23 باب الشفاعة

باب الشفاعة

وقول الله : وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ [الأنعام:51]، وقوله تعالى: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا [الزمر:44].

وقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، وقوله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26].

وقوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ [سبأ:22] قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب، كما قال تعالى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28] فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون، هي منتفية يوم القيامة، كما نفاها القرآن وأخبر النبي ﷺ: "أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده" (لا يبدأ بالشفاعة أولا) . ثم يقال له: ارفع رأسك وقل يُسمع، وسل تُعط، واشفع تُشفَّع .

وقال أبو هريرة له ﷺ: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص، بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله، وحقيقته: أن الله هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع، ليكرمه وينال المقام المحمود.

فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع.

وقد بين النبي ﷺ أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. اهـ كلامه.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أما بعد:

فهذا الباب في الشفاعة، لما كان المشركون يتعلقون بالشفاعة ويدعون غير الله ويستغيثون بغير الله رجاء الشفاعة عقد المؤلف رحمه الله هذا الباب ليبين أمر الشفاعة، والمؤلف هو أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن هادي التميمي، شيخ الإسلام في زمانه، والمجدد لما اندرس من معالم الإسلام في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري في هذه الجزيرة، وكانت وفاته رحمه الله سنة ست ومائتين وألف من الهجرة النبوية، وقد ألف هذا الكتاب كتاب التوحيد ليبين حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك وما يتعلق به المشركون، وبيان كثير من البدع التي وقع فيها كثير من الناس، وبين أنواعًا من الشرك الأصغر حتى يكون الناس على بصيرة، ومن ذلك هذا الباب، يقول رحمه الله: باب الشفاعة، يعني باب بيان الشفاعة الشرعية والشفاعة البدعية، والشفاعة التي أثبتها القرآن والشفاعة التي نفاها القرآن؛ حتى تكون المسألة بينة واضحة، وحتى يعلم ذلك كل صاحب حق، وحتى تقوم الحجة على من أنكر ذلك، قال الله تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ [الأنعام:51] يعني أنذر الناس ولاسيما أهل الإيمان الذين يخافون أن يُحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع، أنذر بالقرآن فليس هناك ولي ولا شفيع إلا من أذن الله له من الرسل وأتباعهم، قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] ما أحد يشفع إلا بإذنه ، قال تعالى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28] قال سبحانه: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26]، فالشفاعة لا بدّ فيها من شرطين: أحدهما: إذن الله للشافع، والثاني: رضاه للمشفوع فيه، وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد والإيمان لا يرضى الكفر قال تعالى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُم [الزمر:7] وقال جل وعلا: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ۝ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:22-23].

 قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه الآية في تفسيرها: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون فنفى أن يكون لغيره ملك لقوله: مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر:13]، لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ [سبأ:22] أو شرك منه وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ [سبأ:22]، أو يكون عونًا لله وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22]، الظهير العوين، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين سبحانه أنها لا تنفع إلا لمن أذن الله له، قال تعالى: وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ:23]، فبهذا بطلت الشفاعة التي يتعلق بها المشركون ولم يبق إلا الشفاعة التي أذن الله فيها وهي التي تكون بإذنه للشافع ورضاه عن المشفوع وهم أهل التوحيد، ورضاه سبحانه لا يرضى إلا التوحيد لا يرضى الشرك ولا يأذن بالشفاعة لأهله وقد سأله أبو هريرة قال: يا رسول الله، من أحق الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص، ولا تكون لمن أشرك بالله.

ثم قال رحمه الله: وحقيقته، يعني حقيقة الأمر أن الله سبحانه هو الذي تفضل على عباده فيأذن للشافع أن يشفع فيهم إذا كانوا موحدين مخلصين، أما من كان على الشرك فلا يؤذن له بالشفاعة فيه، هذا من فضله جل وعلا، يأذن للشافع في المشفوع فيهم من أهل التوحيد والإيمان، أما أهل الشرك فلا شفاعة فيهم، كما قال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26]، فالشفاعة حق ولكنها تكون لأهل التوحيد والإخلاص ولا تكون لمن أشرك بالله، هذه الشفاعة الخاصة.

أما الشفاعة العامة لنبينا ﷺ فهي لجميع الناس، تعم أهل الموقف كلهم مسلمهم وكافرهم، وهذه الشفاعة العظمى هي الشفاعة في أن يقضى بينهم ويحاسبوا ويقال لها الشفاعة العظمى، وهذه خاصة بنبينا ﷺ وهي المقام المحمود الذي قال الله فيه: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، هي الشفاعة العظمى يشفع فيها لأهل الموقف حتى يُقضى بينهم.

أما الشفاعات الأخرى فهي خاصة بالمؤمنين، الشفاعة لأهل الجنة يدخلون الجنة، والشفاعة في بعض العصاة أن يخرجوا من النار، كل هذه بعد الشفاعة العظمى.

والشفاعة في العصاة لا تخصه ﷺ بل تعمه وتعم غيره من المؤمنين، فالمؤمنون لهم شفاعات في العصاة.

فالخاصة به ثلاث: الشفاعة العظمى، والشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة هذه خاصة به ﷺ، والثالثة: الشفاعة في عمه أبي طالب أن يخفف عنه، يخفف عنه بعض الشيء، فهذه ثلاث شفاعات تخصه صﷺ.

أما الشفاعة في أهل النار فيمن استحق النار لا يدخلها، وفيمن دخلها أن يخرج منها، وفي الدرجات فهذه لا تخصه ﷺ بل له ولغيره يشفع المؤمنون، تشفع الملائكة يشفع الأفراط، يشفع النبي ﷺ، والله جل وعلا يحد لهم شفاعات يوم القيامة يشفع فيحد الله لهم حدًا من العصاة فيخرجهم من النار، ثم يشفع مرة أخرى فيحد الله له حدًا، ثم يشفع مرة ثالثة فيحد الله له حدًا، ثم يشفع مرة رابعة، فيحد الله له حدًا تخرجهم من النار قد امتحشوا بذنوبهم وسيئاتهم.

ويبقى في النار بقية لم تشملهم الشفاعة، بقية لم تشملهم شفاعة الشفعاء فيخرجهم الله من النار بغير شفاعة برحمته سبحانه، يخرجهم من النار وهم آخر من يخرج من النار، لم يعملوا خيرًا قط سوى أنهم ماتوا على التوحيد، ولكن دخلوا النار بمعاصيهم وسيئاتهم، فيخرجهم الله من النار ولا يبقى في النار إلا أهلها وهم الكفرة الذين حكم الله عليهم فيها بالخلود أبد الآباد، كما قال جل وعلا: لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُور [فاطر:36] وقال فيهم جل وعلا: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار [البقرة:167] وقال فيهم سبحانه: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37] وقال فيهم سبحانه: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97] فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ:30]، نسأل الله العافية.

وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: شفاعة النبي ﷺ؟

ج: في أبي طالب خاصة التخفيف.

س: الذين لم يفعلوا خيرًا من أهل التوحيد ؟

ج: إلا التوحيد.

س: هؤلاء كانوا ما يصلون على حسب النص؟

ج: ماتوا على شيء لا يكفرهم، معاصي لا تكفرهم.

س: ما كانوا يصلون؟

ج: اللي ما يصلي ما عمل خيرا قط؛ لأن عدم الصلاة يبطل أعماله ما يكون موحدا يكون مع الكفرة، نسأل الله العافية.

س: قول الله : حَسَرَاتٍ [فاطر:8] وقول الله تبارك وتعالى: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ [يس:30] ما معنى هذه الآية؟

ج: حسرات عليهم في النار يعني، كل عاص يحسر يوم القيامة ويتمنى أنه أطاع الله لكن لا تنفع كل عاصي يوم القيامة يتحسر وتمنى أنه أطاع الله وأنه لم يطع الشيطان .

س: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ [يس:30]؟

ج: حسرة شديدة، يعني حسرة عليهم شديدة تصيبهم بسبب كفرهم.

س: في الدنيا والآخرة، أما في الآخرة فحسب؟

ج: أشدها في الآخرة وعند خروج الروح وفي القبر أما في الدنيا ففي غفلة وسهو، نسأل الله العافية.

س: اللي ينكر شفاعة الرسول ﷺ يصير كافرا؟

ج: يكفر نعم.

س: أهل الكتاب الذين كانوا في وقت الرسول ﷺ وماتوا على دين عيسى ؟

ج: من أهل النار.

س: كانوا يوحدون ولكن ما أدركهم الإسلام؟

ج: اللي ماتوا على دين عيسى ودين موسى لهم الجنة أما الذين أدركوا محمدا ولم يؤمنوا به فلهم النار، نسأل الله العافية، يقول ﷺ: والذي نفسي بيده ما يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار، نسأل الله العافية.

س: من الذين لا تشملهم الشفاعة؟

ج: الكفار، ويبقى بقية من العصاة ما تشملهم الشفاعات كلها يخرجهم الله بغير شفاعة فضلا منه سبحانه.