08 من قوله: (بَاب إثبات السمع والرؤيه لله جل وعلا)

بَابُ إِثْبَاتِ السَّمْعِ وَالرُّؤْيَةِ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا الَّذِي هُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ: سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وَمَنْ كَانَ مَعْبُودُهُ غَيْرَ سَمِيعٍ بَصِيرٍ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْبَصِيرِ، يَعْبُدُ غَيْرَ الْخَالِقِ الْبَارِئِ الَّذِي هُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهَ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181]، وَقَالَ فِي قِصَّةِ الْمُجَادَلَةِ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ الْآيَة [المجادلة:1].

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ كُنْتُ أَمْلَيْتُ فِي كِتَابِ "الظِّهَارِ" خَبَرَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ، وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، إِنَّ الْمُجَادِلَةَ تَشْكُو إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُ كَلَامِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ، وَقَالَ : أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ الْآيَة [الزخرف:80].

وَقَدْ أَعْلَمَنَا رَبُّنَا الْخَالِقُ الْبَارِئُ أَنَّهُ يَسْمَعُ قَوْلَ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَزَعَمَ أَنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ فِي مَقَالَتِهِمْ تِلْكَ، فَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَخَبَّرَ أَنَّهُ الْغَنِيُّ وَهُمُ الْفُقَرَاءُ، وَأَعْلَمَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، فَكَذَلِكَ خَبَّرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ الْمُجَادِلَةِ وَتَحَاورَ النَّبِيِّ ﷺ وَالْمُجَادِلَةِ.

وَخَبَّرَتِ الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهَا بَعْضُ كَلَامِ الْمُجَادِلَةِ، مَعَ قُرْبِهَا مِنْهَا، فَسَبَّحَتْ خَالِقَهَا الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، وَقَالَتْ: "سُبْحَانَ مَنْ وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ"، فَسَمِعَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا كَلَامَ الْمُجَادِلَةِ وَهُوَ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، وَقَدْ خَفِيَ بَعْضُ كَلَامِهَا عَلَى مَنْ حَضَرَهَا وَقَرُبَ مِنْهَا.

وَقَالَ لِكَلِيمِهِ مُوسَى وَأَخِيهِ ابْنِ أُمِّهِ هَارُونَ يُؤَمِّنُهُمَا فِرْعَوْنَ حِينَ خَافَا أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْهِمَا أَوْ أَنْ يَطْغَى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، فَأَعْلَمَ الرَّحْمَنُ جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ سَمِعَ مُخَاطَبَةَ كَلِيمِهِ مُوسَى وَأَخِيهِ هَارُونَ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ والسَّلَامُ، وَمَا يُجِيبُهُمَا بِهِ فِرْعَوْن، وَأَعْلَمَ أَنَّهُ يَرَى مَا يَكُونُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى قَوْلِهِ: السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1]، وَقَالَ فِي سُورَةِ حم الْمُؤْمِنِ: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [غافر:56].

وَاسْتِقْصَاءُ ذِكْرِ قَوْلِهِ: السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَسَمِيعٌ بَصِيرٌ يَطُولُ بِذِكْرِ جَمِيعِهِ الْكِتَابُ.

الشيخ: وهذا محل إجماعٍ من أهل السنة والجماعة، وهو من صفات الكمال: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى، فهو السميع البصير، السمع الكامل، والبصر الكامل، لا يُشابهه خلقه، بل وله الكمال المطلق في سمعه وبصره وسائر صفاته العظيمة جلَّ وعلا.

س: المُصنف كأنَّه يقول أنَّ موسى ليس أخا هارون شقيقه، وإنما لأمِّه؟

ج: الله أعلم.

وَقَالَ لِكَلِيمِهِ مُوسَى وَلِأَخِيهِ هَارُونَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وسلامه: كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ [الشعراء:15]، فَأَعْلَمَ جَلَّ وَعَلَا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ مَا يَقُولُ لِكَلِيمِهِ مُوسَى وَأَخِيهِ.

الشيخ: صوابه: ما يُقال، بدل: ما يقول: فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ يعني: ما يُقال لكم من فرعون وآله وأصحابه.

 

وَهَذَا مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي أَقُولُ: اسْتِمَاعُ الْخَالِقِ لَيْسَ كَاسْتِمَاعِ الْمَخْلُوقِ، قَدْ أَمَرَ اللَّهُ أَيْضًا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلَامُ أَنْ يَسْتَمِعَ لِمَا يُوحَى فَقَالَ: فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى [طه:13]، فَلَفْظُ الِاسْتِمَاعَيْنِ وَاحِدٌ، وَمَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْخَالِقِ غَيْرُ اسْتِمَاعِ الْمَخْلُوقِينَ، عَزَّ رَبُّنَا وَجَلَّ عَنْ أَنْ يُشْبِهَهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَجَلَّ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ شَبِيهًا بِفِعْلِهِ ، وَقَالَ اللَّهُ : وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105]، وَلَيْسَ رُؤْيَةُ اللَّهِ أَعْمَالَ مَنْ ذَكَرَ عَمَلَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَرُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ كَانَ اسْمُ الرُّؤْيَةِ يَقَعُ عَلَى رُؤْيَةِ اللَّهِ أَعْمَالَهُمْ، وَعَلَى رُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَرُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ.

الشيخ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَتَدَبَّرُوا أَيُّهَا الْعُلَمَاءُ.

الشيخ: أبو بكر يعني المؤلف، يعني نفسه، يعني الراوي عنه.

س: ما يحتمل الكلمة السَّابقة: فأعلم عباده المؤمنين أنه كان يسمع ما يقول، يعني: فرعون؟

ج: لا، إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ [الشعراء:15]، نعم.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَتَدَبَّرُوا أَيُّهَا الْعُلَمَاءُ وَمُقْتَبِسُو الْعِلْمَ.

الشيخ: بالإضافة، نعم، بحذف النون.

مُخَاطَبَةَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ أَبَاهُ، وَتَوْبِيخَهُ إِيَّاهُ لِعِبَادَتِهِ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ، تَعْقِلُوا بِتَوْفِيقِ خَالِقِنَا جَلَّ وَعَلَا صِحَّةَ مَذْهَبِنَا، وَبُطْلَانَ مَذْهَبِ مُخَالِفِينَا مِنَ الْجَهْمِيَّةِ الْمُعَطِّلَةِ، قَالَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ لِأَبِيهِ: لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42]، أَفَلَيْسَ مِنَ الْمُحَالِ يَا ذَوِي الْحِجَا أَنْ يَقُولَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ لِأَبِيهِ آزَرَ: لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، وَيَعِيبُهُ بِعِبَادَةِ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، ثُمَّ يَدْعُوهُ إِلَى عِبَادَةِ مَنْ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ؛ كَالْأَصْنَامِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْموتَانِ، لَا مِنَ الْحَيَوَانِ أَيْضًا؟! فَكَيْفَ يَكُونُ رَبُّنَا الْخَالِقُ الْبَارِئُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ كَمَا يَصِفُهُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ الْمُعَطِّلَةُ؟!

الشيخ: يعني: الجهمية والمعتزلة من سلب الصِّفات قبَّحهم الله ولعنهم.

عَزَّ رَبُّنَا وَجَلَّ عَنْ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ سَمِيعٍ وَلَا بَصِيرٍ، فَهُوَ كَعَابِدِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، أَوْ كَعَابِدِ الْأَنْعَامِ، أَلَمْ يَسْمَعُوا قَوْلَ خَالِقِنَا وَبَارِئِنَا: أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ۝ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمُ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ الآية [الفرقان:43- 44]، فَأَعْلَمَنَا أَنَّ مَنْ لَا يَسْمَعُ وَلَا يَعْقِلُ كَالْأَنْعَامِ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا.

بَابُ الْبَيَانِ مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى تَثْبِيتِ السَّمْعِ والْبَصَرِ للَّهِ، مُوَافِقًا لِمَا يَكُونُ مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا، إِذْ سُنَنُهُ ﷺ إِذَا ثَبَتَتْ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ مَوْصُولًا إِلَيْهِ لَا تَكُونُ أَبَدًا إِلَّا مُوَافِقَةً لِكِتَابِ اللَّهِ، حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْهَا أَبَدًا مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ لِشَيْءٍ مِنْهُ، فَمَنِ ادَّعَى مِنَ الْجَهَلَةِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِذَا ثَبَتَ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ مُخَالِفٌ لِشَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَأَنَا الضَّامِنُ بِتَثْبِيتِ صِحَّةِ مَذْهَبِنَا عَلَى مَا أَبُوحُ بِهِ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: حدَّثنا عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ حَدَّثَتْهُ: أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ؛ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلَامُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي ربِّي إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي أَمْرَكَ وَبِمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ فَعَلْتُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا.

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ: حدَّثنا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حدَّثنا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، وَغَيْرُهُمَا، قَالَا: قَالَ بُنْدَارٌ: حدَّثنا، وَقَالَ الْحُسَيْنُ: أَخْبَرَنَا مَرْحُومٌ الْعَطَّارُ قَالَ: حدَّثنا أَبُو نَعَامَةَ السَّعْدِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه -وَهَذَا حَدِيثُ مَرْحُومٍ- قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزَاةٍ، فَلَمَّا أَقْبَلْنَا وَأَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ كَبَّرَ النَّاسُ تَكْبِيرَةً رَفَعُوا بِهَا أَصْوَاتَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَصَمَّ وَلَا غَائِبٍ، وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ فِي حَدِيثِهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا.

حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ قَالَ: حدَّثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حدَّثنا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا.

خَرَّجْتُ طُرُقَ هَذَا الْخَبَرِ فِي كِتَابِ "الذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ".

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَاسْمَعُوا يَا ذَوِي الْحِجَا مَا نَقُولُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَنَذْكُرُ بَهْتَ الْجَهْمِيَّةِ وَزُورَهُمْ وَكَذِبَهُمْ عَلَى عُلَمَاءِ أَهْلِ الْآثَارِ، وَرَمْيَهُمْ خِيَارَ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ بِمَا اللَّهُ قَدْ نَزَّهَهُمْ عَنْهُ، وَبَرَّأَهُمْ مِنْهُ بتزوير الْجَهْمِيَّةِ عَلَى عُلَمَائِنَا.

الشيخ: بتزوير: تكذيب، يعني: زور، كذب عليهم.

إِنَّهُمْ مُشَبِّهَةٌ، فَاسْمَعُوا مَا أَقُولُ وَأُبَيِّنُ مِنْ مَذَاهِبِ عُلَمَائِنَا تَعْلَمُوا وَتَسْتَيْقِنُوا بِتَوْفِيقِ خَالِقِنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةَ يَبْهَتُونَ الْعُلَمَاءَ وَيَرْمُونَهُمْ بِمَا اللَّهُ نَزَّهَهُمْ عَنْهُ.

نَحْنُ نَقُولُ: لِرَبِّنَا الْخَالِقِ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا مَا تَحْتَ الثَّرَى، وَتَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى، وَمَا فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَى، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، لَا يَخْفَى عَلَى خَالِقِنَا خَافِيَةٌ فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعِ، وَلَا مِمَّا بَيْنَهُمْ، وَلَا فَوْقَهُمْ، وَلَا أَسْفَلَ مِنْهُنَّ، لَا يَغِيبُ عَنْ بَصَرِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، يَرَى مَا فِي جَوْفِ الْبِحَارِ وَلُجَجِهَا، كَمَا يَرَى عَرْشَهُ الَّذِي هُوَ مُسْتَوٍ عَلَيْهِ، وَبَنُو آدَمَ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ عُيُونٌ يُبْصِرُونَ بِهَا فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَرَوْنَ مَا قَرُبَ مِنْ أَبْصَارِهِمْ مِمَّا لَا حِجَابَ وَلَا سِتْرَ بَيْنَ الْمَرْئِيِّ وَبَيْنَ أَبْصَارِهِمْ، وَمَا يَبْعُدُ عنهم، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ اسْمُ الْقُرْبِ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ الَّتِي خُوطِبْنَا بِلُغَتِهَا قَدْ تَقُولُ: قَرْيَةُ كَذَا مِنَّا قَرِيبَةٌ، وَبَلْدَةُ كَذَا قَرِيبَةٌ مِنَّا وَمِنْ بَلَدِنَا، وَمَنْزِلُ فُلَانٍ قَرِيبٌ مِنَّا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ وَبَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ وَبَيْنَ الْمَنْزِلَيْنِ فَرَاسِخُ.

وَالْبَصِيرُ مِنْ بَنِي آدَمَ لَا يُدْرِكُ بِبَصَرِهِ شَخْصًا آخَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَبَيْنَهُمَا فَرْسَخَانِ فَأَكْثَرُ، وَكَذَلِكَ لَا يَرَى أَحَدٌ مِنَ الْآدَمِيِّينَ مَا تَحْتَ الْأَرْضِ إِذَا كَانَ فَوْقَ الْمَرْئِيِّ مِنَ الْأَرْضِ وَالتُّرَابِ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا يُغَطَّى وَيُوَارَى الشَّيْءُ، وَكَذَلِكَ لَا يُدْرِكُ بَصَرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حِجَابٌ مِنْ حَائِطٍ أَوْ ثَوْبٍ صَفِيقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَسْتُرُ الشَّيْءَ عَنْ عَيْنِ النَّاظِرِ.

فَكَيْفَ يَكُونُ يَا ذَوِي الْحِجَا مُشَبِّهًا مَنْ يَصِفُ عَيْنَ اللَّهِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَأَعْيُنَ بَنِي آدَمَ بِمَا وَصَفْنَا؟!

وَنَزِيدُ شَرْحًا وَبَيَانًا نَقُولُ: عَيْنُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدِيمَةٌ، لَمْ تَزَلْ بَاقِيَةً، وَلَا يَزَالُ مَحْكُومٌ لَهَا بِالْبَقَاءِ، مَنْفِيٌّ عَنْهَا الْهَلَاكُ وَالْفَنَاءُ، وَعُيُونُ بَنِي آدَمَ مُحْدَثَةٌ مَخْلُوقَةٌ، كَانَتْ عَدَمًا غَيْرَ مُكَوَّنَةٍ، فَكَوَّنَهَا اللَّهُ، وَخَلَقَهَا بِكَلَامِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَقَدْ قَضَى اللَّهُ وَقَدَّرَ أَنَّ عُيُونَ بَنِي آدَمَ تَصِيرُ إِلَى بِلَاءٍ عَنْ قَلِيلٍ، وَاللَّهَ نَسْأَلُ خَيْرَ ذَلِكَ الْمَصِيرِ، وَقَدْ يُعْمِي اللَّهُ عُيُونَ كَثِيرٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ فَيَذْهَبُ بِأَبْصَارِهَا قَبْلَ نُزُولِ الْمَنَايَا بِهِمْ، وَلَعَلَّ كَثِيرًا مِنْ أَبْصَارِ الْآدَمِيِّينَ قَدْ سَلَّطَ خَالِقُنَا عَلَيْهَا دِيدَانَ الْأَرْضِ حَتَّى تَأْكُلَهَا وَتُفْنِيَهَا بَعْدَ نُزُولِ الْمَنِيَّةِ بِهِمْ، ثُمَّ يُنْشِئُهَا اللَّهُ بَعْدُ، فَيُصِيبُهَا مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي ذِكْرِ الْوَجْهِ.

فَمَا الَّذِي يُشَبِّهُ يَا ذَوِي الْحِجَا عَيْنَ اللَّهِ الَّتِي هِيَ مَوْصُوفَةٌ بِمَا ذَكَرْنَا عُيُونَ بَنِي آدَمَ الَّتِي وَصَفْنَاهَا بَعْدُ؟!

وَلَسْتُ أَحْسَبُ لَوْ قِيلَ لِبَصِيرٍ لَا آفَةَ بِبَصَرِهِ، وَلَا عِلَّةَ بِعَيْنِهِ، وَلَا نَقْصَ، بَلْ هُوَ أَعْيَنُ، أَكْحَلُ، أَسْوَدُ الْحَدَقِ، شَدِيدُ بَيَاضِ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ: عَيْنُكَ كَعَيْنِ فُلَانٍ الَّذِي هُوَ صَغِيرُ الْعَيْنِ، أَزْرَقُ، أَحْمَرُ بَيَاضِ الْعَيْنَيْنِ، قَدْ تَنَاثَرَتْ أَشْفَارُهُ، وَسَقَطَتْ، أَوْ كَانَ أَخْفَشَ الْعَيْنِ، أَزْرَقَ، أَحْمَرَ بَيَاضَ شَحْمِهَا، يَرَى الْمَوْصُوف الْأَوَّل الشَّخْصَ مِنْ بَعِيدٍ، وَلَا يَرَى الثَّانِي مِثْلَ ذَلِكَ الشَّخْصِ مِنْ قَدْرِ عُشْرِ مَا يَرَى الْأَوَّلُ؛ لِعِلَّةٍ فِي بَصَرِهِ، أَوْ نَقْصٍ فِي عَيْنِهِ، إِلَّا غَضِبَ مِنْ هَذَا وَأَنِفَ مِنْهُ، فَلَعَلَّهُ يخرجُ إِلَى الْقَائِلِ لَهُ ذَلِكَ إِلَى الْمَكْرُوهِ مِنَ الشَّتْمِ وَالْأَذَى.

وَلَسْتُ أَحْسَبُ عَاقِلًا يَسْمَعُ هَذَا الْمُشَبِّهَ عَيْنَيْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنَيِ الْآخَرِ إِلَّا وَهُوَ يُكَذِّبُ هَذَا الْمُشَبِّهَ عَيْنَ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِ الْآخَرِ، وَيَرْمِيهِ بِالْعَتَهِ وَالْخَبَلِ وَالْجُنُونِ، وَيَقُولُ لَهُ: لَوْ كُنْتَ عَاقِلًا يَجْرِي عَلَيْكَ الْقَلَمُ لَمْ تُشَبِّهْ عَيْنَيْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنَيِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا يُسَمَّيَانِ: بَصِيرَيْنِ، إِذْ لَيْسَا بِأَعْمَيَيْنِ، وَيُقَالُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، فَكَيْفَ لَوْ قِيلَ لَهُ: عَيْنُكَ كَعَيْنِ الْخِنْزِيرِ وَالْقِرْدِ وَالدُّبِّ وَالْكَلْبِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ السِّبَاعِ، أَوْ هَوَامِّ الْأَرْضِ وَالْبَهَائِمِ؟!

فَتَدَبَّرُوا يَا ذَوِي الْأَلْبَابِ أَبَيْنَ عَيْنَيْ خَالِقِنَا الْأَزَلِيِّ الدَّائِمِ الْبَاقِي الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَبَيْنَ عَيْنَيِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْفُرْقَانِ أَكْثَرُ، أَوْ مِمَّا بَيْنَ أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ وَبَيْنَ عُيُونِ مَا ذَكَرْنَا؟ تَعْلَمُوا وَتَسْتَيْقِنُوا أَنَّ مَنْ سَمَّى عُلَمَاءَنَا: مُشَبِّهَةً غَيْرُ عَالِمٍ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَلَا يَفْهَمُ الْعِلْمَ، إِذْ لَمْ يَجُزْ تَشْبِيهُ أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ بِعُيُونِ الْمَخْلُوقِينَ مِنَ السِّبَاعِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ.

الشيخ: مع أنهم مخلوقون جميعًا.

وَكُلُّهَا لَهَا عُيُونٌ يُبْصِرُونَ بِهَا، وَعُيُونُ جَمِيعِهِمْ مُحْدَثَةٌ مَخْلُوقَةٌ، خَلَقَهَا اللَّهُ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ عَدَمًا، وَكُلُّهَا تَصِيرُ إِلَى فَنَاءٍ وَبِلَى، وَغَيْرُ جَائِزٍ إِسْقَاط اسْمِ الْعُيُونِ وَالْأَبْصَارِ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا، فَكَيْفَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ -لَوْ كَانَتِ الْجَهْمِيَّةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ- أَنْ يَرْمُوا مَنْ يُثْبِتُ لِلَّهِ عَيْنًا بِالتَّشْبِيهِ؟! فَلَوْ كَانَ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَانَ مُشْبِهًا لِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ؛ لَمْ يَجُزْ قِرَاءَة كِتَابِ اللَّهِ، وَوَجَبَ مَحْوُ كُلِّ آيَةٍ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ فِيهَا ذِكْرُ نَفْسِ اللَّهِ، أَوْ عَيْنِهِ، أَوْ يَدِهِ، وَلَوَجَبَ الْكُفْرُ بِكُلِّ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ صِفَاتِ الرَّبِّ، كَمَا يَجِبُ الْكُفْرُ بِتَشْبِيهِ الْخَالِقِ بِالْمَخْلُوقِ، إِلَّا أَنَّ الْقَوْمَ جَهَلَةٌ، لَا يَفْهَمُونَ الْعِلْمَ، وَلَا يُحْسِنُونَ لُغَةَ الْعَرَبِ، فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ، وَاللَّهَ نَسْأَلُ الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ وَالرَّشَادَ فِي كُلِّ مَا نَقُولُ وَنَدْعُو إِلَيْهِ.

الشيخ: رحمه الله، رحمه الله، أجاد وأفاد رحمه الله، كلمات واضحة، وردّ واضح رحمه الله وأكرم مثواه.

س: امرأة حامل بتوأمين: أحدهما تُوفي وعمره في بطن أمه ثلاثة أشهر، ولكنه سقط من بطن أمه بعد الشهر الرابع، ولم يتبين فيه خلق الإنسان، وبقي الآخر في بطن أمه، فهل الدم النازل مع هذه المرأة دم نفاسٍ أم دم فسادٍ؟

ج: إذا كان قد تخلَّق فهو دم نفاسٍ، إذا كان قد بانت فيه يد أو رجل أو شيء فهو دم نفاسٍ، أما إذا كان مجرد دم ..... ثلاثة أشهر، ولكن ما بان شيء: لا يد، ولا رجل، ولا رأس، فهذا يُعتبر دم فسادٍ؛ تُصلي وتصوم وتتوضأ لكل صلاةٍ كالمستحاضة.

س: الضَّابط في هذا التَّخلق؟

ج: وجود ما يدل على أنه جنين حتى يصير نفاسًا: من رأسٍ أو يدٍ أو رجلٍ أو نحو ذلك.

س: إذا مات الطفلُ قبل يوم السابع هل يُسمَّى ويعقّ عنه؟

ج: إذا مات بالخامسة وما بعدها بعد نفخ الروح فيه يُسمَّى ويعقّ عنه.