02 من (باب مجانبة أهل الأهواء)

بَابُ مُجَانَبَةِ أَهْلِ الأَهْوَاءِ

قَالَ اللَّهُ : وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [الْأَنْعَام:68]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الْكَهْف:28]، وَقَالَ اللَّهُ : فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ [الجاثية:17]، وَقَالَ اللَّهُ : فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا [الْمُؤْمِنُون:53] أَيْ: صَارُوا أَحْزَابًا وَفِرَقًا عَلَى غَيْرِ دِينٍ وَلا مَذْهَبٍ. وَقِيلَ: اخْتَلَفُوا فِي الِاعْتِقَادِ وَالْمَذَاهِبِ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ [ص:45] قَالَ: الأَيْدِي: الْقُوَّةُ فِي الْعَمَلِ، وَالأَبْصَارُ: بُصَرَاءُ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ دِينِهِمْ.

الشيخ: أولي الأيدي والأبصار يعني: أولي القوة في الحقِّ، والبصيرة في الحقِّ، كما قال - جلَّ وعلا -: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات:47] يعني: بقوةٍ، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس:71] يعني: القوة؛ لأنَّ الأيدي تُطلق على القوة، وتُطلق على جمع: يد.

س: القوة والصفة؟

ج: نعم، اليد الصفة، وتُطلق على النِّعمة والقوة: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ يعني: بقوةٍ: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ [ص:17] ذا القوة: أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ أولو القوة والبصر في دين الله.

س: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ يُفهم منها إثبات الأيدي لله؟

ج: القوة: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ بقوةٍ، والله - جلَّ وعلا - له يدان: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، اليدان غير هنا: بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ هنا بالقوة.

قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ [آل عمرَان:7] قَالَ: الْحَلالُ، وَالْحَرَامُ: وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، كَقَوْلِهِ : وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [الْبَقَرَة:26]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ [يُونُس:100]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى [مُحَمَّد:17].

106- قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا عَبْدُالْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ: أَخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ النُّعَيْمِيُّ: أَخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حدَّثنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ: حدَّثنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: تَلا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الآيَةَ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ [آل عمران:7]، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ.

وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ اسْمُهُ: عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الأَحْوَلُ، كَانَ قَاضِيًا عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَيُقَالُ: كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِئَةٍ.

الشيخ: وهذا معناه أنَّ مَن اتَّبع المتشابه هذا دليلٌ على أنه من أصحاب الزَّيغ، وإنما أهل الحقِّ يتبعون المحكم من آيات الله وسنة رسوله، وما اشتبه عليهم ردُّوه إلى المحكم وفسَّروه بالمحكم، فما أُطلق في آيةٍ أو في حديثٍ يُردّ إلى المحكم الذي فُصِّل وبُيِّن، وما جاء عامًّا رُدَّ إلى المقيدات والمخصوصات، وبهذا يجتمع الحقُّ، فإنَّ الحقَّ لا يتناقض، بل يصدق بعضه بعضًا، ويُبين بعضه بعضًا، لكن أهل الزيغ يتَّبعون المتشابه.

س: ما حكم المُتشابه على الصِّفات؟

ج: بالنسبة إلى بعض الناس مثلما قال ابنُ عباس: يهلكون عند متشابهه. وإلا فهي من المحكم، واضحة من المحكم الذي لا شكَّ فيه، فهي من المحكمات بالنظر إلى معانيها، ومن المتشابهة بالنظر إلى الكيفية، لا يعلم كيفيتها إلا الله، فهي محكمة من جهة المعنى، متشابهة من جهة الكيفية، لا يعلم كيفيتها إلا هو .

س: مَن قال: إنَّ الصفات تمر على ظاهرها إلَّا ما جاء الدليلُ من صرفها على ظاهرها؟

ج: الصِّفات على ظاهرها، على معناها الذي يليق بالله، لكن لا يعلم كيفيتها إلا هو، نعرف معنى "الرحمن" معناها: الرحمة، و"العز" معناها: العزة، و"العليم" معناها: العلم، و"الاستواء" معناها: العلو، لكن الكيفية هي التي إلى الله - جلَّ وعلا -.

س: صرفها عن ظاهرها يحتاج دليلًا؟

ج: ما يجوز صرفها عن ظاهرها إلا بدليلٍ يدل على معنى قاله الله ورسوله.

وَقَوْلُهُ: آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ [آل عمران:7] أَيْ: غَيْرُ مَنْسُوخَاتٍ، وَقَوْلُهُ: آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [يُونُس:1] أَيِ: الْمُحْكَمِ.

وَقَوْلُهُ: أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ [هود:1] أَيْ: أُحْكِمَتْ بِالأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْحَلالِ وَالْحَرَامِ، ثُمَّ فُصِّلَتْ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ: هُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِظَاهِرِهِ مَعْنَاهُ.

وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ فَفِيهِ أَقَاوِيلُ:

أَحَدُهَا: مَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَجَمَاعَةٌ: مَا اشْتَبه مِنْهُ، فَلَمْ يُتَلَقَّ مَعْنَاهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: إِذَا رُدَّ إِلَى الْمُحْكَمِ عُرِفَ مَعْنَاهُ، وَالآخَرِ: مَا لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ كُنْهِهِ، وَالْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَهُوَ الَّذِي يَتَّبِعُهُ أَهْلُ الزَّيْغِ يَبْتَغُونَ تَأْوِيلَهُ: كَالإِيمَانِ بِالْقَدَرِ وَالْمَشِيئَةِ، وَعِلْمِ الصِّفَاتِ، وَنَحْوِهَا مِمَّا لَمْ نَتَعَبَّدْ بِهِ، وَلَمْ يُكْشَفْ لَنَا عَنْ سِرِّهِ، فَالْمُتَّبِعُ لَهَا مُبْتَغٍ لِلْفِتْنَةِ.

الشيخ: والمعنى أنَّ المتشابه تارةً يُفسَّر بالمحكم من آيات الله، وتارةً لا يعلم كيفيته إلَّا هو، فما عُرف معناه رُدَّ إلى المحكم، وما اشتبه رُدَّ إلى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمرَان:7].

فَالْمُتَّبِعُ لَهَا مُبْتَغٍ لِلْفِتْنَةِ؛ لأَنَّهُ لَا يَنْتَهِي مِنْهُ إِلَى حَدٍّ تَسْكُنُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، وَالْفِتْنَةُ: الْغُلُوُّ فِي التَّأْوِيلِ الْمُظْلِمِ.

وَقَوْلُهُ : هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ [آل عمران:7] أَيْ: مُعْظَمُهُ، يُقَالُ لِمُعْظَمِ الطَّرِيقِ: أُمُّ الطَّرِيقِ، وَقَوْلُهُ : حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا [الْقَصَص:59] أَيْ: فِي مُعْظَمِهَا.

107- قَالَ الشَّيْخُ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْفُوظِ بْنِ حَبِيبٍ الْمُؤَذِّنُ بِبُخَارَى فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِمِئَةٍ: حدَّثنَا أَبُو أَحْمَدَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الْمَرْوَزِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى عَبْدُالصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ الْبَلْخِيُّ: حدَّثنَا أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي نَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ.

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ.

الشيخ: والمعنى أنهم يأتون بأحاديث موضوعة مكذوبة لم يسمعها المحدِّثون ولا آباؤهم، في آخر الزمان مَن يكذب على النبي ﷺ، وقد وقع؛ كذب على النبي آلافٌ، لكن قيَّض الله لها نُقَّادها فبيَّنوا باطلها.

س: لكن هذا فيه أنه سيزيد الكذبُ في آخر الزمان؟

ج: يكثر الكذبُ جدًّا، كلما تقدم الزمانُ زاد الكذبُ إلى قيام الساعة.

س: ............؟

ج: يفسر ..... في الأصول؛ أصول البلدان، وأمهات البلدان.

س: ذكر فيما تقدم أنَّ علم الصِّفات كأنه عدَّه مما لا نتعبد به، على أي شيءٍ يُحمل؟

ج: الكيفية، الكيفية.

س: .............؟

ج: المقصود ما اشتبه داخلٌ في هذا، ما اشتبه عليك فهو داخلٌ في المشتبه، وما اتَّضح لك فهو مما بيَّنه الله لك، فالذي يشتبه عليك تقول: الله أعلم، لا تكلف، وأما ما يتعلق بالكيفية فقد أجمع أهلُ السنة أنه لا يعلمها إلا الله، أجمع العلماء على أنَّ كيفية الصِّفات: كيف استوى؟ وكيف ينزل؟ وكيف يضحك؟ وكيف يتكلم؟ هذا إلى الله، لا يعلم كيفيته إلَّا هو ، أما المعاني واضحة؛ العلم معروف، القدرة معروفة، الكلام معروف، الرحمة معروفة، الضحك معروف، إنما الكلام في الكيفية؛ كيفية ذلك.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ فِي الْبَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً، أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ، يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا.

قَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ افْتِرَاقِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَظُهُورِ الأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ فِيهِمْ، وَحَكَمَ بِالنَّجَاةِ لِمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَسُنَّةَ أَصْحَابِهِ ، فَعَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ إِذَا رَأَى رَجُلًا يَتَعَاطَى شَيْئًا مِنَ الأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ مُعْتَقِدًا، أَوْ يَتَهَاوَنُ بِشَيْءٍ مِنَ السُّنَنِ أَنْ يَهْجُرَهُ، وَيَتَبَرَّأَ مِنْهُ، وَيَتْرُكَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا، فَلا يُسَلِّمْ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، وَلا يُجِيبَهُ إِذَا ابْتَدَأَ؛ إِلَى أَنْ يَتْرُكَ بِدْعَتَهُ.

الشيخ: يعني: إذا لم تنفعه النَّصيحة، أولًا النَّصيحة، يبدأ بالنصيحة والتَّوجيه، فإذا أبى المبتدعُ إلا الإصرار استحقَّ الهجر: كمَن أعلن المعاصي؛ يُنصح ويُوجَّه ويُقام عليه أمرُ الله، إذا كان في البلد دولة عليها أن تُقيم عليه حدَّ الله، فإذا لم يستجب استحقَّ الهجر.

س: والذي يقول أنَّ الهجر دواء، إذا كان ينفع يُستعمل؟

ج: هذا هو؛ إن كان ما ينفع ما يُستعمل، دواء، مثلما هجر النبيُّ الثلاثةَ ونفعهم الله بالهجر، ولم يهجر عبدالله بن أُبي وأصحابه؛ لأنهم لا ينفع فيهم الهجر.

س: لكن المُبتدع إذا لم يفد فيه النُّصح والتَّوجيه؟

ج: يُهجر.

س: وإذا كان الهجرُ ما يُفيد فيه؟

ج: إذا كان في دولةٍ تقوم بأمره، وإلا أنت هذا الذي عليك: إما أن تنصح، وإما أن تهجر، أما إذا كان في دولةٍ تُقيم أمر الله يُرفع أمره إلى الدولة، وأما أنت فلا تفعل: لا تقتل، ولا تضرب.

س: يُشرع الهجر؟

ج: حتى يتوبَ، ولو سنة، ولو سنتين، ولو عشر سنين، حتى يتوب، مثلما هجر النبيُّ الثلاثة خمسين ليلةً حتى تاب الله عليهم.

س: يعني: الهجر ليس له مدَّة؟

ج: إذا كان في المعاصي والبدع على حسب الهاجر؛ فإذا رأى أنَّ عدم الهجر ينفعهم باشرهم ونصحهم، وإذا رأى أن النَّصيحة لا تُفيدهم هجرهم.

فَلا يُسَلِّمْ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، وَلا يُجِيبَهُ إِذَا ابْتَدَأَ؛ إِلَى أَنْ يَتْرُكَ بِدْعَتَهُ، وَيُرَاجِعَ الْحَقَّ.

الشيخ: يقول ابنُ عبد القوي - رحمه الله -:

وهجران مَن أبدى المعاصي سنة وقد قيل إن يردعه أوجب وأكد
وقيل على الإطلاق ما دام معلنًا ولاقه بوجه مُكفهر مربد

الصواب هو الأخير؛ لأنَّ الهجر واجب، ولكن إذا كان يردعه أوجب، يتأكَّد، إذا كان يردع أوجب وأكد، مثلما فعل النبيُّ مع كعبٍ وصاحبيه.

س: كيف يجمع بين عدم الهجر وبين قول الله : كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:79]؟

ج: هذا يُصاحبهم، يتّخذهم أصحابًا له، وأنت ما تتّخذهم أصحابًا، تتصل بهم للدَّعوة، ما هو للصحبة، تتصل بهم للدَّعوة والتوجيه والإرشاد، ما تصحبهم في مُنكراتهم، أما فعل بني إسرائيل فيصحبونهم في مُنكراتهم، ويتركون النَّهي، أما أنت فلا، إذا زرتَه تنهاه، وتأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، مرتين، ثلاثًا، لعله يهتدي، من دون أن تتّخذه صاحبًا؛ تأكل معه وتشرب معه.

س: الهجر له مدّة؟

ج: حسب اجتهاد الهاجر، ما يتعين.

س: لا يقرأ عليه السلام؟

ج: لا يُسلم عليه، ولا يُصافحه ولو مضت سنوات، إذا كان بقي على بدعته وعلى معاصيه الظَّاهرة، نعم.

س: هل هناك مدّة معينة للنَّصيحة؟

ج: كلما لقيتَه تنصحه، كلما تيسر تنصحه، فإذا أصرَّ تهجره.

وَالنَّهْيُ عَنِ الْهجْرَانِ فَوْقَ الثَّلاثِ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حُقُوقِ الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ، دُونَ مَا كَانَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الدِّينِ، فَإِنَّ هِجْرَةَ أَهْلِ الأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ دَائِمَةٌ إِلَى أَنْ يَتُوبُوا.

الشيخ: هذا هو الحق، أما حديث: لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ، هذا فيما بينه وبينه، في الحقِّ الذي بينه وبينه فوق ثلاثٍ: يلتقيان، فيُعرض هذا، ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، فيما يتعلق بحقِّ الإنسان لا يهجر فوق ثلاثٍ، بل يُسلِّم: وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، أما في حقِّ الله يهجر ولو سنة، ولو سنتين؛ حتى يتوب العاصي.

س: الهجر في أمر الدنيا ثلاث ليالٍ؟

ج: يهجره في الكلام ثلاثة أيام، فإن هداه الله فالحمد لله، في حقِّه، التقصير في حقِّه، ما هو في حقِّ الله، في حقِّ الإنسان.

س: مَن قال أنَّ الهجر في هذا الزمان لا يُفيد؟

ج: غلط، يفيد، إذا هجره أهلُ الخير وأهلُ الحلّ والعقد يُؤثر، وإذا ما أثَّر فالحمد لله برئت ذمَّتُك.