72 باب لا يستشفع بالله على خلقه

باب لا يستشفع بالله على خلقه

عن جبير بن مطعم قال: «جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، نهكت الأنفس وجاع العيال وهلكت الأموال، فاستسق لنا ربك، فإنا نستشفع بالله عليك، وبك على الله. فقال النبي ﷺ: سبحان الله! سبحان الله! فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك أتدري ما الله؟ إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد وذكر الحديث، رواه أبو داود.

الشيخ: هذا الباب في التحذير من الاستشفاع بالله على خلقه، ذكره المؤلف هنا من باب كمال الإيمان، وهذا الكتاب ألف لبيان توحيد الله والإخلاص له وبيان تحريم الشرك وذرائعه ووسائله، وتحريم البدع والتحذير من المعاصي التي تنقص التوحيد وتنقص ثوابه، فهذا مما ينقص ثواب التوحيد، ولهذا ذكره المؤلف هنا رحمه الله، ولأنه من وسائل الشرك وهو الاستشفاع بالله على خلقه، لأن شأن الله أعظم من ذلك، فلا يستشفع بالله على خلقه، فهو سبحانه فوق ذلك وأعظم جل وعلا، ولهذا قال المؤلف: باب لا يستشفع بالله على خلقه، يعني لا يقول إني أستشفع بالله عليك، هذا الحديث رواه مطعم أن النبي ﷺ جاءه ناس فقالوا: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، وفي اللفظ الآخر: هلكت الأموال وانقطعت السبل، يعني بسبب الجدب والقحط فاستسق لنا ربك، يعني اشفع لنا إلى ربك ليسقينا الغيث، فإننا نستشفع بالله عليك، وبك على الله، فاستنكر هذا عليه الصلاة والسلام وقال: سبحان الله، سبحان الله، شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه هذا يبين أنه لا يجوز أن يقال: أستشفع بالله عليك يا فلان، ولكن يستشفع بالمخلوق على المخلوق، فيقال: يا فلان أنا استشفع بفلان عليك ما في بأس، أما على الله لا، لا يقال: أستشفع بالله عليك يا فلان، لأن شأن الله أعظم من ذلك، ومن شأن المستشفع به إلى المشفوع إليه أن المشفوع أعظم، وهذا لا يليق، فإن الله فوق الجميع، وأعظم من الجميع ، فلا ينبغي لعاقل أن يستشفع بالله على خلقه، ولكن يسأله بأسمائه وصفاته ويضرع إليه في طلب حاجاته، أما المخلوقون فلا يستشفع إليهم بالله، وإنما يستشفع إليهم ببعضهم بعضا، كأن يستشفع إليه بأبيه، بأخيه، بعمه، بمن يعز عليه أن يعطيه كذا، أو يعينه على كذا، أو ما أشبه ذلك، وهذا من عادته ﷺ إذا سمع ما يكره قال: سبحان الله، سبحان الله، أو الله أكبر الله أكبر، وقد يقول ذلك عند الأمر العظيم أيضًا، وهكذا الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يقولون ذلك، فإنه لما قال بعض الصحابة: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، قال: الله أكبر الله أكبر، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة استعظم هذا لأنه من طلب الشرك، استعظم هذا وحذرهم منه بهذا الكلام العظيم الذي يريد الزجر والتحذير، ثم قال: الله أكبر يبين أن هذا الأمر لا يليق، ولما قال النبي ﷺ: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة قال ابن مسعود: فكبرنا، ولما قال: أرجو أن تكون ثلث أهل الجنة كبرنا، قال: إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة فكبرنا، من باب تعظيم هذا الأمر والفرح به والسرور به، فهذا التكبير والتعظيم عند ذكر العظيم المحبوب وعند ذكر العظيم المكروه المنهي عنه، فيقال: سبحان الله، والله أكبر، عند هذا وعند هذا، عند المحبوب فرحا به، وعند المكروه إنكارا له، ومن هذا نستشفع بالله على خلقه من باب الإنكار وبيان أنه لا يليق أن يستشفع بالله على أحد من خلقه .