08 من حديث: (يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا)

كتاب المناسك

بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَثَوَابِهِمَا

1783 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكَلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ.

 1784 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ، فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَوْ قُلْتَهَا لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، الْحَجُّ مَرَّةً فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.

1785 - وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، فَقَالَ: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

1786 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى النِّسَاءِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ.

1787 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ فَضَّلَ نَفْلَ الْحَجِّ عَلَى نَفْلِ الصَّدَقَةِ.

1788 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدٌ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ وَتَعْتَمِرَ، وَتَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَتُتِمَّ الْوُضُوءَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْجَوْزَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ.

1789 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالمناسك، والمناسك يعبر بها عن أعمال الحج، والنسك هو العبادة، وقد جرى اصطلاح أهل العلم على تسمية أعمال الحج مناسك، وهي الحج والعمرة وما يتعلق بهما، والله سبحانه أوجب على عباده الحج بقوله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وبين رسوله ﷺ وجوب الحج فقال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام رمضان وقد أجمع المسلمون على ذلك، أجمع أهل العلم قاطبة على وجوب الحج مع الاستطاعة، وأنه الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة.

أما العمرة فقد تنازع فيها العلماء هل هي واجبة أو لا؟ على قولين: أصوبهما وأصحهما أنها واجبة كالحج مرة في العمرة لقوله في حديث أبي رزين: حج عن أبيك واعتمر، ولقوله في حديث عائشة: عليكن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة، وقال في رواية عمر في سؤال جبرائيل عند الدارقطني وأبي الجوزقي، وهكذا عند ابن خزيمة في الصحيح قال فيه: وأن تحج وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء وقال الدارقطني: إسناده صحيح، فهذا كله يدل على أن العمرة واجبة، وأن القول بوجوبها هو القول الصواب، وهي مرة في العمرة كالحج مع الاستطاعة، وفي الأحاديث الدلالة على أن أفضل الأعمال بعد الفرائض الجهاد في سبيل الله، ثم الحج المبرور، ولهذا لما سئل ﷺ: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله وهذا يشمل جميع أعمال الإيمان من صلاة وصوم وغيرها، ثم بين أن أفضلها بعد الجهاد في سبيل الله، ثم حج مبرور فدل ذلك على أن الحج المبرور هو أفضل الأعمال بعد أداء الواجبات بعد الفرائض، أما الركن فهو الركن الخامس حج الفريضة هو الركن الخامس لكن بعد أداء الفرائض، أفضل الأعمال بعد الجهاد حج مبرور.

وفي قوله ﷺ: لو قلتها لوجبت لأنه ﷺ لا ينطق عن الهوى، لو قال نعم تجب العمرة ويجب الحج كل مرة، وجب لأن الله قال: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، وقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59] فلو قال لوجبت، ولكن من رحمة الله أن الله لم يوجب الحج إلا مرة في العمر، ولهذا قال ﷺ: لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم من يستطيع يحج كل عام ولاسيما من كان في أطراف البلاد، فمن رحمة الله - جل وعلا - أن الله جعل الحج مرة في العمر، والعمرة كذلك مرة في العمر، وما زاد فهو تطوع، هذا من تيسير الله ومن رحمته والإحسان إلى عباده.

وفيه بيان أن الواجب الحج على الفور لأنه قال: فحجوا، والله قال: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] فوجب الحج على الفور في حق من استطاعه، يلزمه البدار بالحج، هذا هو الصواب الذي عليه الأكثرون أنه واجب على الفور مع الاستطاعة، وهكذا العمرة مع الاستطاعة، ويقول ﷺ: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة هذا يدل على فضل العمرة إلى العمرة، وأنه لا حد بينهما ولا مسافة بينهما مقررة، فإذا اعتمر ثم اعتمر فهذا فضل عظيم، في الشهر مرة، في الشهرين مرة، في السنة مرتين ثلاثة على حسب التيسير، كل ما تيسر له العمرة فيها فضل، العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والنبي ﷺ اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة، وروى ابن عمر أنه اعتمر عمرة خامسة في رجب، والمقصود أن الأدلة تدل على فضل تكرار الحج والعمرة، وأن في ذلك خيرا عظيمًا، ولهذا عند سهل في السنن: تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، والحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة، وفي ذلك مثل ما قال المؤلف أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، لأنه قال: حجوا فلم يجب إلا مرة واحدة، فإذا أمر بأمر لم يجب إلا مرة واحدة إلا أن يدل دليل على التكرار كالصلاة مكررة، الصوم مكرر، الزكاة مكررة، لأن الأدلة دلت على ذلك، أما إذا جاء أمر مطلق فإنه يدل على عدم التكرار إلا بدليل التكرار، إذا جاء مقرونا بما يدل على التكرار وجب التكرار وإلا فالأصل هو أن الأمر المطلق، فإذا قال: أعطني فلانًا كذا يعطيه ولا يلزمه أن يكرر كل يوم أو كل سنة، الأمر المطلق على ظاهره مرة واحدة إلا أن توجد أدلة تدل على أنه يكرر في الشهر أو في اليوم أو في الأسبوع أو في العام، فإذا وجد أدلة أخرى عمل بها، وفق الله الجميع.

بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ

1790 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: تَعَجَّلُوا إلَى الْحَجِّ، يَعْنِي الْفَرِيضَةَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1791 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الرَّاحِلَةَ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ. وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ.

1792 - وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ رِجَالًا إلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ فَيَنْظُرُوا كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ جَدَّةٌ وَلَمْ يَحُجَّ فَيَضْرِبُوا عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث والآثار فيما يتعلق بوجوب الحج على الفور، وقد دلت الأدلة على ذلك الأدلة الصحيحة، والأحاديث الصحيحة دلت على ذلك، قال الله - جل وعلا -: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] وهذا يدل على فورية ذلك، وأن الواجب عليه البدار بالحج إذا استطاع السبيل إلى ذلك، وقال ﷺ: أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا، قيل: يا رسول الله أفي كل عام؟ قال: لو قلتها لوجبت، الحج مرة فما زاد فهو تطوع. فالأصل في الأوامر أنها على الفور إلا إذا دل الدليل على التراخي وإلا فالأصل أنها على الفور، الصلوات الخمس، الزكاة، الصيام، الحج كلها على الفور، ومن هذا حديث: تعجلوا إلى الحج، يعني الفريضة، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له يعني من الآفات التي تعوقه فليبادر بالحج، فالمؤمن يتحرى أسباب القدرة على ذلك حتى لا يتأخر، وهكذا قوله لأبي رزين: حج عن أبيك واعتمر، وقوله للنساء: عليكن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة كل هذا يدل على وجوب البدار بالحج حسب الطاقة، أما من لم يستطع لمرض أو عدم نفقة فمعذور، أما من توفرت لديه الصحة والمال فإنه يجب عليه البدار بالحج والعمرة، ولا يجوز التأخير إلا لعجز بدني مرض، أو لعجز مالي لعدم النفقة، وإلا فالواجب البدار والمسارعة إلى أداء الحج والعمرة ما دام عنده الإمكانيات، وإذا مات ولم يحج وهو قادر وجب أن تخرج من تركته، إذا مات وهو قادر قبل أن يحج وجب على الورثة أن يخرجوا الحج من تركته كما يأتي إن شاء الله، وفق الله الجميع.

بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَعْضُوبِ إذَا أَمْكَنَتْهُ الِاسْتِنَابَةَ وَعَنْ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ

 1793 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ، قَالَ: فَحُجِّي عَنْهُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

1794 - وَعَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي كَبِيرٌ، وَقَدْ أَفْنَدَ، وَأَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا، فَيُجْزِي عَنْهُ أَنْ أُؤَدِّيَهَا عَنْهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1795 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ خَثْعَمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ رُكُوبَ الرَّحْلِ، وَالْحَجُّ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: أَنْتَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ عَنْهُ أَكَانَ يُجْزِي ذَلِكَ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاحْجُجْ عَنْهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.

1796 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكَنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ اُقْضُوا اللَّهَ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِيهَا قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ». وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ الْوَارِثِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَفْصِلْهُ أَوَارِثٌ هُوَ أَمْ لَا، وَشَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ.

1797 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ أَبَاكَ تَرَكَ دَيْنًا عَلَيْهِ أَقَضَيْتَهُ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاحْجُجْ عَنْ أَبِيكَ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث المتعددة كلها تدل على أنه لا مانع من الحج عن الميت والعاجز إذا عجز لأجل كبر السن أو لمرض لا يرجى برؤه، شرع لأولاده أن يحجوا عنه، وهكذا المرأة، لقوله ﷺ لمن سأل عن أبيه العاجز قال: حج عن أبيك واعتمر، وقال للمرأة: حجي عن أبيك، وفي اللفظ الآخر عن أخيه. المقصود أن الحج عن الميت إذا كان فريضة الله أو منذورًا فإنه يحج عنه، فإذا تبرع ولده أو أخوه أو عمه أو غيرهم بالحج عنه فالحمد لله، سواء كان الحج منذورا أو فريضة - فريضة الحج والعمرة - كذلك، فإن لم يحج عنه أحد وخلفه تركه وجب إخراج الحج من تركته إذا كان مستطيعًا في حال حياته، وهكذا إذا كان مستطيعا وهو عاجز لكبر سنه يحجج من ماله، أما إذا كان لا يستطيع فلا شيء عليه لأن الله يقول سبحانه وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] لكن من حج عنه من أقاربه أو غيرهم فلا بأس كما يقضى عنه الدين، فالحج مثل الدين، فإذا حج عنه أجنبي أو اعتمر عنه أدى ذلك كما لو قضى دينه، ومن صلته أن يحج عنه أقاربه ويؤدوا عنه أقاربه من أولاد وغيرهم، وإذا توفي أو كبرت سنه وعجز وليس عنده مال فلا شيء عليه ولا حج عليه لأن الله قال: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، لكن إذا تبرع أحد بالحج عنه أو بالعمرة عنه لكبر سنه وعجزه أو لموته فلا بأس، ولو كان من غير أقاربه، وفق الله الجميع.

بَابُ اعْتِبَارِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ

1798 - عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ فِي قَوْلِهِ  مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

1799 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ يَعْنِي قَوْلَهُ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

بَابُ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْحَاجِّ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْهَلَاكُ

1800 - عَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَرْكَبْ الْبَحْرَ إلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِمَا.

1801 - وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: وَغَزَوْنَا نَحْوَ فَارِسَ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: مَنْ بَاتَ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ إجَّارٌ فَوَقَعَ فَمَاتَ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ فَمَاتَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وًاصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الآثار الأولى تتعلق بالزاد والراحلة الله جل وعلا يقول: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وروي عن النبي ﷺ في الأحاديث المذكورة أن المراد بالسبيل الزاد والراحلة، والأحاديث في هذا ضعيفة كما نبه على ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله، ولكن المعنى صحيح، المعنى أن المراد بالسبيل الزاد والراحلة، وهكذا لو كان قريبا من مكة ما يحتاج زاد وراحلة، إذا كان قريب وجب عليه الحج، والمقصود أنه يستطيع السبيل إلى أداء مناسك الحج سواء بوجود الراحلة والزاد، أو لكونه قريبًا من المشاعر كسكان مكة وما حول المشاعر فإنه لا يشق عليهم الذهاب إليها بدون راحلة، فإذا استطاع السبيل إلى أداء المناسك بوجود الراحلة أو السيارة، بعد وجود السيارات أو الطائرة إذا استطاع السبيل إلى أداء المناسك بقدرة الطيارة أو السيارة أو غيرها من المراكب أو البواخر فإنه يلزمه الحج، وهكذا لو كان قريبًا من المشاعر لا يحتاج إلى الراحلة، يلزمه الحج إذا استطاع السبيل إليه من جهة الزاد أو من جهة البدن لأن الله أطلق قال: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] فيشمل الزاد والراحلة والبدن يشمل الجميع، فإذا كان مريضًا لم يلزمه حتى يشفى يؤجل، وهكذا إذا كان كبير السن عاجزًا يستنيب من يحج عنه إذا كان يستطيع بالمال، فالسبيل يختلف تارة يكون بالزاد والراحلة، وتارة يكون بالبدن لقربه من المشاعر، وتارة يكون بالمال فقط لعجزه بالبدن، كالمريض الذي لا يرجى برؤه والهرم إذا كان عنده مال فإنه يحج من ماله ولا يلزمه السعي، بل يحجج من ماله لعجزه عن السعي بالبدن.

أما ما يتعلق بركوب البحر فالحديث الذي فيه النهي عن ركوب البحر إلا أن يكون حاجًا أو معتمرًا أو غازيًا حديث ضعيف غير صحيح عن النبي ﷺ، فلا بأس بركوب البحر للتجارة وغيرها، والصحابة ركبوا البحر في التجارة. قوله: فإن تحت البحر نارًا، وتحت النار بحرًا فكله غير صحيح ليس بثابت عن النبي ﷺ، وكذلك النهي عن ركوب البحر عند ارتجاجه هذا ينهى عنه من أجل العلة لا من أجل صحة السند، فيه ضعف لكن لأجل الخطر فلا ينبغي ركوب البحر عند ارتجاجه واشتداد الرياح، ينبغي ألا يعجل حتى تهدأ الرياح لئلا يخاطر، وهكذا المبيت على سطح ليس له حجاء لا يجوز لأنه قد يقوم غافلا أو نعاسًا فيقع، فإذا كان السطح ليس عليه حجاء فلا يجوز المبيت عليه، بل يجب ترك ذلك لما فيه من الخطر، والإنسان إذا قام من النوم قد لا ينتبه وقد يسقط، فلا يجوز المبيت على سطح ليس له حجاء بجامع الأدلة الدالة على تحريم المخاطرة، والله يقول: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29]، وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] فالمؤمن يجب عليه أن يحتاط وأن يحرص على سلامة نفسه ولا يخاطر، فلا يخرج في السير الذي فيه خطر، ولا يسلك الطريق الذي فيه خطر، ولا يبيت في سطح ليس له حجاء، كل هذه أخطار، ولا يركب البحر عند ارتجاجه لأن هذه أخطار، يجب عليه أن يحافظ على حياته، وفق الله الجميع.

بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَفَرِ الْمَرْأَةِ لِلْحَجِّ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا بِمَحْرَمٍ

1802 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ يَخْطُبُ يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتَتَبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَانْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ.

1803 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةً إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

1804 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيُّ.

1805 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. رَوَاهُنَّ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «بَرِيدًا».

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تدل على تحريم سفر المرأة من دون محرم لأنها عورة وفتنة، فلا يجوز سفرها بدون محرم لا للحج ولا لغيره، فمن شرط وجوب الحج عليها وجود محرم منها حتى تسافر، فليس لها السفر للحج ولا لغير الحج إلا بمحرم، والمحرم هو أبوها أو أخوها أو ابنها أو زوجها أو من تحرم عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة، هذا هو المحرم، وقد تنوعت الروايات في ذلك: في بعضها مسيرة ثلاثة أيام، وفي بعضها يومين، وفي بعضها يوم وليلة، وفي بعضها يوم، وفي بعضها ليلة، والصواب عند أهل العلم: أن هذا التنوع من أجل الأسئلة، تنوع الجواب بحسب الأسئلة التي توجه إلى النبي ﷺ، فهذا يسأل عن مسيرة ثلاثة أيام، وهذا يسأل عن مسيرة يوم وليلة، وهذا يسأل عن مسيرة يومين، فتنوعت الأجوبة على حسب الأسئلة، والجامع في هذا هو السفر، كل ما يعد سفرًا فليس لها مباشرته إلا بمحرم، لا يوم وليلة، ولا يوم ولا ليلة، ولا ثلاثة أيام، كل ما يعد سفرًا، أما رواية سفر بريد فهي التي فيها بعض الضعف، والضابط في هذا هو ما يسمى سفر حيث يخشى عليها الفتنة فلا بدّ من محرم، وما يقع من بعض الناس أنها تسافر دون محرم في الطائرات ويكتفون بأن يوصلها المحرم إلى المطار ثم يتلاقاها محرم آخر في مطار آخر، هذا ليس بشيء ولا يكفي، لا بدّ أن يكون المحرم معها في الطائرة، وفي السيارة، أو في سيارة تابعة لها في الطريق، أما كونه يتلاقها محرم في المطار الآخر ويوصلها محرم إلى المطار الذي تسافر منه ما يكفي، هذا يخالف هذا في غير السفر، لا بدّ يكون السفر معها المحرم يصحبها في سفرها سواء في الطائرة أو في السيارات أو في الإبل، لا بدّ من كون المحرم يصحبها، لأن في ذلك حماية لها من أسباب الشر. وفق الله الجميع

بَابُ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ

1806 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: مَنْ شُبْرُمَةُ؟ قَالَ: أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي، قَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ: فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ أُحْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ. وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَفِيهِ قَالَ: هَذِهِ عَنْكَ وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ.

بَابُ صِحَّةِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ لَهُ عَلَيْهِمَا

1807 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَرَفَعَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

1808 - وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: «حَجَّ أَبِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1809 - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَلَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

1810 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، فَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مَمْلُوكٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، فَإِنْ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ. ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عبداللَّهِ هَكَذَا مُرْسَلًا.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بالحج، حج من لم يحج عن نفسه وحج الصبي الذي لم يبلغ والمملوك، الحديث الأول يدل على أن من لم يحج عن نفسه لا يحج عن غيره بل يبدأ بنفسه، وهو الذي لبى عن شبرمة فقال له النبي ﷺ: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي، قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة. هذا يدل على أن الذي لم يحج عن نفسه يبدأ بنفسه لا يحج عن غيره، لا عن أبيه ولا عن غيره، والحديث اختلف في رفعه ووقفه، صحح بعضهم رفعه وبعضهم وقفه، والموقوف في حكم المرفوع لأنه لا يقال من جهة الرأي، فالموقوف في حكم المرفوع، وهو دليل على أن من لم يحج عن نفسه فإنه لا يحج عن غيره، وإذا أحرم بالحج عن غيره تكون له تكون الحجة له، والحديث الثاني يدل على أن الصبي حجه صحيح، حديث قال السائب بن يزيد: حج بي مع النبي ﷺ وأنا ابن سبع سنين، حج ابن عباس مع النبي ﷺ وقد ناهز الاحتلام، فالحج من الصبي لا بأس، حج نافلة يجزئ، والحديث الصحيح - حديث ابن عباس - أن امرأة رفعت للنبي صبيًا فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر فدل ذلك على أن حج الصبي جائز، وإن كان صغيرًا حج به وليه قبل السبع، إذا نوى عنه وليه أبوه أو أمه الذي حج به إذا نوى عنه من حج به من أب أو أم أو غيرهما صار الحج له نافلة، ولو كان بعد السبع، لكن إذا كان بعد السبع يلبي هو يقال يعلم حتى يعلم، أما قبل السبع فيلبي عنه وليه ويعمل أعمال الحج عنه وليه، أما إذا بلغ السبع أو أكثر فإنه يعلم، يقال له: قل لبيك، ويرمي إذا تيسر، ويطوف ويسعى هو بنفسه، أو يطاف به محمولا إذا كان لا يستطيع، وهكذا المملوك حجه صحيح نافلة، فإذا عتق واستطاع الحج حج الفريضة، وإن مات ولم يستطع فليس عليه شيء، وهكذا الصبي إذا مات قبل البلوغ ليس عليه شيء، لكن إن بلغ فعليه أن يحج حج الفريضة، وهكذا المملوك إذا عتق وهو يستطيع يحج حج الفريضة، وفق الله الجميع.

أَبْوَابُ مَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ وَصِفَتِهِ وَأَحْكَامِهِ

بَابُ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ، وَجَوَازِ التَّقَدُّمِ عَلَيْهَا

1811 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ ؛ قَالَ: فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمَهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا.

1812 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَذَكَرَ لِي وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَمَهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: وَقَاسَ النَّاسُ ذَاتَ عِرْقٍ بِقَرْنٍ.

1813 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَإِنَّهُ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنْ أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا، قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ، قَالَ: فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

1814 - وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

1815 - وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: «أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا سُئِلَ عَنْ الْمَهَلِّ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْسَبُهُ رُفِعَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَالطَّرِيقِ الْآخَرِ الْجُحْفَةُ؛ وَمَهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ؛ وَمَهَلُّ أَهْلِ اليمن من يلملم. رواه مسلم، وكذلك أحمد وابن ماجه ورفعاه من غير شك، والنص بتوقيت ذات عرق ليس في القوة كغيره، فإن ثبت فليس ببدع، وقوع اجتهاد عمر على وفقه فإنه كان موافقًا للصواب.

1816 - وَعَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إلَّا الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ، عُمْرَتَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٌ، وَعُمْرَتَهُ مَعَ حَجَّتِهِ».

1817 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمُحَصَّبَ فَدَعَا عبدالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: اُخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنْ الْحَرَمِ فَتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ لِتَطُفْ بِالْبَيْتِ فَإِنَّمَا أَنْتَظِركُمَا هَاهُنَا، قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فَأَهْلَلْتُ ثُمَّ طُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَجِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: هَلْ فَرَغْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَذَّنَ فِي أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ، فَخَرَجَ فَمَرَّ بِالْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

1818 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ وَابْنُ مَاجَهْ وَذَكَرَ فِيهِ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجَّةِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالمواقيت، وقد ثبت عنه ﷺ في الأحاديث الصحيحة حديث ابن عباس وغيره أنه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، وأحرم منها عليه الصلاة والسلام في عمره وفي حجة الوداع، ووقت لأهل الشام، وهو الطريق الثاني للمدينة الجحفة من ساحل البحر، ووقت لأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة، وجاء في حديث عائشة وجابر وأحاديث أخرى توقيت ذات عرق لأهل العراق، وصح عن عمر أنه وقتها لأهل العراق، لم تبلغه السنة فلما سألوه قال: انظروا حذوها من طريقكم ووقت لهم ذات عرق، فوافق اجتهاده السنة، فهذه الأحاديث كلها تدل على هذا المعنى، وأن من أراد الحج والعمرة يحرم من هذه المواقيت، إن كان من أهل المدينة ومن جاء من طريق المدينة أحرم من ذي الحليفة، وتسمى الآن أبيار علي سواء حج أو عمرة أو بهما، والأفضل بعمرة إذا كان في أشهر الحج يكون بعمرة حتى يفرغ منها، ثم يلبي بالحج في وقته في الثامن من ذي الحجة، وإذا جاء العمرة في أي وقت لبى أيضًا من الميقات ذي الحليفة سواء كان من أهل المدينة أو جاء من طريق المدينة، أما من جاء من طريق الشام أو المغرب أو جهة إفريقيا فيحرم من الجحفة من رابغ، تسمى رابغ اليوم إن كان من طريق البحر أو من طريق الساحل يحرم من الجحفة من رابغ، أما إن جاء من طريق المدينة يحرم من الميقات من ميقات المدينة، أما أهل نجد وأهل الشرق وأهل الطائف فمن قرن المنازل، ويسمى الآن السيل ويسمى وادي قرن، أما أهل اليمن فإحرامهم من يلملم محل معروف، وأهل العراق من ذات عرق كما تقدم، وهذه المواقيت التي يمر عليها من جهة الأرض أو من جهة الجو أو من جهة البحر يمر عليها برًا أو بحرًا أو جوًا أحرم منها، أو مما يحاذيها إن مر فوقها، أو مما يحاذيها، إذا مر اليمني فوق يلملم وما يحاذيها أحرم في الجو، وإذا مر من طريق المدينة على ذي الحليفة أحرم منها من طريق الجو، وإذا مر برابغ من طريق الجو أحرم منها أو ما يحاذيها، وهكذا قرن المنازل، وحديث جابر وإن كان فيه شك فهو يؤيد ما روته عائشة في ميقات ذات عرق، ويؤيد ما رواه ابن عمر وابن عباس في المواقيت، ويدل حديث ابن عباس أيضًا على أن من كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ، إذا كان دون المواقيت يحرم من مكانه من محله من أهله، مثل أهل جدة من جدة، أهل الشرايع من الشرايع، أم السلم من أم السلم، وهكذا فمن كان دون الميقات فمهله منها في الحج والعمرة كما قال ﷺ: ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ، وفي اللفظ الآخر: من أهله حتى أهل مكة من مكة حتى أهل مكة إذا أرادوا الحج يحرمون من مكة، ومن كان فيها حلالًا إذا أراد الحج يحرم من مكة كما فعل أصحاب النبي ﷺ بأمره، لما حلوا أحرموا من مكة بالحج يوم الثامن، لكن من أراد العمرة من أهل مكة يخرج إلى الحل كما أمر النبي ﷺ  عائشة رضي الله عنها أن تحرم من الحل خارج الحرم لما أرادت العمرة أمر عبدالرحمن أخاها أن يعمرها من التنعيم خارج الحرم، فإذا أراد أهل مكة العمرة خرجوا إلى خارج الحرم التنعيم أو الجعرانة أو غيرهما من الحل، هذا هو الواجب في العمرة خاصة، أما الحج فيحرم من مكانه من مكة.

أما حديث أم سلمة في الإحرام من الشام فهو حديث ضعيف لا يثبت عند أهل العلم، والصواب أن كل من أراد الحج والعمرة يحرم من الميقات لا يحرم قبل ذلك، السنة والمشروع أن يحرم من الميقات لا يتقدمه، الرسول ﷺ خرج من المدينة وأحرم من الميقات ووقت للناس هذه المواقيت، فالسنة لكل مسلم إذا أراد الحج والعمرة أن يصبر حتى يأتي المواقيت، فإن هذا هو الأفضل، وإن أحرم قبلها أجزأه وصح، ولكن السنة ألا يحرم قبلها، السنة أن يصبر حتى يأتي المواقيت ويحرم منها، وإذا كان يخشى من حادث يقول: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، إذا كان يخشى حوادث السيارات أو غيرها أو مريض يخشى أن يعجز لأن الرسول ﷺ قال لضباعة بنت الزبير بنت عمه ضباعة لما قالت: إنها شاكية وتريد الحج، قال: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني فإذا كان الإنسان يخشى من أحداث سيارات أو من مرض أو من غير هذا يقول عند الإحرام: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإذا منعه مانع من مرض أو غيره حل من دون شيء، وليس عليه شيء.

وفق الله الجميع وصل الله وسلم على نبينا محمد.

س: .....؟

الشيخ: لا ما له أصل، عليه عمرة مثل غيره تعمهم الأدلة.

س: .....؟

الشيخ: ما أتذكر شيئًا، لكن ثبتت الأدلة بجواز الأمرين بالحلق والتقصير في العمرة والحج، وثبت عنه ﷺ أنه قال لأم أولاد جعفر أمرها أن تحلق رؤوسهم، فالحلق لا بأس به إذا دعت الحاجة، إن شاء حلق وإن شاء ترك ربى رأسه، وأما في الحج والعمرة فهو مخير والحلق أفضل إلا إذا قدم قرب الحج في العمرة فإنه يقصر حتى يبقى بقية الرأس للحج ويحلق في الحج، إذا قدم في ذي القعدة مثلًا فالأفضل التقصير حتى يكون الحلق في حل من الحج.

س: .....؟

الشيخ: معروف نعم

بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِعُذْرٍ

1819 - عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

1820 - وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ؛ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

بَابُ مَا جَاءَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ بِهِ قَبْلَهَا

1821 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرَمَ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «أَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ». وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ.

1822 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنَى: لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَيَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

1823 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ، فَقَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ فَقَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قَالَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تدل على أن من دخل مكة من قصد مكة لغير الحج والعمرة لا يلزمه الإحرام؛ لأن الرسول ﷺ لما وقت المواقيت قال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة فالذي يأتي مكة للتجارة أو لزيارة بعض أقاربه أو لأسباب أخرى ولم يقصد الحج ولا العمرة لا يلزمه الإحرام، يدخل بغير إحرام، والدليل على هذا حديث ابن عباس المتقدم، وهو قوله ﷺ في المواقيت: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة فدل ذلك على أن الذي ما أراد الحج ولا عمرة لا يلزمه الإحرام، والدليل على هذا أيضًا أنه ﷺ في عام الفتح دخل وعلى رأسه المغفر وعليه عمامة سوداء، لم يحرم لأنه جاء لقتالهم وفتح مكة ولم يأت للعمرة ولا للحج، فلهذا جاء غير محرم فدخل مكة وعلى رأسه المغفر وعمامة سوداء فدل على أن الإنسان الذي أراد مكة من غير قصد الحج والعمرة لا يلزمه الإحرام، وفي الآثار المذكورة عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وغيرهم الدلالة على أن أشهر الحج هي: شوال وذو القعدة وذو الحجة، هذه أشهر الحج التي قال فيها سبحانه: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197] شهران وثلث شهر عشرة أيام، هذه أشهر الحج أطلقت الأشهر على شهرين وبعض الثالث فشوال وذو القعدة وذو الحجة هي أشهر الحج، فلا يشرع الإحرام للحج قبلها إذا جاء مكة لا يلبي بالحج قبل شوال يلبي بالعمرة فقط، في رمضان أو في شعبان أو في رجب أو غيرها السنة يلبي بالعمرة في الميقات، أما إذا جاء في أشهر الحج يلبي بالحج لا بأس، ولكن بالعمرة أفضل يلبي بالعمرة يطوف ويسعى ويقصر ويحل ثم يلبي بالحج يوم الثامن، هذا هو الأفضل إذا جاء إلى مكة في أشهر الحج، يدخلها بالعمرة يلبي بالعمرة يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق ويحل، ثم إذا جاء يوم الثامن من ذي الحجة لبى بالحج وخرج إلى منى كما فعل النبي ﷺ في حجة الوداع، وكان بعث منادين ينادون في يوم النحر وأيام منى في حجة الصديق في السنة التاسعة ينادون ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ومن كان له عهد عند رسول الله فهو على عهده، ومن ليس له عهد فله مدة أربعة أشهر إن أسلم وإلا قوتل، كان المنادون ينادون بهذا في يوم النحر وأيام منى في حجة الصديق السنة التاسعة من الهجرة، ثم نادى بها أيضًا أمرهم أن ينادوا بها ﷺ في هذا العام، فالصديق أمر والنبي ﷺ أمر، الصديق أمر لأن الرسول أمره بذلك وبين ﷺ أن يوم النحر هو يوم الحج الأكبر الذي قال فيه سبحانه: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ [التوبة:3] هو يوم العيد يوم النحر يوم عيد النحر، والله - جل وعلا - يقول: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28] حرم الله دخول الكافر الحرم المكي سواء كان يهودي أو نصراني أو وثني، ولهذا نادى النبي ﷺ في سنة تسع بأن جميع من كان على الشرك لا يحج حتى يسلم، وكانت الجاهلية يطوفون بالبيت عراة فنادى في الناس ألا يطوف بالبيت عريان، هذا من جهلهم يطوفون عراة، فنهاهم النبي عن هذا عليه الصلاة والسلام، وبين أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، وأن الكفار لا يدخلون الجنة إنما الجنة لأهل الإسلام، لأهل الإيمان، والله حرم الجنة على الكافرين، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ [المائدة:72] والجنة وعدها المتقين، وعدها الله المؤمنين إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45]، وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [التوبة:72] والمتقي هو الذي وحد الله وأطاعه، والمؤمن هو الذي وحد الله وأطاعه، فالمتقون والمؤمنون هم المهتدون، هم المسلمون حقًا، هم الذين أخلصوا لله العبادة، وخصوه بالعبادة، واتبعوا رسوله محمد ﷺ، وأدوا فرائض الله وتركوا محارم الله يسمون متقين، يسمون المؤمنين، يسمون المسلمين، يسمون المتقين والأبرار، يسمون المهتدين، فالإسلام هو الهدى وهو التقوى وهو البر وهو الإيمان، وهو توحيد الله وطاعته، فكل من وحد الله وأطاعه واستقام على دينه يسمى مؤمنا، ويسمى متقيًا، ويسمى مسلما، ويسمى مهتديًا، ويسمى برًا، قال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23]، إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13]، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45]. فالواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس أن يتقوا الله وأن يخصوه بالعبادة دون كل ما سواه، فلا يعبدوا إلا الله، ولا يستغيثوا إلا به، ولا يتوكلوا إلا عليه، ولا يذبحوا إلا له، ولا ينذروا إلا له، العبادة حقه كما قال سبحانه وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. فالذي يأتي أصحاب القبور ويقول: يا صاحب القبر أغثني انصرني أو أجرني، أو أنا في حسبك أو جوارك، أو يسأل الجن أو يسأل الكواكب أو الأصنام هذا شرك أكبر، هذه عبادة غير الله، هذا الشرك الأكبر الذي فعله الجاهلية، ولكن يقول: يا الله اغفر لي، يا الله ارحمني، يا الله انصرني، يطلب ربه يستعيذ به ويستغيث به ويلتجأ إليه، يسأله تفريج الكروب والنجاة من النار ودخول الجنة، يقول سبحانه: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] أما دعاء الأموات وأصحاب القبور أو الأصنام أو الجن أو الاستغاثة بهم أو الأنبياء أو الملائكة دعاؤهم والاستغاثة بهم والنذر لهم والذبح لهم كل هذا شرك أكبر، دعاء الأموات وإن كانوا أنبياء شرك أكبر، وهكذا دعاء الملائكة أو دعاء الجن شرك أكبر، الذي يقول: يا جن الظهيرة، يا جن كذا، أغيثونا انفعونا، أو يا ملائكة الله انصرونا، كل هذا شرك أكبر، أو يدعو أصحاب القبور، أو يسأل الأصنام أو الكواكب والنجوم كل هذا من الشرك الأكبر لأن الله يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، ويقول سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، ويقول سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، ويقول جل وعلا: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، ويقول سبحانه: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الزمر:66]. فجميع العباد من جن وإنس وعرب وعجم وذكور وإناث يجب عليهم أن يعبدوا الله وحده إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، والعبادة هي توحيده وطاعة أوامره وترك نواهيه، الاستغاثة به والنذر له، الذبح له التوكل عليه، خوفه ورجاؤه، هذه عبادته ، فإذا صرف العبد منها شيئًا لغير الله من الأموات أو الجن أو الشجر أو الحجر أو الأصنام أو الكواكب جعله شريكًا لله، صار مشركًا بالله، نسأل الله العافية، داخلا في قوله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ۝ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الزمر:65-66]، وداخل في قوله جل وعلا: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72] فعلى كل مكلف أن يتقي الله وأن يعبد الله وحده، وأن يخصه بالعبادة، وأن يتابع رسوله محمد ﷺ، وأن ينقاد لشرع الله، وأن يستقيم على دين الله يؤدي ما أوجب الله، وأن يحذر ما حرم الله يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، هذا هو الإسلام، هذا هو العبادة التي أنت مخلوق لها، هذا هو الدين والهدى، هذا هو الإيمان، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.

بَابُ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ

1824 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: عُمْرَةُ رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ لَكِنَّهُ لَهُ مِنْ حَدِيثٍ أُمِّ مَعْقِلٍ.

1825 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اعْتَمَرَ أَرْبَعًا إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1826 - وَعَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اعْتَمَرَ عُمْرَتَيْنِ: عُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً فِي شَوَّالٍ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

1827 - وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: فِي كُلِّ شَهْرٍ عُمْرَةٌ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ

الشيخ: هذه الأحاديث تتعلق بالعمرة، ويدل الحديث الأول على أن العمرة في رمضان لها مزية كبيرة وأنها تعدل حجة عمرة في رمضان تعدل حجة هذا يدل على فضل العمرة في رمضان سواء في أوله أو في وسطه أو في آخره، فيه هذا الفضل كما ثبت عنه ﷺ، فالعمرة مشروعة في كل وقت ليس لها وقت محدود، بل في جميع السنة، يقول ﷺ: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة فلم يحد لها وقتا بل قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة متفق على صحته، وقد اعتمر ﷺ في ذي القعدة، الصواب أنها أربع عمر: عمرته التي صد عنها في ذي القعدة، وعمرته عام القضاء سنة سبع، وعمرته في عام الفتح من الجعرانة، والرابعة مع حجته حجة الوداع، أما قول عائشة هنا في شوال «إحداهن في شوال» فالظاهر أنه وهم، والمحفوظ أنها كلها في ذي القعدة، هذا المحفوظ، كذلك قوله «في رجب»، قول ابن عباس: «أربع إحداهن في رجب» المحفوظ أن عمره كلها في ذي القعدة، وأنه وهم من ابن عباس ، ويروى مثل ذلك عن ابن عمر، قال العلماء فيه: إن المحفوظ أنها كلها في ذي القعدة، ولكن الأمر واسع، من اعتمر في رمضان، في ذي القعدة، في شوال، في شعبان، في رجب، في أي وقت الأمر واسع والحمد لله، العمرة كل الأوقات زمن لها، لكن أفضلها في رمضان، ثم في ذي القعدة لأن الرسول ﷺ اعتمر في ذي القعدة، وإذا اعتمر في شوال أو في رجب أو شعبان أو ربيع أو جماد كل ذلك الأمر واسع، وقد اعتمرت عائشة رضي الله عنها في ذي الحجة، بعد الحج أعمرها النبي ﷺ بعد الفراغ من الحج، أرسل معها أخاها عبدالرحمن وأعمرها من التنعيم في ليلة ثلاثة عشر بل في ليلة أربعة عشر دل على التوسعة في ذلك، وأن أمرها واسع والحمد لله، أما ما يروى عن علي أنه قال: (عمرة في كل شهر) هذا في صحته نظر، في صحته عن علي نظر، النبي ﷺ لم يعتمر في كل شهر، وكان في عام الفتح أقام مدة طويلة ولم يعتمر إلا واحدة في ذي القعدة، فالعمرة ليس لها حد محدود في شهر أو في شهرين أو في ثلاث، الواجب مرة في العمر والباقي مستحبة، فقول علي قد يكون من اجتهاده إن صح، لكن لا دليل على ذلك، ولا أظنه يصح عن علي، ولو قال بعضهم أن إسناده صحيح لا أظنه يصح عن علي ، بل العمرة في كل وقت ولا تعين في شهر ولا في شهرين متى شاء، ولهذا قال ﷺ: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ولم يحدد حدًا، وعائشة رضي الله عنها اعتمرت عمرتين في شهر واحد: عمرة مع حجها، وعمرة بعد نزولها من منى ليلة أربعة عشر، فالأمر في هذا واسع والحمد لله، وفق الله الجميع.

بَابُ مَا يَصْنَعُ مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْغُسْلِ وَالتَّطَيُّبِ وَنَزْعِ الْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ

1828 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ أنَّ النُّفَسَاءَ وَالْحَائِضَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

1829 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ ﷺ عِنْدَ إحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ». وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ تَطَيَّبَ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الدُّهْنِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ» أَخْرَجَاهُمَا.

1830 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي حَدِيثٍ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1831 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهَا مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: «مَا أَهَلَّ إلَّا مِنْ عِنْدِ الشَّجَرَةِ حِينَ قَامَ بِهِ بَعِيرُهُ». أَخْرَجَاهُ. وَلِلْبُخَارِيِّ: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةُ طِيبٍ، ثُمَّ يَأْتِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْكَبُ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَحْرَمَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَفْعَلُ».

1832 - وَعَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا عَلَا عَلَى جَبَلِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

1833 - وَعَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ إهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ: رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ.

1834 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: عَجَبًا لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي إهْلَالِهِ فَقَالَ: إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، إنَّمَا كَانَتْ مِنْهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَمِنْ هُنَالِكَ اخْتَلَفُوا، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَاجًّا، فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ، فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، ثُمَّ مَضَى؛ فَلَمَّا عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ، فَأَدْرَكَ ذَاكَ أَقْوَامٌ، فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، وَاَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ، وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَأَهَلَّ حِينَ عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَلِبَقِيَّةِ الْخَمْسَةِ مِنْهُ مُخْتَصَرًا: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَهَلَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ».

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار كلها تتعلق بكيفية الإحرام، ومتى يحرم من أراد الحج والعمرة، وهل يتطيب ويغتسل؟

الأحاديث التي جاءت في الباب تدل على مسائل: منها أن السنة الإحرام من الميقات لا من البلد، يخرج حلالًا حتى يأتي الميقات سواء في المدينة أو غيرها، فالسنة الإحرام من الميقات الذي وقته النبي ﷺ، لأهل الشام الجحفة رابغ المعروف، ولأهل المدينة ذي الحليفة كما هو معروف تسمى أبيار علي، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل العراق ذات عرق، وهكذا ما حاذاها في الطرق، وما حاذاها جوًا أو بحرًا هي المواقيت، يحرم من هذه المواقيت، يخرج الإنسان من بلده فإذا أتى هذه المواقيت أحرم منها سواء كان أتاها أرضًا أو جوًا أو بحرًا، متى حاذاها أحرم، هذا السنة، والسنة له أن يغتسل سواء في بيته إن كان قريب مثل الطائف وأشباهه، أو المدينة يغتسل في بيته ويتطيب، أو في الميقات يغتسل في الميقات إذا تيسر مستحب، جاء في الحديث أن من السنة الغسل عند الإحرام، وأن النبي اغتسل عند الإحرام وأمر عائشة أن تغتسل عند الإحرام، وأمر أسماء بنت عميس أم محمد أن تغتسل وهي نفساء عند الإحرام، فدل ذلك على استحباب الغسل إذا تيسر، ثم يصلي ركعتين بعد الوضوء، يصلي ركعتين هذا هو الأفضل إذا تيسر ذلك، ثم يلبي بإحرامه إذا ركب دابته أو سيارته، هذا المحفوظ أنه ﷺ إنما لبى بعدما استوى على دابته، والسيارة مثل الدابة إذا استوى عليها يلبي سواء بعمرة أو بحج، أما قول ما يروى عن ابن عباس أنه أوجب في مصلاه ثم أوجب بعدما ركب الراحلة ثم أوجب لما علا البيداء، فهو حديث ضعيف مداره على خصيف الجزري، وخصيف لا يحتج به، وإنما الصواب أنه أهل لما ركب الدابة، هذا هو أول شيء، ثم أهل وهو على البيداء فسمعه ناس كما روى جابر أهل على ركب دابته ابتداء، ثم أهل أيضًا في أثناء الطريق وهو على البيداء، البيداء الأرض المستوية التي بعد ميقات المدينة فسمعه قوم عند إحرامه على الدابة أول ما ركب الدابة، وسمعه من سمعه وهو على البيداء كما روى جابر وغيره، فالسنة أن يلبي بالحج أو العمرة إذا ركب دابته سيارته، وإن أوجب وهو في الأرض ولبى وهو في الأرض فلا بأس لا حرج، لكن الأفضل يصلي ركعتين ثم يركب ثم يقول: اللهم لبيك عمرة أو لبيك حجا أو بهما إن كان أحرم بهما في أشهر الحج بعد رمضان، والأفضل في العمرة الأفضل بعد رمضان في أشهر الحج يلبي بالعمرة هذا هو الأفضل، فإذا طاف وسعى وقصر حل ثم يلبي بالحج يوم الثامن هذا هو الأفضل، وإن لبى بهما من الميقات جميعا بالحج والعمرة جميعا أو بالحج مفرد فلا بأس، لكن الأفضل أن يلبي بالعمرة فقط كما أمر النبي ﷺ الصحابة بذلك أن يجعلوها عمرة بعد رمضان فيطوف ويسعى ويقصر ويحل، أما الذي يأتي قبل شوال يأتي في رمضان أو في غيره هذا يحرم بالعمرة فقط، الإحرام بالحج إنما يكون بعد رمضان في أشهر الحج، ما إذا قدم مكة لعمرة في رمضان أو في غيره فإنه يلبي للعمرة فقط، أما إذا جاء للحج بعد رمضان وهو قصده الحج فإنه يلبي بعمرة أولًا فيطوف ويسعى ويقصر ويحل ويبقى حلالًا حتى يأتي يوم الثامن فيلبي بالحج، هذه هي السنة، وهي الأرفق بالمؤمن، الأرفق والأيسر عليه حتى لا يبقى حراما مدة طويلة، الأرفق والأيسر والسنة أن يطوف ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة، فإذا جاء يوم الثامن لبى بالحج إلا من كان معه الهدي، من أتى بالهدي من بلاده أو من الطريق من إبل أو بقر أو غنم فهذا يلبي بالحج والعمرة جميعًا ويبقى على إحرامه كما فعل النبي ﷺ لما كان معه الهدي يلبي بهما جميعًا ويبقى على إحرامه، أما الذي يقرن ما معه هدي يقرن من دون هدي فهذا يلبي بالعمرة فقط بعد رمضان، يلبي بالعمرة ويطوف ويسعى ويقصر ويحل، ثم إذا جاء يوم الثامن لبى بالحج هذا هو السنة.

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يدهن عند الإحرام ولا يتطيب خفيت عليه السنة، ابن عمر خفيت عليه سنة الطيب، والصواب ما رواه غير ابن عمر روته عائشة أنها كانت تطيب الرسول لإحرامه قبل أن يحرم، فالسنة الطيب عند الإحرام، وكون ابن عمر جهل هذا الحجة فيمن أثبت، الحجة فيمن حفظ لا فيمن لم يحفظ، وقد حفظت عائشة وغيرها أنه كان يتطيب عند الإحرام، فالسنة أن المحرم يتطيب عند الإحرام قبل أن يحرم، يتطيب في رأسه في بدنه، ما هو في ثيابه، في بدنه ثم يحرم، وهكذا إذا حل إذا رمى وحلق قبل أن يطوف يستحب له الطيب أيضًا كما أخبرت عائشة أن النبي  ﷺ كان يتطيب عند إحرامه، وهكذا إذا حل من إحرامه قبل أن يطوف يتطيب قبل أن يذهب إلى مكة للطواف، يتطيب بعد حله بعد رميه للجمرة وحلقه أو تقصيره، هذه هي السنة في هذه المسائل. وفق الله الجميع.

س: .....؟

الشيخ: نعم في مسجد ذي الحليفة، والذي يأتي من قرن المنازل أو غيره يصلي في ميقاته، يتوضأ ويصلي ركعتين أفضل.