالخِلافِ في الَّذي قَبْلَهُ؛ لأنَّ مُطْلَقَ ذلك ينصَرِفُ بظاهِرِه إِلى مَنْ لهُ الأمرُ والنَّهْيُ، وهُو الرَّسولُ ﷺ.

وخالفَ في ذلك طائفةٌ تمَسَّكوا باحْتِمالِ أَنْ يَكونَ المُرادُ غيرَه، كأَمرِ القُرآنِ، أو الإِجماعِ، أو بعضِ الخُلفاءِ، أو الاستِنْباطِ.

وأُجيبوا بأَنَّ الأصلَ هو الأوَّلُ، وما عداهُ مُحْتَمَلٌ، لكنَّهُ بالنسبةِ إليهِ مرجوحٌ.

الشيخ: وهذا هو الصواب مثل قول ابن عباس: «أمرنا الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض»، وهذا كثير في لسان الصحابة، ويكون له حكم المرفوع.

وأَيضًا؛ فمَن كان في طاعةِ رئيسٍ إِذا قالَ: أُمِرْتُ؛ لا يُفْهَمُ عنهُ أَنَّ آمِرَهُ ليس إِلاَّ رئيسُهُ.

وأَمَّا قولُ مَن قالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُظنَّ ما ليسَ بأمرٍ أمرًا! فلا اخْتِصاصَ لهُ بهذهِ المسأَلَةِ، بل هُو مذكورٌ فيما لو صرَّحَ، فقالَ: أَمَرَنا رسولُ اللهِ ﷺ بكذا.

وهو احْتِمالٌ ضعيفٌ؛ لأنَّ الصَّحابيَّ عدلٌ عارفٌ باللِّسانِ، فلا يُطلقُ ذلك إِلاَّ بعدَ التحقُّقِ.

ومن ذلك: قولُه: كنَّا نفعَلُ كذا، فلهُ حُكْمُ الرَّفعِ أَيضًا كما تقدَّمَ.

ثم الْإِسْنَادُ: إِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى النَّبيِّ ﷺ تَصْرِيحًا، أو حُكْمًا: مِنْ قَوْلِهِ، أو فِعْلِهِ، أو تَقْرِيرِهِ.

أَوْ إِلَى الصَّحَابِيِّ كَذَلِكَ، وهُوَ: مَنْ لَقِيَ النَّبيَّ ﷺ مُؤْمِنًا بِهِ، ومَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، ولَوْ تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ فِي الْأَصَحِّ.

أَوْ إِلَى التَّاَّبِعِيِّ: وهُوَ مَنْ لَقِيَ الصَّحَابِيَّ كَذَلِكَ.

فَالْأَوَّلُ: الْمَرْفُوعُ، والثَّانِي: الْمَوْقُوفُ، والثَّالِثُ: الْمَقْطُوعُ، ومَنْ دُونَ التَّابِعِيِّ فِيهِ مِثْلُهُ.

وَيُقَالُ لِلأَخِيرَيْنِ: الْأَثَرُ.

ومِن ذلك: قولُ الصَّحابيِّ: أُمِرْنا بكَذا، أَو: نُهينا عنْ كذا، فالخِلافُ فيهِ كالخِلافِ في الَّذي قَبْلَهُ.

الشيخ: والمعتمد أن له حكم المرفوع إذا قال الصحابي أمرنا، أو نهينا فالمراد أمر النبي ﷺ، وفي قول ابن عباس: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض» هذا أمر الرسول ﷺ، ولهذا جاء في رواية لمسلم: لا ينفر الناس حتى يكون آخر عهدهم بالبيت عن ابن عباس قال: قال رسول الله: لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت.

ومثله قول أم عطية: «نُهِينا عن اتباع الجنائز».

فالخِلافُ فيهِ كالخِلافِ في الَّذي قَبْلَهُ؛ لأنَّ مُطْلَقَ ذلك ينصَرِفُ بظاهِرِه إِلى مَنْ لهُ الأمرُ والنَّهْيُ، وهُو الرَّسولُ ﷺ.

وخالفَ في ذلك طائفةٌ تمَسَّكوا باحْتِمالِ أَنْ يَكونَ المُرادُ غيرَه، كأَمرِ القُرآنِ، أو الإِجماعِ، أو بعضِ الخُلفاءِ، أو الاستِنْباطِ.

وأُجيبوا بأَنَّ الأصلَ هو الأوَّلُ، وما عداهُ مُحْتَمَلٌ، لكنَّهُ بالنسبةِ إليهِ مرجوحٌ.

وأَيضًا؛ فمَن كان في طاعةِ رئيسٍ إِذا قالَ: أُمِرْتُ؛ لا يُفْهَمُ عنهُ أَنَّ آمِرَهُ ليس إِلاَّ رئيسُهُ.

وأَمَّا قولُ مَن قالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُظنَّ ما ليسَ بأمرٍ أمرًا! فلا اخْتِصاصَ لهُ بهذهِ المسأَلَةِ، بل هُو مذكورٌ فيما لو صرَّحَ، فقالَ: أَمَرَنا رسولُ اللهِ ﷺ بكذا.

وهو احْتِمالٌ ضعيفٌ؛ لأنَّ الصَّحابيَّ عدلٌ عارفٌ باللِّسانِ، فلا يُطلقُ ذلك إِلاَّ بعدَ التحقُّقِ.

الشيخ: وهذا القول هو الصواب؛ لأن ظن السوء بأن الصحابي قد يظن ما ليس بأمر أمر، وما ليس بنهي نهي هذا غلط لا يظن بهم هذا، هم أفصح الناس، وأعرف الناس، وهم أكثر الناس أمانة، فإذا قال: أمرنا رسول الله ﷺ، أو نهانا رسول الله ﷺ فهو يعرف معنى الأمر والنهي.

ومن ذلك: قولُه: كنَّا نفعَلُ كذا، فلهُ حُكْمُ الرَّفعِ أَيضًا كما تقدَّمَ.

 

الشيخ: نعم مثل قول الصحابي: كنا نعزل، والقرآن ينزل.

ومِن ذلك: أَنْ يَحْكُمَ الصَّحابيُّ على فِعلٍ مِن الأفعالِ بأَنَّه طاعةٌ للهِ أو لرسولِهِ ﷺ، أو معصيةٌ؛ كقولِ عَمَّارٍ : «مَن صامَ اليومَ الَّذي يُشَكُّ فيهِ؛ فقدْ عَصى أَبا القاسِمِ» فلهذا حُكْمُ الرَّفعِ أَيضًا.

الشيخ: وهذا النوع له حكم الرفع، مثل قول أبي هريرة لما رأى رجلًا خرج بعد الأذان: أما هذا فقد عصى أبا القاسم، خرج من المسجد. 

لأنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذلك ممَّا تلقَّاهُ عنِ النبيِّ ﷺ.

أَوْ تَنْتَهي غايةُ الإِسنادِ إلى الصَّحابِيِّ كَذلكَ؛ أَي: مِثْلَ ما تقدَّمَ في كونِ اللَّفْظِ يَقْتَضي التَّصريحَ بأَنَّ المَقولَ هُو مِن قولِ الصَّحابيِّ، أو مِن فعلِهِ، أو مِن تقريرِه، ولا يَجيءُ فيهِ جَميعُ ما تقدَّمَ بل مُعْظَمُه.

والتَّشبيهُ لا تُشْتَرَطُ فيهِ المُساواةُ مِن كلِّ جهةٍ.

ولمَّا أَنْ كانَ هذا المُخْتَصرُ شامِلًا لجَميعِ أَنواعِ عُلومِ الحَديثِ اسْتَطْرَدْتُ منهُ إِلى تَعريفِ الصَّحابيِّ مَن «ما» هو، فقلتُ: وهُو: مَنْ لَقِيَ النَّبِيِّ ﷺ ُمؤمِنًا بهِ، وماتَ عَلى الإِسلامِ، ولو تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ في الأَصَحَّ.

والمرادُ باللِّقاءِ ما هُو أَعمُّ مِن المُجالَسَةِ، والمُماشاةِ، ووصولِ أَحدِهِما إِلى الآخَرِ، وإِنْ لم يُكالِمْهُ.

الشيخ: المقصود أنه إذا لقي النبي ﷺ فهو لهم الصحبة، إذا كان مؤمنًا به، ولو كان تبعًا كالصحابة الصغار الذين رأوا النبي ﷺ، وقدمهم آباؤهم للنبي ﷺ كعبدالله بن أبي طلحة، وأشباهه، فهم صحابة حتى ولو ارتد ثم رجع، فالصحبة لا تزول، كالذين ارتدوا أيام الردة، ثم رجعوا كالأشعث بن قيس، وغيره ممن ارتد، ثم رجع إلى الإسلام.

س: النجاشي هل هو صحابي أم تابعي؟

الشيخ: لا، ما لقي النبي ﷺ، تابعي لأنه ما لقي النبي ﷺ إنما مكاتبة.

س: ومحمود بن الربيع؟

الشيخ: محمود بن الربيع صحابي صغير، مج النبي في وجهه مجة عليه الصلاة والسلام.

س: ومحمد بن أبي بكر؟

الشيخ: ومحمد بن أبي بكر كذلك صحابي، لقي النبي ﷺ، وحمل إليه.

وتدخُلُ فيهِ رُؤيَةُ أَحدِهما الآخَرَ سواءٌ كانَ ذلك بنفسِه، أو بغيْرِه.

والتَّعْبيرُ بـ «اللُّقِيَّ» أَولى مِن قولِ بعضِهم: الصَّحابيُّ مَن رأَى النبيَّ ﷺ؛ لأنَّهُ يُخرِجُ حينئذٍ ابن أُمِّ مكتومٍ، ونحوهُ مِن العُميانِ، وهُم صحابةٌ بلا تَرَدُّدٍ، واللُّقي في هذا التَّعريفِ كالجِنْسِ.

الشيخ: المقصود أن اللقي أحسن من التعريف بالرؤيا؛ لأن الرؤيا قد يفهم منها أن الأعمى ما يكون صحابيًا، فإن كان غير مراد، يعني التعبير بمن رأى يعني الأغلب، أو يفسر بالرؤيا التي معها يقوم مقامها العلم ممن لقي، لكن التعبير باللقي يكون أوضح سواء كان بصيرًا، أو أعمى، إذا لقيه فهو صحابي كابن أم مكتوم، وغيره من العميان الذين لقوا النبي ﷺ، وهم صحابة بإجماع المسلمين.

س: التعبير باجتمع؟

الشيخ: اجتمع قد يؤخذ منه المجالس، واللقي أعم، ولو لقي مرة.

س: ما معنى قوله: من رأى منكم منكرًا؟

الشيخ: هذا يشمل الرؤيا والعلم.

وقَوْلِي: «مُؤمنًا»؛ كالفَصْلِ، يُخْرِجُ مَن حَصَلَ لهُ اللِّقاءُ المذكورُ، لكنْ في حالِ كونِه كافرًا.

الشيخ: هذا لا يسمى صحابيًا؛ لأنه لقي النبي ﷺ كافرًا لم يؤمن به، فإذا أسلم بعد ذلك يكون تابعيا.

وقَوْلي: «بهِ» فصلًا ثانٍ يُخْرِجُ مَن لَقِيَهُ مُؤمِنًا لكنْ بغيرِه مِن الأنبياءِ.

لكنْ: هل يُخْرِجُ مَن لَقِيَهُ مُؤمِنًا بأَنَّهُ سَيُبْعَثُ، ولم يُدْرِكِ البِعْثَةَ فيهِ نَظرٌ.

وقَوْلي: «وماتَ على الإِسلامِ»؛ فصلٌ ثالِثٌ يُخْرِجُ مَنِ ارتَدَّ بعدَ أَنْ لَقِيَه مُؤمِنًا بهِ وماتَ على الرِّدَّةِ؛ كعُبَيْدِاللهِ بنِ جَحْشٍ، وابن خَطَلٍ.

الشيخ: إذا ارتد ...، نسأل الله العافية.

وقَوْلي: «ولو تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ»؛ أي: بينَ لُقِيِّهِ لهُ مُؤمِنًا بهِ، وبينَ موتِه على الإِسلامِ؛ فإِنَّ اسمَ الصُّحبةِ باقٍ لهُ، سواءٌ أَرجَعَ إِلى الإسلامِ في حياتِهِ ﷺ أو بعدَه، وسواءٌ أَلَقِيَهُ ثانيًا أَمْ لا.

وقَوْلي: «في الأصحِّ»؛ إِشارةٌ إِلى الخِلافِ في المسأَلةِ.

ويدلُّ على رُجْحانِ الأوَّلِ قصَّةُ الأشْعَثِ بنِ قيسٍ؛ فإِنَّه كانَ ممَّنِ ارتَدَّ، وأُتِيَ بهِ إِلى أَبي بكرٍ الصدِّيقِ أَسيرًا، فعادَ إِلى الإسلامِ، فقَبِلَ منهُ ذلك، وزوَّجَهُ أُخْتَهُ، ولم يتخلَّفْ أَحدٌ عنْ ذِكْرِهِ في الصَّحابةِ، ولا عنْ تخريجِ أحاديثِه في المَسانيدِ وغيرِها.

تَنْبيهانِ:

ثُمَّ الْإِسْنَادُ: إِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى النَّبيِّ ﷺ تَصْرِيحًا، أو حُكْمًا: مِنْ قَوْلِهِ، أو فِعْلِهِ، أو تَقْرِيرِهِ.

أَوْ إِلَى الصَّحَابِيِّ كَذَلِكَ، وهُوَ: مَنْ لَقِيَ النَّبيَّ ﷺ مُؤْمِنًا بِهِ، ومَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، ولَوْ تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ فِي الْأَصَحِّ.

أَوْ إِلَى التَّاَّبِعِيِّ: وهُوَ مَنْ لَقِيَ الصَّحَابِيَّ كَذَلِكَ.

فَالْأَوَّلُ: الْمَرْفُوع ُ، والثَّانِي: الْمَوْقُوفُ، والثَّالِثُ: الْمَقْطُوعُ ُ، ومَنْ دُونَ التَّابِعِيِّ فِيهِ مِثْلُهُ.

وَيُقَالُ لِلأَخِيرَيْنِ: الْأَثَرُ.

الشيخ: الشرح.

تنبيهان:

أَحَدُهما: لا خَفاءَ برُجْحانِ رُتبةِ مَن لازَمَه ﷺ، وقاتَلَ معَهُ، أو قُتِلَ تَحْتَ رايتِه، على مَن لم يُلازمْهُ، أو لم يَحْضُرْ معهُ مشهدًا، وعلى مَن كلَّمَهُ يَسيرًا، أو ماشاهُ قَليلًا، أو رآهُ على بُعْدٍ، أو في حالِ الطُّفولةِ وإِن كانَ شرفُ الصُّحْبةِ حاصِلًا للجَميعِ.

الشيخ: قد تقدم الكلام على انتهاء السند إلى الصحابي، ثم إلى النبي ﷺ، وهكذا إلى من بعده، كما تقدم أن انتهائه إلى النبي ﷺ هذا هو المرفوع؛ إما تصريحًا كقال رسول الله، وسمعت رسول الله، أو حكمًا كأن يقول مرفوعًا، أو يبلغ به النبي ﷺ، أو يرويه، أو ينميه، أو في حكم المرفوع كأمرنا، ونهينا كما تقدم، أو التعبير إلى الصحابي فقط، فهذا يسمى الموقوف مثل: قال الصديق، قال عمر، قال ابن عباس، فهذا يسمى الموقوف، أو إلى التابعي، وهذا يسمى المقطوع كأن ينتهي إلى سعيد بن المسيب، أو إلى عكرمة، أو إلى أبي صالح، أو عبيدة السلماني، أو غيرهم يسمى المقطوع، وهكذا من بعدهم، فالمتن يقال له المقطوع، ويقال لهما الأثر، وفي غيره ما يروى عن الصحابي، والتابعي، ومن بعدهم يقال له الأثر، ثم ... أحدهما ... من لازم النبي ﷺ، وسمع منه، وجاهد معه له فضل الصحبة، الصحابة شاركوا فليسوا على حد سواء فهم أقسام وطبقات على حسب صحبتهم، وتقدم صحبتهم، وسبقهم، وجهادهم، فالصديق أفضلهم لسبقه العظيم، ونفعه في الإسلام، وجهاده العظيم في ماله، وبدنه في مكة، وفي المدينة، وفي المغازي، ثم عمر أيضًا لصدقه، وإيمانه العظيم، وقوته في دين الله، ونصره للحق، ثم عثمان ذي النورين لصفاته الحميدة، وأعماله المجيدة، ونصره للإسلام، وبذله المال العظيم في نصرة الإسلام في تبوك، وغيرها، ثم علي ابن عم النبي ﷺ لفضله العظيم، وصبره مع نبي الله ﷺ، وجهاده، وقوته في الدين، ثم بقية العشرة، ثم الذين شهدوا بدرًا أصحاب بدر، ثم أصحاب الشجرة الذين بايعوا النبي ﷺ تحت الشجرة، وغيرهم... في علمهم، وفضلهم، وجهادهم، وتقدمهم في الدين، وأقلهم من ولد على الإسلام، ورأى النبي ﷺ ولو مرة تثبت له الصحبة، الصحبة العامة، إذا لقي النبي ﷺ ولو تبعًا لغيره كعبدالله بن أبي طلحة الذي أتي به إلى النبي ﷺ، وعرض عليه، وحنكه، وغير ذلك، وغير الصغار الآخرين كابن الزبير، وابن عباس، والسائب بن يزيد، وغيرهم من أبناء الصحابة .

المقصود أن من لقي النبي ﷺ مستقلًا، أو تابعًا له حكم الصحبة، لكن ليسوا على حد سواء، بل هم طبقات في الفضل والعلم كما تقدم.

س: من أدرك النبي ﷺ، ولم يلقه؟

الشيخ: هذا ما يسمى صحابي، يسمى تابعي مثل الصنابحي، وكعب الأحبار، هؤلاء يقال لهم تابعيون، وإن كانوا أدركوا النبي ﷺ، لكن ما لقوه، مات ولم يلقوه، قدموا المدينة بعد موته ﷺ.

ومَنْ ليسَ لهُ مِنهُم سماعٌ منهُ؛ فحديثُهُ مُرْسَلٌ من حيثُ الرِّوايةُ، وهُم معَ ذلك معددونَ في الصَّحابةِ؛ لما نالوهُ مِن شرفِ الرُّؤيةِ.

الشيخ: مرسل الصحابي حجة، لأنه تلقاه عن الصحابة، فالذي رأى النبي ﷺ، وآمن به، ولكن لم يسمع منه فأحاديثه تسمى مرسل صحابي، وحجة.

ثانيهِما: يُعْرَفُ كونُه صحابيًّا؛ بالتَّواتُرِ، أو الاستفاضَةِ، أو الشُّهْرةِ، أو بإِخبارِ بعضِ الصَّحابةِ، أو بعضِ ثقاتِ التَّابِعينَ، أو بإِخبارِهِ عنْ نفسِهِ بأَنَّهُ صحابيٌّ؛ إِذا كانَ دعواهُ ذلكَ تدخُلُ تحتَ الإِمكانِ.

الشيخ: وقد يعرف هذا الصحابي بأمور كثيرة، بالتواتر، بالتعبير عن الصحابي بالشهرة والاستفاضة، إخبار التابعين عنه، مثل أن يقول سعيد بن المسيب سمعت فلانًا أنه سمع النبي ﷺ، أنه رأى النبي ﷺ، ... التابعين، أو يخبر عن نفسه يقول لقيت النبي ﷺ، وهو معروف بين المسلمين معروف بالخير، والثقة، ويقول سمعت النبي ﷺ، شهدت النبي ﷺ فعل كذا، رأيته فعل كذا، وهو ممن عرف بالعدالة والثقة، كل هذا مما يدل على الصحبة.

وقد استَشْكَلَ هذا الأخيرَ جماعَةٌ مِن حيثُ إِنَّ دعواهُ ذلك نظيرُ دَعْوى مَن قالَ: أَنا عَدْلٌ،

ويَحْتاجُ إِلى تأَمُّلٍ.

الشيخ: مثل هذا ما يحتاج، لأن قوله شهدت النبي ﷺ، أو رأيت النبي ﷺ ما يكون مثل قوله الرجل: أنا عدل .. لا، هو يخبر عما جرى، ولم يكذب، وقد عرف ثقته، وإمامته، وعدالته، فالصحابة عدول ، فإذا قال ذلك ثبت له حكم الصحبة؛ لأنه لو كان كاذبًا لكذبه الصحابة الذين عرفوه.

أَوْ تنتَهي غايةُ الإِسنادِ إِلى التَّابِعيَ، وهو مَنْ لَقِيَ الصَّحابِيَّ كذلكَ، وهذا متعلِّقٌ باللُّقيِّ، وما ذُكِرَ معهُ إِلاَّ قَيْدُ الإِيمانِ بهِ؛ فذلكَ خاصٌّ بالنبيِّ ﷺ.

الشيخ: هذا إن انتهت الرواية إلى تابعي، هذا يقال له أثر، إن انتهت الرواية إلى عكرمة، إلى سعيد بن المسيب، إلى أبي صالح السمان، إلى أشباههم قال كذا وكذا، هذا يقال له أثر، قال أبو صالح كذا، قال سعيد بن المسيب كذا، هذا يسمى أثرًا، وإن رفعه إلى النبي ﷺ قيل له مرسل، رفعه فقال: قال رسول الله ﷺ هذا مرسل، وإن حكى عن نفسه فهو أثر ينسب إليه سواء كان في التفسير، أو غيره.

وهذا هُو المُختارُ؛ خلافًا لمَن اشْتَرَطَ في التَّابعيِّ طولَ المُلازمةِ، أو صُحْبَةَ السَّماعِ، أو التَّمييزَ.

الشيخ: ليس بشرط طول الصحبة، أو الملازمة، أو كذا، أو كذا، المقصود كونه رآه، واجتمع به، وآمن به، يكفي، ولو ما طالت الصحبة، ولو تبعًا لغيره؛ كالأطفال الذين قدمهم آباءهم للنبي ﷺ فدعا لهم، وحنكهم، أو نحو ذلك، أو سلم عليه مرة، ثم سافر، أو قتل، أو عند موت النبي ﷺ لم يكن له رواية عنه، وصف الصحبة يشمله.

س: .....؟

وبَقِيَ بينَ الصَّحابةِ، والتَّابعينَ طبَقَةٌ اخْتُلِفَ في إِلحاقِهِم بأَيِّ القِسمينِ، وهُم المُخَضْرَمونَ الَّذين أَدْرَكوا الجَاهِليَّةَ والإِسلامَ، ولم يَرَوا النبيَّ ﷺ، فعدَّهُم ابنُ عبدالبرِّ في الصَّحابةِ.

وادَّعَى عِياضٌ وغيرُه أَنَّ ابنَ عبدالبرِّ يقولُ: إِنَّهُم صحابةٌ!، وفيهِ نظرٌ؛ لأنَّهُ أَفصَحَ في خُطبةِ كتابِه بأَنَّهُ إِنَّما أَورَدَهُم ليكونَ كتابُه جامِعًا مُستوعِبًا لأهْلِ القرنِ الأوَّلِ.

والصَّحيحُ أَنَّهُم مَعددونَ في كبارِ التَّابعينَ سواءٌ عُرِف أَنَّ الواحِدَ منهُم كانَ مُسلمًا في زمنِ النبيِّ ﷺ - كالنَّجاشيِّ- أَمْ لا؟

لكنْ إِنْ ثبتَ أَنَّ النبيَّ ﷺ ليلةَ الإِسْراءِ كُشِفَ لهُ عن جَميعِ مَن في الأرْضِ فرَآهُمْ، فيَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مَنْ كانَ مُؤمِنًا بهِ في حياتِه إِذْ ذاكَ - وإِنْ لمْ يُلاقِهِ - في الصَّحابةِ؛ لحُصولِ الرُّؤيَةِ من جانِبِهِ ﷺ.

الشيخ: وهذا ليس بشيء، لم يثبت أنه كشف عن الأمة، لم يثبت هذا، ولو ثبت ما يكون له حكم الصحابة، الصحابة حكمه لمن رآه هو، الصحابي نفسه الذي رأى النبي ﷺ، ويؤمن به، أما كون النبي ﷺ رآه، لا، النبي ﷺ رأى أناسًا كثير، ولكن ما أسلموا إلا بعده، فلا يكون لهم حكم الصحبة إلا من لقيه مؤمنًا به عليه الصلاة والسلام، والمخضرمون ليسوا صحابة، هذا هو الصواب، لأنهم ما رأوا النبي ﷺ، وإن كانوا مسلمين في زمانه كالنجاشي ما يسمى صحابي، تابعي، كعب الأحبار، الصنابحي، قيس بن سعد، كل هؤلاء ليسوا بصحابة، وإن كانوا مخضرمين، كانوا في زمانه لكنهم ما رأوه فهم مخضرمون، وتابعون كبار.

والمُسْنَدُ في قولِ أَهلِ الحَديث: هذا حديثٌ مُسنَدٌ، هو: مرفوعُ صَحابِيٍّ بِسَنَدٍ ظاهِرُهُ الاتِّصالُ، فقولي: «مرفوعٌ» كالجنسِ، وقولي: «صحابيٍّ» كالفصلِ، يَخرُجُ بهِ ما رفعهُ التَّابعيُّ؛ فإِنَّه مُرْسَلٌ، أو مَن دونَه؛ فإِنَّه مُعْضَلٌ، أو مُعلَّقٌ.

الشيخ: يقول - رحمه الله -: المسند هو مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال، إذا قالوا هذا حديث مسند، أو هذا خبر مسند عن النبي ﷺ، يعني متصل، يعني رواه الصحابي بسند ظاهره الاتصال، رواه أحمد، أو البخاري، أو فلان، أو فلان، فإذا قالوا: هذا خبر مسند رواه أحمد، أو رواه البخاري، أو كذا، معناه أنه خبر متصل إلى النبي ﷺ حسب ما يقوله المحدث، وقد يكون فيه انقطاع، لكن خفي على المحدث.

وإن لم يكن مسندًا فلا يخلو إما أن يكون موقوفًا على الصحابي فيكون موقوفًا، وإن يكن ساقطًا منه الصحابي فيكون مرسلًا، وإن يكن ساقطًا منه الصحابي وثانٍ يكون معضلًا.

وقولي: «ظاهِرُهُ الاتِّصالُ» يُخْرِجُ ما ظاهِرُه الانقطاعُ، ويُدخِل ما فيه الاحتمالُ، وما يوجَدُ فيه حقيقةُ الاتِّصالِ مِن بابِ أَولى.

الشيخ: وهذا واضح، ظاهره الاتصال يدخل فيه ما هو ملحقًا بالاتصال، وما هو يحتمل الاتصال ... الانقطاع لكن ظاهره الاتصال، بعد التفتيش يتبين الأمر، بعد النظر من الإمام والمحدث يتبين الأمر، وقد يتضح له الاتصال، وقد يتضح له الانقطاع بالنظر إلى كون الراوي عن شيخه لم يلقه سواء كان الصحابي، أو من دونه يكون منقطعًا.

ويُفهَمُ مِن التَّقييدِ بالظُّهورِ أَنَّ الانقطاعَ الخفيَّ كعنعَنَةِ المدلِّسِ، والمُعاصرِ الذي لم يثبُتْ لُقِيُّهُ؛ لا يُخرِجُ الحديثَ عن كونِه مُسنَدًا؛ لإِطباقِ الأئمَّةِ الَّذينَ خَرَّجوا المسانيدَ على ذلك.

الشيخ: نعم، ظاهره الاتصال ويدخل فيه ما رواه راو عمن لقيه، ولم يسمع منه، وعمن عاصره، ظاهره الاتصال إلا بعد النظر، والعناية، والتدقيق.

وهذا التَّعريفُ مُوافِقٌ لقَولِ الحاكمِ: «المُسْنَدُ: ما رواهُ المحدِّثُ عن شيخٍ يَظْهَرُ سماعُه منهُ، وكذا شيخُه من شيخِهِ مُتَّصلًا إِلى صحابيٍّ إِلى رسولِ اللهِ ﷺ».

وأمَّا الخَطيبُ فقالَ: المُسْنَدُ: المُتَّصلُ.

فعلى هذا: الموقوفُ إِذا جاءَ بسندٍ مُتَّصلٍ يسمَّى عندَهم مسندًا، لكنْ قال: إِنَّ ذلك قد يأْتي، لكنْ بقلَّةٍ.

الشيخ: كونه يسمى المتصل لا بدّ من قيد، المسند المتصل إلى النبي ﷺ، أما المتصل بإطلاق فهذا يشمل المتصل إلى النبي ﷺ، والمتصل إلى الصحابي، ولكن إذا قيل هذا حديث مسند فالراجح إلى النبي ﷺ، هذا ما رواه أئمة الحديث إذا قالوا هذا حديث مسند يعني إلى النبي ﷺ اصطلحوا عليه، مثل ما يقولون هذا حديث مرفوع.

وأَبعدَ ابنُ عبدالبرِّ حيثُ قالَ: «المُسندُ المرفوعُ»، ولم يتعرَّضْ للإِسنادِ؛ فإِنَّهُ يصدُقُ على المُرسلِ، والمُعضَلِ، والمُنقطِعِ إِذا كانَ المتنُ مرفوعًا، ولا قائلَ بهِ.

الشيخ: يصدق عليه هذا، وهذا من باب التسامح في العبارة (المسند المرفوع) يعني المرفوع إلى النبي ﷺ، بغض النظر عن سنده، ولكن عبارة الجمهور المسند أولى؛ لأن فيه مراعاة السند.

وبكل حال فهذه عبارات مجملات، العمدة فيها على التفصيل على ثلاث أقوال، على جميع الأقوال العمدة على التفصيل، فالمحدث ينظر، ويتأمل، ويعتبر الأسانيد ويختبرها حتى تسلم، فإذا اعتبرها ولاحظها وسلمت صار الحديث مسندًا، ومتصلًا صحيحًا، وإلا تبين له قد يكون منقطعًا، وقد يكون معضلًا، وقد يكون موقوفًا بعد العناية يتضح الأمر للمحدث.

فإِنْ قَلَّ عَدَدَهُ؛ أي: عددُ رجالِ السَّندِ، فإِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلى النَّبِيِّ ﷺ بذلك العددِ القليلِ بالنِّسبةِ إِلى أَيِّ سندٍ آخَرَ يَرِدُ بهِ ذلك الحَديثُ بعينِه بعددٍ كثيرٍ، أو ينتَهِيَ إِلى إِمامٍ مِن أَئمَّةِ الحَديثِ ذي صِفَةٍ عَلِيَّةٍ كالحفظِ، والفِقهِ، والضَّبطِ، والتَّصنيفِ، وغيرِ ذلك من الصِّفاتِ المُقتَضِيَةِ للتَّرجيحِ؛ كشُعْبَةَ، ومالكٍ، والثَّوريِّ، والشَّافعيِّ، والبُخاريِّ ومُسلمٍ، ونحوِهم.

فالأوَّلُ: وهُو ما ينتَهي إِلى النَّبيِّ ﷺ العُلُوُّ المُطْلَقُ، فإِن اتَّفَقَ أَنْ يكونَ سندُهُ صحيحًا؛ كانَ الغايةَ القُصوى، وإِلاَّ فَصُورةُ العلوِّ فيهِ موجودةٌ ما لم يكُنْ موضوعًا؛ فهُو كالعدَمِ.

الشيخ: إن قل العدد فهذا يسمى العلو، إذا قل عدده فهذا العالي سند عالٍ، وإذا كان صحيحًا اجتمع علوه مع صحته، وإن كان فيه ضعف عالٍ لكن مع ضعفه، كأن يقال: مالك عن نافع عن ابن عمر، والشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال كذا، هذا يسمى عاليًا، وإذا رواه الشافعي عن آخرين بسند رباعي، أو خماسي فهذا نازل، فالأول الذي عن مالك عن نافع عن ابن عمر هذا عالٍ، وأما رواية الشافعي الثانية عن فلان عن فلان عن فلان أربعة، أو خمسة يكون نازلًا، ولكن العبرة بالثقة واستقامة السند، فكم من نازل أصح من عال، فقد يرويه الإمام أحمد مثلًا، أو الشافعي بسند عال لكن فيه ضعيف، أو فيه انقطاع، وإن روي بسند نازل لكنه من طريق الثقات المتصل فيكون النازل هو الأصح، ولا ينفع كون ذلك عاليًا وهو ضعيف، ما ينفع ما له قيمة، وإن اجتمع الأمران عالٍ وصحيح كان ذلك أرفع.

س: أقل الرجال في السند العالي؟

الشيخ: ما له حد، أقله شيخان، التابعي، والصحابي مثال مالك عن نافع عن ابن عمر هذه أقل شيء، هذا أعلى شيء، ما بينه وبين الصحابي إلا واحد مثل مالك، والثوري، ومثل الأئمة الكبار كالأوزاعي بينهم وبين الصحابة واحد، والنزول لا حد له.

والثَّانِي: العُلُوُّ النِّسْبِيُّ: وهُو ما يقلُّ العددُ فيهِ إِلى ذلك الإِمامِ، ولو كانَ العددُ من ذلك الإِمامِ إِلى مُنتهاهُ كَثيرًا.

وقد عَظُمَتْ رغبةُ المُتأَخِّرينَ فيهِ، حتَّى غَلَبَ ذلك على كثيرٍ منهُم، بحيثُ أَهْمَلوا الاشتِغالَ بما هُو أَهمُّ منهُ.

الشيخ: هذا يقال له العلو النسبي، كأن يرويه مثلًا في سند قليل إلى مالك هذا علو نسبي، ... بسند كثير إلى مالك ... الشافعي، أو إلى فلان، فهذا يقال له علو نسبي بالنسبة إلى مالك، وبالنسبة إلى النبي ﷺ ... بالنسبة إلى ... مالك، والشافعي، والثوري، ونحو ذلك ... فلنضرب مثلًا: عبدالله بن أحمد، أو الطبراني في رجال قليلين إلى مالك هذا علو نسبي، ولو جاء من أكثر إلى الثوري، أو إلى فلان، أو إلى مالك نفسه فهذا نزول نسبي.

س: قوله: قد عظمت رغبة المتأخرين فيه؟

الشيخ: رغبتهم في العلو النسبي، كأن يكون السند مالك، أو الشافعي، أو أحمد، وهذا ليس بجيد، والصواب الاشتغال بالشيء الذي ينفع في ثقة الرجال، واستقامة الأسانيد، هذا الذي ينبغي فيه العناية.

وإِنَّما كانَ العلوُّ مَرغوبًا فيهِ؛ لكونِه أَقربَ إِلى الصحَّةِ، وقلَّةِ الخطأِ؛ لأنَّهُ ما مِن راوٍ مِن رجالِ الإِسنادِ إِلاَّ والخطأُ جائزٌ عليهِ، فكلَّما كَثُرتِ الوسائطُ، وطالَ السَّندُ؛ كَثُرَتْ مظانُّ التَّجويزِ، وكلَّما قلَّتْ؛ قلَّتْ.

الشيخ: وهذا واضح إنما يرغب الناس في العلو لقلة الوسائط، ولقلة أسباب الضعف من التدليس، أو الانقطاع، أو نحو ذلك كلما كثرت الوسائط جاءت أخطار التدليس، وأخطار الانقطاع

فإِنْ كانَ في النُّزولِ مَزِيَّةٌ ليستْ في العلوِّ؛ كأَنْ يكونَ رجالُه أَوثقَ منهُ أو أَحفَظَ، أو أَفقهَ، أو الاتِّصالُ فيهِ أَظهرَ؛ فلا تردُّدَ في أَنَّ النُّزولَ حينئذٍ أَولى.

الشيخ: وهذا لا شك فيه إذا كان النزول أوثق، ورجاله ثقات، والاتصال فيه واضح فهو خير من العلو الذي ليس كذلك، فأحاديث من طريق خمسة ثقات متصل أفضل وأسلم من طريق ثلاثة لكن فيهم ضعف.

وأَمَّا مَن رجَّحَ النُّزولَ مُطلقًا، واحْتَجَّ بأَنَّ كَثرةَ البحثِ تقتَضي المشقَّةَ؛ فيعظُمُ الأجْرُ، فذلك ترجيحٌ بأَمرٍ أَجنبيٍّ عمَّا يتعلَّقُ بالتَّصحيحِ، والتَّضعيفِ.

الشيخ: وهذا صحيح ... النزول لأجل التعب والبحث هذا ليس بشيء، وإنما العمدة فيما يتعلق بحفظ الرجال، وثقتهم، واتصال السند، هذا هو محل بحث، وهذا هو احتياج الأسانيد.

وفيهِ؛ أي: العلوِّ النسبيِّ المُوافَقَةُ، وهي الوُصولُ إلى شيخِ أحدِ المُصَنِّفينَ مِن غيرِ طريقهِ؛ أَي: الطَّريقِ التي تصلُ إِلى ذلك المصنِّفِ المُعيَّنِ.

مثالُه: روى البُخاريُّ عن قُتيبةَ عن مالكٍ حديثًا.

فلو رَوَيْناهُ مِن طريقِهِ؛ كانَ بينَنا، وبينَ قُتَيْبَةَ ثمانيةٌ، ولو رَوْينا ذلك الحَديثَ بعينِه مِن طريقِ أَبي العبَّاس السَّرَّاجِ عن قُتيبةَ مثلًا؛ لكانَ بينَنا، وبينَ قُتيبةَ سبعةٌ.

فقدْ حَصَلَتْ لنا المُوافقةُ معَ البُخاريِّ في شيخِهِ بعينِهِ معَ عُلوِّ الإِسنادِ على الإِسنادِ إِليهِ.

الشيخ: يبين المؤلف - رحمه الله - الحافظ أنواع الموافقة، وغيرها من العلو النسبي فإن وافقه في شيخ المؤلف جاء بأقل من الرواة الذين من طريقه كما مثل المؤلف - رحمه الله - هنا، قد يروي المؤلف عن قتيبة، أو غيره، فإذا رويناه من طريق البخاري زاد العدد، وإذا رويناه من طريق الناس نقص العدد، فهذا علو نسبي، فوافق في شيخه بالعلو النسبي من غير طريقه.

وفيهِ؛ أَي: العلوِّ النسبيِّ البَدَلُ، وهو الوُصولُ إِلى شيخِ شيخِهِ كذلكَ.

كأَنْ يقعَ لنا ذلك الإِسنادُ بعينِهِ مِن طريقٍ أُخرى إِلى القعنَبِيِّ عن مالكٍ، فيكونُ القَعْنَبيُّ بَدلًا فيهِ مِن قُتَيْبَةَ.

وأَكثرُ ما يعتَبِرونَ المُوافَقَةَ، والبَدَلَ إِذا قارَنَا العُلُّوَّ.

الشيخ: المقصود أنه قد يصل المحدث والقاضي إلى شيخ شيخ المؤلف بأقل من الرجال الذين يروى الحديث من طريق المؤلف البخاري مثلًا، أو مسلم، البخاري ما ... عن قتيبة عن مالك فإنه يرويه من طريق آخر من غير قتيبة عن مالك جاءت بطريق أقل فيه رجال أقل، فالظاهر فيه بدل، وهو أنه روى الحديث من طريق أقل من غير شيخ المؤلف بل شيخ آخر.

س: علو ... يزيد في الصحة؟

الشيخ لا، هو من علوم الحديث (علو الأسانيد)، وإلا فالعمدة على الثقة، والاتصال، فإذا كان السند عال أضعف، والسند النازل أقوى فالعمدة على النازل؛ لأن الاعتماد في هذا على ثقة الرجال، وحفظهم، واتصال الأسانيد، وسلامته من العلل، فسند خماسي سليم أفضل من سند رباعي، أو ثلاثي ليس بسليم.

وأَكثرُ ما يعتَبِرونَ المُوافَقَةَ، والبَدَلَ إِذا قارَنَا العُلُّوَّ، وإِلاَّ؛ فاسمُ المُوافقةِ، والبَدلِ واقِعٌ بدُونِه.

وفيهِ؛ أَي: العُلوِّ النسبيِّ المُساواةُ، وهي: استواءُ عدَدِ الإِسنادِ مِن الرَّاوي إِلى آخِرِهِ؛ أَي: الإِسنادِ مَعَ إِسنادِ أَحدِ المُصَنِّفينَ.

كأَنْ يروِيَ النَّسائيُّ مَثلًا حَديثًا يقعُ بينَهُ وبينَ النبيِّ ﷺ فيهِ أَحدَ عشرَ نفسًا، فيقعُ لنا ذلك الحديثُ بعينِه بإِسنادٍ آخَرَ إِلى النبيِّ ﷺ يقعُ بينَنا فيه، وبينَ النَّبيِّ ﷺ أَحدَ عشرَ نفسًا، فنُساوي النَّسائيَّ مِن حيثُ العددُ معَ قطعِ النَّظرِ عن مُلاحظةِ ذلك الإِسنادِ الخاصِّ.

الشيخ: وهذا يقع، فإنه قد يروي النسائي، أو يروي أبو داود، أو غيره حديثًا بسند كثير الرجال فيأتي من دونه فيرويه بأقل، أو مثله، مثلًا مثله المساواة، أو بأقل أعلا كما تقدم، فإذا رواه النسائي من طريق أحد عشر رجلًا من شيخه إلى النبي ﷺ، فقد يأتيه من هو دون النسائي في المسافة، في القرن الرابع فيرويه من طرق مشايخ معمرين برجال مثل رجال النسائي إحدى عشر فتأخر زمانهم ومع هذا قد وافق النسائي في هذا الحديث في عدد الرجال، وهذا يقع كثيرًا.

س: .....؟

الشيخ: وهذا من باب علوم الإسناد لا تعلق له بالصحة والضعف، إنما هو من باب علوم الإسناد التي قد تقع من المتأخر بعد المتقدم فيساويه مع تأخره.

س: الإسناد الذي كثر رجاله، فيه ... أكثر، وأكثر؟

الشيخ: إذا كثر رجاله صارت العلل أكثر، كلما كثر الرجال قد تكثر الآفات فيه، في السند.

س: .....؟

الشيخ: هذا شيء آخر لا تعلق له بالصحة وعدمها، كونه ينقب عن الرجال هذا يؤجر عليه إذا أراد بذلك ما يثبت الصحيح من الضعيف، أما مجرد التنقيب عن الأسانيد ليعرفها فهذا ليس بأهمية إلا مع النية الصالحة في قصد إيجاد الحديث الصحيح، أو إيجاد الحديث الذي يشد الحديث الضعيف حتى يكون له طرق يشد بعضها بعضًا فيكون له الأجر في هذا العمل على تعبه.

وفيهِ؛ أَي: العلوِّ النسبيِّ أَيضًا المُصافَحَةُ، وهي: الاستواءُ مَعَ تِلْميذِ ذلكَ المُصَنِّفِ على الوجْهِ المَشروحِ أَوَّلًا.

وسُمِّيتْ مُصافحةً لأنَّ العادةَ جرتْ في الغالبِ بالمُصافحةِ بينَ مَن تلاقَيا، ونحنُ في هذهِ الصُّورةِ كأَنَّا لَقينا النَّسائيَّ، فكأَنَّا صافَحْناهُ.

الشيخ: الذي صافحه الذي يلتقي مع النسائي في تلميذه فيرويه النسائي مثلًا عن أربعة رجال، أو خمسة رجال، وأنت ترويه تصل إليه من ستة فصرت حينئذ مثل تلميذ النسائي لأنك نزلت عنه بدرجة.

ويُقابِلُ العُلُوُّ بأَقْسَامِهِ النُّزولُ فإن تشارك الراوي، ومن روى عنه في السن، واللقي فهو الأقران.

يقابل العلو النزول، وتقدم أن العلو النسبي ينقسم إلى أقسام: الموافقة، أو البدل، والمساواة، والمصافحة كما تقدم، ويقابل هذا النزول نزول الرواة عن هذه المنازل حسب الأسانيد التي يروي بها المحدث، الموافقة، أو المساواة فالبدل، فالمصافحة هذا معروف عند الرواة.

فإن تشارك الراوي، ومن روى عنه في السن واللقي فهو الأقران.

الشيخ: إذا تشاركا في السن واللقي هذا يقال له من رواية الأقران، لو كان سنهما متقارب لقاءهما للمشايخ متقارب فيقال لهما الأقران لأنهم قد تقاربوا في السن، واللقي للمشايخ، كأصحاب الزهري، وأصحاب ابن عباس، وأصحاب مالك المتقاربين يقال لهم أقران.

وإن روى كل منهما عن الآخر فالمدبج.

 

الشيخ إن روى كل منهما عن الآخر فالمدبج، أقران، وروى كل منهما عن الآخر فهذا يقال له المدبج، اصطلاحًا لهم، إذا روى القرين عن قرينه كل منهما عن الآخر صار اصطلاحًا يسمى المدبج، مثل تلاميذ الزهري، تلاميذ الشافعي، تلاميذ مالك إذا روى كل منهما عن الآخر صار مدبجًا.

وإن روى عمن دونه فالأكابر عن الأصاغر، ومنه الآباء عن الأبناء.

 

الشيخ: أما إذا روى عمن دونه فهذا يقال له رواية الأكابر عن الأصاغر، كأن يروي الزهري عن بعض تلاميذه، ومالك عن بعض تلاميذه، وأحمد عن بعض تلاميذه فمن رواية الأكابر عن الأصاغر، مثل رواية عمر عن ابن عباس، رواية الصديق عن أبي هريرة، أو عن أنس، أو ما أشبه ذلك، وكراوية التابعي عن تابع التابعي مثل أب عن ابنه، الوالد عن ابنه.

وفي عَكْسِهِ كَثْرَةٌ.

 

الشيخ: نعم، في عكسه كثرة، رواية الأصاغر عن الأكابر هذا هو الغالب، وهو الطريقة الماشية، الأصاغر عن الأكابر هذا الشيء المسلوك.

وَمِنْهُ مَنْ رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.

 

الشيخ: ومن هذا الباب ما رواه فلان عن أبيه عن جده من رواية الأصاغر عن الأكابر، مثل عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومثل بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، ومثل أولاد سالم عن أبيهم سالم عن جدهم، وأشباه ذلك.

وَإِنِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ عَنْ شَيْخٍ، وتَقدَّمَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا، فَهُوَ: السَّابِقُ واللَّاحِقُ ُ.

 

الشيخ: إذا اشترك شخصان عن شيخ يعني تلميذان عن شيخ في الرواية عن مثلًا مالك، أو عن أحمد، أو عن الشافعي، أو عن الزهري، ومات أحدهما قبل الآخر فهذا هو السابق واللاحق، رواية السابق لمن يسبق، واللاحق الذي تأخر.

وَإِنْ رَوَى عَنْ اثْنَيْنِ مُتَّفِقِي الْاسْمِ، ولم يتميزا، فَبِاخْتِصَاصِهِ بِأَحَدِهِمَا يَتَبَيْنُ الْمُهْمَلُ.

 

الشيخ: إذا روى عن اثنين اتفقا في الاسم، واسم الأب، والنسبة مثلًا يتميز أحدهما باختصاصه به كونه زوج بنته، كونه عزيز عنده، أو ما أشبه ذلك لها أسباب يعرف بها كونه روى عن هذا، وعن هذا، اشتركا في الاسم، والكنية، والنسب يعني حصل الاشتباه، يلتمس أسبابًا أخرى تميز هذا من هذا.

وَإِنْ جَحَدَ مَرْوِيّه جَزْمًا: رُدَّ أو احْتَمَالًا: قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ.

وفيه: من حدث ونسي.

الشيخ: وإن جحد مرويه جزمًا رد، أما الناسي لا، من نسي فيقبل لأنه ثقة، ومن هذا الباب من حدث ونسي، هذا يقع كثيرًا حتى يروي عن تلميذه ذكر أني حدثته بكذا، وكذا؛ لأنه نسي، وقد يقبل، ولو جحد لأنه محمول على النسيان إذا كان الراوي ثقة من اتهم، فإذا قال شيخه ما حدثته يحمل على أنه نسيه، ولا يتهم التلميذ بهذا إذا كانا ثقتين، فقد ينسى الأستاذ ويقول ما حدثته، وهو ناسٍ فلا يعول على ذلك.

ويُقابِلُ العُلُوُّ بأَقْسَامِهِ المَذكورةِ النُّزولُ فيكونُ كلُّ قسمٍ مِن أَقسامِ العُلوِّ يُقابِلُهُ قسمٌ مِن أَقسامِ النُّزولِ؛ خِلافًا لمَن زعمَ أَنَّ العُلوَّ قد يقعُ غيرَ تابعٍ للنُّزولِ.

فإِنْ تَشارَكَ الرَّاوِي، ومَنْ روى عَنْهُ في أَمرٍ مِن الأمورِ المتعلِّقَةِ بالرِّوايةِ؛ مثلِ السِّنِّ، واللُّقِيِّ، وهو الأخذُ عن المشايخِ؛ فهُو النُّوعُ الَّذي يُقالُ لهُ: روايةُ الأقْرانِ؛ لأنَّهُ حينئذٍ يكونُ راويًا عن قَرينِهِ.

وإِنْ رَوى كُلٌّ مِنْهُما؛ أَي: القَرينَيْنِ عَنِ الآخَرِ؛ فهو المُدَبَّجُ، وهو أَخصُّ مِن الأوَّلِ، فكلُّ مُدَبَّجٍ أَقرانٌ، وليسَ كلُّ أَقرانٍ مدبَّجًا.

الشيخ: كما تقدم.

وقد صنَّفَ الدَّارقطنيُّ في ذلك، وصنَّف أَبو الشيخِ الأصبهانيُّ في الَّذي قبلَه.

وإِذا روى الشَّيخُ عن تلميذِهِ صَدَق أَنَّ كلًا منهُما يروي عنِ الآخَرِ؛ فهل يُسمَّى مُدبَّجًا؟

فيهِ بحثٌ، والظَّاهرُ لا؛ لأنَّهُ مِن روايةِ الأكابِرِ عَنِ الأصاغِرِ، والتَّدبيجُ مأْخوذٌ مِن دِيباجَتَيِ الوجهِ، فَيَقْتَضِي أَن يكونَ ذلك مُستوِيًا مِن الجانبَيْنِ، فلا يجيءُ فيهِ هذا.

وإِنْ رَوى الرَّاوي عَمَّنْ هُو دُونَهُ في السنِّ، أو اللُّقيِّ، أو في المِقدارِ؛ فهذا النَّوعُ هو روايةُ الأكابِرُ عَنِ الأصاغِرِ.

ومِنهُ؛ أَي: مِن جُملةِ هذا النَّوعِ - وهو أَخصُّ مِن مُطلَقِهِ - روايةُ الآباءُ عَنِ الأبْناءِ، والصَّحابةِ عنِ التَّابعينَ، والشَّيخِ عن تلميذِهِ، ونحوِ ذلك.

وفي عَكْسِهِ كَثْرَةٌ؛ لأنَّهُ هُو الجادَّةُ المسلوكةُ الغالبةُ.

ومِنْهُ: مَنْ رَوى عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ.

وفائدةُ معرِفَةِ ذلك: التَّمييزُ بينَ مراتِبِهِم، وتَنْزيلُ النَّاسِ منازِلَهُم.

وقد صنَّفَ الخَطيبُ في راويةِ الآباءِ عنِ الأبناءِ تصنيفًا، وأَفردَ جُزءًا لطيفًا في روايةِ الصَّحابةِ عن التَّابِعينَ.

وجَمَعَ الحافظُ صلاحُ الدِّينِ العَلائيُّ - مِن المتأَخِّرينَ - مُجلَّدًا كبيرًا في معرفةِ مَن روى عن أَبيهِ عن جدِّهِ عن النبيِّ ﷺ، وقسَّمهُ أَقسامًا، فمنهُ ما يعودُ الضَّميرُ في قولِه: «عن جدِّهِ» على الرَّاوي، ومنهُ ما يعودُ الضَّميرُ فيهِ على أَبيهِ، وبيَّن ذلك، وحقَّقَهُ.

الشيخ: مثل ما في أبيه عن جده كبهز بن حكيم عن أبيه، أبي بهز، عن جده، جد بهز، ومنهم ما يعود عن أبي الراوي، وهو عن عمرو بن شعيب عن أبيه عند جده، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه شعيب، عن جده يعني جد شعيب ما هو جده هو.

وخرَّج في كلِّ ترجمةٍ حديثًا مِن مرويِّهِ.

وقد لخَّصتُ كتابَه المذكورَ، وزِدْتُ عليهِ تراجِمَ كثيرةً جدًّا، وأَكثرُ ما وقعَ فيهِ ما تسلْسَلَتْ فيهِ الرِّاويةُ عن الآباءِ بأَربعةَ عشر أَبًا. وإِنْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ عَنْ شَيْخه، وتَقَدَّمَ مَوْتُ أَحَدِهِما على الآخَرِ؛ فهُوَ: السَّابِقُ واللاَّحِقُ.

الشيخ: يقول الحافظ - رحمه الله -: إذا اشترك اثنان عن شيخ، مثلًا عن الزهري عن الثوري، عن الأوزاعي، أو ما أشبه، فمات أحدهما قبل الآخر فهو السابق واللاحق، السابق الأول، واللاحق الذي مات أخيرًا.

وأَكثرُ ما وقَفْنا عليهِ مِن ذلك ما بينَ الرَّاوْيَيْنِ فيهِ في الوفاةِ مئةٌ وخَمْسونَ سنةً، وذلك أَنَّ الحافظَ السِّلفيَّ سمِعَ منهُ أَبو عليٍّ البَرْدانيُّ - أَحدُ مشايخِهِ - حَديثًا، ورواهُ عنهُ، وماتَ على رأَسِ الخَمْسِ مئةٍ.

ثمَّ كانَ آخِرُ أَصحابِ السِّلفيِّ بالسَّماعِ سِبْطَهُ أَبا القاسمِ عبدالرحمنِ بن مَكِّيٍّ، وكانتْ وفاتُه سنةَ خمسينَ وستِّ مئةٍ.

ومِن قديمِ ذلك أَنَّ البُخاريَّ حدَّثَ عن تِلميذِهِ أَبي العبَّاسِ السَّرَّاجِ شيئًا في التَّاريخِ، وغيرِه، وماتَ سنةَ ستٍّ وخمسينَ ومئتينِ، وآخِرُ مَن حدَّثَ عن السَّرَّاجِ بالسَّماعِ أَبو الحُسينِ الخَفَّافُ، وماتَ سنةَ ثلاثٍ وتسعينَ وثلاثِ مئةٍ.

الشيخ: هذه فوائد ليس لها أهمية من جهة الصحة والضعف، إنما هي فوائد كون هذا مات كذا، وهذا مات كذا، يعني من الفوائد التاريخية؛ لأنه قد يكون بين الراوي الأول والراوي الأخير مسافة طويلة فهذا لا يترتب عليه حكم.

وغالِبُ ما يقعُ مِن ذلك أَنَّ المسموعَ منهُ قد يتأَخَّرُ بعدَ موتِ أَحدِ الرَّاويينِ عنهُ زمانًا، حتَّى يسمَعَ منهُ بعضُ الأحداثِ، ويعيشَ بعدَ السَّماعِ منهُ دَهْرًا طويلًا، فيحْصُلُ مِن مجموعِ ذلك نَحْوُ هذهِ المدَّةِ، واللهُ الموفِّقُ.

الشيخ: والحاصل من هذا أن الشيخ نفسه قد يروي عنه رواة متقدمون يموتون في حياة شيخهم، ويروي عن رواة متأخرون عن شيخهم فيكون بينهم مسافة، وهذا هو الواقع هذا كثير، كثيرًا ما يموت بعض التلاميذ قبل شيخهم، وتلاميذ آخرون يعيشون بعده.

وإِنْ رَوى الرَّاوي عَنِ اثْنَيْنِ مُتَّفِقَيِ الاسْمِ، أو معَ اسمِ الأبِ، أو معَ اسمِ الجدِّ، أو معَ النِّسبةِ ولَمْ يَتَمَيَّزا بما يخُصُّ كُلًا منهُما، فإِنْ كانا ثقَتَيْنِ لم يَضُرَّ.

ومِن ذلكَ ما وقَعَ في البُخاريِّ مِن روايتِه عن أَحمدَ - غيرَ مَنسوبٍ - عن ابنِ وهْبٍ؛ فإِنَّهُ إِمَّا أَحمدُ بنُ صالحٍ، أو أَحمدُ بنُ عيسى، أَو: عن محمَّدٍ - غيرَ منسوبٍ - عن أَهلِ العراقِ؛ فإِنَّهُ إِمَّا محمَّدُ بنُ سَلاَمٍ، أو محمَّدُ بنُ يَحْيى الذُّهليُّ.

الشيخ: وهذا أيضا يقع، قد يروي الشيخ عن شيخين متفقين في الاسم، وقد يتفقان في الاسم، واسم الأب، واسم الجد أيضًا فيشكل أمرهما، لكن إذا كانا ثقتين لم يضر ذلك سواء هذا، أو هذا، فإذا كنت تروي عن زيد، وعمرو، وكلاهما ثقة فلا يضر التلميذ، أو غيره ممن سمع فيكون هذا الشيخ الذي رويت عنه زيد بن فلان، أو زيد بن فلان، أو عمرو بن فلان، أو عمرو فلان ما داما ثقتين.

وقدِ استَوْعَبْتُ ذلك في مقدِّمةِ «شرحِ البُخاريِّ».

ومَن أَرادَ لذلك ضابِطًا كُلِّيًّا يمتازُ بهِ أَحدُهما عنِ الآخَرِ؛ فباخْتِصاصِهِ؛ أَي الشيخِ المرويِّ عنهُ بأَحَدِهِما يَتَبَيَّنُ المُهْمَلُ.

الشيخ: على كل حال إذا اشتبها لا بدّ من النظر إلى شدة اتصاله بأحدهما، واجتماعه به أكثر فيغلب على الظن أنه عن فلان إذا كان يتميز اتصاله بأحدهما أحد التلميذين، أو أحد الشيخين تميز، إما بكونه شيخًا له قريبًا له، أو لأسباب أخرى جعلته يتميز عن صاحبه، ويعرف أن الشيخ هو فلان، شيخه فلان بأسباب تتأكد عنده توجب له تميز هذا من هذا.

ومتى لم يتَبَيَّنْ ذلك، أو كانَ مختَصًّا بهما معًا؛ فإشكالُه شديدٌ، فيُرْجَعُ فيهِ إِلى القرائنِ، والظَّنِّ الغالِبِ.

الشيخ: ويكون الحديث حينئذ معلول، إذا كان أحدهما ثقة، والثاني ليس بثقة، واشتبه الأمر فيكون الحديث معلولا، لا يحتج به حتى يتميز ويتبين من هو شيخه، هل هو الثقة، أو غيره؟

وإِنْ روى عن شيخٍ حَديثًا؛ فجَحَدَ الشيخُ مَرْوِيَّهُ.

فإِنْ كانَ جَزْمًا - كأَنْ يقولَ: كذِبٌ عليَّ، أَو: ما روَيْتُ هذا، أو نحوَ ذلك -، فإِنْ وقعَ منهُ ذلك؛ رُدَّ ذلك الخبرُ لِكَذِبِ واحِدٍ منهُما، لا بِعَيْنِه.

ولا يكونُ ذلك قادِحًا في واحدٍ منهُما للتَّعارُضِ.

الشيخ: هذا قد يقع، إذا جاء هذا الشيخ مرويه قال: ما رويت هذا الحديث جازمًا؛ لا يقبل هذا الحديث لأجل الشك في صحته، وإن كانا ثقتين، وقال بعض أهل العلم: إذا كانا ثقتين لأن الشيخ قد ينسى ويجزم بعدم الرواية، فإذا كانا ثقتين فالصواب أنه يقبل وإن قال ما حدثته لأن الإنسان يغلب عليه النسيان.

أما إذا نسي فلا إشكال، إن قال: نسيت فلا يضر، لا يضر الراوي الثقة، أو إذا روى الزهري عن سعيد بن المسيب، أو عن غيره، وقال سعيد: أنا ما أذكر أني حدثت الزهري بهذا، فقول الزهري مقبول في الصحيح حتى ولو جزم سعيد أنه ما حدث؛ لأنه قد ينسى.

وهكذا أشباهه قد يقع من التلميذ وشيخه، فإذا كانا جميعًا ثقتين ... عدم النسيان فلا يضر، وإن جزم ولم يصرح بالنسيان فهذا محل البحث، والأقرب، والله أعلم، والأظهر أنه يقبل؛ لأنه يحمله الشيخ في هذا على النسيان.

س: بالنسبة للقنوت، هل هو قبل الركوع، أو بعده، هل هذا من ...؟

ج: وهذا محتمل؛ لأنه قد يكون على النبي ﷺ، أمر مرة هذا، ومرة هذا ...

أَوْ كانَ جَحَدَهُ احْتِمالًا، كأَنْ يَقولَ: ما أَذْكُرُ هذا، أو: لا أَعْرِفُهُ؛ قُبِلَ ذلك الحَديثُ في الأصَحِّ.

الشيخ: وإذا كان على سبيل الشك، أو النسيان يقبل.

لأَنَّ ذلك يُحْمَلُ على نِسيانِ الشَّيخِ، وقيلَ: لا يُقْبَلُ؛ لأنَّ الفرعَ تَبَعٌ للأصلِ في إِثباتِ الحَديثِ، بحيثُ إِذا ثَبَتَ أَصلُ الحَديثِ ثَبَتَتْ روايةُ الفرعِ، فكذلكَ ينْبَغي أَنْ يكونَ فرعًا عليهِ، وتَبَعًا لهُ في التَّحقيقِ.

وهذا مُتَعَقَّبٌ بأَنَّ عدالَةَ الفرعِ تقتَضي صِدْقَهُ، وعدمُ عِلْمِ الأصلِ لا يُنافيهِ.

الشيخ: وهذا الصواب، الثقة في الفرع تمنع الشك، فهذا طبيعة ابن آدم الشك والنسيان مع طول المدة ومع المشاغل، ما دام الطالب ثقة والتلميذ ثقة لم يجرحه علماء؛ ما أعرفه، ما أعلم نسيت.

فالمُثْبِتُ مقدَّمٌ على النَّافي.

وأَمَّا قياسُ ذلك بالشَّهادةِ ففاسِدٌ؛ لأنَّ شهادةَ الفرعِ لا تُسْمَعُ معَ القُدرةِ على شَهادةِ الأَصلِ؛ بخلافِ الرِّوايةِ، فافْتَرَقَا.

وفيهِ: أَي: في هذا النَّوعِ صنَّفَ الدَّارقطنيُّ كِتابَ «مَنْ حَدَّثَ ونَسِيَ»، وفيه ما يدلُّ على تَقْوِيَةِ المذهب الصَّحيحِ لكونِ كثيرٍ مِنهُم حدَّثوا بأَحاديثَ أَوَّلًا، فلمَّا عُرِضَتْ عليهِم لم يتذكَّروها، لكنَّهُم - لاعْتِمادِهم على الرُّواةِ عنهُم - صارُوا يروونَها عنِ الَّذينَ رَوَوْها عنهُم عن أَنْفُسِهِم.

كحَديثِ سُهَيْلِ بنِ أَبي صالحٍ عن أَبيهِ عن أَبي هُريرةَ - مرفوعًا - في قِصَّةِ الشَّاهِدِ واليَمينِ.

قالَ عبدالعزيزِ بنُ محمَّدٍ الدَّراوَردِيُّ: حدَّثني بهِ ربيعةُ بنُ أَبي عبدالرحمنِ عن سُهيلٍ؛ قالَ: فلقيتُ سُهيلًا، فسأَلتُه عنهُ؟ فلم يَعْرِفْهُ، فقلتُ: إِنَّ ربيعةَ حدَّثني عنكَ بكذا، فكانَ سُهَيْلٌ بعدَ ذلك يقولُ: حدَّثني ربيعةُ عنِّي أَنِّي حدَّثتُه عن أَبي بهِ.

ونظائِرُهُ كثيرةٌ.

الشيخ: وهذا من الإنصاف، إذا وثق الشيخ بالتلميذ حدث عنه بذلك؛ لأن الشيخ يطرأ عليه النسيان، ولا يمنع من ذلك كون تلميذ الشيخ ثقة، يكون شيخًا له فيقول: حدثني فلان عني أني حدثته بكذا مثل ما فعل سهيل فهذا يقع في كل وقت، ويقول لك زيد: حدثتني أن فلان اتصل بك، وقال لك كذا وكذا، ويقول: أنا نسيت، فلا بأس أن يقول: حدثني فلان عني أني قلت له أن فلانًا صنع كذا، أو فعل كذا، فالأمر في هذا واسع، وابن آدم محل الخطأ والنسيان.

وإِنْ اتَّفَقَ الرَّواةُ في إِسنادٍ مِن الأسانيدِ في صِيَغِ الأَداءِ؛ كـ: سمعتُ فلانًا، قالَ: سمعتُ فُلانًا، أَوْ: حدَّثنا فُلانٌ؛ قالَ: حدَّثنا فُلانٌ، وغيرِ ذلك من الصِّيَغِ، أو غَيْرِها مِن الحالاتِ القوليَّةِ؛ كـ: سمعتُ فلانًا يقولُ: أُشْهِدُ اللهَ لقد حدَّثَني فلانٌ ... إِلخ أو الفِعليَّةِ؛ كقولِه: دَخَلْنا على فُلانٍ، فأَطْعَمَنا تَمرًا ... إِلخ، أو القوليَّةِ، والفِعليَّةِ معًا؛ كقولِه: حدَّثَني فلانٌ، وهُو آخِذٌ بلحْيَتِه؛ قالَ: آمنْتُ بالقَدَرِ ... إلخ؛ فهُو: المُسَلْسَلُ، وهو مِن صفاتِ الإِسنادِ.

الشيخ: هذا بيان المسلسل، إذا اتفق الرواة على صفة قولية، أو فعلية، أو مشتركة بين القول، والفعل فهذا يسمى مسلسلًا، جاء الحديث المسلسل ... ونحوه فهذا مسلسل يحكي صفة من الصفات؛ إما قولية، أو فعلية، أو كليهما، فإذا قال البخاري مثلًا حدثنا يحيى بن معين، حدثنا سفيان، حدثنا كذا إلى هذا المسلسل بالتحديث، فإذا قال البخاري مثلًا: سمعت يحيى بن معين، سمعت أحمد بن حنبل، سمعت أحمد بن سنان قال: سمعت فلانًا قال: سمعت فلانًا قال: سمعت فلانًا حتى الصحابي مسلسل بالسماع، أما بالفعل كأن يقول: حدثنا فلان، وهو متكئ على يده، وحدثنا فلان، وهو متكئ على يده إلى آخره، أو حدثنا فلان وهو يأكل تمرًا، قال: حدثنا فلان وهو يأكل تمرًا، قال: حدثنا فلان وهو يأكل تمرًا، فهذا مسلسل بالفعل.

والثالثة مسلسل بالقول والفعل جميعًا كأن يقول: حدثنا فلان، وهو آخذ بلحيته قال: حدثنا فلان وهو آخذ بلحيته، حدثنا قولي، وآخذ بلحيته فعلي، حدثنا فلان وهو آخذ بلحيته، حدثنا فلان، وهو يشير بيده، حدثنا فلان وهو يشير بيده إلى آخره هذا قولي وفعلي، مسلسل بالقول والفعل.

وهذا من صفات الإسناد التي قد تقع للرواة لا يتعلق بها صحة ولا ضعف.

وقد يقعُ التَّسلسُلُ في معظمِ الإِسنادِ؛ كحديثِ المُسَلْسَلِ بالأوَّليَّةِ، فإِنَّ السِّلْسِلَةِ تنْتَهي فيهِ إِلى سُفيانَ بنِ عُيينَةَ فقط، ومَن رواهُ مُسلْسَلًا إِلى منتهاهُ، فقد وهِمَ.

الشيخ: قد تقع السلسلة في بعض الإسناد، وهو كذلك، هذا يكون مسلسلًا في بعض الإسناد، كالحديث المسلسل بالأوَّليَّة كأن يقول الشيخ حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه، قال: حدثني فلان، وهو أول حديث سمعته منه إلى آخره.

س: من قال إن الغالب على المسلسل الضعف، قوله صحيح؟

الشيخ: لا، هذا يحتاج إلى تأمل، الحكم عليها صعب، إلا بالتتبع.

وصِيَغُ الأدَاءِ المشارُ إِليها على ثمانِ مراتِبَ:

الأولى: سَمِعْتُ، وحَدَّثَني.

ثمَّ: أخْبَرَني، وقرَأْتُ عليهِ، وهي المرتبةُ الثَّانيةُ.

ثمَّ: قُرِئَ عَلَيْهِ، وأَنا أَسْمَعُ، وهي الثالثةُ.

الشيخ: هذه صيغ الأداء، ثمان صيغ التي يتعاطها المحدثون، الصيغ ثمان: أولها، وأصرحها: أن يقول: حدثني، وسمعت، هذه الصفة الأولى.

والثانية: حدثنا، وأخبرنا يكون معه غيره.

الثالثة يقول: قرئ عليه، وأنا أسمعه فهذه دونها، ولكنها فيها سماع صريح، وهذه كلها من صيغ الأداء المعتادة بين المحدثين، تارة يقول: حدثني، وسمعت فلانًا يعني وحده، وتارة يقول: حدثنا، أخبرنا، يعني معه غيره، وتارة يقول: قرئ عليه، أو قرأت عليه.

ثمَّ: أَنْبَأَني، وهي الرَّابعةُ.

 

الشيخ: يعني أنبأني بمعنى أخبرني لكن قد يظن بعض الناس أنها زيادة، ولهذا صارت أضعف، وإلا هي عند الأولين معنى أخبرني وأنبأني واحد، درجة واحدة، قال البخاري - رحمه الله -: أنبأنا، وأخبرنا واحد، لكن عند المتأخرين صار لهم ... اصطلاح في الإجازة، إلا أنه الصواب أن أنبأنا من جنس أخبرنا.

ثمَّ: ناوَلَني، وهي الخامسةُ.

 

الشيخ: ناولني يعني الكتاب ... ناولني سلمني، دفعه إليّ.

ثمَّ: شافَهَني؛ أَي: بالإِجازةِ، وهي السَّادسةُ.

 

الشيخ: شافهني يعني أخبره بالكلام، قال له: حدث عني بهذا الشيء مشافهة.

ثمَّ: كَتَبَ إِليَّ؛ أَي: بالإِجازةِ، وهي السَّابعةُ.

 

الشيخ: ثم كتب، مثل البخاري كتب إلى فلان: ارو عني الصحيح، أو ارو عني كتابي، أو ارو عني للقراءة، أو ما أشبه ذلك، يكتب له بهذا، أو يكتب زيد لعمرو أني قد رويت عن فلان كذا، وكذا فارويا عني.

ثمَّ: عَنْ، ونَحْوُها مِن الصِّيغِ المُحْتَمِلةِ للسَّماعِ، والإِجازةِ ولِعدمِ السَّماعِ أَيضًا.

 

الشيخ: هذه الثامنة، وهي أضعفها (عن) عن فلان، عن فلان، لأنها تحتمل السماع، وتحتمل التسامع، وهو عدم السماع، وهو أنه روى عنه من دون سماع بل بواسطة لكن تساهل فحذف الواسطة، ولهذا صارت (عن، وقال، وذكر فلان) هي أدنى المراتب، هي الثامنة لأنها محتملة للسماع وعدمه، فإذا قال زيد عن عمرو قال: ذكر عمرو، قال عمرو، فهي محتملة لكنها من المعاصر محمولة على السماع، إذا كان روى عن معاصره فهي محمولة على السماع إذا لم يكن مدلسًا، فإذا قال مثلًا طاوس عن ابن عباس، أو قال ثابت عن أنس فهي محمولة على السماع إلا المدلس فهذا محل نظر ... عن جابر هذا محل نظر.

س: ما هو الضابط لقبول الحديث المعنعن؟

ج: هذا هو إن شاء الله تسمعه.

وهذا مثلُ: قالَ، وذكرَ، وروى.

فاللَّفظانِ الأوَّلانِ مِن صيغِ الأداءِ، وهُما: سمعتُ، وحدَّثني، صالِحانِ لمَن سَمِعَ وحْدَهُ مِن لَفْظِ الشَّيْخِ.

وتَخْصيصُ التَّحديثِ بما سُمِعَ مِن لفظِ الشَّيخِ هو الشَّائعُ بينَ أَهلِ الحَديثِ اصطِلاحًا.

الشيخ: نعم، اشتهر بينهم أنه إذا جمع فهو مع غيره حدثنا، وأخبرنا، وقد يقوله الإنسان من دون أن يكون مع أحد تسامحًا حدثنا ثابت، حدثنا أحمد تسامح، وهو ما عنده أحد، لكن الغالب أن الواحد يقول حدثني متواضعًا أخبرني، وقد يتسامح من دون قصد التكبر والرياء، لكن يتسامح، حدثنا فلان، أخبرنا فلان، وهو واحد، لكن الغالب إنه إذا قال: حدثني فهو واحد، وإذا قال: حدثنا فهو معه غيره.