19 من حديث: (يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ)

باب من صلى وبين يديه إنسان أو بهيمة

885- وَعَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "زَارَ النَّبِيُّ ﷺ عَبَّاسًا فِي بَادِيَةٍ لَنَا، وَلَنَا كُلَيْبَةٌ وَحِمَار تَرْعَى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّه ﷺ الْعَصْرَ وَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يُؤَخَّرَا، وَلَمْ يُزْجَرَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَلِأَبِي دَاوُد مَعْنَاهُ.

بَابُ مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ بِمُرُورِهِ

886- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ، وَالْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَمُسْلِمٌ وَزَادَ: وَيَقِي مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ.

887- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ، وَالْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ.

888- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ: الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ، قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟! قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

889- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي فِي حُجْرَتِهَا، فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُاللَّهِ أَوْ عُمَرُ، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَرَجَعَ، فَمَرَّت ابْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَمَضَتْ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: هُنَّ أَغْلَبُ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ.

890- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَؤوا مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

891- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ، فَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.

أما بعد: فهذه الأحاديث فيما يتعلق بالمرور بين يدي المصلي:

أما حديث الفضل فقد تقدم في الباب السابق، وليس فيه صراحة بأن الكلب والحمار قريبان منه، وليس فيه صراحة بأنه قد وضع سترةً أو لم يضع سترةً، فهو ليس فيه بيان واضح، ويحتج به مَن يرى عدم وجوب السترة؛ لأنه لم يذكر السترة، وتقدم البحث في هذا، وهو أن السترة سنة مؤكدة، والأحاديث الصحيحة دالة على أنَّ مرور الكلب والحمار يقطع الصلاةَ، وهي أصح من حديث الفضل، وصريحة كما في حديث أبي ذرٍّ وأبي هريرة، وهكذا ابن عباس عند أبي داود والنَّسائي.

وجاءت أحاديث أخرى في الباب كلها تدل على هذا المعنى، وأن المصلي إذا كان ليس بين يديه مثل مؤخرة الرحل فإنه يقطع صلاته: المرأة الحائض، والحمار، والكلب الأسود، أطلق في حديث أبي هريرة وعبدالله بن مغفل وجماعة، وقيّد في حديث أبي ذرٍّ بالأسود.

وقوله: شيطان يعني: شيطان من جنسه، شيطان كل جنسٍ مُتمرده.

وفي هذا من الفوائد: أن السنة أن يضع أمامه سترةً مثل أخرة الرحل، وتقدم معنى ذلك، وأن المراد ما يُقارب الذراع إلا قليلًا.

ومؤخرة الرحل هي الخشبة التي يعتمد عليها الراكبُ خلف ظهره، وتكون أمام الرديف، يُقال لها: مؤخرة الرحل، وما كان يُشبهها فهو سترة، وهكذا الجدار والعمود والكرسي والسرير وأشباه ذلك، هذه السنة، فإذا صلَّى إلى غير سترةٍ صحَّت صلاته وترك السنة.

وفي حديث ابن عباسٍ ما يدل على أنَّ مرور المرأة الصغيرة لا يقطع الصلاة، وهكذا حديث أم سلمة؛ لأنَّ الرسول ﷺ منع عبدالله بن عمر، وعمر بن أبي سلمة، فرجعا، أما زينب فكانت جاريةً صغيرةً فغلبته ومرَّت، وقال لما سلَّم: هُنَّ أغلب، فلما يقطع صلاته، فدلَّ ذلك على أنَّ الصغيرة ليس لها حكم المرأة.

ولعلَّ الحكمة في ذلك والله أعلم: أنهن يزدن ويكثرن في بيت الرجل، فلا يقطعن.

وحديث أم سلمة هذا فيه والد محمد بن زيد ........ قال في "التقريب": إنه مجهول؛ لأنه رواه محمد بن زيد، عن أبيه، عن أم سلمة. وهكذا قال في "السيل" الشوكاني رحمه الله، ولكن حديث ابن عباس صحيح في المرأة الحائض –يعني: البالغة- كما في حديث عائشة: لا تصح صلاةُ الحائض إلا بخمارٍ يعني البالغة.

فالبنت الصغيرة تغلب، وقد لا يتيسر منعها: كالدابة من الغنم وأشباه ذلك، فجميع الدواب لا تقطع، وجميع الناس لا يقطعون، ما عدا المرأة فقط، وجميع الدواب لا يقطعون ما عدا الحمار والكلب الأسود، وما سوى ذلك لا يقطع، لكن يُمنع من المرور، السنة للمُصلي أن يمنع من المرور، حتى من الصِّغار، ولو أنه لا يقطع الصلاة لكن يمنعه؛ لأنَّ مرورهم فيه تشويش.

وفي حديث ابن عباس الدلالة على أنَّ مرور الحمار بين يدي الصفوف لا يضرُّ، إنما يضرُّ لو مرَّ بين يدي الإمام، أو بين يدي المنفرد، أو بينه وبين السترة، أما مروه على الصفِّ فلا يضرُّ ذلك؛ لأنَّ سترته سترة الإمام، فإذا مرَّ بين أيديهم حمار أو كلب أسود أو امرأة لا يقطع صلاتهم.

وأما حديث أبي سعيدٍ: لا يقطع الصلاة شيء، فادرؤوا ما استطعتم فهو حديثٌ ضعيفٌ؛ لأن في سنده مجالد بن سعيد، وليس بحجَّةٍ عندهم؛ لضعفه بسبب اختلاطه، والأحاديث الصَّحيحة تدل على خلافه، وأن الثلاثة تقطع، فعُلم بذلك ضعف حديث أبي سعيدٍ: لا يقطع الصلاة شيء؛ لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة، ولما في سنده من الضعف.

والله ولي التوفيق.

س: "المرأة الحائض" مَن الذي أخرجه؟

ج: أبو داود والنَّسائي من حديث ....... لا بأس بإسناده.

س: حديث ابن عباس الثاني قوله: "صلَّى النبيُّ ﷺ إلى غير جدارٍ"؟

ج: احتجَّ به بعضُهم على عدم السترة، ولكن ليس بصريحٍ؛ لأنه إنما نفى الجدار فقط، وما نفى السترة، فيحتمل أنه ﷺ صلَّى إلى عنزةٍ، فلا يلزم من عدم الجدار عدم السترة كما تقدم.

س: ما هناك دليلٌ صريح للجمهور على عدم السُّترة؟

ج: ما أعلم، حديث ابن عباس، لكن متّهم بالحجاج بن أرطأة، كما تقدم ......

س: إذا لم يتَّخذ الإمامُ سترةً، ومرَّ بين يدي بعض الصفِّ حمار؟

ج: ما يضرُّ، الأمر على الإمام.

س: الكلب الأسود في نفسه شيطان أو في المعنى؟

ج: مثلما قال النبيُّ ﷺ: الكلب الأسود شيطان يعني: شيطان في جنسه، شيطان الكلاب.

س: ............؟

ج: يبتدئها من أولها.

س: ...........؟

ج: لا، ما يحتاج إقامة، يُعيدها من أولها، الإقامة كافية، مثل: لو أحدث توضَّأ وصلَّى ولم يُعد الإقامة.

س: ........ ماذا يُقال لمَن قال أن السترة واجبة؟

ج: يحتاج إلى تأملٍ .......

أَبْوَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ

بَابُ سُنَنِ الصَّلَاةِ الرَّاتِبَةِ الْمُؤَكَّدَةِ

892- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ، كَانَتْ سَاعَةٌ لَا أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِيهَا، فَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّهُ كَانَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

893- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَتْ: "كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ ثنتين، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَبْلَ الْفَجْرِ ثِنْتَيْنِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ، لَكِنْ ذَكَرُوا فِيهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا.

894- وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَجْدَةً سِوَى الْمَكْتُوبَةِ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ.

وَلِلنَّسَائِيِّ حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ كَالتِّرْمِذِيِّ، لَكِنْ قَالَ: وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ.

بَابُ فَضْلِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهَا

وَقَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ

895- عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

896- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ.

897- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَا صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ إلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.

898- وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا كَانَ كَأَنَّمَا تَهَجَّدَ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَمَنْ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَانَ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي "سُنَنِهِ".

الشيخ: اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فذكر المؤلفُ رحمه الله هنا أحاديث في صلاة التطوع، التطوع للصلاة أمر مشروع، وقد جاءت السنة دالة على أنه يكمل به الفرض، وأن العبد إذا انتقص من فريضته شيئًا كمل الله بتطوعه فرضه، فجاء في الأحاديث: عن أبي هريرة، وعن تميم الداري، وعن غيرهم، عن النبي ﷺ أنه قال: أول ما يُحاسب عليه العبدُ من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، ومَن انتقص منها شيئًا قال الله جلَّ وعلا: انظر هل لعبدي من تطوعٍ؟ فيكمل به الفرض.

وهكذا الزكاة وبقية الأعمال، فينبغي للمؤمن أن يُكثر من التَّطوعات: من الصلاة والصيام والصَّدقات وغيرها من أنواع التطوع؛ لأنَّ في ذلك خيرًا عظيمًا، وأجرًا كبيرًا؛ ولأنَّ ذلك يُتمم به ما يحصل من نقصٍ وخللٍ في فرائضه.

وقد حُفظ عن النبي ﷺ تطوُّعات متعددة: منها ما ذكره ابن عمر في "الصحيحين": عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: "حفظتُ من رسول الله ﷺ عشر ركعات: ثنتين قبل الظهر، وثنتين بعدها، وثنتين بعد المغرب، وثنتين بعد العشاء، وثنتين قبل صلاة الصبح"، هذه عشر.

وجاء في رواية البخاري ومسلم من حديث عائشة: أنها أربع قبل الظهر، فصارت اثنتي عشرة، وهكذا في حديث أم حبيبة: "أربعًا قبل الظهر"، وهكذا في أحاديث أخرى تدل على أنه كان يُصلي أربعًا قبل الظهر، فيكون الجميع ثنتي عشرة ركعة.

وفي حديث أم حبيبة الدلالة على أنَّ مَن حافظ على ثنتي عشرة ركعة تطوعًا بنى الله له بهن بيتًا في الجنة، رواه مسلم في "الصحيح"، فهذا يدل على شرعية هذه الركعات، فينبغي للمؤمن أن يُحافظ عليها، ويُقال لها: الرواتب، وهي من آكد النوافل، وكان يفعلها في بيته عليه الصلاة والسلام، هذا هو الأفضل، وربما فعلها في المسجد بعض الأحيان، فالسنة والأفضل أن يكون في البيت، وإن فعلها في المسجد لا حرج.

والجمع بين حديث ابن عمر وحديث عائشة أن يقال: أنه ربما اكتفى بركعتين قبل الظهر، فيكون ما حفظه ابن عمر لا يُنافي ما قالته عائشة وأم حبيبة، فلعله كان في الغالب يُصلي أربعًا، وربما صلَّى ثنتين قبل الظهر واكتفى بهما؛ جمعًا بين الروايات، وابن عمر حفظ ثنتين، وغيره حفظ أربعًا، والأفضل أن يُصلي أربعًا؛ لأنَّ الزيادة أفضل؛ لأنَّ مَن حفظ حُجَّة على مَن لم يحفظ؛ ولأنَّ هذا أكثر عملًا، وأكثر تطوعًا، وأكثر أجرًا.

وفي حديث أم حبيبة أيضًا -وهي أم المؤمنين- بنت جحش رضي الله عنها، عن النبي ﷺ أنه قال: مَن صلَّى أربعًا قبل الظهر وأربعًا بعدها حرَّمه الله تعالى على النار، وفي لفظٍ آخر: مَن حافظ على أربعٍ، وهو حديث جيد، وهو يدل على شرعية الأربع قبل الظهر، والأربع بعدها، ولكن ليست الأربعة راتبةً، فما كان يُحافظ عليها النبيُّ ﷺ بعد الظهر، وإنما كان يُحافظ على ثنتين، فإذا صلَّى الإنسان أربعًا بعد الظهر فهذا خير عظيم وفضل.

كذلك حديث ابن عمر: رحم الله امرأً صلَّى أربعًا قبل العصر، وهو حديث جيد، رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسَّنه، وابن خزيمة وصحَّحه كما في "البلوغ"، وقد تأمَّلتُ أسانيدها فوجدتُها جيدة، فهو حديث جيد يدل على شرعية الأربع قبل العصر، وهي من قول النبي عليه الصلاة والسلام، وليست من الرواتب، ليست من فعله.

وقد روى عليٌّ أنه كان يُصلي أربعًا قبل العصر، ولكن في سنده مقال، والمحفوظ من قوله عليه الصلاة والسلام أنه قال: رحم الله امرأً صلَّى أربعًا قبل العصر، ومعروف من فعله أنه صلَّى أربعًا قبل العصر، يؤكد ذلك ويعتضد بالحديث القولي.

فالحاصل أن الصلاة أربعًا قبل العصر مُستحبَّة من قول النبي ﷺ، ويشهد لها فعله، وإن كان فيه ضعف، لكنه يتقوى بالحديث القولي.

وحديث عائشة أنه ربما كان يُصلي أربعًا بعد العشاء أو ستًّا يحتاج إلى إعادة نظرٍ في سنده، لا أعلم ........ شاهدًا، وقد جاء في بعض الروايات في الصحيح: أنه كان ربما صلَّى أربعًا بعد العشاء إذا دخل بيته، ولكن غالب فعله ﷺ أنه يُصلي ثنتين بعد العشاء، كما رواه ابن عمر وعائشة في أحاديث صحيحة: كان يُصلي ثنتين بعد العشاء، وهي الراتبة، وإذا صلَّى أربعًا قبل أن ينام أو أكثر فلا حرج في ذلك، وإن أوتر قبل أن ينام فلا حرج في ذلك، ولكن الأفضل هو التَّهجد في آخر الليل إذا تيسر ذلك، وإن لم يتيسر تهجد في أول الليل واحتاط لنفسه.

وكان أبو هريرة وأبو الدرداء أوصاهما النبيُّ ﷺ أن يُوترا قبل النوم، وهكذا عبدالرحمن بن عوف.

فالحاصل أن الإيتار والتَّهجد في أول الليل مشروع، ولكن في آخر الليل لمن قدر عليه أفضل، وقد صحَّ من رواية جابر عند مسلم: قال عليه الصلاة والسلام: مَن خاف أن لا يقوم في آخر الليل فليُوتر أوله، ومَن طمع أن يقوم آخر الليل فليُوتر آخر الليل؛ فإنَّ الصلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل رواه مسلم.

أما حديث البراء فهو ضعيف منكر المتن، رواه سعيد بن منصور في "سننه"، وهو ضعيف الإسناد، والأحاديث السابقة أصحّ وأثبت، والسنة ثابتة في أنَّ أربعًا قبل الظهر، ولكن المقصود بيان ...... أنها كالتَّهجد من الليل، كذلك الأربع بعد العشاء أنها كقيام ليلة القدر، فهذا ضعيف ومنكر المتن، والأحاديث الصحيحة كافية كما تقدَّم في ذلك.

س: ..........؟

ج: ما أحفظ صلِّي أربعًا .......

س: ..........؟

ج: لو أنَّ جماعةً صلّوا وأنت ما بعد صليتَ، وقمتَ من نومك وفاتتك الصلاةُ مع الجماعة، صليتَ أربعًا بعد العصر، ما بعد دخل وقت النَّهي في حقِّك حتى تُصلي وقت النَّهي، يدخل في حقِّ كل إنسانٍ صلَّى العصر، والذي ما بعد صلَّى ما دخل في حقِّه وقتُ النَّهي.

س: رحم الله امرأً صلَّى أربعًا قبل العصر .........؟

ج: لا بأس به، نعم جيد، رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي .......

س: حديث الفضائل ...... ولو فعلها مرةً واحدةً أم لا بدَّ من المُواظبة؟

ج: يفعلها الإنسانُ ما تيسر، مرة خير وأفضل، وإذا ما تيسرت فالحمد لله، يفعل ما تيسَّر؛ لأنها نوافل.

س: ..........؟

ج: ضعيف حديث ....... بعد العشاء.

س: ركعتان بعد العشاء، هي ركعتان السنة؟

ج: هذه السنة الراتبة -راتبة العشاء- أما الإيتار فيكون بعد ذلك، يُصلِّي ثنتين ويُوتر بواحدةٍ، أو يُصلي واحدةً فقط لا بأس، لو صلَّى بعد الراتبة ركعةً واحدةً تمَّ له الوتر، وإن زاد صلَّى ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر زاد أجره.

بَابُ تَأْكِيدِ رَكْعَتَي الْفَجْرِ وَتَخْفِيفِ قِرَاءَتِهِمَا

وَالضّجْعَةِ وَالْكَلَام بَعْدَهُمَا وَقَضَائِهِمَا إذَا فَاتَتَا

899- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَي الْفَجْرِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

900- وَعَنْهَا، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

901- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَدَعُوا رَكْعَتَي الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُم الْخَيْلُ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.

902- وَعَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "رَمَقْتُ النبيَّ ﷺ شَهْرًا، فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون]، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.

903- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى إنِّي لَأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ؟". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

904- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُم الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

905- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا صَلَّى رَكْعَتَي الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ".

وَفِي رِوَايَةٍ: "كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَي الْفَجْرِ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا اضْطَجَعَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما.

906- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَي الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَضَاهُمَا مَعَ الْفَرِيضَةِ لَمَّا نَامَ عَنِ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ.

الشيخ: ذكر المؤلف رحمه الله الأحاديث الواردة في ركعتي الفجر -وهي سنة الفجر- وهي أحاديث كثيرة، ذكر بعضها المؤلف رحمه الله، وهي كلها تدل على تأكد سنة الفجر، وأنهما ركعتان خفيفتان، يقرأ فيهما بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون]، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]، هذا هو الأفضل.

وثبت في الصحيح أنه قرأ فيهما بآيتي البقرة وآل عمران: الأولى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا الآية [البقرة:136]، والثانية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الآية [آل عمران:64]، رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس، وكان يحسن بالمؤلف أنه ذكره هنا.

وفي حديث عائشة: "لم يكن النبيُّ ﷺ على شيءٍ من النوافل أشدّ تعاهُدًا منه على ركعتي الفجر". متَّفق عليه، هذا يدل على أنها من النوافل، وليست فريضةً، ولكن كان النبيُّ ﷺ يُواظب عليها، ويعتني بها سفرًا وحضرًا، وكان لا يُصلي في السفر سنة الظهر، ولا سنة المغرب، ولا سنة العشاء، وإنما كان يُصلي سنة الفجر فقط، فدلَّ على تأكُّدها، وقال فيها: ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها رواه أحمد ومسلم، فيدل على فضل هاتين الركعتين، وأن شأنهما عظيم، وأنه ينبغي للمؤمن المحافظة عليهما في سفره وفي حضوره، ولما نام في بعض أسفاره حتى طلعت الشمسُ صلَّاهما قبل الفريضة، ثم صلَّى الفريضة بعد الشمس، أمر بالأذان فأذَّن، ثم صلَّى ركعتي الفجر، ثم صلَّى الفريضة.

وهكذا في الحديث الأخير -حديث أبي هريرة- أنَّ مَن لم يُصلِّهما صلَّاهما بعد طلوع الشمس، وهو حديث حسن لا بأس به، يدل على شرعية فعلهما إذا فاتتا بعد طلوع الشمس، هذا هو الأفضل.

وثبت عنه ﷺ أنه أقرَّ مَن صلَّاهما بعد الفريضة بعد صلاة الفجر، لما أراد أن يُصليهما قال له: أصلاة الصبح أربعًا؟ قال: إنها سنة الفجر لم أُصلها قبل الصلاة، فأقرَّه ولم يُنكر عليه فعل ذلك، فإن صلَّاهما بعد الفريضة فلا بأس، وإن أخَّرهما إلى ارتفاع الشمس كان أفضل.

وفي حديث أبي هريرة: لا تدعوهما ولو طردتكم الخيل، هذا فيه نظر، المتن فيه نكارة؛ لأنها من النوافل، وهذا الحكم يقتضي أنها فريضة، والفريضة نفسها تُؤخَّر إذا اشتدَّت الحربُ، كما فعل النبي يوم الأحزاب، فهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية عبدالرحمن بن إسحاق المدني، وفيه كلام، عن ابن زيد، والظاهر أنه عبدالرحمن بن زيد، وهو ساقط الرواية، وإن كان إمامًا في التفسير، لكنه ضعيف الرواية.

والحاصل أنه حديث ضعيف متنًا وسندًا، وهذا المتن لو صحَّ لكان يقتضي وجوبهما: لا تدعوهما ولو طردتكم الخيل، لو صحَّ هذا لكان يقتضي وجوبهما، لكنه ضعيف.

كذلك حديث أبي هريرة الآخر: إذا صلَّى أحدُكم سنة الفجر فليضطجع على شقِّه الأيمن، هذا الأمر ضعيف أيضًا كما صرح بذلك أبو العباس ابن تيمية، وقال: إنه حديث باطل. وقال آخرون من أهل العلم: إنه وهم من عبدالواحد بن زياد، من روايته عن الأعمش، وهم في ذلك، وإنما الصواب: "اضطجع"، "صلَّى الفجر واضطجع على شقِّه الأيمن" بالفعل، قال البيهقي: وهذا أشبه، فإنَّ الرواية الصحيحة عن أبي هريرة: أنه كان إذا صلَّى الفجر يضطجع على شقِّه الأيمن، أما الأمر فليس بثابتٍ.

وهو معلول بعبدالواحد بن زيد، ووهم فيه، ومعلول أيضًا بعلَّةٍ أخرى، وهي أن الأعمش عنعنه عن أبي صالح، وهو مُدلس، وجاء في روايةٍ: أنه رواه عن مجهولٍ، عمَّن سمعه، عن أبي صالح، فالحديث ضعيف، حديث الأمر عن أبي هريرة ضعيف مع الحديث السابق: لا تدعوهما ولو طردتكم الخيل، كلاهما ضعيف، والمحفوظ من فعله ﷺ أنه كان إذا صلَّى سنة الفجر اضطجع على شقِّه الأيمن، هذا هو المحفوظ من فعله عليه الصلاة والسلام.

وفي حديث عائشة قالت: "إن كنتُ مستيقظةً حدَّثني، وإلا اضطجع"، هذا أيضًا مما يؤيد أنها سنة، وليست بفريضة؛ ولهذا تركها بعض الأحيان، ثم تحدَّث معها ولم يضطجع، فدلَّ على أنها سنة، ليست فريضةً؛ ولهذا تركها بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام.

والسنة في القراءة فيهما: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون]، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص] بعد الفاتحة، أو بالآيتين الكريمتين من سورة البقرة وآل عمران: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136] في الأولى بعد الفاتحة، و قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] في الثانية بعد الفاتحة.

وفي حديث عائشة السنة التخفيف فيها، فإنها قالت: "كان يُخففهما حتى أقول: أقرأ بأم الكتاب؟"، فيدل على أنَّ السنة تخفيفهما وعدم الإطالة فيهما في القراءة والركوع والسجود، ركعتان خفيفتان، هذا هو السنة.

وفَّق الله الجميع.

س: صلاة الوتر هل حافظ عليها؟

ج: نعم، حافظ عليها في الحضر والسفر، والوتر سيأتي البحث فيه إن شاء الله.

س: ..........؟

ج: سنة الفجر، وأما الفريضة فهذا معلوم هي وغيرها من الفرائض، لكن قد يضطر المجاهدون إلى تأخيرها ...... فهو ضعيف ولو أوّل على الفريضة.

وقد ثبت أنَّ الصحابة لما حاصروا تستر طلع الفجرُ عليهم وهم على أبواب المدينة، وبعضهم على السور قد فتح بعض البلد، ولم يزالوا في قتالٍ، فأخَّروا الفجر حتى صلّوها ضحًى، قال أنس: "فما أحبّ أنَّ لي به حمر النعم"؛ لأنها أخّرت من أجل الجهاد في سبيل الله، اشتد عليهم الأمر ......، اشتبكت الحرب مع طلوع الفجر، وبعضهم على أبواب المدينة، وبعضهم على السور، وبعضهم قد نزل في البلد، فلم يستطيعوا أن يُصلوا حتى طلعت الشمسُ وتمَّ الفتح، ...... قصة الأحزاب: النبي ﷺ لما شغله المشركون أخَّر العصر حتى صلَّاها بعد المغرب كما في "الصحيحين".

س: حديث إقراره بمَن قضاها بعد الفجر صحيح؟

ج: نعم.

س: الاضطجاع يكون في البيت فقط؟

ج: نعم في البيت، ما هو في المسجد، كان النبيُّ يفعلها في البيت، وكان ابن عمر يحصبهم إذا رآهم مُضطجعين في المسجد، فليس من السنة الاضطجاع في المسجد.

س: ...........؟

ج: ليس خاصًّا، لا، سنة مطلقًا ولو ما قام الليل.

بَابُ مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ سُنَّتَي الظُّهْرِ

907- عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا لَمْ يُصَلِّ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهُنَّ بَعْدَهَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

908- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

909- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَنْهَى عَنْهُمَا" تَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، "ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا، أَمَّا حِينَ صَلَّاهُمَا فَإِنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَصَلَّاهُمَا، فَأَرْسَلْتُ إلَيْهِ الْجَارِيَةَ، فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا! فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي، فَفَعَلَت الْجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَإِنَّهُ أَتَانِي أُنَاسٌ مِنْ بَنِي عَبْدِالْقَيسِ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: "مَا رَأَيْتُهُ صَلَّاهُمَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا".

بَابُ مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ سُنَّةِ الْعَصْرِ

910- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَن السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَتْ: "كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ إنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا، أَوْ نَسِيَهُمَا، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا، وَكَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ.

911- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "شُغِلَ رَسُولُ اللَّه ﷺ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

912- وَعَنْ مَيْمُونَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُجَهِّزُ بَعْثًا، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ظَهْرٌ، فَجَاءَهُ ظَهْرٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَ يُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمْ، فَحَبَسُوهُ حَتَّى أَرْهَقَ الْعَصْرُ، وَكَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى مَا كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا، وَكَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَوْ فَعَلَ شَيْئًا يُحِبُّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة الأول في الدلالة على أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا لم يُصلِّ الأربع قبل الظهر صلَّاها بعدها، وقد ثبت عنه ﷺ أنه كان يُصلي أربعًا قبل الظهر كما في حديث عائشة وغيره: كان يُصلي أربعًا قبل الظهر، وثنتين بعدها، وهي من الرواتب، وكان النبيُّ ﷺ يُحافظ عليها، فكان إذا لم يُصلِّها -كأن شُغِل عنها- صلَّاها بعد الصلاة مع السنة البعدية، وهي ثنتان.

وهذا الحديث من رواية الترمذي عن عائشة، صحيحة وجيدة ولا بأس بإسنادها، فدلَّ ذلك على أنه يُستحب لمن فاتته السنة قبل الظهر أن يُصليها بعد الصلاة، يعني: إذا جاء والصلاة قد أُقيمت -مثلًا الظهر- فإنه يُصليها ثم يُصلي الأربع بعد الظهر التي كان يُصليها قبل الظهر، ويُصلي أيضًا الثنتين اللتين بعد الظهر الراتبة، فتصير ستًّا، وإن صلَّى ثمانٍ -أربع وأربع- فلا بأس كما في حديث أم حبيبة، ورواه ابن ماجه، وهو من حديث عائشة أيضًا وزاد: أربعًا بعد الثنتين، يعني: بعد الظهر، يعني: يبدي الراتبة البعدية، ثم يُصلي الأربع.

ولكن رواية ابن ماجه ضعيفة؛ لأنها من رواية قيس بن الربيع، وهو ليس بحجَّةٍ لضعفه، ورواية الترمذي أصح، وليس فيها تقييد، فالأظهر أنه يُصليها أول، يعني: يقضيها أول؛ لأنها محل التقدم، ثم يُصلي الثنتين التي هي السنة البعدية، هذا هو الأظهر، وكيفما فعل أجزأ، سواء قدَّم أو أخَّر، الأمر في هذا واسع، لكن مقتضى القواعد وإطلاق حديث عائشة من رواية الترمذي أنه يُصلي الأربع، ثم يصلي الثنتين، وهي السنة البعدية، وإن صلَّى أربعًا وأربعًا –يعني: ثمان- كان ذلك أفضل وأكمل؛ لما في حديث أم حبيبة الآتي أنه ﷺ قال: مَن حافظ على أربعٍ قبل الظهر وأربعٍ بعدها حرَّمه الله تعالى على النار، لكنه لم يُحافظ إلا على ثنتين بعد الظهر –الراتبة- عليه الصلاة والسلام، فالثنتان راتبة، والأربع بعدها سنة لمن تيسر له ذلك.

أما ثنتان بعد العصر فجاءت فيها هذه الأحاديث الثلاثة: أنه كان يُصليها قبل العصر، فشُغل عنها فصلَّاها بعد العصر، وبيَّن لأم سلمة أنه شُغل عنها فصلَّاها بعد العصر، وكان إذا عمل شيئًا أثبته كما قالت عائشة، فداوم عليها، كان يُصلي ثنتين بعد العصر، واستمرَّ عليها، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ثبت في الأحاديث المتواترة النَّهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغيب الشمسُ، فهذا هو الحق، فلا يجوز أن يُصلي بعد العصر صلاةً مستمرةً، أو من غير ذوات الأسباب؛ لأنَّ هذا نهى عنه النبي ﷺ في الأحاديث المستفيضة المتواترة، وإنما فعلها لأنها كانت سنة الظهر فصلَّاها بعد العصر، أو أنها ركعتان كان يفعلهما بعد العصر، فأثبتهما بعد العصر كما في الرواية الأخرى.

وفي "مسند أحمد" بإسنادٍ جيدٍ أن أم سلمة قالت: يا رسول الله، أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا، وهذا صريح أنه لا يتأسَّى به في ذلك، وأنه من خصائصه، وسنده عند أحمد لا بأس به، جيد، وهذا صريح أنهما خاصتان به، وأن سنة الظهر أو سنة العصر لا تُقضى بعد العصر، بخلاف سنة الظهر القبلية فإنها تُؤدَّى بعد الظهر، وهكذا سنة الفجر تُؤدَّى بعد الفجر، وبعد طلوع الشمس، وهذا خاصٌّ بهاتين الصلاتين.

وقد ثبت ما يدل على أنها تُفعل أيضًا النافلة بعد العصر، وبعد الصبح إذا كانت من ذوات الأسباب، وهذا جاءت فيه أحاديث أخرى تدل على أنه لا بأس أن يُصلي ذوات الأسباب في أوقات النَّهي: كسنة تحية المسجد، وسنة الطواف لمن طاف بعد العصر، أو بعد الفجر في مكة، وهكذا صلاة الكسوف، لو كسفت الشمسُ بعد العصر فالصواب أنها تُصلى؛ لأنها من ذوات الأسباب، هذا هو الراجح من قولي العلماء؛ لأنَّ الأحاديث واضحة في ذلك: منها حديث جبير بن مطعم، وهو حديث صحيح، يقول ﷺ: يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت أو صلَّى أية ساعةٍ شاء من ليلٍ أو نهار، وهكذا قوله ﷺ: إذا دخل أحدُكم المسجد فلا يجلس حتى يُصلي ركعتين عام.

وهكذا قوله ﷺ: إذا رأيتُموه –أي الكسوف- فصلّوا وادعوا حتى يُكشف ما بكم، ولم يقل: إلا وقت العصر، أو وقت الفجر، فعُلم بذلك أنَّ ذوات الأسباب مُستثناة من النَّهي.

وفي الأحاديث الأخيرة الدلالة على شرعية الصلاة قبل العصر، وأنه يُصلي ثنتين أو أربعًا، فالثنتان من فعله ﷺ، وجاء أربعًا أيضًا كما في حديث عليٍّ بإسنادٍ حسنٍ عند أحمد وغيره: أن النبي ﷺ كان يُصلي أربعًا قبل العصر، وحديث ابن عمر: رحم الله امرأً صلَّى أربعًا قبل العصر، وهو حديث جيد، لكن لا تكون راتبةً كأربع قبل الظهر، وإنما جاء أنَّ النبي ﷺ فعلها، ولم يأتِ أنه حافظ عليها، فدلَّ على أنَّ الأمر فيها واسع، فمَن صلَّاها قبل العصر فهي سنة، ومَن تركها فلا حرج، ليس فيها التأكيد كسنة الظهر.

س: ...........؟

ج: لا تقضى ...... الفجر فقط تُقضى بعد الفجر أو بعد طلوع الشمس؛ لأنه جاء بها النَّص.

س: الأولى أن تُصلى بعدها ......؟

ج: بعد طلوع الفجر أولى إذا تيسر.

س: ...... الصلاة بعد العصر ما لم تتضيَّف للغروب؟

ج: ما أعرف، إذا تضيَّفت فالأمر أشد، لعلك تريد رواية: "كان يُصليه بعد العصر" ..... الشمس مرتفعة ......، لكن هذا مكذوب، لا يُعارض الأحاديث الصحيحة في "الصحيحين" وغيرهما، والصواب أنه لا يُصلى بعد العصر، ولو كانت الشمسُ مرتفعةً لا يُصلى بعد العصر؛ لأنه وقت نهي مطلقًا، هكذا جاءت الأحاديث المتواترة: من حديث ابن عمر، وابن عباس، وعمر، وأبي سعيد، وأبي هريرة .....، كلها تنهى عن الصلاة بعد العصر.

س: نسي راتبة الفجر ولم يذكرها إلا بعد الزوال؟

ج: وقتها بعد طلوع الشمس.

س: الوتر إذا فات؟

ج: يُصليه من النهار، الضُّحى، كما كان النبيُّ يفعل ﷺ، يُصليه شفعًا، ما يُوتر .....

بَابُ أَنَّ الْوِتْرَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ عَلَى الرَّاحِلَةِ

913- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا رَوَاهُ أَحْمَدُ.

914- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: "الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَهَيْئَةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ: "إنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِحَتْمٍ، وَلَا كَصَلَاتِكُم الْمَكْتُوبَةِ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَوْتَرَ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ".

915- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَوْتَرَ عَلَى بَعِيرِهِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

916- وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ. وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ.

وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ فِيهِ: الْوِتْرُ حَقٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.

الشيخ: ذكر المؤلفُ رحمه الله في هذا الباب بيان أنَّ الوتر سنة، وقد دلَّت الأحاديث الكثيرة على شرعية الوتر وتأكُّده، وأنه سنة مؤكدة ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، كذا في حديث خارجة بن حذافة: إنَّ الله أمدَّكم بصلاةٍ خير لكم من حمر النعم، ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وإن كان في سنده بعض المقال، لكن هذا محل إجماعٍ؛ أن الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.

فيُشرع للمسلم أن يُوتر في أول الليل، وفي وسطه، وفي آخره، وقد فعل ذلك النبيُّ ﷺ: قد أوتر بأوله، وفي وسطه، وفي آخره، ثم انتهى وتره إلى السَّحر، استقرَّ وتره في آخر الليل عليه الصلاة والسلام كما قالت عائشةُ رضي الله عنها، وهو ليس بفريضةٍ.

ومن ذلك حديث أبي بريدة: الوتر حقٌّ، فمَن لم يُوتر فليس منا، فهذا يدل على التأكُّد، والحديث في إسناده ضعف، ولكنه من دلائل تأكُّد الوتر، وليس بواجبٍ، فلو صحَّ لكان دليلًا على الوجوب، ولكن الرواية بهذه الزيادة ضعيفة.

وأما "حق" فمعناه: متأكّد، كما في حديث أبي أيوب أيضًا: الوتر حقٌّ، فمَن أحبَّ أن يُوتر بخمسٍ فليفعل، ومَن أحبَّ أن يُوتر بثلاثٍ فليفعل، ومَن أحبَّ أن يُوتر بواحدةٍ فليفعل.

وهكذا قال عليٌّ : "ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة، ولكنه سنة سنَّها رسولُ الله ﷺ"، وكان النبي ﷺ يُوتر على بعيره، فلو كان واجبًا لما أوتر على بعيره، فإن الفرائض لا تُصلَّى على الدابة، وإنما تُصلى في الأرض إلا عند الضَّرورة.

وهذه الأخبار وما جاء في معناها كلها تدل على تأكد الوتر، وكان النبيُّ ﷺ يُواظب عليه في السفر والحضر، وإذا فاته قضاه من النهار شفعًا عليه الصلاة والسلام، كل هذا يدل على تأكُّد الوتر، وأنه ينبغي للمؤمن ألا يدع الوتر ولو واحدة كما يأتي، يوتر بركعةٍ من آخر الليل، فالسنة أن يُحافظ عليه، وأن يعتني بالوتر على حسب ما يسَّر الله له: ركعة، أو ثلاثًا، أو أكثر من ذلك، وأقل من ذلك ركعة واحدة في أول الليل، أو في آخره، أو في وسطه، كما أوتر النبيُّ عليه الصلاة والسلام.

وتأتي تفاصيل وتره ﷺ وما كان يفعل في الباب الذي بعد هذا.

ونعرف من هذه الأحاديث أن الوتر سنة، وأنه ينبغي للمؤمن أن لا يدعه، لا سفرًا، ولا حضرًا، كسنة الفجر، لا حضرًا، ولا سفرًا، أما سنة المغرب والعشاء والظهر فهذه الأفضل تركها في السفر؛ لأن الرسول ﷺ كان يتركها في السفر عليه الصلاة والسلام، أما الوتر فكان يُحافظ عليه في السفر والحضر، وهكذا سنة الفجر في السفر والحضر، فدلَّ ذلك على تأكُّد هاتين الصلاتين، وقد بسط الكلام في هذا العلامة محمد بن نصر المروزي، كما ذكر عنه في الحاشية، وله كتاب في هذا رحمه الله جيد.

س: إذا داوم على القنوت؟

ج: لا بأس، القنوت في الوتر سنة، يُستحب، إن داوم فلا بأس، وإن ترك فلا بأس، النبي ﷺ علَّمه الحسن، ولم يقل له: لا تُداوم عليه، فإذا داوم عليه فلا بأس.

س: إذا صلَّى أول الليل وأوتر، وقام آخر الليل وأراد أن يُصلي فهل يُوتر؟

ج: إذا أوتر في أول الليل ثم قام في آخر الليل يُصلي ما تيسر من دون وترٍ، يكفيه الوتر الأول، يصلي ثنتين أو أربعًا أو أكثر لكن يكفيه الوتر الأول؛ لقول النبي ﷺ: لا وتران في ليلةٍ، يُصلي ما تيسر له من آخر الليل، ولكن لا يُعيد الوتر، ويكفيه الوتر الأول.

س: ...........؟

ج: مستحب، النبي علَّمه الحسن بعد الركوع.

وسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعد هذا إن شاء الله.

بَابُ الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ وَبِثَلَاثٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعٍ وَتِسْعٍ

بِسَلَامٍ وَاحِدٍ وَمَا يَتَقَدَّمُهَا مِنَ الشَّفْعِ

917- عَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَزَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، تُسَلِّمُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وَلِمُسْلِمٍ: قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: مَا مَثْنَى مَثْنَى؟ قَالَ: يُسَلِّم فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.

918- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ فِي الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُر بِبَعْضِ حَاجَتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

919- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمَا سَمِعَا النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ.

920- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي مَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى الْفَجْرِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ، وَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

921- وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى]، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِـقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون]، وَفِي الثَّالِثَةِ بِـقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]، وَلَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

922- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَفْصِلُ فيهنَّ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ: "كَانَ لَا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتَي الْوِتْرِ".

وَقَدْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ إسْنَادَهُ، وَإِنْ ثَبَتَ فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَهُ أَحْيَانًا، كَمَا أَوْتَرَ بِالْخَمْسِ وَالسَّبْعِ وَالتِّسْعِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ.

923- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ، أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.

924- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُوتِرُ بِسَبْعٍ وَبِخَمْسٍ، لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ وَلَا كَلَامٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

925- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، وَلَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

926- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ: أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: "كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثَهُ اللَّهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِن اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَتِلْكَ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيّ، فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الْأَوَّلِ، فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيَّ، وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا، وَكَانَ إذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ صَلَّى مِن النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلَا قَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ، وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيّ وَأَبِي دَاوُد نَحْوهُ، وَفِيهَا: "فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ، لَمْ يَجْلِسْ إلَّا فِي السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي السَّابِعَةِ".

وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ قَالَ: "فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ صَلَّى بسبع رَكَعَاتٍ، لَا يَقْعُدُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ".

الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بصلاة الليل والوتر في الليل، بيَّنت عائشةُ رضي الله عنها وابن عمر وأبي بن كعب وغيرهم ما كان يفعله عليه الصلاة والسلام.

في حديث ابن عمر الدلالة على أنَّ صلاة الليل مثنى مثنى، وأن السنة أن يُسلم من ثنتين؛ ولهذا لما سُئل عليه الصلاة والسلام عن صلاة الليل قال: مثنى مثنى، وفي روايةٍ ..... أنه يُصلي ثنتين ثنتين.

وهكذا قال ابنُ عمر: "وكان يفعل ذلك ويُسلم ويقضي بعض حاجته".

وهكذا في حديث عائشة في "الصحيحين": أنه كان يُوتر بإحدى عشرة، يُسلِّم من كل ثنتين، ثم يُوتر بواحدةٍ، وربما أوتر بخمسٍ يسردها سردًا، بعدما يُصلي ثمان ركعات يُسلم من كل ثنتين، ثم يُوتر بخمسٍ، فيكون الجميع ثلاث عشرة، وربما صلَّاها إحدى عشرة، وربما صلَّى سبعًا يسردها، لا يُوتر إلا في آخرها، وربما جلس في السادسة للتشهد الأول، ويتم التشهد الأول، ثم قام، فعل هذا وهذا، سرد السبع جميعًا ولم يجلس إلا في السابعة، والحالة الثانية: يجلس في السادسة، ويكون التشهد الأول، ثم قام وأتى بالسابعة، أما الخمس فكان يسردها، وهكذا الثلاث كان يسردها، ولا يجلس إلا في الأخيرة، وربما أوتر بتسعٍ يجلس في الثامنة، يجلس للتشهد الأول، ثم يأتي بالتاسعة.

أما إحدى عشرة وثلاث عشرة: فكان يُسلم من كل ثنتين، وربما أوتر بخمسٍ وسلَّم قبلها من كل ثنتين كما تقدم، فهذه أنواع وتره عليه الصلاة والسلام.

وفي حديث ابن عمر وابن عباس أنه قال عليه الصلاة والسلام: الوتر ركعة من آخر الليل رواه مسلم، هذا يدل على أنَّ أقل الوتر ركعة، وهكذا كما في حديث أبي أيوب: ومَن أحبَّ أن يوتر بواحدةٍ فليفعل.

فالوتر ركعة من آخر الليل، هذا هو الأفضل، وإن أتى بها في أول الليل أو في وسطه فلا بأس، كما دلَّت على ذلك الأحاديث الصحيحة، ولكن آخر الليل أفضل، والمؤمن مُخيَّر بين هذه الأنواع، وأكثر ما ورد عنه ﷺ ثلاث عشرة، وليس هذا بمانع من الزيادة، وإنما هذا أكمل ما فعله ﷺ، وهو يُحب أن لا يشقَّ على أمته، فمَن أحبَّ أن يزيد يُصلي بخمس عشرة أو بعشرين أو بثلاثين -كما فعل السلفُ- أو بأكثر فلا بأس؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: صلاة الليل مثنى مثنى، ولم يُحدد، ما قال: عشرين، ولا أربعين، ولا خمسين، فدلَّ ذلك على أنه إذا أوتر بثلاثٍ وعشرين أو بثلاثٍ وثلاثين أو بتسعٍ وأربعين أو بإحدى وأربعين أو بأكثر من هذا أو بمئةٍ لا حرج في ذلك: مثنى مثنى، يُسلم من كل ثنتين.

ولهذا تنوعت صلاةُ السلف: منهم مَن يُكثر، ومنهم مَن يقل، والنبي ﷺ كذلك تنوعت صلاته، وثبت عنه في حديث حذيفة أنه صلَّى ركعتين -في رواية أربع- أطال فيهما القراءة، وقرأ بالبقرة والنساء وآل عمران.

وجاء من حديث ابن مسعودٍ : أنه أطال الصلاة ذات ليلةٍ حتى همَّ بالجلوس –يعني: حتى همَّ ابنُ مسعودٍ بالجلوس.

فالمقصود أنه ﷺ كان لا يلتزم بشيءٍ معينٍ، بل ربما صلَّى كذا، وصلَّى كذا، وهذا فيه توسعة، وأن المؤمن يُصلي ما يسَّر الله له: تارةً ينشط فيطول ويكثر، وتارةً يضعف ويقلل ويُخفف: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ولا حرج، وكله نافلة والحمد لله.

فإذا كان في آخر الليل فهو أفضل، وإن صلَّاها في أول الليل وفي جوف الليل فلا بأس، قالت عائشة رضي الله عنها: "من كل الليل أوتر رسولُ الله ﷺ، أوتر من أوله، وأوتر من وسطه، وآخره، ثم انتهى وتره إلى السَّحر عليه الصلاة والسلام".

ولكن إذا أوتر بثلاثٍ يسردها فهذه السنة، لا يجلس للتشهد الأول، لا يُشبهها بالمغرب كما في حديث: لا تشبهوها بالمغرب، يسردها سردًا، هذا جائز، أو يُسلم من الثنتين، ثم يُوتر بواحدةٍ، وهذا أفضل.

وهكذا الخمس إن سردها فلا بأس، وإن سلَّم من كل ثنتين فهو الأفضل والأكمل كما تقدم في قوله: صلاة الليل مثنى مثنى.

والخلاصة أنَّ الأفضل هو ما ثبت، هذا هو الأفضل، فإن سرد ثلاثًا أو خمسًا جميعًا ولم يجلس إلا في آخرها فلا بأس، وإن سرد سبعًا فهو مُخيَّر: إن شاء سردها ولم يجلس إلا في السابعة، وإن شاء جلس في السادسة للتشهد الأول، ثم قام وأتى بالسابعة، وهكذا في التسع، فالأفضل ثنتين ثنتين، وإن سردها وجلس في الثامنة للتشهد الأول ثم أتى بالتاسعة. وأما الإحدى عشرة فلا يسردها، بل يُسلم من كل ثنتين، وهكذا الثلاث عشرة لا يسردها، بل يُسلم من كل ثنتين؛ لأنه لم يرد سرده لها عليه الصلاة والسلام، فالأفضل ألا يسردها، يُسلم من كل ثنتين، وإن أوتر بثلاث عشرة فقد فعل ﷺ ذلك، وإن أوتر بتسع فصلَّى ثنتين وهو جالس، أو بسبعٍ وصلى ثنتين وهو جالس بعدها فلا بأس.

والسر في ذلك والله أعلم أنه يُبين أن الصلاة بعد الوتر لا حرج فيها، وأن النبي صلى ثنتين وهو جالس بعد الوتر، فهذا المقصود منه البيان بأن الصلاة بعد الوتر ليست حرامًا، لا بأس بها، لكن الأفضل أن يكون آخر الصلاة وترًا، هذا هو الأفضل، فإذا أوتر في أول الليل، أو في وسط الليل، ثم قام في آخر الليل ويسَّر الله له الصلاة صلَّى ما بدا له من غير حاجةٍ إلى وترٍ، يكفيه الوتر الأول، يُصلي ثنتين، أو يُصلي أربعًا، أو أكثر، يُسلم من كل ثنتين، يكفيه الوتر الأول، ولا حاجة إلى أن يوتر ثانيًا؛ لأنه ﷺ أوتر ثم صلَّى ثنتين ولم يُعد الوتر، وقال: لا وتران في ليلةٍ، فدلَّ ذلك على أنَّ مَن أوتر في أول الليل أو في وسطه ثم يسَّر الله له القيام في آخر الليل فإنه يُصلي ما شاء ثنتين ثنتين، ولا حاجة إلى أن يُعيد الوتر، ولا يُشرع له ذلك.

وفَّق الله الجميع.

س: .........؟

ج: ...........

س: سرد التّسع بتشهدٍ واحدٍ؟

ج: ما ورد، ما أعلم له أصلًا، السنة [أن] يجلس في الثامنة.

س: إحدى عشر ما ورد؟

ج: ما ورد، ما أعلمه ورد.

س: بالنسبة للتفضيل: هل الأفضل الزيادة على إحدى عشر ركعة أو ......؟

ج: الأفضل التطويل، تطويل الركوع والسجود هذا هو الأفضل؛ لفعله ﷺ، ولو ما صلَّى إلا خمسًا أو ثلاثًا، وإن صلَّى سبعًا أو تسعًا أو إحدى عشرة ولم يُطول فلا حرج، الأمر واسع بحمد الله، لكن التطويل هو الأفضل؛ لما فيه من الخشوع والتَّدبر في القراءة، والتَّمهل في الركوع والسجود؛ حتى يتمكَّن من كثرة التَّسبيح والدعاء في السجود، وفعله يدل على هذا، يعني: لما كان يُطول عليه الصلاة والسلام.

س: .........؟

ج: لا بأس به، في "الصحيحين": صلاة الليل مثنى مثنى، لكن رواية في السنن: صلاة الليل والنهار ......، فلا بأس به، الزيادة من الثقة مقبولة، والنسائي خطَّأ هذه الزيادة، لكن الصواب أنها ليست خطأ، الصواب أن الزيادة من الثقة مقبولة، فالأفضل مثنى مثنى، حتى في النهار هذا هو الأفضل.

س: إذا سرد خمسًا أو سبعًا هل يُشرع التَّورك؟

ج: لا، يفترش، لكن لو تشهد في السادسة من السبع، أو في الثامنة من التسع فالذي يظهر أنه يتورك في الأخيرة كما يتورك في الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

س: في التراويح إذا قام إلى الركعة الثالثة ساهيًا؟

ج: يرجع، صلاة الليل مثنى مثنى، يرجع ويسجد للسهو، مثل: لو قام إلى الثالثة في الفجر أو في الجمعة يرجع.

س: ............؟

ج: ما ورد، ما ورد.

س: ثلاث ما يتشهد .....؟

ج: يُسلم من ثنتين، ويأتي بواحدةٍ، هذا هو الأفضل، وإن سردها ثلاثًا فلا بأس.

س: مَن فاته الوتر إلى بعد صلاة الفجر هل الأفضل التَّأخير؟

ج: يُصلي من الضُّحى، إذا فاته الوتر يُصلي من النهار، الضُّحى.

س: بعد الأذان مثلًا؟

ج: لا، لا، إذا جاء الصبح انتهى الوتر، الفروق اليسيرة يُعفى عنها عند بعض أهل العلم، لا حرج في الشيء اليسير.

بَابُ وَقْتِ صَلَاةِ الْوِتْرِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهَا وَالْقُنُوت

927- عَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ غَدَاةٍ فَقَالَ: لَقَدْ أَمَدَّكُم اللَّهُ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، قُلْنَا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْوِتْرُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.

وفيه دليل على أنه لا يعتدّ به قبل العشاء بحالٍ.

928- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ، فَانْتَهَى وَتْرُهُ إلَى السَّحَرِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

929- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَأَبَا دَاوُد.

930- وَعَنْ جَابِرٍ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَيُّكُمْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ، ثُمَّ لِيَرْقُدْ، وَمَنْ وَثِقَ بِقِيَامٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

931- وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى]، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون]، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

وَلِلْخَمْسَةِ إلَّا أَبَا دَاوُد مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَزَادَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ: "فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ"، وَلَهُمَا مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، وَفِي آخِرِهِ: "وَرَفَعَ صَوْتَهُ فِي الْآخِرَةِ".

932- وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: "عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، ولا يعزُّ مَن عاديتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ".

933- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وتْرِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ.

الشيخ: هذه الأحاديث تتعلق بالوتر في وقته، وما يُقرأ فيه:

في حديث خارجة بن حُذافة: وهو العدوي، من رهط عمر، وهو القرشي العدوي، ومن الشجعان المعروفين ، قُتل سنة أربعين، قتله الخوارجُ وهو يُصلي، فإن الخوارج تعاقدوا على أن يقتلوا ثلاثةً في عام أربعين: واحد جُعل لعليٍّ، يقتل عليًّا، وواحد يقتل معاوية، وواحد يقتل عمرو بن العاص، فنفذ الله أمره في عليٍّ وقُتل على يد الخارجي ابن ملجم، وأتى مندوبه إلى مصر يريد عمرو بن العاص، وهو أميرها، وأراد الله أنه ذلك اليوم لا يُصلي الفجر لعلَّةٍ، فصلَّى عنه خارجة هذا، فقتله يظنه عمرًا، فتبيَّن أنه ليس بعمرٍو، فقال الخارجي: "أردتُ عمرًا، وأراد الله خارجة"، وذهبت مثلًا. وكذلك معاوية كان مقصودًا، ولكن سلم، جُرح وسلم، ولم يتم القتل إلا لعليٍّ رضي الله عنه على يد الخوارج قبَّحهم الله.

المقصود أنَّ هذا الصحابي الجليل من الشجعان الكرام، روى عن النبي ﷺ أنه قال: إنَّ الله أمدَّكم بصلاةٍ هي خيرٌ لكم من حمر النعم، حمر النعم يعني: الإبل الحمر، ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر رواه الخمسة إلا النَّسائي، وهكذا ذكره الحافظ في "البلوغ"، رواه الخمسة إلا النسائي، زاد الحافظ: وصحَّحه الحاكم.

وفي إسناده عبدالله بن راشد الجوفي: وثَّقه بعضُهم، وقال فيه الحافظ أنه مستور، وسنده جيد.

وله شواهد، ورواه أحمد رحمه الله في "المسند" بإسنادٍ جيدٍ، وبإسنادٍ آخر فيه ضعف عن عمرو بن العاص ، عن أبي بكرة الغفاري مثل رواية خارجة، وله شواهد أخرى، فهو حديث صحيح بشواهده عن عدة من الصحابة.

وفيه دلالة على أن وقت الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فلا يُصلى الوتر قبل العشاء، ولا بعد الفجر، إنما يُصلى بعد العشاء ولو مجموعة، إذا جُمعت مع المغرب، كما يجمع المريضُ والمسافرُ، إذا جُمعت دخل وقتُ الوتر، ولو كانت مجموعةً جمع تقديم إلى طلوع الفجر، فالأفضل في آخر الليل لمن وثق أنه يقوم آخر الليل، فإن لم يتيسر صلَّى في أول الليل كما في حديث جابر في آخر الباب: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: مَن خاف ألا يقوم من آخر الليل فليُوتر أوله، ومَن طمع أن يقوم آخره فليُوتر آخر الليل؛ فإنَّ صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل، فمَن تيسر له القيام آخر الليل فهو أفضل، وإلا أوتر في أوله، وإذا قام من آخر الليل صلَّى ما تيسر، إذا قام من آخر الليل صلَّى ركعتين أو أكثر، يُسلم من كل ثنتين، ولا يُعيد الوتر، ويكفيه الوتر الأول؛ لقوله ﷺ: لا وتران في ليلةٍ.

ويدل على هذا المعنى أيضًا ما رواه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، عن النبي ﷺ أنه قال: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدُكم الصبحَ صلَّى ركعةً واحدةً تُوتر له ما قد صلَّى.

وكان ينبغي للمؤلف أن يذكره هنا؛ لأنَّ فيه: إذا خشي الصبح.

وكذلك حديث أبي سعيدٍ: أوتروا قبل أن تُصبحوا، وحديث عائشة: "من كل الليل قد أوتر رسول الله ﷺ: من أوله، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر"، وهو يدل على أنَّ الوتر يكون في الليل، لكن استقرَّ أمر النبي ﷺ أخيرًا أن وتره صار في آخر الليل، وأنه أوصى ﷺ أبا هريرة وأبا الدرداء بالإيتار أول الليل، ولعلَّ العلة في ذلك والله أعلم أنهما كانا يدرسان الحديث، ويشقّ عليهما القيام في آخر الليل.

فمَن طمع آخر الليل فالسنة الوتر في آخر الليل كما في حديث جابر، وكما فعله النبي ﷺ في آخر حياته، واستقر وتره في آخر الليل، وفيه النزول الإلهي؛ فإنَّ الله جلَّ وعلا كما تواترت فيه الأخبار عن رسول الله ﷺ: أنه ينزل في آخر الليل، في الثلث الأخير، صحَّت بذلك الأخبار عن رسول الله ﷺ، وتواترت عنه ﷺ: أن ربنا ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلثُ الليل الآخر فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ مَن يسألني فأُعطيه؟ مَن يستغفرني فأغفر له؟.

وفي لفظٍ يقول: هل من داعٍ فيُستجاب له؟ هل من سائلٍ فيُعطى سؤله؟ هل من مُستغفر فأغفر له؟.

وفي لفظٍ: هل من تائبٍ فيُتاب عليه؟ حتى ينفجر الفجر.

وهذا النزول عند أهل السنة يليق بالله، لا يُشابه خلقه، نزول يليق بالله، لا يعلم كيفيته إلا هو ، كما نقول في الاستواء والقدم واليد والأصابع والرضا والغضب والسمع وغير هذا، كلها تليق بالله، لا يُشابه فيها خلقه ، نُثبتُها ونمرّها كما جاءت، مع الإيمان بها واعتقادها، وأنها حقٌّ على الوجه اللائق بالله ، كما قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].

وفي حديث أُبي الدلالة على أنه يُشرع قراءة "سبح" وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون] وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص] في الثلاث الأخيرة، وهكذا في حديث ابن عباسٍ، هذا هو الأفضل، وإن قرأ بغيرها فلا حرج.

وفي حديث أُبي وحديث عبدالرحمن بن أبزى عند النَّسائي وغيره: أنه كان إذا فرغ من الوتر قال: سبحان الملك القدوس يمد بها صوته في الثالثة، ويرفع صوته في الثالثة: سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، يمد صوته ويرفعه في الثالثة عليه الصلاة والسلام، وهذا سنة.

أما إذا فات الوترُ فإنه يُصلي في النهار ما تيسر شفعًا من دون وترٍ، يُصلي من النهار بعد ارتفاع الشمس ما يسَّر الله له، وإذا صلَّى بعدد ركعاته شفعًا كان ذلك هو الأفضل؛ قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبيُّ ﷺ إذا شغله عن وتره نومٌ أو مرضٌ صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة"، فهذا معناه أنه كان يشفع بواحدةٍ؛ لأن الغالب عليه أنه يُوتر بإحدى عشرة، فإذا شُغل عنها بمرضٍ أو نومٍ كملها ثنتي عشرة، يُسلم من كل ثنتين عليه الصلاة والسلام، فهذا هو الأفضل، وكلٌّ سنة، ليس بواجبٍ، كله سنة.

فالأفضل للمؤمن إذا فاته ورده من الليل أن يُصليه من النهار، والله جلَّ وعلا يقول: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62]، فالمؤمن يعتاض عن الليل بالنهار، وعن النهار بالليل.

والله ولي التوفيق.

س: إذا داوم على القنوت في الوتر؟

ج: الذي أوصى به النبيُّ ﷺ الحسن: علَّمه ﷺ القنوت: اللهم اهدني فيمَن هديتَ، وعافني فيمَن عافيتَ، وتولَّني فيمَن تولَّيتَ، وبارك لي فيما أعطيتَ، وقني شرَّ ما قضيتَ، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، فإنه لا يذلُّ مَن واليتَ، ولا يعزُّ مَن عاديتَ، تباركتَ ربنا وتعاليت.

وكان النبي ﷺ يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمُعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك خرَّجهما الخمسة: أحمد وأهل السنن.

فهذا يدل على شرعية قنوت الوتر، وأن يقول هذا الدعاء، وحديث الحسن ثابت، وحديث عليٍّ ثابت أيضًا، وهو يدل على شرعية القنوت.

وكان بعضُ السلف من الصحابة وغيرهم لا يقنتون إلا في النصف الأخير من رمضان، والصواب أنه مشروع دائمًا في الوتر: في رمضان وفي غيره؛ لحديث الحسن وما جاء في معناه.

أما زيادة ولا يعزُّ مَن عاديتَ فالمؤلف ذكرها هنا، وذكر الحافظُ رحمه الله وجماعة أنها في بعض نسخ أبي داود، وذكرها البيهقي رحمه الله، وليست عند الترمذي وابن ماجه وأحمد والنَّسائي، والمؤلف ذكرها هنا لأنها جاءت عند أبي داود في بعض النُّسخ.

س: بالنسبة لإطالة القنوت والأدعية في هذه الأيام، ما رأيكم فيه؟

ج: لا بأس أن يزيد، ولكن ينبغي أن يُراعي عدم الطول، لا يشقّ على الناس، لو زاد دعوات لا بأس، لكن لا يشقّ على الناس؛ ولهذا كان عمر يزيد: "اللهم إنا نستعينك ونستهديك .." إلى آخره، فإذا زاد بعض الدَّعوات لكن يُراعي عدم المشقَّة.

س: إذا بقي خمس دقائق على أذان الفجر؟

ج: يُوتر قبل طلوع الفجر، يُصلي الركعة الأخيرة.

س: ............؟

ج: ما لها أصل ......