23 من حديث: (: فَإِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَهُمْ وَاجْعَلْهَا نَافِلَةً)

بَابُ مَنْ صَلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً فَلْيُصَلِّهَا مَعَهُمْ نَافِلَةً

فِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَعُبَادَةَ وَيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ سَبَقَ.

1069- وَعَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى، يَعْنِي: وَلَمْ أُصَلِّ، فَقَالَ لِي: أَلَا صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فِي الرَّحْلِ ثُمَّ أَتَيْتُكَ، قَالَ: فَإِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَهُمْ وَاجْعَلْهَا نَافِلَةً رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1070- وَعَنْ سُلَيْمَانَ مَوْلَى مَيْمُونَةَ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ بِالْبَلَاطِ، وَالْقَوْمُ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ؟ قَالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

بَابُ الْأَعْذَارِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ

1071- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ الْمُنَادِيَ فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ، يُنَادِي: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ، وَفِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1072- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ فَمُطِرْنَا، فَقَالَ: لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِي رَحْلِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1073- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: "إذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ"، قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا؟! فَقَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي"، يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ، "إنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِمُسْلِمٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَ مُؤَذِّنَهُ في يَوْم جُمُعَةٍ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ بِنَحْوِهِ.

1074- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ وَإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

1075- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

1076- وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: "مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ إقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ". ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.

الشيخ: هذه الأحاديث الأولى تتعلق بإعادة الجماعة، وأن السنة للمؤمن إذا صادف جماعةً يُصلون وقد صلَّى فلا يقل: صلَّيتُ فلا أُصلي، بل يُصلي معهم وتكون له نافلةً، وهذا له أدلة كثيرة مثل ما تقدم في الرجل الذي جاء وقد صلَّى الناسُ فقال النبيُّ: مَن يتصدَّق على هذا فيُصلي معه؟ وحديث أبي ذرٍّ وغيره في الأمراء الذين يُؤخِّرون الصلاة عن وقتها، قال: صلِّ الصلاة لوقتها، فإن أُقيمت وأنت معهم فصلِّ معهم، وفي اللفظ الآخر: فإن أدركتها معهم فصلِّها معهم، فإنَّها لك نافلة.

وفي قصة يزيد بن الأسود لما جاء النبيَّ في منى وهو يُصلي فلم يُصلِّ مع الناس، فأُبلغ النبيُّ ﷺ بذلك، فدعاه، فلما حضر قال: ما منعك أن تُصلي معنا؟ قال: يا رسول الله، قد صليتُ في رحلي، قال: لا تفعل، إذا صليتَ في رحلك ثم أدركتَ الإمامَ يُصلِّي فصلِّ معه، فإنها لك نافلة، وحديث محجن، كلها دالة على أنَّ المشروع للمؤمن أن يُصلي مع الناس، إن صلَّى في بيته يحسب أن الناس قد صلّوا ثم جاءه ......، أو إن كان المريض صلَّى ثم وجد خفَّةً ووجد الناسَ يُصلون يُصلِّي ولا يقول: قد صليتُ فلا أُصلِّي، وغيرها من الأسباب الأخرى.

المقصود أنها إذا حضرت الصلاةُ فالسنة أن يُصلي معهم، تكون له نافلةً، ولا يقل: صليتُ فلا أُصلِّي، ....... مطلوب.

أما حديث ابن عمر: أن الرسول ﷺ قال: لا تُصلوا صلاةً في يومٍ مرتين، فالمراد إعادتها بدون سببٍ، كونه يُعيدها لوسوسةٍ أو لقصدٍ آخر يكون بدعةً، أما إذا أعادها لأمرٍ شرعيٍّ: كأن صلَّاها منفردًا ثم وجد جماعةً ثم صلَّى معهم، فهذا كله أمر شرعي، فإعادتها يكون له نافلة، ويكون له في ذلك أجر.

وهكذا الأحاديث الأخرى في الدلالة على العذر في الأمطار والدَّحض، هذا عذر حتى في الحضر، المطر والمشقة لا بأس أن يُصلي في رحله ولا يحضر المسجد؛ ولهذا لما وقع في زمن ابن عباس في الطائف يوم جمعة مطر شديد قال للمؤذن: إذا قلتَ: أشهد أن محمدًا رسول الله، فقل: صلُّوا في رحالكم، ولا تقل: حيَّ على الصلاة، وفي اللفظ الآخر: أنه أمره بذلك بعدما فرغ من الأذان، وفي بعضها بعدما فرغت الحيعلة، كله جائز، والأفضل أن يكمل الأذان ثم يقول: صلُّوا في رحالكم، أو الصلاة في البيوت؛ لأنها عزمة، الجماعة عزمة، والجمعة عزمة، فيُبلغهم حتى لا يتكلَّفوا ......، كان ﷺ إذا كان في ليلةٍ باردةٍ أو مطيرةٍ قال للناس: صلُّوا في الرحال، ويلحق به إذا كان الهواء شديدًا والبرد شديدًا، فصلاتهم في رحالهم أرفق بهم، وهذا من سماحة الشريعة والحمد لله، والتيسير على العباد، والله يريد لعباده اليسر: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].

وهكذا إذا حضر الطعام: يبدأ بشيءٍ من الطعام، أو إذا كان يُدافع الأخبثين يبدأ بقضاء حاجته من غائطٍ أو بولٍ، ولا يأتي الصلاة وهو مشغول بالتَّعلق بالطعام، حتى ولو سمع الإقامة ...... يأكل كما في حديث عائشة وحديث أنس وغيرهما، كلها تدل على أنه إذا قدم الطعام يبدأ به، ولكن ما ينبغي أن يتَّخذ هذا عادةً كما تقدم، لا يتخذ عادةً؛ إذا جاء وقتُ الصلاة قُدِّم الطعام، لا، هذا معناه العزم على إضاعة الجماعة، لكن إذا صادف أو حضر عند قومٍ فقدَّموا يبدأ بحاجته، مثلما قال أبو الدرداء: للرجل إقباله على حاجته حتى يأتي الصلاة وقلبه فارغ غير مشغولٍ، هذه كلها تتعلق بتفريغ القلب، وليطمئن وليخشع في صلاته، ولا يُصلي صلاةً وهو فيها مشغول بشيءٍ آخر، والله أعلم.

س: نقل في الحاشية عن "عون المعبود" على حديث ابن عباسٍ، يقول: قال: وفي "عون المعبود": هذا من استنباطات ابن عباس، ولم يثبت عن النبي ﷺ صريحًا أنه رخَّص بترك صلاة الجمعة لأجل المطر، والصحيح عندي في معنى قول ابن عباس: أن الجمعة واجبة متحتمة، لا تُترك، لكن يرخص للمُصلي .......

الشيخ: هذا كلام فاسد .....، هذا كلام باطل، حتى لو قاله في "عون المعبود" أو مَن هو فوقه -أكبر منه- هذا غلط، يجب أن تُحمل كلمات الصحابة على الحقيقة، ويُحسن بهم الظنّ، وأن لا يُظن بهم أنهم يتساهلون، فهم خير الناس وأفضل الناس بعد الأنبياء ..... ولا حول ولا قوة إلا بالله.

س: إذا صلَّى مُنفردًا ثم دخلت جماعةٌ يقوم يُصلي معهم؟

ج: إن صلَّى معهم فلا بأس، وتكون نافلةً.

س: إذا كُررت الجماعة؟

ج: ما هو بلازمٍ، يكفي الأولى.

س: ..........؟

ج: ما تتبعته، لكن على تقدير صحَّته، حتى لو ما صحَّ لا يُصلَّى مرتين بلا سببٍ؛ لأنها بدعة.

..........

س: هل حضرة الطعام ومُدافعة الأخبثين يُقاس عليهما غيرهما من الأمور التي تشغل الإنسان؟

ج: القياس صعب، لكن المؤمن أعلم بنفسه، إذا صار شيء عنده أعظم من الطعام وأعظم من الأخبثين فهو معذورٌ حينئذٍ ..........

س: حكم الصلاة وهو يُدافع الأخبثين؟

ج: على خلافٍ؛ قال: لا صلاةَ معناها الإبطال، وقال قوم: المراد نفي الكمال، لا نفي الحقيقة، من باب الحثِّ والتَّحريض على البداءة بهذه الأشياء، لم تبطل صلاته، والأحوط له أن يقضيها؛ لأنَّ الأصل في النفي بطلان الحقيقة، نفي الحقيقة، هذا هو الأصل.

س: نُقل عن الظَّاهرية بطلان الصلاة؟

ج: هو قول قوي، هذا هو الأصل.

س: الجمهور يقولون: على الكراهة، مع استحباب الإعادة؟

ج: الأصل هو أنَّ النفي للحقيقة.

س: ............؟

ج: الإعادة من باب الاحتياط، هذا المقصود؛ لئلا تكون قد بطلت فتكون مكانها هذه.

س: ...........؟

ج: ما بلغنا عنه .......

أَبْوَابُ الْإِمَامَةِ وَصِفَة الْأَئِمَّةِ

بَابُ مَنْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ

1077- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

1078- وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّة سَوَاءً فَأَقْدَمُهُم هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَفِي لَفْظٍ: لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي أَهْلِهِ وَلَا سُلْطَانِهِ. وَفِي لَفْظٍ: سِلْمًا بَدَل سِنًّا.

رَوَى الْجَمِيعَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ لَكِنْ قَالَ فِيهِ: لَا يَؤُمَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا يَقْعُدْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ.

1079- وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا الْإِقْفَالَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَنَا: إذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ: وَكَانَا مُتَقَارِبَيْنِ فِي الْقِرَاءَة.

وَلِأَبِي دَاوُد: وَكُنَّا يَوْمَئِذٍ مُتَقَارِبَيْنِ فِي الْعِلْم.

1080- وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يَؤُمَّهُمْ، وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ الزَّائِرِ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَكَانِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ: إلَّا بِإِذْنِهِ.

1081- وَيَعْضُدهُ عُمُومُ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ، وَرَجُلٌ يُنَادِي بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

1082- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا إلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَلَا يَخُصُّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث الستة كلها تتعلق بالإمامة، ومَن هو الأحقُّ بها.

منها: حديث أبي سعيدٍ وابن مسعودٍ أيضًا على أنَّ الأحقَّ هو الأقرأ، أقرأهم لكتاب الله هو الأحقُّ بالتقديم، ثم أعلمهم بالسنة، ثم أقدمهم هجرةً، ثم أكبرهم سنًّا إذا تقاربوا، أو سلمًا، يعني: إسلامًا، فالمعنى فيه زيادة؛ فإنَّ أقدمهم إسلامًا من جنس أقدمهم هجرةً، هذا هو المشروع.

وكان القُراء في عهد النبي ﷺ وعهد الصحابة هم العلماء وأهل الفقه بالدين وأهل الفقه في كتاب الله ، فالمعنى أفقههم في الدين، وأعلمهم في الدين، فإذا كان القارئ لا يفقه في الدين يُقدَّم عليه مَن هو أفقه في الدِّين، قال بعضُهم: إجماعًا؛ لأن المراد بالأقرأ هو الأفقه في الدين؛ لأن القُراء هم الذين يعنون بكتاب الله ويتفقَّهون فيه وما جاءت به السنة، فهم الأئمَّة، وهم القُرَّاء، وهم العلماء في عهده ﷺ وعهد الصحابة.

فإذا تساووا وتقاربوا فأعلمهم بسنة الرسول وسيرته، فإن تساووا وتقاربوا فأقدمهم هجرةً، فإن تساووا وتقاربوا فأقدمهم سلمًا، أو أكبرهم سنًّا كما في حديث مالك، لما قدم في جماعةٍ من أصحابه -مالك بن الحويرث- ومكثوا عند النبي ﷺ نحو عشرين يومًا، فكانوا شببةً متقاربين، فلما رآهم قد اشتاقوا إلى أهليهم قال: ارجعوا إلى أهليكم فعلِّموهم وأمُروهم، صلُّوا صلاةَ كذا لوقت كذا .. إلى آخره، فإذا حضرت الصلاةُ فليُؤذن لكم أحدكم، وليؤمَّكم أكبركم؛ لأنهم كانوا متقاربين في العلم، وليؤمَّكم بالفتح والضم: أمَّ؛ لأنها مشددة تُفتح، والضم متابعة ...... من أجل الإتباع.

وفي حديث أبي مسعودٍ قال في آخره: ولا يؤمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه، هذا أيضًا فيه أنَّ مَن زار قومًا فلا يؤمَّهم كما في حديث مالك بن الحويرث، وإن كان في سنده ضعف، لكن هذا الحديث صحيح -حديث أبي مسعودٍ- فالزائر لا يؤمَّ إلا بإذنٍ، إذا زارهم في مسجدهم أو في بيتهم وحضرت الصلاةُ فصلَّوها، فالإمام صاحب البيت، وهو صاحب السلطان، فلا يتقدم عليه وإن كان الزائر أعلم أو أكبر سنًّا، فالإمام هو صاحب السلطان، هو صاحب المسجد، إلا أن يُقدمه فلا بأس، إذا قدَّمه وأذن له فلا بأس؛ لأن الرسول قال: إلا بإذنه، في حديث: مَن زار قومًا لو صحَّ فهو محمولٌ على غير الإذن، أما إذا أذن فلا بأس.

وحديث: مَن زار قومًا تعضده الأدلة الأخرى: حديث الثلاثة، وحديث أبي هريرة الآخر، وحديث: إلا بإذنه، كلها تدل على أنه إذا زار لا يؤمّ إلا بإذنٍ.

وبعض الناس قد يأذن حياءً، فينبغي للزائر أن لا يعجل بالتَّقدم إلا أن يُلحَّ عليه صاحبُ السلطان؛ لأنه قد يأذن حياءً ولا يُحب أن يتقدَّم عليه أحدٌ، فليجعله نعم، فليقل له: نعم صلِّ بالناس، إلا إذا تشدد فيتقدَّم.

وأما قوله: ولا يخصّ نفسه بدعوةٍ دونهم فهذا محمولٌ عند أهل العلم على الدعاء الذي يُؤَمَّن عليه، مثل: دعاء الاستسقاء، دعاء القنوت، الدعاء العام، فلا يقل: اللهم اغفر لي، أو: اللهم اهدني، أو: اللهم انصرني، لا، يُعمم: اللهم اهدنا، اللهم انصرنا، اللهم اغفر لنا، ونحو ذلك؛ لأنه يدعو لنفسه وللحاضرين، فلا يليق ولا ينبغي أن يخصَّ نفسه بدعاءٍ دونهم، بل يعمُّ، وهذا أمر واضح معروف؛ لأنه إمامهم، وهم جماعته، والمقصود المنفعة للجميع، والمصلحة للجميع فيُعمم.

وقوله: إذا كانوا ثلاثةً فليؤمَّهم أقرؤهم لا مفهومَ له، حتى لو كانا اثنين؛ لأنَّه ثبت في الحديث أنهما  جماعة كما في حديث مالك في الصحيح: فأذِّنا وأقيما، وكما في حديث ابن عباسٍ لما صفَّ مع النبي جعله عن يمينه، فالمقصود أنه ولو كانا اثنين يؤمُّهما أقرأهما على الترتيب المعروف.

س: ...........؟

ج: ولو، الصحيح صحَّة الصلاة خلف الفاسق، ما قال النبي: إلا أن يكون فاسقًا، ما دام ليس بكافرٍ.

س: ............؟

ج: أفقههم بسيرة الرسول ﷺ، سيرة الرسول: سنته وأحاديثه، قد يكون الأقرأ أقلّ علمًا بالسنة، وإن كان فقيهًا، لكن يكون أقلَّ علمًا بالسنة، فإذا تساووا في القراءة وأحدهم يمتاز بزيادة علمٍ في السنة يُقدَّم.

س: ............؟

ج: يعني: إذا كان يدعو بدعاءٍ عام، أما دعاؤه في السجود ودعاؤه في آخر التَّحيات فيخصّ نفسه، لكن إذا كان دعاءً يُؤَمَّن عليه مثل: دعاء القنوت، دعاء الاستسقاء، وما أشبههما.

س: ..........؟

ج: لا بأس به، جيد ......: اللهم اهدني فيمَن هديت، مثلما علَّم النبيُّ الحسنَ قال: اللهم اهدني فيمَن هديت.

س: حديث أبي مسعودٍ الذي أشار إليه المؤلفُ مَن أخرجه؟

ج: عندك، رواه مسلم وجماعة، عندكم.

س: الحديث الأول يعني؟

ج: .............

س: حديث أبي مسعودٍ هنا؟

ج: حديث أبي مسعودٍ عقبة بن عمرو عندك رواه أحمد ومسلم؟

الطالب: نعم، هو الحديث الثاني الذي أشار إليه هنا.

الشيخ: نعم.

س: ............؟

ج: ..... النبي ﷺ كان يقول: اللهم اغفر لي ..... اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره ......؛ لأنَّ هذا دعاء بينه وبين ربِّه، ما يُؤَمَّن عليه، وعلَّم الحسن قال: قل: اللهم اهدني فيمَن هديتَ، وعافني فيمَن عافيتَ إذا كان يقنت لنفسه، أما إذا كان يقنت لغيره: اللهم اهدنا فيمَن هديتَ، وعافنا فيمَن عافيت.

س: ..........؟

ج: ظاهر السنة أنه يُقدَّم، ظاهر الحديث أنه يُقدَّم.

س: إذا كان الفقيه أقلَّ حفظًا للقرآن هل يُقدَّم؟

ج: يُقدَّم نعم.

س: يُقدَّم على القارئ؟

ج: نعم، يعني عنده علم، القُرَّاء عندهم العلماء، أما القارئ اليوم فقد يكون من أجهل الناس وهو يحفظ القرآن؛ لأنهم يتعلمون القرآن ويحفظونه ولا يتعلمون الفقه والأحكام.

بَابُ إمَامَةِ الْأَعْمَى وَالْعَبْدِ وَالْمَوْلَى

1083- عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ مَرَّتَيْنِ يُصَلِّي بِهِمْ وَهُوَ أَعْمَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1084- وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ: أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟ فَأَشَارَ إلَى مَكَانٍ فِي الْبَيْتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

1085- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ نَزَلُوا الْعَصْبَةَ -مَوْضِعًا بِقُبَاءَ- قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ ﷺ، كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا، وَكَانَ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

1086- وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ عَائِشَةَ بِأَعْلَى الْوَادِي، هُوَ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَنَاسٌ كَثِيرٌ، فَيَؤُمُّهُمْ أَبُو عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ، وَأَبُو عَمْرٍو هو غُلَامُهَا حِينَئِذٍ، لَمْ يُعْتَقْ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ".

بَابُ مَا جَاءَ فِي إمَامَةِ الْفَاسِقِ

1087- عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا، إلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ يَخَافُ سَيْفَهُ أَوْ سَوْطَهُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

1088- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اجْعَلُوا أَئِمَّتَكُمْ خِيَارَكُمْ؛ فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

1089- وَعَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ، بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ: مَكْحُولٌ لَمْ يَلْقَ أَبَا هُرَيْرَةَ.

1090- وَعَنْ عَبْدِالْكَرِيمِ الْبَكَّاءِ قَالَ: أَدْرَكْتُ عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ كُلُّهُمْ يُصَلِّي خَلْفَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ".

الشيخ: هذه الأحاديث الأربعة الأولى تتعلق بإمامة العبد والأعمى والمولى -يعني العتيق- والأحاديث الأربعة تدل على ما ذكره المؤلفُ، وأنه لا حرج أن يؤمَّ القومَ أعمى والمملوك والمولى العتيق كما جاء في الأحاديث، من ذلك قصة ابن أم مكتوم: النبي ﷺ كان يستخلفه على المدينة -أميرًا عليها- فيؤمّ الناس، كما رواه أنس، وروته عائشةُ أيضًا، صحَّ ذلك عن النبي ﷺ، قال ابن عبد البرِّ رحمه الله: ذكر جماعةٌ من أهل العلم والنَّسب والسِّير أنه استخلفه ثلاث عشرة مرة على المدينة.

كذلك حديث عائشة: اجعلوا أئمَّتكم خياركم؛ فإنهم وفدكم إلى الله في إسناده بعض المقال، ولكن يدل على أنه ينبغي اختيار الأئمة، سواء كانوا أحرارًا أو عبيدًا، أو عربًا أو عجمًا، لا بأس بذلك، المهم أن يكونوا من خيار الناس من جهة القراءة والعلم والدِّيانة.

كذلك لما أُنزل المسلمون العصبة بقُباء كان يؤمُّهم سالم مولى أبي حُذيفة، وهو مولى لامرأةٍ من الأنصار زوجة أبي حذيفة، ابنة أخيه الوليد بن عتبة، وهو من خيار الناس، ومن أفاضل القُرَّاء الذين أمر النبيُّ بأخذ القرآنَ عنهم، منهم سالم ، قُتل يوم اليمامة .

والعصبة بالضم والفتح، يُقال: عُصْبة وعَصْبة، كما في "مجمع البحار"، تُضم العين وتُفتح، مع سكون الصاد، المحل المعروف بقباء.

كذلك حديث إمامة مولى عائشة، وهو ذكوان، يدل على جواز إمامة المولى، ولا بأس به؛ لأنَّ الرسول قال: يؤم القومَ أقرأهم لكتاب الله، وهذا يعمّ المولى والأعمى والعبد والأعرابي وغيرهم، يعمُّ كلَّ مَن كان بهذه الصفة، إذا كان أقرأهم هو الإمام.

والأحاديث الأربعة الأخيرة في إمامة الفاسق، الفاسق اختلف الناسُ في إمامته هل تصحّ أم لا؟ والصواب أنها صحيحة، وأن مَن صحَّت صلاته لنفسه صحَّت صلاته لغيره، هذا هو الصواب، والأدلة تدل على ذلك مثلما تقدَّم في الأمراء: يُصلُّون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم، والأمراء فيهم الفاسق، وفيهم غيره. رواه البخاري في الصحيح كما تقدَّم.

ومنه صلاة ابن عمر خلف الحجاج، وابن مسعود وجماعة خلف الوليد بن عقبة، كل هذا يدل على جواز الصلاة خلف الفُسَّاق، ولا سيما إذا كانوا أئمةً -يعني أمراء.

أما حديث: لا تؤم امرأةٌ رجلًا، ولا أعرابيٌّ مُهاجرًا، ولا فاجرٌ مسلمًا فهو حديث ليس بصحيحٍ، قال الحافظ في "البلوغ": رواه ابنُ ماجه بإسنادٍ واهٍ. في إسناده شخصٌ يقال له: عبدالرحمن بن محمد العدوي، كذَّبه بعضُهم، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان ضعيف، فالمقصود أنَّ العبرة بغيره، أما هذا فهو حديث ضعيف.

كذلك حديث: اجعلوا أئمَّتكم خياركم يدل على فضل أن يكون الأئمةُ هم الخيار، ولكن لا يدل على عدم صحَّة صلاته، مثلما في قوله: يؤمّ القومَ أقرأهم لكتاب الله، يؤم الفاسقُ وغير الفاسق، فالأفضل أن يكونوا خيارنا، وأن يكونوا أفاضلنا، ولكن لا يدل على عدم  الصحة خلفه -خلف الفاسق- مع أنَّ حديث ابن عباسٍ هذا فيه بعض الكلام، في إسناده ضعف أيضًا، هذا حديث مكحول يدل على جواز إمامة الفاسق، عن أبي هريرة، وإن كان مُنقطعًا، لكن يكون من الشواهد، قال: الجهاد واجبٌ عليكم مع كل أميرٍ برٍّ أو فاجرٍ، وصلُّوا خلف كل برٍّ وفاجرٍ يدل على الصلاة خلف الأئمة والجهاد معهم، أبرارًا كانوا أو فُجَّارًا، ما لم يكونوا كفرةً، أما الكافر فلا يُصلَّى خلفه، فصلاته غير صحيحة.

وحديث البكاء شاهد لما تقدم: أنه أدرك عشرةً من الصحابة يُصلون خلف الأمراء، وحديث البكاء قال فيه الشوكاني أنه ضعيف، ولم أجد مَن تكلَّم عليه.

فالحاصل أنَّ هذه الأحاديث تدل على جواز الصلاة خلف الفاسق، وعمل الصحابة يدل على ذلك، وقوله ﷺ: صلوا ..... الأمراء، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم كذلك يدل على هذا المعنى، هذا هو الصواب، هذا هو الأرجح؛ لأنَّ البلوى تعمُّ بذلك، ولا سيما في آخر الزمان، ومَن يسلم من الأئمة من أسباب الفسق؟ قلَّ مَن يسلم، والقول بعدم صحة الصلاة خلف الفاسق فيه حرج عظيم، ومشقة كبيرة، والصواب أنها تصح، ولكن على المسؤولين أن يختاروا الأفضل فالأفضل حسب الطاقة، والله أعلم.

س: في الوقت الحاضر الإمام إذا تقدَّم في كثيرٍ من الأحيان لا يعلم: هل هناك مَن هم أعلم منه، أو مَن هم أقرأ منه؟

ج: هذا إلى ولاة الأمور.

س: في الأماكن العامَّة إذا قدَّموه هل هم ملزمون أن يسألوا ......؟

ج: ما يلزم، إذا اختاروه يكفي، وإذا أراد أن يُقدم غيره يفعل، إذا اجتهد ورأى أن يُقدم غيره لأنه يرى أنه أفضل منه فلا بأس، الأمر واسع، إنما هو أفضلية، فلو تقدَّم المفضول صحَّ.

بَابُ مَا جَاءَ فِي إمَامَةِ الصَّبِيِّ

1091- عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، وَبَادَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ ﷺ حَقًّا، فَقَالَ: صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي؛ لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِن الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتِّ سِنِينَ، أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ كُنْتُ إذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَت امْرَأَةٌ مِنَ الْحَيِّ: أَلَا تُغَطُّونَ عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟ فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ، وقَالَ فِيهِ: كُنْتُ أَؤُمّهُمْ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ. وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ فِيهِ: وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أو ثمانِ سنين. وَأَحْمَدُ وَلَمْ يَذْكُرْ سِنَّهُ، وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد: فَمَا شَهِدْتُ مَجْمَعًا مِنْ جَرْمٍ إلَّا كُنْتُ إمَامَهُمْ إلَى يَوْمِي هَذَا.

1092- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ".

1093- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ". رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ فِي "سُنَنِهِ".

بَابُ اقْتِدَاءِ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ

1094- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: مَا سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَفَرًا إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ، وَإِنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ زَمَنَ الْفَتْحِ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً يُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، قُومُوا فَصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ؛ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1095- وَعَنْ عُمَرَ : أَنَّهُ كَانَ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ؛ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ". رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأ".

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.

هذه الأحاديث الأولى -الثلاثة- تدل على أنه ينبغي أن يُقدَّم مَن هو أقرأ وإن كان صغيرًا، فلا بأس بإمامة الصبي؛ ولهذا أمَّ عمرو بن سلمة الجرمي جماعته وهو صغير؛ ابن سبع سنين، أو ثمان سنين، وكان أكثرهم قرآنًا، وكان يتلقَّى الركبان فيتعلَّم منهم القرآن إذا قدموا من عند النبي عليه الصلاة والسلام، فلما قدم والدُه من عند النبي ﷺ قال: إنه سمع النبيَّ ﷺ يقول: صلُّوا صلاة كذا لكذا وكذا، وإذا حضرت الصلاةُ فليُؤَذِّن لكم أحدُكم، وليؤُمَّكم أكثرُكم قرآنًا، قال: فنظروا ولم يجدوا أحدًا أكثر مني قرآنًا، فقدَّموني.

هذا يدل على جواز تقديم الصبي إذا كان يعقل في الصلاة وهو ابن سبعٍ فأكثر، وشكّ في الرواية: ست أو سبع، شك في الرواية: سبع أو ثمان، يُحمل على أنه سبع فأكثر حتى يُوافق الأحاديث الأخرى: مروا أولادكم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، فإذا كان ذا سبعٍ أو أكثر فلا بأس أن يُقدَّم وإن كان هناك مَن هو أكبر منه سنًّا؛ لامتيازه بالقراءة، كما فعل الصحابةُ مع عمرو بن سلمة، وكما يقتضي قوله ﷺ: يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فهذا هو المختار، وهو الأفضل إذا كان صالحًا للصلاة، ولو في الفريضة، هذا هو الأصل، ما جاز في النَّفل جاز في الفرض، فيؤمّ الفرض والنَّفل لهذا الحديث الصحيح، ولعموم الأحاديث الدالة على ذلك.

أما أثر ابن مسعودٍ وأثر ابن عباسٍ: أنه لا يؤمَّن إلا مَن كان مُحتلمًا، مَن كان تجري عليه الحدود، ففي صحَّتهما نظر، وقد ذكر الحافظ ...... ابن عبد الهادي ضعف حديث ابن عباس، وأما أثر ابن مسعودٍ فلم أقف على حاله، والظاهر والله أعلم أنه ليس بصحيحٍ عن ابن مسعودٍ، وإن صحَّ عنه فمن اجتهاده، والاجتهاد لا تُعارَض به السنة، إن صحَّ عن ابن مسعودٍ فهو من اجتهاده ، والاجتهاد يُخطئ ويُصيب، والسنة مُقدَّمة على اجتهاد الناس.

وفي الحديث الرابع والخامس الدلالة على أنَّ المسافر لا بأس أن يؤمَّ المقيمين، ولا بأس أن يُصلي بهم قصرًا، لكن حديث عمران في أنه ﷺ في عام الفتح صلَّى بهم وقصر وقال لهم: أتمُّوا ضعيف؛ لأنه من رواية علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، لكن ثبت عن عمر أنه كان يُصلي بهم ويقول: "أتمُّوا"، يُصلي بهم باثنتين ويأمرهم بالتَّمام، هذا يدل على أنَّ المسافر إذا صلَّى بالمقيمين لا بأس، إذا صلَّى أتمُّوا لأنفسهم كالذي يقضي.

وعثمان صلَّى بالناس يقصر بهم، وفي حجَّته الأخيرة أتمَّ بهم، فهو يدل على الجواز، وأنه لا بأس أن يُتمَّ المسافر ويُصلي بالناس أربعًا وإن كان مُسافرًا، لا حرج في ذلك.

كانت عائشة تُتمُّ في السفر أيضًا، تقول: إنه لا يشقُّ عليَّ. لكن تحري السنة أفضل، فيقصر، هذا هو السنة، ولو أتمَّ فلا حرج؛ لأنها رُخصة وليست عزيمةً.

س: ...........؟

ج: ليس بصحيحٍ، قد أتمَّ عثمان ومعه المهاجرون والأنصار، وأتمَّت عائشة وهي من أفقه الناس .......

س: ..........؟

ج: أظنه ما هو للظاهرية، قول لبعضهم، لكنه قول ضعيف.

س: ............؟

ج: كله طيب، إن نبَّههم قبل أو بعد كله طيب، نبَّههم قبل: أنَّا مُسافرون؛ حتى ينتبهوا فحسنٌ، وإن سلَّم وقال: أتمُّوا، فلا بأس، الأمر واسع.

س: ............؟

ج: إذا نبَّههم حصلت المصلحة، يتعلَّمون السنة، وإن أتمَّ بهم أو جعل مَن يُصلي بهم ليتمَّ حتى لا يكون تشويش فلا بأس، الأمر واسع في هذا، وإن أتمَّ فلا بأس وإن كان مُسافرًا، إذا خاف التَّشويش وأتمَّ فلا بأس.

س: ...........؟

ج: المعروف عند أهل العلم أنه لا يكون إمامًا إذا كان صاحب سلسٍ، الأولى به أن يكون مأمومًا.

س: ............؟

ج: ولو، يُصلي غيره، ويكون مأمومًا؛ لأنَّ طهارته ناقصة.

س: المُسافر إذا أْتَمَّ بالمُقيم؟

ج: المسافر يُتمُّ إذا كان مأمومًا، يتم المسافر، هكذا السنة، في حديث مسلم عن ابن عباسٍ: أن السنة إذا صلَّى المسافرُ خلف المقيم يُصلي أربعًا.

بَابُ هَلْ يَقْتَدِي الْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ أَمْ لَا

1096- عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ عِشَاءَ الْآخِرَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَزَادَ: هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ، وَلَهُمْ مَكْتُوبَةُ الْعِشَاءِ.

1097- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ سُلَيْمٍ -رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ- أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَأْتِينَا بَعْدَمَا نَنَامُ وَنَكُونُ فِي أَعْمَالِنَا فِي النَّهَارِ فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ فَنَخْرُجُ إلَيْهِ فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا مُعَاذُ، لَا تَكُنْ فَتَّانًا، إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

..........

بَابُ اقْتِدَاءِ الْجَالِسِ بِالْقَائِمِ

1098- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ فِي مَرَضِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا فِي ثَوْبٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ".

1099- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَاعِدًا". رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُمَا.

بَابُ اقْتِدَاءِ الْقَادِر عَلَى الْقِيَامِ بِالْجَالِسِ وَأَنَّهُ يَجْلِسُ مَعَهُ

1100- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا.

1101- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَقَطَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ فَرَسٍ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صُرِعَ عَنْ فَرَسِهِ، فَجُحِشَ شِقُّهُ أَوْ كَتِفُهُ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا.

وَلِأَحْمَدَ فِي "مُسْنَده": حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ انْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَقَعَدَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ، فَأَتَى أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ قَاعِدًا وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ الْأُخْرَى قَالَ لَهُمْ: ائْتَمُّوا بِإِمَامِكُمْ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا.

1102- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَرَسًا بِالْمَدِينَةِ فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْمِ نَخْلَةٍ فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَأَتَيْنَاهُ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنَاهُ فِي مَشْرُبَةٍ لِعَائِشَةَ يُسَبِّحُ جَالِسًا، قَالَ: فَقُمْنَا خَلْفَهُ، فَسَكَتَ عَنَّا، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى نَعُودُهُ، فَصَلَّى الْمَكْتُوبَةَ جَالِسًا، فَقُمْنَا خَلْفَهُ، فَأَشَارَ إلَيْنَا فَقَعَدْنَا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: إذَا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا، وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَلَا تَفْعَلُوا كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ فَارِسَ بِعُظَمَائِهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث الأولى تتعلق بإمامة المتنفل بالمفترض، وحديث معاذٍ صريح في ذلك، وأنه لا بأس بذلك، كان يُصلي مع النبي ﷺ العشاء ثم يرجع إلى قومه فيُصلي بهم، تكون له نافلةً ولهم فريضة، متَّفق عليه.

وفي الحديث الثاني الأمر بالتَّخفيف، وأن لا يفتنهم، فالسنة أن يُخفف، وتقدم أنَّ النبي ﷺ أوصى بالتَّخفيف وعدم التَّثقيل على الجماعة وقال: إنَّ فيهم الضَّعيف والصَّغير والكبير وذا الحاجة، وقال: أفتَّان أنت يا معاذ؟! وتقدم في حديث أبي مسعودٍ أنه اشتكى إليه بعضُ الناس أن إمامهم يُطوِّل عليهم فغضب، وقال أبو مسعودٍ: ما رأيتُه غضب يومًا أشدّ من غضبه يومئذٍ، وقال: أيها الناس، إنَّ منكم مُنفرين، فمَن أمَّ بالناس فليُوجز.

كل هذا يدل على شرعية مُراعاة المأمومين، وعدم التَّثقيل عليهم حتى لا يُنفِّرهم من الجماعة، وفيه دلالة على أنه لا حرج أن يكون الإمامُ مُتنفلًا وهم مُفترضون، كما لو صلَّى بجماعته في مسجده ثم جاء وأمَّ ناسًا؛ لكونه أقرأهم، فلا بأس بذلك.

وفي هذا الباب ما ثبت عنه ﷺ أنه صلَّى بطائفةٍ في صلاة الخوف ركعتين فرضًا، ثم صلَّى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكانت له نافلة، مثلما فعل معاذ، وهذا واضح في جواز إمامة المتنفل بالمفترض.

والأحاديث الأخرى تدل على أنه لا بأس أن يُصلي القاعدُ خلف القائم، يكون الإمامُ قائمًا والمأموم قاعدًا إذا عجز عن ذلك، ولا حرج كالعكس؛ كما يُصلي المأمومُ قائمًا، ويُصلي الإمام قاعدًا، لا حرج في أن يكون الإمامُ قاعدًا والمأموم قائمًا، كما تركهم في بعض الأحيان ولم يأمرهم بالجلوس، وفي بعض الأحيان أمرهم بالجلوس، وقال: إذا صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا، وإذا صلَّى قاعدًا فصلُّوا قعودًا أجمعون.

والمحفوظ أنَّ صلاته ﷺ مع أبي بكرٍ كان هو الإمام، هذا هو المحفوظ، أما مَن روى أنه كان مأمومًا ففيها نظر وضعف، والمحفوظ في "الصحيحين" أنه كان هو الإمام عليه الصلاة والسلام، وكان الصديقُ هو المبلغ، يُبلِّغ عنه عليه الصلاة والسلام، وإنما المحفوظ أنه صلَّى مأمومًا في قصة عبدالرحمن بن عوف في تبوك لما جاء وقد صلَّى بهم عبدالرحمن صلاة الفجر، قد صلَّى الركعة الأولى، وتأخَّر النبيُّ ﷺ في قضاء حاجته ومعه المغيرة، فجاء إلى الجماعة وقد صلَّى بهم ركعةً -يعني عبدالرحمن- فصفَّ النبيُّ معهم والمغيرة وصليا مع عبدالرحمن الركعة الثانية، ثم لما سلَّم عبدالرحمن قاما وقضيا ما عليهما، ولما سلَّم ﷺ قال: أصبتُم وأحسنتُم يعني في كونهم نادوا للصلاة في وقتها، فالمحفوظ أنه صلَّاها خلف عبدالرحمن بن عوف، وأما كونه صلَّاها خلف الصديق فالمحفوظ خلافه، وأن الصديق كان مأمومًا مُبَلِّغًا، ولم يكن هو الإمام، هذا هو المحفوظ في "الصحيحين".

وفيه من الفوائد: أنه لا حرج أن يُصلي المأموم خلف الإمام قائمًا والإمام قاعد، كما جرى في آخر صلاته ﷺ؛ لما صلَّى في آخر مرضه صلَّى قاعدًا، والصديق قائمًا، والمأمومون قائمون في الصلاة الأخيرة -آخر صلاةٍ صلَّاها عليه الصلاة والسلام- فدلَّ على جواز أن يكون المأمومُ قائمًا والإمام قاعدًا، لا حرج في ذلك، وإن كان الأفضل أن يكونوا جلوسًا؛ لقوله ﷺ: فصلُّوا جلوسًا أجمعون، في الأحاديث الصحيحة أمرهم بالجلوس، وأقرَّهم على القيام في آخر الصلاة، فدلَّ على الجواز وأنه لا حرج في هذا ولا في هذا، وإن كانت الموافقةُ للإمام في الجلوس أولى وأفضل كما أمرهم بهذا عليه الصلاة والسلام، والله أعلم.

س: ............؟

ج: إذا فعل هذا بعض الأحيان لبيان الجواز لا بأس، لكن الأوامر واضحة، الأمر مُقدَّم على الفعل.

س: ..........؟

ج: محتمل أن يكون في بعض الأيام التي مرض فيها عليه الصلاة والسلام.

س: تأويل بعضهم حديث معاذ بأنه كان يُصلي نفلًا؟

ج: لا وجه له، النبي أمره بأن يُصلي معه فقط، وإذا أحبَّ أن يُصلي بهم خفَّف ولا يُطوِّل عليهم، لكن رواية "الصحيحين" كافية في هذا.

س: ...........؟

ج: ....... وأما إذا رحت عليهم لا تُطول عليهم، خفف، ما في نهي عن الصلاة معه.

س: إما أن تُصلي معي .......؟

ج: إما أن يُصلي معه ويبقى، وإما ألا يُصلي معه ويُخفف عليهم، ما في منافاة في رواية "الصحيحين".

س: ...........؟

ج: لا بأس كما فعله النبيُّ ﷺ في آخر حياته، جائز هذا وهذا، إن صلّوا قيامًا فلا بأس، وإن صلّوا جلوسًا فلا بأس، والجلوس أفضل.

س: القول بأن معاذًا جعلها فريضةً مع الرسول ونافلةً ......؟

ج: حرصًا على الصلاة خلف النبي ﷺ، وفضل الصلاة مع النبي ﷺ، حرص أن تكون فريضةً لأنها مع إمام المتقين، مع خير البشر، فلهذا حرص أن تكون هي الفريضة؛ ولأنها هي الأولى فهي الفريضة.

س: .............؟

ج: كذلك لا ينبغي، ينبغي المحافظة على الوقت؛ حتى لا يُنفرهم، أيضًا لا يقطعهم ويعوقهم عن شغلهم، بل يُحافظ على الوقت المعتاد ولا يتأخَّر عن المأمومين؛ لأنَّ الناس لهم حاجات، ولهم مشاغل، فلا يليق بالإمام أن يكون كسولًا، بل يُحافظ على الوقت المعتاد؛ حتى يعرفه الناسُ بذلك إلا من علَّةٍ.

بَابُ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ

1103- فِيهِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ غَزْوَة ذَاتِ السَّلَاسِلِ، وَقَدْ سَبَقَ.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي سَفَرٍ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، مِنْهُمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَكَانُوا يُقَدِّمُونَهُ لِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَصَلَّى بِهِمْ ذَاتَ يَوْمٍ، فَضَحِكَ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ أَصَابَ مِنْ جَارِيَةٍ لَهُ رُومِيَّةٍ، فَصَلَّى بِهِمْ وَهُوَ جُنُبٌ مُتَيَمِّمٌ. رَوَاهُ الْأَثْرَم، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَته.

بَابُ مَنِ اقْتَدَى بِمَنْ أَخْطَأَ بِتَرْكِ شَرْطٍ أَوْ فَرْضٍ وَلَمْ يَعْلَم

1104- عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يُصَلُّونَ لكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَخْطَؤوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

1105- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُول: الْإِمَامُ ضَامِنٌ، فَإِذَا أَحْسَنَ فَلَهُ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهِ يَعْنِي: وَلَا عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَمْ يَعْلَم، فَأَعَادَ وَلَمْ يُعِيدُوا، وَكَذَلِكَ عن عُثْمَان، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ قَوْله .

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ على محمدٍ.

في الحديثين الأولين -حديث عمرو بن العاص وأثر ابن عباسٍ- دلالة على أنَّه لا بأس أن يُصلي المتيمِّم بالمتوضئين، فإذا وُجد متيممٌ بعذرٍ شرعيٍّ جاز أن يُصلي إمامًا بمن توضَّؤوا أيضًا، وعمرو بن العاص لما كان في غزوة ذات السلاسل -يُقال لها: السلاسل والسلاسل- أمَّره عليهم النبيُّ عليه الصلاة والسلام، فأصابه احتلامٌ في ليلةٍ باردةٍ، وخاف على نفسه ولم يغتسل، وتيمم وصلَّى بهم، فأخبروا النبيَّ ﷺ بذلك فقال له: صلَّيْتَ بهم وأنت جنب؟ قال: نعم يا رسول الله، تأوَّلْتُ قول الله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، فضحك ﷺ ولم يأمره بالإعادة، فدلَّ ذلك على أنَّ صلاة المتيمم بالمتوضئ لا حرج إذا كان المتيممُ معذورًا.

ورواية عمرو بن العاص فيها اختلاف: منهم مَن ذكر التيمم، ومنهم مَن لم يذكر التيمم، والصواب أنه تيمم بسبب خوفه من الغسل، وهذه هي القاعدة الشرعية: إذا كان في الإنسان عذرٌ شرعي كمرضٍ أو عدم ماءٍ أو عدم قُدرة على استعماله لبردٍ فإنَّ التيمم يُجزئه، ويُصلي بالناس ولو كانوا مُتوضئين، فالتيمم طهارة شرعية، فمَن ساغ له التَّيمم فهو كالمتوضِّئ يُصلي بهم.

وفي هذا دلالة على أنَّ البرد عذر، إذا كان في صحراء وليس عنده ما يُسخن به الماء وخاف على نفسه من الغسل أو الوضوء بالماء فلا حرج في أن يتيمم: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، والله يقول: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، وهكذا لو كان في بلدٍ وحُبس عنه الماء، أو تمكَّن لكن لم يستطع أن يُسخن الماء، أو لم يجد مكانًا ..... فيه للغسل، وخاف على نفسه كونه مسكونًا أو قريبًا ما وجد مكانًا ولا تيسر له؛ فعذره قائم للتيمم، وأثر ابن عباس دليل على ذلك، كما دلَّ عليه حديث عمرو بن العاص، والقاعدة الشرعية كما تقدم: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

والأحاديث الأخيرة تدل على أنَّ الإمام إذا أخلَّ بشيءٍ عن اجتهادٍ وتأويلٍ وعن جهلٍ أو نسيانٍ ولم يعلم به المأمومون فصلاتهم صحيحة، وعليه الإعادة إذا كان ما فعله يُوجب الإعادة، كمَن صلَّى ناسيًا حدثه، فلم يعلم إلا بعد الصلاة، أو علم واستحى ولم يقل لهم شيئًا، فإنه يُعيد ولا يُعيدون، وهكذا لو كان يعتقد أنَّ ما خرج منه لا ينقض وضوءه كالحجامة، فإن جمعًا من العلماء –الجمهور- يرون أنها لا تنقض الوضوء، فإذا صلَّى وتأوَّل أنها لا تنقض وضوءه فصلاته بالمأمومين صحيحة.

المقصود إذا أخلَّ بشيءٍ يعتقد جوازه له أو ناسيًا لذلك فصلاة المأمومين صحيحة، فقد صلَّى عمر بالناس ثم ذكر أنه جنب، فأعاد ولم يُعيدوا، والحديث يدل على هذا، قوله ﷺ: الأمراء يُصلون لكم، فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساؤوا فلكم يعني: وعليهم. فإن أصابوا فالإحسان للجميع، والخير للجميع، وإن قصَّروا فالإثم عليهم، وصلاة المأمومين صحيحة.

وهكذا الإمام ضامن، وهكذا فعل عمر وعلي لما صليا جنبًا نسيانًا، فأعاد عمر ولم يأمر الناس بالإعادة، ويقع لهذا أمثلة في حقِّ المتأولين؛ لأنَّ الفقهاء اجتهدوا في المسائل، واختلفوا فيها هل تنقض أو ما تنقض؟ وهل تكون شرطًا في الصلاة أم لا؟ ولو صلَّى صلاةً يعتقد أنها مُجزئة فصلاة المأمومين خلفه صحيحة، أو صلاها يعتقد طهارته ثم بان أنه على غير وضوءٍ فإنه يُعيد ولا يُعيدون؛ لأنهم ما علموا.

س: إذا علموا؟

ج: إذا علموا ما يجوز له أن يمضي، لكن لو جهل الأمراء فلم يُنبههم فصلاتهم صحيحة، لكن الواجب إذا علم أنه ليس على طهارةٍ وسبقه الحدثُ يستخلف؛ يُقدِّم واحدًا يُكمل، كما فعل عمر لما طُعن؛ قدَّم عبدالرحمن بن عوف وصلَّى بالناس.

س: إذا علم المأمومون بعد الصلاة؟

ج: لا يُعيدون، يُعيد هو.

س: لو علم أنَّ في سراويله نجاسةً ثم استمرَّ في صلاته وهو إمام؟

ج: يُعيد ولا يُعيدون؛ لأنهم ما علموا، والواجب أن يستخلف.

س: لو أنَّ الإمام استخلف، وقد صلَّى ركعتين، لكن المُستخلَف هذا جهل الحكمُ فبدأ من جديدٍ؟

ج: ما يضرّ، صلاته صحيحة، لو بدأ من جديدٍ لا بأس، لكن السنة أن يُكمل مثلما كمَّل بهم عبدالرحمن.

س: إذا ذكر أنه على غير طهارةٍ قبل التَّسليم؟

ج: الظاهر أنه يقوم ويقول لبعض الموجودين: كمِّل بهم؛ لأنه ما كمَّل صلاته، وهو يعلم أنه ليس من أهل الصلاة.

س: ...........؟

ج: يُقدِّم واحدًا، هذا الصواب، وقال آخرون من أهل العلم: يستأنف، يُكبِّر ويستأنف، وإلا يُقدِّم واحدًا يستأنفهم بالصلاة، ولكن الصواب أنه لا يستأنف ولو كان دخل بغير وضوءٍ ما دام ناسيًا، إذا تنبه يُقدِّم أحدهم ليكمل هو؛ لأنهم معذورون، ما فعلوا شيئًا، ما أخطؤوا، فإذا قدَّم منهم مَن يُكمل بهم صحيح.

س: ...........؟

ج: يُنبه في وقت إسقاطه حتى يأتي به.

س: ...........؟

ج: يأتي بركعةٍ، يقوم ويأتي بركعةٍ، وهم معه يُتابعونه، يقوم إذا تنبَّه أنه ترك آية الفاتحة ولم ينتبه إلا بعد الصلاة، مثل: لو ترك الركوع والسجود يقوم ويأتي بركعةٍ، ويسجد للسَّهو.

س: ..........؟

ج: لا، ما في شيء، صلاته بطلت من حين سبقه الحدث، أو ذكر أنه ليس على طهارةٍ، ليس من أهل الصلاة، يتكلم يقول: تقدَّم يا فلان صلِّ بهم، أكمل بهم يا فلان، أو يُقدِّمه بيده يُصلي بهم؛ لأنه ليس من أهل الصلاة حينئذٍ، عرف أنه ليس من أهل الصلاة، مُحْدِث، فمسموح له أن يتكلم.

س: إذا استخلف يُعيد الصلاة من جديدٍ؟

ج: يُعيد الصلاة من جديدٍ، يتوضأ ويُعيد الصلاة من جديدٍ.

س: المُسْتَخْلَفُ يُعيد الصلاة من جديدٍ؟

ج: لا، يُكمل بهم، يُكمل ما بقي، مثلما كمَّل عبدالرحمن بالناس ما بقي من صلاة عمر، هذا الصواب، وإن أعاد من جديدٍ صحَّت، بعض أهل العلم يرى أنه يُعيد من جديدٍ، فإذا كان يرى هذا الرأي فلا بأس، إذا أعاد من أوَّلها لا حرج، لكن الأفضل أنه يُكمل بهم.

س: ...........؟

ج: إذا كان ناسيًا، أما إذا كان عالمًا بطلت صلاته.

س: غير الحمد؟

ج: لا، غير الحمد ما في شيء، الحمد هي الركن، أما الباقي فمُستحب، ما هو بلازمٍ.

بَاب حُكْم الْإِمَام إذَا ذَكَرَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ أَوْ خَرَجَ لِحَدَثٍ سَبَقَهُ أَوْ غَيْر ذَلِكَ

1106- عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ فَكَبَّرَ، ثُمَّ أَوْمَأَ إلَيْهِمْ أَنْ مَكَانَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ: رَوَاهُ أَيُّوبُ وَابْنُ عَوْنٍ وَهِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَن النَّبِيِّ ﷺ: "فَكَبَّرَ ثُمَّ أَوْمَأَ إلَى الْقَوْمِ أَنِ اجْلِسُوا، وَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ".

1107- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: إنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ عُمَرَ غَدَاةَ أُصِيبَ إلَّا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فَمَا هُوَ إلَّا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "قَتَلَنِي –أَوْ: أَكَلَنِي- الْكَلْبُ" حِين طَعَنَهُ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةً خَفِيفَةً. مُخْتَصَرٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ.

1108- وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ: صَلَّى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ذَات يَوْمٍ فَرَعَفَ، فَأَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَقَدَّمَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي "سُنَنه".

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إنِ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ، وَإِنْ صَلَّوْا وُحْدَانًا فَقَدْ طُعِنَ مُعَاوِيَةُ وَصَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا مِنْ حَيْثُ طُعِنَ، أَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ.

بَاب مَنْ أَمَّ قَوْمًا يَكْرَهُونَهُ

1109- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً: مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَرَجُلٌ أَتَى الصَّلَاةَ دِبَارًا -وَالدِّبَارُ أَنْ يَأْتِيَهَا بَعْدَ أَنْ تَفُوتَهُ- وَرَجُلٌ اعْتَبَدَ مُحَرَّرَهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ فِيهِ: يَعْنِي: بَعْدمَا يَفُوتهُ الْوَقْتُ.

1110- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَزوجةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

الشيخ: هذه الأحاديث فيما يتعلق بصلاة الإمام وهو مُحدث أو سبقه الحدثُ بعدما دخلها وهو على طهارةٍ، وذكر أنه ليس على طهارةٍ.

حديث أبي بكرة وما جاء في معناه من حديث أبي هريرة كلها تدل على أنَّ الإمام إذا دخل وهو يظن أنه على طهارةٍ، ثم ذكر أنه على غير طهارةٍ فإنه ينفتل ويتطهر، ويأتيهم وهم على حالهم فيُكمل بهم؛ لأنه ﷺ قال: مكانكم، فبقوا صفوفًا ..... بقوا كما قال لهم ﷺ، وقد اختلفت الرواية في هذا: في رواية أبي بكرة وبعض روايات أبي هريرة أنه كبَّر ودخل في الصلاة، وفي رواية "الصحيحين" أنه وقف وانتظر الناسُ تكبيره، ثم قال لهم: مكانكم، وذهب واغتسل قبل أن يُكبِّر.

واختلف العلماء في ذلك: هل هما قصَّتان أو قصة واحدة؟

فذهب قومٌ إلى أنها قصة واحدة، ورجَّحوا رواية "الصحيحين"، وأنه لم يُكبر، وإنما تذكر قبل أن يُكبر، ثم ذهب واغتسل وجاء عليه الصلاة والسلام.

وقال آخرون -كالنووي رحمه الله وابن حبان وجماعة- أنهما قصتان: قصة فيها أنه كبَّر، وقصة أنه لم يُكبر، فلكل واحدةٍ حكمها، فالتي فيها أنه كبَّر بنى على صلاته بالنسبة إليهم، فلم يأمرهم بالانفتال منها، بل بقوا على حالهم، فلما جاء كبَّر وصلَّى بهم وهم على حالهم، فدلَّ ذلك على أنَّ صلاتهم لا تبطل بسبقه الحدث أو بتأكُّده أنه مُحدِث، وهذا هو الصواب، فإذا صلَّى بهم ركعةً أو ركعتين ثم بان له أنه ليس على طهارةٍ فإن شاء قال: "مكانكم"، وذهب ليتطهَّر ثم جاء وكمَّل بهم، ثم ينتظرون حتى يكمل ما عليه، وإن شاء استخلف كما استخلف عمر؛ لما طُعن قدَّم عبدالرحمن وصلَّى بالناس، وهذا أرفق بالناس كونه يستخلف، ولا سيما إذا كان مكانه بعيدًا، فإن الرسول ﷺ مكانه قريب، باب الحجرة في المسجد قريب؛ ولهذا ذهب بسرعةٍ ورجع عليه الصلاة والسلام وصلَّى بهم، لكن إذا كان مكانه بعيدًا وقد يطول عليهم الانتظار فإنه يستخلف كما استخلف عمر، فيأخذ بيد أحدهم من خلفه فيُقدِّمه حتى يُكمل بهم.

ولو صلّوا وحدانًا، كلٌّ صلَّى بنفسه كما فعلوا في قصة معاوية لما طُعن فلا حرج، لكن الأفضل أن يفعل ما فعل عمر، وأن يُقدِّم مَن يُصلي بهم فيتمّ ما بقي على الإمام ولا ينتظرونه؛ لأنَّ الانتظار قد تكون فيه مشقة كبيرة في بعض الأحيان.

أما إذا كان لم يُكبِّر، بل تذكَّر وهو واقفٌ قبل أن يُكبر، فحينئذٍ إن انتظروه فلا بأس، وإن أمرهم أن يُصلوا حتى لا يشقَّ عليهم فعلوا، والناس يختلفون في هذا: منهم مَن يكون محله قريبًا يستطيع أن يأتي بسرعةٍ، ومنهم مَن يكون محله بعيدًا، يشقّ عليهم الانتظار، فالإمام ينظر ما هو الأصلح، فإن كان الأصلح أن ينتظروا؛ لأنَّ وضوءه قريب، ومحله قريب، أو محل الاغتسال قريب، كما فعل النبيُّ ﷺ فلا بأس، وإلا استخلف مَن يُصلي بهم من أول الصلاة ولا ينتظرونه؛ لئلا يشقَّ عليهم ذلك.

وفعله ﷺ يدل على أنَّ انتظارهم له أولى إذا كان قريبًا ولا مشقَّة في ذلك؛ لأنه ﷺ قال: مكانكم ولم يستخلف، فيدل على أنَّ هذا هو الأفضل إذا تيسر ذلك ولم تكن فيه مشقة، أما إن كانت هناك مشقة فالأدلة الشرعية تدل على أنه يُشرع للمؤمن الرفق بالجماعة وعدم المشقة عليهم، والاستخلاف يكون أصلح في هذه الحالة وأرفق بالمأمومين كما فعل عمرُ رضي الله عنه وأرضاه.

ودلالة الحديث تدل على أنَّ الصلاة لا تبطل -صلاة المأمومين- فلو كمَّل ثم بان له أنه ليس على وضوءٍ فصلاتهم صحيحة، وهو يُعيد -الإمام يُعيد- وأما هم فلا يُعيدون؛ لأنهم لا ذنبًا منهم، لا تقصيرًا منهم، فإذا كمَّل ثم بان له أنه ليس على وضوءٍ، أو أنَّ عليه جنابةً فإنه يُعيد، وأما هم فلا يُعيدون.

س: ...........؟

ج: يستخلف، هذا الأفضل.

س: ............؟

ج: لا، يكمل بهم، يكمل بهم ثم يكمل صلاته هو، يكمل بهم ثم ينتظرونه ثم يكمل ما بقي عليه.

والأحاديث الثلاثة كلها تدل.

حديث أبي أمامة وعبدالله بن عمرو كلاهما يدل على أنه ينبغي للإمام أن لا يؤمَّهم إذا كانوا يكرهونه: ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً: رجلٌ أمَّ قومًا وهم له كارهون، وامرأة سخط عليها زوجُها حتى يرضى عنها، والعبد الآبق. هؤلاء يجب عليهم أن يتحرَّوا الأسباب التي تُزيل الكراهة، إذا كان إمامًا، والزوجة كذلك عليها أن تُراعي حقَّ الزوج، أما إذا كان سخطه عليها بغير حقٍّ فغير داخل في الحديث، إنما المراد إن كان ساخطًا عليها بحقٍّ فهذا فيه الوعيد، والعبد الآبق لا شكَّ أنه ظالم، فوجب عليه أن يرجع إلى سيده، هذا من باب الوعيد.

وذكر أهلُ العلم رحمهم الله أنَّ كراهة المأمومين فيها تفصيل، ومراد النبي ﷺ إذا كرهوه بحقٍّ، أما إذا كانت كراهتهم له لأنه صاحب سنةٍ، يدعوهم إلى السنة، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، فلا وجه لكراهتهم، وهذا مأخوذٌ من الأدلة الشرعية، وإن كانت الأحاديث مطلقة، لكن هذا مأخوذ من الأدلة الشرعية، أما إذا كرهوه لشحناء بينهم وبينه، أو لفسقه، أو لعدم عنايته بالصلاة وعدم مُواظبته، فلا ينبغي أن يُصلي بهم؛ لأنه يُسيء إليهم، فلا يجوز أن يُصلي بهم في هذه الحال: إما لفسقه، أو لكونه يُؤذيهم فيشقّ عليهم، وإما لشحناء وخصومات بينه وبينهم، فينبغي في هذه الحالة الترك، وهو داخل في هذه الأحاديث التي فيها الوعيد، والله جلَّ وعلا أعلم.

س: والذي يأتي الصلاة دبارًا؟

ج: كذلك هذا وعيد أيضًا، والذي يأتي الصلاة دبارًا يعني: كسولًا، فيأتيها بعد أن تفوته، فهذا فيه الوعيد الشديد، والواجب على المؤمن أن يحرص على المحافظة على الصلاة، وأن يحضرها من أولها، فالواجب أن يُلاحظ ذلك، وأن يعتني، فإذا كان من خلقه التَّكاسل فهذا وعيد شديد في حقِّه، ويُشابه أهل النِّفاق.

س: حمل المؤلفُ حديث أبي بكرة على ما إذا سبقه الحدثُ؟

ج: أنواع: قد يكون سبقه الحدث، قد يكون دخله بغير طهارةٍ .. أنواع تقع للناس، قد يكون دخلها وهو ليس على طهارةٍ، أو يظنّ أنه دخلها على طهارةٍ ثم سبقه حدثٌ، حتى لو تعمَّد الإثم عليه، لا يضرّ المأمومين، وإذا لم يعلموا حتى صلّوا فصلاتهم صحيحة.

س: ظاهر صنيع المؤلف أنه يحمل حديث أبي بكرة على ما إذا ذكر أنه مُحدِث أو خرج لحدثٍ سبقه؟

ج: أو غير ذلك، عام، حتى ولو كان مُتعمدًا فالإثم عليه، إذا لم يعلموا إلا بعد انصرافه فصلاتهم صحيحة، هذا هو الصواب؛ لأنهم لا تفريطَ منهم.

س: مَن صلَّى بقومٍ وهم له كارهون صحَّت صلاته؟

ج: نعم، صلاته صحيحة مع الإثم، يأثم هو.

س: إذا كان لا يعلم بأنهم يكرهونه؟

ج: إذا كان ما يعلم ما عليه شيء.

س: .............؟

ج: إذا كان لا يعرف ما عليه شيء، وإذا كان بيان الحقِّ لا يضرّه.

س: ............؟

ج: يُقدِّم واحدًا ويكفي، ما يحتاج كلامًا، يُقدِّم واحدًا يُصلي.

س: صحَّة حديث: ومَن أمَّ قومًا وهم له كارهون؟

ج: كلها صحيحة جيدة، وإن كان بعضُهم يُضعِّفها، لكنها قوية ويجبر بعضُها بعضًا .......

س: ..........؟

ج: يُعيد صلاته هو فقط، ما عليهم إعادة.

س: مَن قال: لا يستخلف إذا سبقه الحدثُ؟

ج: ليس عليه دليل، الصواب أنه يستخلف مطلقًا.

س: ما عندهم تعليل؟

ج: قصة عمر لما طُعن.

س: ..........؟

ج: ............

أَبْوَاب مَوْقِف الْإِمَام وَالْمَأْمُوم وَأَحْكَام الصُّفُوف

بَاب وُقُوف الْوَاحِد عَنْ يَمِين الْإِمَام وَالِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا خَلْفه

1111- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: "قَامَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ، فَجِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَنَحانِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبٌ لِي فَصَفَّنَا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِنَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَفِي رِوَايَةٍ: "قَامَ رَسُول اللَّه ﷺ لِيُصَلِّيَ، فَجِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّه ﷺ، فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

1112- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا كُنَّا ثَلَاثَةً أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُنَا". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

1113- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ النَّبِيِّ ﷺ، وَعَائِشَةُ مَعَنَا تُصَلِّي خَلْفَنَا، وَأَنَا جَنْبَ النَّبِيِّ ﷺ أُصَلِّي مَعَهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

1114- وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالَتِهِ، قَالَ: "فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

1115- وَعَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعَمِّي عَلْقَمَةُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بِالْهَاجِرَةِ، قَالَ: فَأَقَامَ الظُّهْرَ لِيُصَلِّيَ، فَقُمْنَا خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَيَدِ عَمِّي ثُمَّ جَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ، فَصَفَّنَا صَفًّا وَاحِدًا، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصْنَعُ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ مَعْنَاهُ.

بَاب وُقُوف الْإِمَام تِلْقَاء وَسْط الصَّفِّ

وَقُرْب أُولِي الْأَحْلَام وَالنُّهَى مِنْهُ

1116- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: وَسِّطُوا الْإِمَامَ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

1117- وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: اسْتَوُوا، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

1118- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

1119- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فالأحاديث الأولى الخمسة كلها تتعلق بموقف المأمومين من الإمام، وقد دلَّت السنةُ على أنَّ الواحد يقف عن يمينه، كما في حديث جابرٍ، وفي حديث أنسٍ وابن عباس لما صفَّ مع النبي ﷺ فجعله عن يمينه، هذه كلها تدل على أنَّ السنة في حقِّ الواحد أن يكون عن يمين الإمام في الفرض والنَّفل جميعًا، أما إذا كانوا اثنين فأكثر فإنَّ السنة أن يكونوا خلفه؛ ولهذا لما حضر جبار أداره مع جابرٍ وجعلهما خلفه، وهكذا لما صلَّى أنسٌ مع النبي ﷺ لما زارهم وجعلهم يصفُّون خلفه، ولما صلَّى بأنسٍ وحده جعله عن يمينه، والأحاديث في هذا كثيرة ومشهورة، وهكذا حديث سمرة، وإن كان في سنده ضعف حديث سمرة، لكنه شاهد من الشواهد، وكلها تدل على شرعية أن يكون المأمومُ الواحد عن يمين الإمام، وأنه لو كبَّر عن يساره صحَّت صلاته ولا تبطل، لكن يُحوَّل، النبيُّ ﷺ حوَّله إلى جنبه الأيمن ولم يأمره باستئنافها، فدلَّ على صحة إحرامه، وأنه لو استمرَّ صحَّت، لكنه خالف السنة؛ فلهذا يكون عن يمين الإمام إذا كان واحدًا، فرضًا كان أو نفلًا، والاثنان أو أكثر يكونان خلف الإمام، هكذا جاءت السنة عن رسول الله ﷺ في حديث جابرٍ وجبارٍ في "صحيح مسلم"، وحديث أنس في "الصحيحين"، وهكذا ما جاء في معناهما.

أما أثر ابن مسعودٍ وأنه جعل علقمة والأسود عن يمينه وشماله، ونقل هذا عن النبي ﷺ، فقال العلماءُ فيه: إنه موقوفٌ. وأعلَّه بعضُهم، وقال بعضُهم: إنه منسوخ. والصواب أنه إما موقوف من اجتهاده ، وإما منسوخ، فكان هذا سابقًا كما كان التَّطبيق -وهو يرى التطبيق- وهو جعل اليدين بين الفخذين، وخفي عليه النَّسخ، وبيَّن سعدٌ أنَّ هذا نُسخ، وأن النبي أمر بالركبتين كما رواه ابن حميد وغيره، فلا يكون ما ذكره ابن مسعودٍ إن صحَّ الرفعُ منسوخًا، والأحاديث الصحيحة دالة على أنه جعل المأمومَ خلفه عليه الصلاة والسلام إذا كانوا اثنين، ثم هو لا يُقاوم الأحاديث الصحيحة الدالة على أنه جعل المأموم خلفه، وهذا الحديث .......، وقد أعلَّه بعضُهم، والأقرب أنه موقوف، خفيت على ابن مسعودٍ السنة في ذلك فاجتهد، والسنة مُقدَّمة على اجتهاده وعلى اجتهاد غيره، وأنَّ المأموم إذا كان واحدًا فيكون عن يمينه، وإذا كان المأمومون اثنين فإنَّ السنة أن يكونا خلفه، ولو صلَّا عن يمينه الصلاة صحَّت، لكن خلاف السنة، يُصلون خلفه كما جاءت به السنة الصحيحة.

والأحاديث الأربعة الأخيرة تدل على شرعية توسط الإمام:

الحديث الأول حديث أبي هريرة: وسِّطوا الإمامَ، وسدُّوا الخلل، والحديث وإن كان فيه ضعف لكن العمل عليه عند أهل العلم؛ أن السنة أن يكون الإمامُ وسطًا في المساجد، وحين يُصلي بالناس يكون وسطًا، هذه السنة العملية التي درج عليها المسلمون، وإن كان الحديثُ ضعيفًا، ولكنه منجبر بأن العمل عليه.

وفي حديث أبي مسعودٍ وابن مسعودٍ أيضًا الدلالة على أنه ينبغي لأهل الأحلام والنُّهى أن يكونوا خلف الإمام، وأن يتقدَّموا ولا يتأخَّروا؛ ولهذا في حديث أبي سعيدٍ عند مسلم: تقدَّموا فأتمُّوا بي، يقول لأصحابه: تقدَّموا فأتمُّوا بي، وليأتمَّ بكم مَن بعدكم، ولا يزال الرجلُ يتأخَّر عن الصلاة حتى يُؤخِّره الله ...... المهاجرين والأنصار حتى يستفيدوا، وحتى يُعلِّموا الناس.

فينبغي لأهل الحلم -وهم أهل العقول الصحيحة والفهم- وأولي النُّهَى ....... يكون له عقل وبصيرة، نهية يعني: يفهم بها، ويعقل بها، فينبغي أن يتقدم أهلُ العلم والفضل، وأن يكونوا هم الذين خلف الإمام، وألا يجعلوا ذلك لغيرهم، وليس معناه أنَّ مَن تقدَّم يُؤخَّر، لا، لكن هم ينبغي أن يتقدَّموا، وإذا تقدَّم غيرهم فهو أولى، إذا تقدَّم العامَّة ومَن ليس من أهل العلم فهو أحق بالتقدم والسبق، لكن ينبغي لأهل العلم والنُّهى وأهل البصيرة والفقه أن يتقدَّموا فيكونوا قدوةً للناس، ويكونوا أئمةً للناس في هذا الخير العظيم؛ ولهذا قال للصحابة: تقدَّموا فأتمُّوا بي، وليأتمَّ بكم مَن بعدكم يعني قال لعلمائهم وقُدمائهم: تقدَّموا؛ لأنهم كلهم صحابة، لكن المقصود كبارهم وأهل العلم فيهم؛ حتى يتأسَّى بهم غيرهم، ...... يعني: ليتقدم كلُّ ذي علمٍ وذي بصيرةٍ وفقهٍ في الدين، التَّقدم أن يتقدم على غيره، وأن يُسابق ولا يتأخَّر.

وقوله في حديث ابن مسعودٍ: وإياكم وهيشات الأسواق يعني: النزاعات والصياح والعبث الذي لا يليق بالمصلين، يكونون مطمئنين، يكونون في غاية الخشوع والسكون وغضّ الأصوات؛ لأنَّ المساجد محل الخشوع، ومحل الخضوع، ومحل الطُّمأنينة، ....... هيشات الأسواق، فإن المؤمن يتجنَّبها ولا يكون فيها إلا عند الحاجة؛ لأنه يكون فيها الصياح، وتكون فيها الغيبة، وتكون فيها الأيمان الكاذبة، فينبغي له أن لا يأتي الأسواق إلا عند الحاجة، يأخذ حاجته وينصرف، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويُلقي السلام، مثلما كان ابنُ عمر يُلقي السلام في الأسواق، لكن يتجنَّب هيشات الأسواق والجلوس فيها؛ لأنها يكون فيها ما لا يُرضي الله من الأفعال والأقوال السيئة، لكن الحاجة تدعو إلى ذلك، فإن ذهب لحاجته مع قيامه بالدَّعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وبذل السلام، وردّ السلام.

وفَّق الله الجميع.

س: مَن قال أنَّ حديث ابن مسعودٍ لأجل ضيق المكان؟

ج: ما هو ظاهرًا؛ لأنَّ ظاهر السياق أنه يراه السنة، سياق الحديث يدل على أنه يراه سنةً.

س: ............؟

ج: لا بأس، إذا دعت إليه الحاجةُ لا بأس، فعله المسلمون ...... إذا دعت الحاجةُ يدخل المحراب حتى يُوسِّع، وإذا ما دعت الحاجة يبرز حتى يراه المصلون إذا ركع وإذا سجد، ويسمعوا صوته، يكون بارزًا.

س: .............؟

ج: المحراب درج عليه المسلمون، ولكن دخوله عند الحاجة لا بأس، وإذا كان ما في حاجةٍ يبرز.

س: ............؟

ج: إذا تقدَّم الصغار لا يُمنعون؛ لأنهم من أهل الصلاة، ابن سبعٍ فأكثر لا يُمنع، إذا سبق فهو أحق.

س: إمامة المرأة إذا صلَّت بالنساء؟

ج: تكون وسطهن، وسط النساء، وسط الصف الأول، المرأة تكون وسط الصفِّ، لا تتقدم.

س: ............؟

ج: يكفي، إن شاء الله يكفي، إذا أمرهم يكفي إن شاء الله، وإذا لاحظهم واعتنى بهم يكون أكمل.

س: ............؟

ج: خلف الرجل، خلف الصف، إذا كانت مع زوجها تكون خلفه، مثلما وقفت أمُّ سليم خلف النبي ﷺ، وعائشة خلف النبي ﷺ.

س: ...........؟

ج: في المسجد، يعني في محله.

س: ............؟

ج: ولو، إذا كانوا عن اليمين أفضل ولو كانوا أكثر في اليمين، وإذا كانوا جماعةً مجتمعين وسَّطوه.

س: الأطفال الصغار ........؟

ج: ما يخلُّوهم في الصفِّ، يُؤخِّروهم؛ لأنهم ما هم من أهل الصلاة.

س: يكون صفٌّ مُستقلٌّ للأطفال؟

ج: لا، ما لهم صفٌّ مستقلٌّ إلا لو كانوا جميعًا، إذا اجتمعوا جميعًا يصفُّ الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء ...... مَن تقدَّم فهو أحقّ، لكن لو كانوا في أسفارٍ، ونزلوا من السيارة يُصلون أو تجمَّعوا، يصفُّ الكبار، ثم الصغار، ثم النساء، أما في المساجد فمَن تقدَّم فهو أحقُّ، مَن سبق إلى الصفِّ الأول ثم الثاني ثم الثالث فهو أحقُّ، ولو كان ابن سبعٍ، ولو كان ابن عشرٍ؛ لأنه من أهل الصلاة.

س: ............؟

ج: إذا دعت الحاجة لا بأس، إذا دعت الحاجة ...... عن يمين الإمام وعن شماله للحاجة.

س: وإذا لم تدعو الحاجة؟

ج: صلوا خلفه.

س: إذا صلَّى يكون مكروهًا؟

ج: نعم، خلاف السنة.

س: وإذا لم يتقدم الإمامُ، إذا صلَّى الإمامُ في وسط الصفِّ؟

ج: صحَّت، لكنه خالف السنة، إلا عند الحاجة؛ ضاق المكانُ يصفُّون معه.

س: ............؟

ج: ظاهر السنة خلاف ذلك، .....

س: ...........؟

ج: ............