44 باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

باب من الشرك: إرادة الإنسان بعمله الدنيا

وقوله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا.

في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطى رضي وإن لم يعط سخط؛ تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش  طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع.

الشيخ:

يقول: باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا، الشرك شركان أكبر وأصغر، وإرادة الإنسان بعمله الدنيا تارة يكون شركا أكبر وتارة تكون شركا أصغر، فإن أراد بإسلامه ودخوله في الدين الدنيا كان شركا أكبر كالمنافقين في الدرك الأسفل من النار، فإنهم ما أرادوا بإسلامهم إلا الدنيا، وما آمنوا بالله واليوم الآخر، فكان كفرهم وشركهم كفرا أكبر، ونفاقا أكبر، نعوذ بالله.

وتارة يكون شركا أصغر كالذي يقرأ يرائي أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يرائي، وهو مسلم مؤمن بالله واليوم الآخر لكن تعرض له هذه الأمور في بعض أعماله الدنيوية، أو يجاهد للغنيمة ما جاهد بإخلاص، فهذا من الشرك الأصغر.

قال الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ [هود:15] يعني: لا ينقصون، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:16] هذا وعيد عظيم، وهذه الآيات في الكفار الذين عبدوا الله لأجل الدنيا كالمنافقين، وعمومها يوجب الحذر من ابتغاء الإنسان بعمله الدنيا ولو كان ذلك في بعض الأمور وهكذا قوله جل وعلا: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى:20] وهكذا قوله : مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ يعني الدنيا عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا [الإسراء:18] وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [الإسراء:19] ففي هذه الآية قيد، وفي الآيتين السابقتين أطلق، وهذه الآية المقيدة تقيد ما تقدم، وأنه ليس كل من أراد الدنيا تحصل له الدنيا لا، قد يحصل له بعض ما أراد، وقد لا يحصل له بعض ما أراد، ولهذا قال : مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ يعني، الدنيا عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء:18] بهذا القيد بعض الناس يريدها ويتعب لها ولا تحصل له، وبعض الناس يحصل له بعض ما أراد بمشيئة الله  مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا [الإسراء:18] وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فالإرادة لا تكفي بدون عمل وبدون إيمان، فمن أراد الآخرة ولكن لا يعمل ولم يؤمن ما تنفع هذه الإرادة؛ فلا بد من سعي لا بد من عمل بتوحيد الله وأداء حقه وترك معصيته، ولا بد أن يكون هذا عن إيمان بالله واليوم الآخر عن توحيد وعن إخلاص، ولهذا قال سبحانه: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا يعني عمل لها عملها وَهُوَ مُؤْمِنٌ يعني: عن إيمان: لا عن رياء، ولا عن نفاق فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [الإسراء:19] يشكرهم الله، ويشكرهم المؤمنين؛ لأنهم أخلصوا لله وعملوا بطاعته ، ففي هذا دلالة على أن الواجب على العبد أن يخلص أعماله لله، وألا يقصد بها حظا عاجلا، وأنه متى أراد بعمله الحظ العاجل بطل هذا العمل ولم ينفعه وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] في الصحيح صحيح البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قال: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة الدينار: هو الذهب، والدرهم: هو الفضة، والخميصة: كساء له أعلام، كساء جميل له أعلام ونقوش، والخميلة: كساء سادة ليس فيها نقوش، والمعنى: تعس من كان هذا قصده من كان بعمله يقصد هذه الأمور من كان بعمله في دخوله الإسلام أو عمله ما أظهر من الإسلام إنما عمله للدينار أو للدرهم أو للخميصة أو الخميلة، يعني: تعس من كانت أعماله للنقود أو للمتاع الآخر كالمنافقين وأشباههم، وهكذا من فعل ذلك في بعض الأعمال في الدنيا تعس أيضًا؛ لأنه يذهب ثوابه، ويحصل له الوزر والإثم، تعس وانتكس هذا دعاء عليه أيضا بالتعاسة في أموره والانتكاسة في أموره، وإذا شيك أصابته شوكة فلا انتقش يعني: فلا وجد من يأخذها ويخرجها، المقصود دعاء عليه بتعسير الأمور وسوء العاقبة، نعوذ بالله، بسبب نيته الخبيثة وإرادته الفاسدة.

ثم قال: طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه يعني من شدة عنايته بالجهاد غير متفرغ لترجيل الرأس وتحسينه ودهنه ونحو ذلك، وغير مفرغ لنظافة بدنه فهو أشعث الرأس مغبر القدمين، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة يعني: أنه يعمل جادا إن كان في الحراسة حفظها وقام بها حق القيام وحرس إخوانه  وحماهم من عدوهم، وإن كان في الساقة كذلك يحميهم ويعتني بعمله ليس ..... فقط، بل هو يعمل ويجد فهو إن كان في الحراسة كان فيها حقيقة لا على الدعوى، وإن كان في الساقة كان فيها على الحقيقة ...... إن استأذن على الملوك لم يأذنوا له وإن شفع لم يشفع يعني: مغمور في الناس غير معروف، ولهذا لو شفع لم يشفع، ولو استأذن لم يؤذن له؛ لأنه غير معروف، وهذا من كمال إخلاصه وكمال صدقه، لا يتحرى مناصب الأمور ولا يحضر معالي الأمور من جهة الدنيا، ولا التقدم عند الملوك والأمراء، بل هو مخلص لله في عمله، ولهذا لا تعرفه الملوك، ولا يعرفه الأمراء، فهو صادق العمل، جاد في العمل، ناصح في العمل، فهذا الذي له الجنة والكرامة، وله السعادة يوم القيامة، بخلاف المرائي الذي يرائي بأعماله، وليس قصده إلا الدنيا، وبخلاف المنافق الذين إنما آمن بالدنيا ولم يؤمن بالله واليوم الآخر فهذا باطل العمل إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء:145] إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142] مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ [النساء:143] ليسوا مع المؤمنين الصادقين وليسوا مع الكفار بل تارة مع هؤلاء وتارة مع هؤلاء ...... معه صاروا إليه هذه حال المنافقين الذين ليس عندهم إيمان بالله واليوم الآخر، فلهم نصيبهم من هذا الوعيد الشديد، وهكذا من كان عمله وإن كان غير منافق من كان عمله للدنيا في أمره بالمعروف أو في نهيه عن المنكر أو في جهاده أو في غير هذا من شؤون الدين، إذا عمل ذلك للدنيا حبط ذلك العمل.

وفق الله الجميع