03 من حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان)

بَابُ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ

942 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ، فَيَقُولُ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

943 - وَعَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إنَّ اللَّهَ فَرَضَ صِيَامَ رَمَضَانَ، وَسَنَنْت قِيَامَهُ، فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

944 - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يُصَلِّ بِنَا حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنْ الشَّهْرِ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا فِي السادسةِ، وَقَامَ بِنَا فِي الْخَامِسَةِ، حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ؟ فَقَالَ: إنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا حَتَّى بَقِيَ ثَلَاثٌ مِنْ الشَّهْرِ، فَصَلَّى بِنَا فِي الثَّالِثَةِ وَدَعَا أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى تَخَوَّفْنَا الْفَلَاحَ، قُلْت لَهُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السَّحُورُ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

945 - وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى الثَّانِيَةَ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعنِي مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَان. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَتْ: «كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ بِاللَّيْلِ أَوْزَاعًا، يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ الشَّيْءُ مِنْ الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ مَعَهُ النَّفَر الْخَمْسَةُ أَوْ السَّبْعَةُ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، قَالَتْ: فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ أَنْصِبَ لَهُ حَصِيرًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَفَعَلْتُ، فَخَرَجَ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى عِشَاءَ الْآخِرَةَ، فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِهِمْ، وَذُكِرَتْ الْقِصَّةُ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا: أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ.

946 - وَعَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ عبدالْقَارِي قَالَ: خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ليلة فِي رَمَضَانَ إلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْت مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ، يَعْنِي آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ يَقُومُونَ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بقيام رمضان، وقد دلت هذه الأحاديث وغيرها على أنه ﷺ رغب في قيام رمضان ولم يأمر فيه بعزيمة، يعني لم يوجبه، ولكن رغب الناس فيه وفعله في بعض الليالي فدل على أنه سنة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه متفق على صحته، وقال في حديث أبي ذر: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلته، وهذا يدل على شرعية الجماعة في التراويح وقال: إن الله فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه، فمن صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه هذا يدل على فضل صيام رمضان وقيامه عن إيمان واحتساب ورغبة فيما عند الله، لا رياء ولا سمعة بل عن إيمان واحتساب، وثبت أنه قام بهم عدة ليالي من حديث أبي ذر ومن حديث عائشة ثم ترك وقال: خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل، والمحفوظ أنه صلى بهم ثلاث ليال ثم ترك وقال: إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل فدل ذلك على أنها نافلة وأنها سنة، وأن قيامها في ليالي رمضان مشروع لأن الوحي قد انقطع وقد أمن الناس الفرضية، الفرضية تكون في حياته ﷺ أما بعد وفاته فقد انقطع الوحي واستقرت الشريعة ولم يخف بعد هذا أن يفرض قيام رمضان، ولهذا أقامها الصحابة وأقامها عمر في زمانه وجمعهم على قارئ واحد يصلي بهم وهو أبي بن كعب، ولما خرج ذات ليلة قال: نعمت البدعة! يعني جمعهم على إمام وكونهم يستمرون في ليالي رمضان يصلون، بدعة من حيث اللغة لأن البدعة ما كان على غير مثال سابق وليس مراده البدعة المنكرة في الشرع لأنه فعله النبي ﷺ ودعا إليه ليس ببدعة بل سنة وقربة، لكن مراده رحمه الله بأنها ليست على الطريقة السابقة كل يصلي لنفسه، هذا يصلي مع أربع، وهذا يصلي مع خمس، وهذا يصلي مع عشرة، أوزاع في المسجد فجمعهم على إمام واحد، وكان يصلي بهم ثلاث وعشرين في بعض الليالي، يصلي بهم إحدى عشرة وكل سنة، والنبي ﷺ كان في الغالب يوتر بإحدى عشرة وربما صلى ثلاث عشرة، فإذا صلى الناس التراويح في رمضان ثلاث عشرة أو إحدى عشرة فهذا هو الأفضل وهذا هو الذي فعله الرسول ﷺ، وإن صلوا أكثر كما فعل الصحابة في عهد عمر صلوا ثلاثًا وعشرين أو صلوا أكثر من ذلك فلا حرج لأنه ﷺ لم يوقت ركعات معينة، بل قال ﷺ: صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فصل واحدة فدل على أنه لو صلى عشرين أو ثلاثين أو أربعين لا بأس لكن يصلي مثنى مثنى صلاة الليل مثنى مثنى سئل عن ذلك قال: معناه ثنتين ثنتين، وفي اللفظ الآخر: فليصل مثنى مثنى، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان يصلي من الليل إحدى عشرة - يعني النبي ﷺ - يسلم من كل ثنتين» هذا هو الأفضل، وإن أوتر بخمس يسردها ولم يجلس إلا في الخامسة، أو بثلاث يسردها ولم يجلس إلا في الثالثة، أو بسبع يسردها ولم يجلس إلا في السابعة فلا حرج فعله النبي ﷺ، لكن الأفضل أن يسلم من كل ثنتين ثم يختم بواحدة، هذا هو الغالب من فعله ﷺ وهو الأفضل والأكمل.

والأفضل أن يقوم مع الإمام حتى ينصرف، لو أوتر الإمام بثلاث وعشرين يوتر معه بثلاث وعشرين، أوتر بإحدى عشرة أو بثلاث عشرة كذلك إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كان هذا أفضل له ويكتب له بهذا قيام الليلة، وإن لم يصل إلا بعضها فلا بأس لأنها كلها نافلة إن صلى بعضها أو صلى في بيته لا حرج لكن الأفضل أن يصلي مع الإمام وأن يبقى معه حتى ينصرف إقامة لهذا الشعار العظيم الذي فعله النبي ﷺ عدة ليالي، وفعله الصحابة في حياته ﷺ ثم جمعهم عمر على ذلك جماعة في مسجده عليه الصلاة والسلام. وفق الله الجميع.

س: أعظم الله لكم المثوبة والأجر يقول: ما صحة الحديث: ملعون من سأل بالله، وملعون من لم يجب؟

الشيخ: في سنده نظر.

بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ

947 - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17] قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْن الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَكَذَلِكَ: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16]. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

948 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «صَلَيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ خَرَجَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

بَابُ مَا جَاءَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ

949 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، قَالَ: فَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ؟ قَالَ: شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْهُ فَضْلُ الصَّوْمِ فَقَطْ.

950 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

951 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُد، وَأَحَبَّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُد، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، فَإِنَّهُ إنَّمَا رَوَى منه فَضْلَ الصَّوْمِ فَقَطْ.

952 - وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهَا سُئِلَتْ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ ﷺ بِاللَّيْلِ فَقَالَتْ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا أَسَرَّ، وَرُبَّمَا جَهَرَ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

953 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

954 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

وعمومه حجة في ترك نقض الوتر.

الشيخ: هذه الأحاديث المتعددة كلها تتعلق بصلاة الليل، وصلاة الليل قربة وسنة عظيمة من صفات الصالحين والأخيار ومن صفات عباد الرحمن، قال الله - جل وعلا - في صفات المتقين كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۝ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] قال بعض السلف: معناها مدوا الصلاة، تهجدوا بالليل إلى السحر ثم اشتغلوا بالاستغفار، وقال في عباد الرحمن وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64] هذه من أوصاف عباد الرحمن فالتهجد بالليل من أفضل القربات، وقال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ۝ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ۝ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ۝ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ۝ [المزمل:1-4] فالأدلة في فضل قيام الليل كثيرة من الآيات والأحاديث، ومنها قوله ﷺ: أفضل الصلاة بعد الفريضة الصلاة في جوف الليل جوف الليل: السدس الرابع والسدس السادس الذي كان يقوم فيه داود، كان داود ينام نصف الليل ويقوم ثلثه يعني: السدس الرابع والخامس، وينام سدسه - السدس الأخير -، فأفضل الصلاة وأفضل الدعاء في جوف الليل الآخر في السدس الرابع والسدس الخامس، يعني أول الثلث الأخير، والثلث الأخير كله فيه فضل عظيم والتنزل الإلهي، ولكن السدسان الرابع والخامس أفضل ذلك، وأفضل الصيام بعد الفريضة شهر الله المحرم عاشوراء، وفي الحديث حديث حذيفة أنه ﷺ كان في بعض الليالي صلى ما بين العشائين كما قال أنس في قوله - جل وعلا -: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17] أن ذلك تعبدهم بين المغرب والعشاء، والآية تعم ذلك، تعم ما بين المغرب والعشاء وتعم ما بعد العشاء، والنبي ﷺ في الغالب كان إذا صلى المغرب خرج وصلى ركعتين في بيته سنة المغرب، لكن هذا الذي قاله حذيفة لعله وقع له بعض الأحيان، وقع له بعض الأحيان أنه صلى بين المغرب والعشاء في المسجد حتى صلى العشاء، والغالب عليه ﷺ أنه كان إذا صلى المغرب خرج وصلى في بيته سنة المغرب.

وفي الأحاديث الأخيرة شرعية افتتاح الصلاة بركعتين، وأن السنة لمن يتهجد بالليل إذا قام من النوم أن يفتح صلاته بركعتين خفيفتين، وفيه الدلالة على أن الوتر لا ينقض، وأن من أوتر من أول الليل لا ينقض الوتر بل يصلي ما يسر الله له ويكفي، وما يروى عن بعض السلف من نقض الوتر وأنه يصلي ركعة مستقلة تضاف إلى الركعة السابقة هذا قول ضعيف مرجوح، والصواب أنه متى أوتر في أول الليل كفاه ويصلي ما يتيسر له في آخر الليل شفعًا ثنتين ثنتين ويكفيه الوتر الأول لقوله ﷺ: لا وتران في ليلة وفق الله الجميع.

بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى

955 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي ﷺ بِثَلَاثٍ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ: «وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى كُلَّ يَوْمٍ».

956 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِي مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ ومُسْلِمُ وَأَبُو دَاوُد.

957 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: فِي الْإِنْسَانِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْهَا صَدَقَةً، قَالُوا: فَمَنْ الَّذِي يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: النُّخَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ يَدْفِنُهَا، أَوْ الشَّيْءُ يُنَحِّيهِ عَنْ الطَّرِيقِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَرَكْعَتَا الضُّحَى تُجْزِي عَنْكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

958 - وَعَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: قَالَ رَبُّكُمْ : يَا ابْنَ آدَمَ صَلِّ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَهُوَ لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ.

959 - وَعَنْ عَائِشَةً قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ.

960 - وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ «أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى غُسْلِهِ فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ، ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَبِي دَاوُد عَنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ».

961 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى أَهْلِ قُبَاءَ وَهُمْ يُصَلُّونَ الضُّحَى، فَقَالَ: صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ إذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ مِنْ الضُّحَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

962 - وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ: «سَأَلْنَا عَلِيًّا عَنْ تَطَوُّعِ النَّبِيِّ ﷺ بِالنَّهَارِ فَقَالَ: كَانَ إذَا صَلَّى الْفَجْرَ أَمْهَلَ حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا، يَعْنِي مِنْ الْمَشْرِقِ، مِقْدَارُهَا مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ هَاهُنَا قِبَلَ الْمَغْرِبِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُمْهِلُ حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا، يَعْنِي مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، مِقْدَارُهَا مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ هَاهُنَا، يَعْنِي مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ، قَامَ فَصَلَّى أَرْبَعًا، وَأَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَأَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ، يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ وَمَنْ يَتْبَعُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث تتعلق بصلاة الضحى، وصلاة الضحى سنة وقربة عظيمة أوصى بها النبي ﷺ جماعة، وفعلها النبي ﷺ وذكر فضلها العظيم، فهي قربة وسنة أقلها ركعتان ولا حد لأكثرها، صلى يوم الفتح ثمان ركعات عليه الصلاة والسلام، ولو صلى الإنسان عشر ركعات عشرين ركعة أكثر أقل ما في حد، كل الضحى صلاة من حين ارتفاع الشمس إلى أن تقف الشمس كما قال النبي ﷺ لعمرو بن عبسة قال: إذا طلعت الشمس فأمسك حتى ترتفع قيد رمح، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تقف الشمس حتى قبيل الزوال دل على أن الضحى كله محل صلاة، محل قربة، تصلي أربع، تصلي ثمان، تصلي عشر، تصلي أكثر، ولكن الأفضل يسلم من كل ثنتين هذه السنة صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، وفي حديث في صلاة يوم الفتح أنه سلم من كل ثنتين عليه الصلاة والسلام، هذا السنة أن يصلي ما يسر الله له ويسلم من كل ثنتين. وقد أوصى أبا هريرة بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، والوتر قبل النوم، وهكذا أوصى أبا الدرداء بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وسنة الضحى والوتر قبل النوم، وقال: صلاة الأوابين حين ترمض الفصال والأوابون هم أهل الطاعة والخير الرجاعون إلى الله المجتهدون في الطاعة، صلاتهم حين ترمض الفصال يعني حين يشتد الضحى، تشتد الرمضاء يعني حين يرتفع الضحى يقال رمضت الأرض، رمض الفصال إذا اشتد حر الأرض، والفصال أولاد الإبل إذا اشتد عليها الرمضاء، قالت عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ: إن الله خلق ابن آدم على ثلاثمائة وستين مفصل، كل مفصل يطلب له صدقة، فلما قالت: أينا يستطيع ذلك؟ قال: إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وإزالة الأذى عن الطريق صدقة، حجر عن الطريق صدقة، شوكة عن الطريق صدقة، ويجزي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى تقوم بهذه الصدقات الثلاثمائة وستين مفصل، من صلى ركعتين أدى هذه الصدقات عن ثلاثمائة وستين مفصل لأنه استعمل أعضاءه كلها في ركعتين ركعة الضحى، فهذا يدل على تأكد سنة الضحى، وأنه ينبغي للمؤمن أن يحرص عليها لما فيها من الخير العظيم عند غفلة الناس، الضحى في الغالب الناس في غفلة في التجارة والبيع والشراء وغير ذلك، فإذا لاحظ هذا الوقت وصلى ركعتين كان في ذلك خير عظيم، روت عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه السلام يصلي الضحى أربعًا، يعني في بعض الأحيان، وبعض الأحيان ما يصليها لئلا يشق على أمته، في بعض الأحيان لا يصليها ليعلم الناس أنها غير واجبة، أنها سنة، ولهذا قالت في بعض الروايات: «ما كان يصليها إلا إذا جاء من مغيبه» ولكن ثبت عنه أنه صلاها مرات كثيرة عليه الصلاة والسلام، ممن رواها عائشة نفسها رضي الله عنها، فعلم بهذه الأحاديث شرعية صلاة الضحى، وأنها سنة مؤكدة بعد ارتفاع الشمس إلى أن تقف الشمس، وفق الله الجميع.

بَابُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ

963 - عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَالْأَثْرَمُ فِي سُنَنِهِ، وَلَفْظُهُ: أَعْطُوا الْمَسَاجِدَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: أَنْ تُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسُوا.

بَابُ الصَّلَاةِ عَقِيبَ الطَّهُورِ

964 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ: يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْته فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: مَا عَمِلْت عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ

965 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عبداللَّهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقْدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ، قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا.

الشيخ: هذه الأحاديث فيها بيان شرعية سنة تحية المسجد، وشرعية سنة الوضوء، وشرعية صلاة الاستخارة، كل هذه سنن مشروعة للمسلم عند وجود أسبابها، دخول المسجد يتأكد على من دخله أن يصلي ركعتين في أي وقت لقوله ﷺ: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين وهذا يعم أوقات النهي وغيرها، ولقوله ﷺ في حديث سليك الغطفاني لما دخل والإمام يخطب يوم الجمعة قال: صليت قبل أن تجلس؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين، وهكذا قال لجابر لما جاء جابر يطلب ثمن البعير ودخل على النبي ﷺ في المسجد قال: صل ركعتين، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، هذا يدل على شرعية صلاة ركعتين داخل المسجد إذا دخل المسجد في ليل أو نهار، وهو على طهارة يصلي ركعتين قبل أن يجلس، هذا السنة، وهكذا إذا توضأ يستحب له أن يصلي ركعتين بعد الوضوء في أي وقت كما في حديث بلال لما سأله النبي عن أرجى عمل فعله؟ قال: إني سمعت دف نعليك أمامي في الجنة - لما دخل الجنة عليه الصلاة والسلام -، قال: «ما تطهرت في أي وقت إلا صليت ما كتب الله لي» فالسنة لمن توضأ أن يصلي ركعتين، وفي حديث عثمان يقول النبي ﷺ: من توضأ فأحسن الطهور ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه فيستحب لمن توضأ أن يصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ويخشع فيهما من أسباب المغفرة.

والحديث الثالث: حديث الاستخارة، الإنسان إذا هم بأمر عنده فيه شك ما يدري إيش الأمر، إما شك من جهة كونه صالح أو ما هو بصالح، أو من جهة خطر الطريق أو من جهة أخرى، فيستخير في السفر هل السفر مناسب أم لا؟ الزواج من فلانة هل هو في صالحه أم لا؟ التجارة في شيء معين يشك فيه إلى غير هذا من الأشياء التي يكون فيها عنده تردد فيستخير، أما شيء ما فيه تردد ما فيه استخارة، كونه يصلي، كونه يطوف، كونه يحج، هذا ما فيه استخارة، لكن قد تعرض الاستخارة من جهة الطريق أو الوقت هل هو مناسب الوقت المعين؟ أو الطريق المعين؟ أو في خطر؟ يستخير، وهكذا صوم رمضان ما في استخارة، الشيء الواضح ما فيه استخارة يلزمه فعله. فإذا كان عنده شك في أمر زواج أو سفر أو نحو ذلك يستخير فيصلي ركعتين في غير وقت النهي، يصلي ركعتين ثم يقول بعد الصلاة والأفضل يرفع يديه بعد الصلاة ويدعو: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسميه هذا الأمر زواجي بفلانة، سفري إلى البلاد الفلانية، شرائي للبيت الفلاني أو النخل الفلاني، أو ما أشبهه - أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال في عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، وقدّر لي الخير حيث كان ثم أرضني به، هذا دعاء عظيم ثابت عن رسول الله ﷺ يستحب للمؤمن أن يقوله في الاستخارة، إذا هم بأمر يشتبه عليه من جهة ذاته أو من جهة الطريق إليه فيصلي ركعتين ويرفع يديه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر – ويسميه - زواجي بفلانة، سفري إلى كذا، شرائي البيت الفلاني أو النخل الفلاني، أو ما أشبه ذلك من الأمور التي عنده فيها شيء من التردد خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: في عاجل أمري وآجله - المعنى واحد-  فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه وقدّر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، فإذا انشرح صدره بعد ذلك مشى بالذي ينشرح صدره، انشرح صدره يتزوج يتزوج، انشرح صدره يشتري هذا البيت يشتريه، انشرح صدره يسافر يسافر، حسب ما انشرح صدره له، ويستحب أن يستشير أيضًا، بعد الاستخارة يستشير الناس الطيبين يستشيرهم فإذا انشرح صدره فلا بأس، وفق الله الجميع.

س: من دخل المسجد وصلى الوتر ركعة تغني عن تحية المسجد؟

الشيخ: لا ما تغني، تحية المسجد ركعتين والوتر ركعة ما يكفي، يصلي تحية المسجد ثم يصلي الوتر إن كان عليه وتر.

بَاب مَا جَاءَ فِي طُول الْقِيَامِ وَكَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

966 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

967 - وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ فَإِنَّك لَنْ تَسْجُدَ لِلَّهِ سَجْدَةً إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ بِهَا عَنْكَ خَطِيئَةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

968 - وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ آتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ: سَلْنِي، فَقُلْت: أَسْأَلُك مُرَافَقَتَك فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَقُلْت: هُوَ ذَاكَ، فَقَالَ: أَعِنِّي عَلَى نَفْسِك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

969 - وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

970 - وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيَقُومُ وَيُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث فيها الحث على الإكثار من الصلاة والطمأنينة فيها والخشوع وكثرة الدعاء والصلاة مثل ما جاء في الحديث خير موضوع فينبغي للمؤمن أن يكثر منها ولاسيما طول القيام عند القراءة وطول السجود للدعاء، فالمؤمن يخشع فيها ويطمئن ويطيل السجود ويطيل القراءة، والقراءة يحصل بها التدبر والتعقل لمراد الله، والسجود يحصل به الخضوع والانكسار بين يدي الله والذي فيكون أقرب ما يكون من ربه حال سجوده وفي هذا يقول ﷺ: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء هذا يدل على أن أقرب حالة يكون فيها العبد إلى ربه هي الحالة التي فيها الذل والانكسار، حالة السجود أقرب حالة حينئذ هي حالة السجود لأنها فيها الذل الكامل والانكسار الكامل بين يدي الله، وفي حديث علي يقول ﷺ: أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم فيستحب للمؤمن أن يطيل في ركوعه وسجوده خاشعًا لله مطمئنًا، وكانت صلاة النبي ﷺ معتدلة، إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود، وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود، قال البراء بن عازب : «رمقت الصلاة مع النبي ﷺ فوجدت قيامه فركوعه فسجوده واعتداله بعد الركوع وجلسته بين السجدتين قريبًا من السواء» فصلاته ﷺ معتدلة متقاربة، فينبغي للمؤمن أن يتأسى به ﷺ في ذلك، وسأله ثوبان عن أحب الأعمال إلى الله، أو قال: أخبرني بعمل يدخلني الجنة؟ فقال له: عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة، وسأله أيضًا ربيعة بن كعب الأسلمي قال يا رسول الله لما قال: سل، قال: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أعني على نفسك بكثرة السجود، وفي اللفظ الآخر: أسألك أن تشفع لي، قال: أعني على نفسك بكثرة السجود فدل على أن كثرة الصلاة من أسباب شفاعته ﷺ، ومن أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، وأن الله يرفعه بالسجدات درجات ويحط عنه بها خطيئات، والمؤمن في أشد الضرورة إلى رحمة ربه وإحسانه وفضله وجوده وكرمه، فينبغي له أن يأخذ بالأسباب، ويجتهد بالأسباب النافعة التي بها سعادته وبها نجاته، ومن ذلك كثرة الدعاء في حال السجود، يجتهد في الدعاء يسأل ربه الجنة ويتعوذ به من النار، يسأل ربه الثبات على الحق، يسأل ربه العلم النافع، يسأل ربه حسن الخاتمة، يسأل ربه أن يفقهه في الدين، في حال السجود يجتهد في الدعاء أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء.

والحديث الرابع كذلك حديث جابر: أفضل الصلاة طول القنوت يعني طول القيام، فينبغي للمؤمن أن يطيل في قراءة القرآن، ولهذا في حديث المغيرة وعائشة «كان يصلي حتى ترم قدماه» يطول في قراءته، وفي حديث حذيفة «أنه قرأ في بعض الليالي بالبقرة والنساء وآل عمران في ركعة واحدة، يقف عند كل آية يسأل الرحمة عند آية الرحمة، ويتعوذ عند آية الوعيد، ويسبح عند آية التسبيح» لكن مثل ما قال الله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] الإنسان يصلي ما استطاع، ولما رأى حبلًا معلقًا في المسجد، كانت بعض النساء تعلق به في التهجد قال: اقطعوه، ليصلِّ أحدكم طاقته فالإنسان يجتهد في الخشوع والقراءة لكن بطاقته، لا يكلف نفسه ما لا يطيق لأنه إذا تكلف مل وترك العمل، قال الرسول ﷺ: اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا وهذا الملل المنسوب إلى الله ملل يليق بالله لا يشابه ملل المخلوقين، فالمؤمن يتحرى العبادة، يتحرى الخير ويجتهد لكن حسب طاقته، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] فيجتهد في سجوده، ويجتهد في قيامه، ويجتهد في قراءة القرآن والتدبر والتعقل لما يقرأ، وفق الله الجميع.

س: أثابكم الله يقول: ما ورد في صلاة النبي ﷺ أربعًا قبل الظهر بغير سلام، هل هو صحيح؟ وهل صح حديث صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وكيف يجمع بينها؟

الشيخ: هذه الصلاة بعد الزوال أربعًا بلا سلام فيه ضعف، ليس فيما أعلم ثابتًا وإنما السنة أن يسلم من كل ثنتين صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وهو حديث صحيح: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى. وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر: صلاة الليل مثنى مثنى، وكان ﷺ يسلم في تطوعاته من كل ثنتين، يسلم من كل ثنتين، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان يصلي من الليل عشرًا يسلم من كل ثنتين ثم يوتر بواحدة» لكن يجوز أن يوتر بخمس جميعًا، أو بثلاث جميعًا، أو بسبع جميعًا، ورد هذا عنه عليه الصلاة والسلام، لكن لا يتطوع بأربع في سلام واحد، أو بست شفع أو بثمان لا يسلم من كل ثنتين، أما إذا سرد وترًا ثلاثًا سبعًا خمسًا وترًا لا بأس، أما التطوع بأن يصلي أربع جميع بسلام واحد، أو ست جميع بسلام واحد فهذا خلاف السنة، السنة أن يسلم من كل ثنتين.

س: .....؟

الشيخ: التشهد الأول يكنى عنه؛ لأن السلام على عباد الله الصالحين سلام على الأنبياء والصالحين جميعًا والملائكة.

س: .....؟

الشيخ: سنة العصر أربع تسليمتين، لكن هذا في التشهد الأول يجلس في الثامنة ويتشهد التشهد الأول، وكذلك في السادسة إذا أوتر بسبع جاء عنه أنه جلس في السادسة وتشهد، وجاء أنه سرد السبع، جميعا جاء هذا وهذا، أما في التاسعة إذا أوتر بالتسع يجلس بالثامنة يتشهد ويسلم ....

بَابُ إخْفَاءِ التَّطَوُّعِ وَجَوَازُهُ جَمَاعَةً

971 - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ لَكِنَّ لَهُ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عبداللَّهِ بْنِ سَعْدٍ.

972 - وَعَنْ عِتْبَانُ بْن مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ السُّيُولَ لَتَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فَأُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلِّيَ فِي مَكَان مِنْ بَيْتِي أَتَّخِذُهُ مَسْجِدًا، فَقَالَ: سَنَفْعَلُ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَأَشَرْت لَهُ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصُفِفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ»: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَحَّ التَّنَفُّلُ جَمَاعَةً مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

بَاب أَنَّ أَفْضَلَ التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى

فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ هَانِئٍ وَقَدْ سَبَقَ.

973 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُنَاقِضٍ لِحَدِيثِهِ الَّذِي خَصَّ فِيهِ اللَّيْلَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وَقَعَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ سَائِلٍ عَيَّنَهُ فِي سُؤَالِهِ.

974- وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إذَا قَامَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَأْمُرُ بِشَيْءٍ، وَيُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ».

975 - وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَرْقُدُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ تَسَوَّكَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يَجْلِسُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يُوتِرُ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ وَلَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي الْخَامِسَةِ».

976 - وَعَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى وَتَشَهَّدُ وَتُسَلِّمُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.

الشيخ: هذه الأحاديث في فضل صلاة النافلة في البيت وإخفائها والتطوع مثنى مثنى، كل هذا جاءت به الأحاديث، يقول النبي ﷺ: أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة فدل ذلك على أن الأفضل التطوع في البيت، صلاة الليل وصلاة الضحى الأفضل في البيت إلا المكتوبة، ويحلق بالمكتوبة ما شرع له الجماعة من التراويح وصلاة الكسوف والاستسقاء، كل هذه تصلى في المساجد لأنها ملحقات بالفرائض في شرع الجماعة، وما سواها من النوافل يكون في البيت أفضل.

وقد فعلها ﷺ جماعة في البيت، فإنه زار أم أنس جدة أنس وصلى بهم ركعتين في البيت، وزار عتبان وصلى به ركعتين في البيت كما طلبه عتبان جماعة، وصلى معه ابن عباس في بعض الليالي فقام عن يساره فجعله عن يمينه وصلى به جماعة، فدل ذلك على أنه لا بأس أن تصلى النافلة جماعة بعض الأحيان لحديث أنس وحديث ابن عباس وحديث عتبان، والأحاديث الأخرى كلها تدل على أن السنة مثنى مثنى، صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، حديث أبي أيوب وكل ما جاء في معناها كلها تدل على أن السنة مثنى مثنى، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان يصلي من الليل - يعني الرسول ﷺ - عشر ركعات يسلم من كل ثنتين، ثم يوتر بواحدة» وربما صلى ثنتين ثنتين ثم أوتر بخمس أو بثلاث لا بأس بذلك، إذا سرد خمسًا جميعًا أو ثلاثًا جميعًا وترًا فلا بأس بذلك، لكن الأفضل مثنى مثنى لفعله ﷺ وقوله: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، وقوله في حديث ابن عمر: صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى فهذا هو المشروع أن يصلي مثنى مثنى ويوتر بواحدة، وهكذا تطوع النهار يصلي مثنى مثنى، لكن لو سرد ثلاثًا وأوتر بثلاث جميع بتشهد واحد أو بخمس جميعًا سردها وتشهد في آخرها لا حرج، لكن كونه يصليها مثنى مثنى ويوتر بواحدة هذا هو الأكمل والأفضل.

س: الباب فيه بقية الأحاديث؟

الشيخ: حديث التشهد ومثنى مثنى وتقنع يديك هذا حديث ضعيف، لكن رفع اليدين ورد فيه أدلة أخرى في الدعاء، من أسباب الإجابة حديث المطلب بن ربيعة فيه ضعف، ولكن تؤخذ السنية من أحاديث أخرى السنة رفع اليدين في الدعاء إلا في المواضع التي ما رفع فيها ﷺ كصلاة الفريضة؛ فإنه ما كان يرفع يديه إذا سلم منها، وما كان يرفع في خطبة الجمعة، وما كان يرفع في صلاة الكسوف، إنما يرفع في خطبة الاستسقاء، وهكذا بين السجدتين كان يدعو، وفي آخر الصلاة يدعو ولم يرفع يديه، فالذي ما رفع فيها يديه لا يرفع فيها لأن فعله سنة وتركه سنة عليه الصلاة والسلام.

الشيخ: حديث التشهد الضعيف

الطالب: في الباب باقي حديثين.

الشيخ: ما هما؟

الطالب: تكملة هذا الحديث: وتشهد، وتسلم في كل ركعتين، وتبلس وتمسكن وتقنع يديك.

الشيخ: هذا ضعيف كما تقدم، لكن رفع اليدين معروف من أدلة أخرى.

الطالب: يقول: وتقنع يديك وتقول اللهم، فمن لم يفعل ذلك فهي خداج رواهن.

الشيخ: حديث ضعيف لأنه من رواية ابن أبي العمياء وهو ضعيف.

977 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ تَسْلِيمَةٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

الشيخ: هذا يؤيد ما تقدم مثنى مثنى.

978 - وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي حِينَ تَزِيغُ الشَّمْسُ رَكْعَتَيْنِ وَقَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَجْعَلُ التَّسْلِيمَ فِي آخِرِهِ». رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

الشيخ: قف على هذا حتى يتأمل.

بَابُ جَوَازِ التَّنَفُّلِ جَالِسًا وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ

979 - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «لَمَّا بَدَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَثَقُلَ كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ جَالِسًا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

980 - وَعَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بعام، فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا، وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

981 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا قَالَ: إنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا.

982 - وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا، وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا، وَكَانَ إذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

983 - وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهَا لَمْ تَرَ النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ، وَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا، حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ رَكَعَ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَزَادُوا إلَّا ابْنَ مَاجَهْ: ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ.

984 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «رَأَيْت النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

الشيخ: هذه الأحاديث عن عائشة وحفصة وغيرهما، كلها تدل على بيان صفة صلاة النبي ﷺ بعدما كبر، بعدما بدن يعني ارتفع سنه كما في اللفظ الآخر «أسن» كان يصلي بعض الليل قاعدًا، وبعض الليل قائمًا، أما حديث علي فهو حديث ضعيف، والمحفوظ عن النبي ﷺ في الظهر أنه كان يصلي بعد الزوال أربع ركعات سنة الظهر تسليمتين، هذا المحفوظ عن النبي ﷺ من حديث عائشة وغيرها، وبعد الظهر ركعة الراتبة هذا المحفوظ عنه ﷺ، يصلي قبل الظهر أربعًا بتسليمتين وبعدها ركعتين، وقال ﷺ: من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله تعالى على النار فإذا صلى أربعًا بعدها وأربعًا قبلها صار أفضل، وأما في الليل فكان يتهجد طويلًا عليه الصلاة والسلام، ويطيل في القراءة ويرتل، كان يقرأ قراءة مرتلة يقف عند آية الرحمة يسأل، وعند آية الوعيد يتعوذ، وعند آية الرجاء يسأل، هذا هو السنة الترتيل والتأني في القراءة والتدبر والتعقل حتى يستفيد من قراءته، كما قال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، فلهذا كان ﷺ يقرأ حتى تكون السورة التي يقرأها بسبب الترتيل أطول من التي أطول منها، فالمقصود أنه كان ﷺ يرتل القراءة في تهجده ويتدبر ويتعقل، ويسأل الله عند آية الرحمة، ويتعوذ عند آية الوعيد، ويسبح الله ويعظمه عند آية التسبيح، فينبغي للمؤمن أن يتأسى به ﷺ في ذلك، وكان بعدما كبرت سنه يصلي قاعدًا ويطيل القراءة والركوع والسجود، وربما صلى قائمًا بعض الركعة وربما قرأ، فإذا وصل عند الركوع قام وركع، فله في صلاة الليل بعدما أسن ثلاث حالات: إحداها: أنه كان يقرأ قاعدًا ويركع ويسجد وهو قاعد هذه حالة، والحالة الثانية: أنه كان يقرأ بعض القراءة ثم يقف ويتمم القراءة وهو واقف ثم يركع، يعني بعض القراءة جالس وبعضها قائم، والحالة الثالثة: أنه كان يقرأ قاعدًا ثم يقوم فيركع، وكلها جائزة في التهجد في الليل، إن شاء صلى جالسًا وإن شاء صلى قائمًا، وإن شاء قرأ بعض القراءة وهو جالس ثم كملها وهو قائم، الأمر في هذا واسع في صلاة الليل، والسنة أن يسلم من كل ثنتين، صلاة الليل مثنى مثنى يسلم من كل ثنتين، وفي اللفظ الآخر: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى أما الإيتار فيكون بواحدة يختم بواحدة، يختم صلاته بواحدة، وإن أوتر بثلاث سردها جميعًا أو بخمس سردها جميعًا فلا بأس كما فعله النبي ﷺ في بعض الأحيان، وربما سرد سبعًا جميعًا، وربما جلس في السادسة وتشهد التشهد الأول ثم قام وأتى بالسابعة وترًا، ولكن الأفضل ثنتين ثنتين يسلم من كل ثنتين هذا السنة، وكان إذا جلس يجلس متربعًا هكذا، هذا التربع يبسط رجله اليمنى إلى جهة اليسرى ورجله اليسرى إلى جهة اليمنى ويتربع لأنه أريح له في حال القراءة، وإن جلس مستوفزا أو محتبيا أو متوركا أو مفترشا فلا حرج، أي قعدة قعدها فلا بأس لقوله ﷺ في حديث عمران: صل قاعدًا فلم يحدد القعود ..... مفترشا أو محتبيًا كله جائز، لكن الأفضل متربعًا هكذا في حال جلوسه في حال القيام، وإذا صلى قائمًا فهو أفضل، وإن صلى جالسًا وهو يستطيع فهو على النصف، إذا كان يستطيع وصلى قاعدًا يكون له النصف في الأجر - نصف أجر القائم - وإن شق عليه صلى على جنبه، ومن هذا قوله ﷺ لعمران: صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب، فإن لم تستطع فمستلقيًا المريض له أحوال أربع: إن استطاع القيام صلى قائمًا، وإن لم يستطع صلى قاعدًا، فإن عجز صلى على جنب، فإن لم يستطع صلى مستلقيًا ورجلاه إلى القبلة. فإن شق عليه ولكن يستطيع مع المشقة فيكون على النصف - على نصف الأجر- إذا صلى قاعدًا، لكن إذا كان يشق لا يستطيع يصلي قاعدًا، فإن عجز عن القعود صلى على جنبه وأجره كامل، فإن عجز صلى مستلقيًا، والله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] وفق الله الجميع.

بَابُ النَّهْي عَنْ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ

985 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: «إلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ».

986 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ مَالكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَاثَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: آلصُّبْحَ أَرْبَعًا، آلصُّبْحَ أَرْبَعًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

بَابُ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا

987 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظِ: لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاتَيْنِ، بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

988 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ». وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَة مِثْلُ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَفِي لَفْظِ عَنْ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَا فِيهِ: «بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ».

989 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلَاةِ، قَالَ: صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَلِأَبِي دَاوُد نَحْوُهُ، وَأَوَّلُهُ عِنْدَهُ، «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَصَلِّ مَا شِئْتَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ.

وهذه النصوص الصحيحة تدل على أن النهي في الفجر لا يتعلق بطلوعه بالفعل كالعصر.

990 - وَعَنْ يَسَارِ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «رَآنِي ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أُصَلِّي بَعْدَ مَا طَلَعَ الْفَجْرُ، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ، فَقَالَ: لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ أَنْ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

991 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَحِينَ تُضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

992 - وَعَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ وَيَنْهَى عَنْهَا، وَيُوَاصِلُ وَيَنْهَى عَنْ الْوِصَالِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: في الحديثين الأولين النهي عن الصلاة بعد الإقامة، وأن الواجب على المأموم إذا أقيمت الصلاة أن لا يشتغل بشيء، بل يقطع النافلة ويدخل في الفريضة ولا يشتغل بنافلة إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، فإذا كان قد دخل في نافلة تحية المسجد أو راتبة يقطعها، إلا إذا كان في آخرها قد انتهى قد ركع الركوع الثاني فيكملها ما بقي ركعة.

والأحاديث الأخيرة تدل على وجوب ترك الصلاة في أوقات النهي، وأن الواجب على المسلم أن يحذر الصلاة في أوقات النهي التي بينها الرسول ﷺ، وهي: بعد صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس، وعند وقوفها قبيل الزوال حتى تزول، وما عدا هذا كله وقت صلاة الليل، كله وقت صلاة، وما بين الظهر والعصر كله وقت صلاة، وما بين ارتفاع الشمس إلى وقوفها كل الضحى محل صلاة، ولهذا قال لعمر بن عبسة فإذا ارتفعت فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة إلا أن تقف الشمس فهذه الأوقات كلها يجب فيها ترك الصلاة بعد صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس، وعند وقوفها قبيل الظهر لا يصلي حتى تزول، إذا وقف يعني توسطت السماء قبل أن تميل إلى المغرب هذا وقت الوقوف.

واختلف العلماء هل يدخل وقت النهي من طلوع الفجر أو من فعل الصلاة؟

والصواب أنه من طلوع الفجر بعد الصلاة، ومن طلوع الفجر إلا الراتبة راتبة الفجر أو سنة التحية - تحية المسجد - ولهذا في كثير من النصوص: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر فإذا طلع الفجر لا يصلي إلا سنة الفجر، أو تحية المسجد إذا كان صلى الراتبة في بيته تحية المسجد لأنها من ذوات الأسباب، وهكذا إذا دخل المسجد بعد العصر أو بعد الصبح يصلي تحية المسجد لأنها من ذوات الأسباب فلا ينهى عنها، وهكذا سنة الوضوء لو توضأ بعد العصر وصلى ركعتين أو بعد الصبح وصلى ركعتين، وهكذا لو طاف في الكعبة لو طاف بعد العصر أو طاف بعد الفجر يصلي ركعتين لأنها من ذوات الأسباب، وهكذا لو كسفت الشمس كسفت بعد العصر صلى صلاة الكسوف لأنها من ذوات الأسباب، وفق الله الجميع.

بَاب الرُّخْصَةُ فِي إعَادَةِ الْجَمَاعَةِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِي كُلِّ وَقْتٍ

993 - عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ «شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ ﷺ حَجَّتَهُ، فَصَلَيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ انْحَرَفَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمَا فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: فَلَا تَفْعَلَا، إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ. وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّهَا مَعَهُ، فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ.

994 - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

995 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيّ ﷺ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَوْ يَا بَنِي عَبْدَ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيُصَلِّي، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إلَّا عِنْدَ هَذَا الْبَيْتِ يَطُوفُونَ وَيُصَلُّونَ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

الشيخ: هذه الأحاديث تدل على جواز صلاة النافلة وقت النهي إذا كانت بعد الطوف أو في إعادة الجماعة، فإنه ﷺ أمر من صلى ثم أدرك الجماعة أن يصلي معهم وتكون له نافلة، وهكذا جاء في حديث أبي ذر لما ذكر الأمراء ويؤخرون الصلاة عن وقتها قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أقيمت وأنت في المسجد فصل معهم، وفي اللفظ الآخر: فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة ولا تقل صليت فلا أصلي، وهكذا حديث لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار وهو يدل على أن ذوات الأسباب تصلى في وقت النهي لأنه متى طاف فقد أخذ بالسبب، فشرعت له الركعتان ولو كان بعد العصر أو بعد الفجر لقوله: «أية ساعة شاء» يعم العصر والصبح، وهكذا قوله ﷺ: من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك فلو نام ولم يستيقظ إلا عند طلوع الشمس صلى، ولو نام عن الظهر أو العصر فلم يستيقظ إلا بعد العصر صلى، لعموم الحديث: من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وتلا قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه: 14] فالفائتات ليس لها وقت نهي، الفائتات من الفريضة يصليها حتى يستيقظ حين يذكر.

وهكذا تحية المسجد إذا دخل المسجد بعد العصر ليجلس ينتظر المغرب أو للدرس أو بعد الفجر للدروس أو يجلس في المسجد حتى تطلع الشمس فإنه يصلي ركعتي التحية لقوله ﷺ: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، وفي اللفظ الآخر: إذا دخل المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس، وهكذا في وقت الخطبة لو جاء والإمام يخطب يوم الجمعة فإنه يصلي ركعتين وإن كان مأمورًا بالإنصات، لكن بعد أن يصلي لقوله ﷺ لما دخل سليك الغطفاني وهو يخطب قال: أصليت قبل أن تجلس؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين على العموم إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، هذا يعم وقت الخطبة وغيرها يصلي ركعتين ثم يجلس، وهكذا صلاة الكسوف إذا كسفت الشمس بعد العصر فإن الناس يصلون صلاة الكسوف، أو طلعت كاسفة فإنها يصلون لها لقوله ﷺ: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد من الناس ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة، وفي اللفظ الآخر: فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا فأمر بالصلاة عند وجود ذلك، وهذا يعم وقت النهي وغير وقت النهي، ولأن الشبهة منتفية ما هو متهم حينئذ أنه يصلي لها لأن المقصود الصلاة عند الكسوف، فلا تهمة بذلك في قصد الشرك لمن دخل المسجد أو لمن صلى الكسوف، إنما منعت الصلاة بدون سبب لأن هذا وسيلة إلى الشرك وهو أن يقوم يصلي بدون سبب عند طلوع الشمس وعند غروبها، فيه تشبه بالكفار، لكن إذا كان وجدت الأسباب انتفت المظنة وصارت العلة قائمة، وهي وجود السبب كالطواف بعد الصلاة كالكسوف، دخول المسجد بعد صلاة العصر، دخوله بعد صلاة الفجر، هذه أسباب واضحة، وهكذا الوضوء لو توضأ بعد صلاة العصر ليقرأ من المصحف أو ليطوف وصلى صلاة سنة الوضوء لأنها من ذوات الأسباب، يقول ﷺ: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه.

س: .....؟

الشيخ: الاستخارة فيها تفصيل، والذي ينبغي تأجيلها أو تقديمها لأن وقتها واسع، لكن لو ضاق الوقت وصار شيء يفوت دخلت من ذوات الأسباب.

س: .....؟

الشيخ: نعم إذا صلوا في رحالهم المسافرين وجاؤوا يصلون معهم وتكون لهم نافلة.

س: .....؟

الشيخ: في وقت النهي سنة ونافلة.