15 باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما

باب  من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما

وقول الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [النجم:19].

عن أبي واقد الليثي قال: "خرجنا مع رسول الله ﷺ إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط. فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله ﷺ: الله أكبر، إنها السنن. قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف:138]، لتركبن سنن من كان قبلكم" رواه الترمذي وصححه.

يقول رحمه الله: "باب: من تبرك بشجرة أو حجر أو نحوهما"، كالقبر والصنم ونحو ذلك، والتبرك بها طلب البركة منها؛ كما يفعل عباد القبور وعباد الأشجار والأحجار، ترك الجواب لأنه معلوم المعنى فقد أشرك، باب من تبرك: أي حكمه أنه قد أشرك، وهذا هو الجواب، من تبرك يعني باب حكم من تبرك.. إلخ أو باب: من تبرك بشجرة أو حجرة أو نحوهما يعني فقد أشرك، ترك الجواب ليتدبر الطالب ويتأمل الطالب الحكم مما ذكر في الآية والحديث، والتبرك بالأشجار والأحجار من طبيعة ومن عمل الجاهلية وأخبارهم وأعمالهم المعروفة، فكانوا يتبركون بالأشجار والأحجار والأصنام ويدعونها ويستغيثون بها وينذرون لها، إلى غير ذلك، فجاء الله بالإسلام فأبطل ذلك، وبين لهم النبي ﷺ أنها لا تنفعهم ولا تضرهم، وأن عملهم هذا باطل، وأمرهم بترك ذلك، والبراءة من ذلك، وألا يعبدوا إلا الله وحده سبحانه وتعالى، فمنهم من أجاب وهم السعداء، وهم الأقلون، ومنهم من كفر وأنكر وهم الأكثرون، قال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103] ولكن العرب الموجودين في الجزيرة أجاب أكثرهم ودخلوا في دين الله بعدما فتح الله مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، قال الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ۝ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ۝ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ۝ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [النجم:19-22] المعنى كما قال في التفسير: يعني أنفعت أم ضرت؟ حتى تعبدوها من دون الله؟ المعنى أنها لم تنفع ولم تضر، وأنها ليس عندها فائدة، ولكنه الجهل والضلال، فأي فائدة عند شجرة وهي العزى، أو صخرة وهي اللات التي كان يلت عليها السويق أو نفسه هو وجسده وقبره، أي فائدة عند هؤلاء وهكذا مناة الصخرة ... عند قديد بما يلي ساحل البحر؛ فهذه الثلاث التي عبدها المشركون في الجاهلية: العزى في مكة لأهل مكة ومن كان على طريقهم، واللات لأهل الطائف ومن كان على مذهبهم ونهجمهم واتباعهم، ومناة لأهل المدينة ومن كان على نهجم في ذلك، هؤلاء هذه الأصنام الثلاثة، وهذه الأوثان الثلاثة كانت تعبد من دون الله، وكانت تعظم عند جاهلية العرب، فلما جاء الله بالإسلام أزالها النبي ﷺ وقطع الشجرة وهدم اللات وكسر مناة، وانتهى أمرها والحمد لله، ولكن في آخر الزمان تعود هذه الأمور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الليالي والأيام حتى تعبد اللات والعزى، نسأل الله السلامة والعافية .

وكان من عملهم عندها: سؤالها، والتبرك بها، والنذر لها، والاستغاثة بها، ونحو ذلك من أعمالهم الخبيثة، فأبطلها الله بالإسلام وأمر الله عباده أن يعبدوه وحده، وأن يدعوه وحده، وأن يسألوه البركة جل وعلا، هو الذي بيده البركة وبيده كل شيء سبحانه وتعالى، ليس بيد العزى أو اللات أو بقية الأصنام أو الأشجار التي عبدها أهل الشرك؛ بل كل هذا بيده ، هو المبارك وعبده المبارك، وهو الذي بيده الضر والنفع والعطاء والمنع، وهو الذي يجب أن يعبد وحده كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]  وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] فهذه الأصنام قضي عليها بعد الفتح بعدما فتح الله عليه مكة وبعد وقعة هوزان وحنين قضي على هذه الأصنام، وهدمت وأزيلت، وعبد الناس الله وحده ، والحمد لله.

في حديث أبي واقد الليثي: قال خرجنا مع رسول الله عام حنين وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، قوله: "ونحن حدثاء عهد بكفر" يعني: نحن قريب عهدنا بكفر يعني الآن أسلمنا من قريب ولهذا كالعذر ولهذا جهلنا هذا الأمر، "وللمشركين سدرة" السدرة معروفة سدرة واحدة السدر: الشجرة المعروف، يقال لها: النبق، "يعكفون عندها" يعني: يقيمون عندها، العكوف الإقامة واللبث، "وينوطون" يعلقون بها أسلحتهم للتبرك بها، يقولون: إذا علق السيف بها كان أمضى له وأقوى وأسد، "يقال لها: ذات أنواط" يسمى باسم ما يعلق عليها ذات أنواط، فمررنا بسدرة في رواية: خضراء، "فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" يعني اجعل لنا شجرة مثلهم نعلق عليها السلاح ونتبرك بها، فعند هذا غضب ﷺ وقال: الله أكبر هذه عادته ﷺ إذا رأى شيئا ينكر قال: الله أكبر أو قال: سبحان الله، هذا هو السنة، وليست السنة التصفيق، التصفيق من أعمال الجاهلية، أما الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فكانوا إذا رأوا شيئا يعجبهم كبروا، ولهذا قال هنا: الله أكبر، وهكذا إذا رأى شيئا منكرا الله أكبر أو سبحان الله كما قاله النبي ﷺ في مواضع كثيرة، ولما أخبرهم ﷺ أنه يرجو أن يكونوا ربع أهل الجنة قال: فكبرنا، قال: فأرجو أن تكون ثلث أهل الجنة قال: فكبرنا، قال: فأرجو أن تكون شطر أهل الجنة، قال: فكبرنا، إنها السنن يعني إن هذه الأمور هي سنن من قبلكم، يعني: إن عبادة الأشجار والأحجار والتأسي بالآباء والأسلاف هي السنة المعروفة عند الناس، يعني: هي الطريقة المعروفة يتأسى آخرهم بأولهم، إنها السنن يعني الطرق المتبوعة المعروفة: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23] ثم قال: "قلتم والذي نفسي بيده" يحلف بالله عز وجل؛ لأن النفوس بيد الله، نفوس العباد كلها بيد الله .

قلتم والذي نفسي بيده يعني: والله، كما قالت بنو إسرائيل إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام،  وبنوه هم اليهود، ومن انتسب إلى إسرائيل، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فهؤلاء اليهود قالوا لموسى هذا الكلام -بنو إسرائيل- فأنكر عليهم موسى عليه الصلاة والسلام، وبين بطلان ما هم عليه، وأنه متبر وباطل ما كانوا يعملون، وأن الواجب عليهم أن يعبدوا الله وحده، فهكذا هؤلاء تأسوا بأولئك، وقالوا مثلهم جهلا لم يعرفوا أن هذا لا يجوز، فلهذا قالوا هذه المقالة جهلًا، ولهذا قال في أول الحديث: ونحن حدثاء عهد بكفر، يعني قريب عهدنا بكفر، لم نتفقه كثيرا، فلهذا خفي علينا هذا الأمر، فأنكر عليهم ﷺ، وقال: قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة هذا يبين لنا أن الاعتبار بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ، هم قالوا: اجعل لنا ذات أنواط، وبنو إسرائيل قالوا: اجعل لنا إلها، والمعنى واحد، المعنى: اجعل لنا شيئا نعبده ونعظمه ونتبرك به كما فعل بنو إسرائيل لموسى حين قالوا : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.

ولهذا يبين لنا أن العبرة في المعنى والحقائق لا بالألفاظ المجردة، فإذا قال الإنسان للباطل بأي لفظ فهو باطل، وإن كان ليس لفظ الأولين السابقين، قال الله في بني إسرائيل: إنكم قوم تجهلون إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:139] لتركبن سنن من كان قبلكم، ثم قال ﷺ بعدها: لتركبن سنن من كان قبلكم يضبط بفتح السين وضمها، سَنَن طريق، سُنَن طرق، هذا يبين لنا أن هذه الأمة تسلك مسالك من كان قبلها، وأنها تبتلي بما ابتلي بها من قبلها من الأمم من عبادة الأشجار والأحجار والأصنام والغلو في الصالحين والغلو في الأنبياء وغير هذا، وقد وقع هذا للناس الذي أخبر به النبي ﷺ، قد وقع في الناس حتى عبدت القبور وعظمت وبني عليها القباب والمساجد وعبدت الأصنام من دون الله والأشجار كل هذا قد وقع، والمقصود من هذا التحذير والتبيين أن هذا سوف يقع فاحذروه، وهكذا قوله ﷺ في حديث أبي سعيد في الصحيحين: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة .. الحديث، فالرسول يحذرنا من اتباع من قبلنا من أهل الباطل والشر، وأن الواجب على العبد أن يسلك مسلك الأنبياء والصالحين، وأن يأخذ طريقهم ويستقيم على نهجهم الصالح وأن يحافظ على ذلك، ويسل ربه الثبات على ذلك، وألا يغتر بمن هلك وضل من الأمم، وألا يسلك سبيلهم في عبادة الأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو غير هذا مما عبده المشركون الأولون، فالطريق السليم والصراط المستقيم هو أن تعبد الله وحده، وأن تسلك مسلك الأنبياء والصالحين الذين تابعوا الأنبياء وساروا على نهجهم، هذا هو الطريق الناجي والسعيد وهذا هو الصراط المستقيم، وهذا هو مسلك الأخيار من عباد الله المؤمنين، أما اتباع الضالين والسير على نهجهم فهذا نهج المغضوب عليهم ونهج الضالين ونهج فارس والروم ونهج من خالف الشرع، نسأل الله للجميع العافية والسلامة.