07 شرح حديث: (لأعطين الراية غدا)

ولهما عن سهل بن سعد أن رسول الله ﷺ قال يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبحوا غدوا على رسول الله ﷺ كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يشتكي عينيه. فأرسلوا إليه فأتي به، فبصق في عينيه؛ ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. يدوكون أي: يخوضون.

الشيخ: يقول رحمه الله: ولهما يعني البخاري ومسلم، إذا قال المؤلفون في الحديث، وفي التوحيد، وفي الفقه: لهما، أو أخرجاه، أو في الصحيحين يعني البخاري ومسلم، فلهما يعني البخاري ومسلم.

عن سهل بن سعد الأنصاري عن النبي ﷺ قال يوم خيبر، يوم خيبر: غزوة خيبر، وخيبر معروفة في نواحي المدينة شمال المدينة، غزاهم النبي ﷺ في عام سبع من الهجرة، وفتح الله عليه خيبر، وكانت فيها اليهود، ففتح الله عليها واستنقذ خيبر من أيديهم، واستعملهم فلاحين فيها بنصف ما يخرج منها من ثمر، أو زرع، وصارت من بلاد المسلمين وتحت يد المسلمين.

قال في هذا اليوم لما طال الحصار؛ لأنهم حاصروا خيبر مدة فلم تفتح عليهم، وصار بينهم قتال وبين اليهود، فقال في بعض الأيام عليه الصلاة والسلام: لأعطين الراية غدًا يعني صباحًا رجلًا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه فتشوف الناس لهذا الأمر، فكل أحب أن يكون له هذا الأمر لما فيه من وصف الرجل بأنه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، شهادة بالتعيين له، وإلا فكل مؤمن يحب الله ورسوله، وكل مؤمن يحبه الله ورسوله، هذا أمر معلوم، ولكن كون الرسول ﷺ يشهد لواحد معين بهذا الوصف، كل واحد يحب هذا من المؤمنين.

فأصبح الناس يدوكون ليلتهم بات الناس يدوكون ليلتهم، يعني يخوضون فيها وينظرون من يتولى هذا، من يحصل له هذا الشيء، من هذا الشرف له، من يفوز بهذا الشرف، كلهم يرجو أن يعطاها، فلما أصبحوا غدوا على النبي ﷺ كل يرجو أن يعطى هذه الراية لما فيها من الخير العظيم حتى قال عمر: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، أو قال: ما تشرفت لها إلا يومئذ، أو كما قال ، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ وهو ابن عمه ﷺ، وهو زوج ابنته فاطمة، قيل له: هو يشتكي عينيه، فأرسلوا إليه فأتي به يقاد، فبصق في عينيه يعني تفل في عينيه ودعا له فبرأ من مرضه كأن لم يكن به وجع وهذه من الآيات والدلائل على صدقه ﷺ، وأنه رسول الله حقًا عليه، كون الله أبرأ بريقه الشريف ودعواته المباركة هذا المرض الخطير في لحظة، هذه من آيات الله جل وعلا، وهو دال على قدرة الرب، وأنه سبحانه يقول للشيء فكن فيكون جل وعلا، فهي من آيات الله الدالة على قدرته العظيمة، وهي أيضًا من الآيات والدلائل على صدق رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، ففيها فائدتان.

فأعطاه الراية يعني ...، وقال: انفذ على رسلك يعني سر على رسلك حتى تنزل بساحتهم يعني على مهلك، على رسلك على مهلك حتى تنزل بساحتهم يعني حتى تنزل بقربهم، ساحة القوم ... وما قرب منهم، يعني لا تنزل بعيدًا فإن هذا يضعف الجند ويشجع الأعداء، ولكن انزل قريبًا منهم حتى يكون أضعف لهم وأشجع للمؤمنين لأنهم قد دنوا من عدوهم حتى يعدوا العدة اللازمة حتى تنزل بساحتهم.

ثم ادعهم إلى الإسلام يعني لو وصلت إليهم فادعهم إلى الإسلام، ولو كانوا قد دعوا، من باب إقامة الحجة وكمال المعذرة، وهذا فيه دلالة على أنه ينبغي لأهل الإيمان أن يعنوا بالدعوة، وأن يزينوها لدعوة أعدائهم لعلهم يهتدون، لعلهم يرجعون إلى الصواب، حتى ولو دعوا قبل ذلك لا مانع من التكرار، ويستحب التكرار إذا دعت إليه الحاجة لإقامة الحجة وقطع المعذرة، ولاسيما مع اليهود لأن عندهم علوم، عندهم بصيرة فيما جاء به النبي ﷺ، ولكنهم حملهم الحسد والبغي وإيثار الدنيا على الآخرة فكذبوا وهم يعلمون أنه صادق وأنهم كاذبون، فالتكرار عليهم لعلهم ينتبهون، لعلهم يستجيبون، فأصروا ولم يستجيبوا، نعوذ بالله، فلهذا قاتلهم علي ، قاتلهم قتالًا عظيمًا ومعه المسلمون، ففتح الله عليه وأنقذ الله البلاد على يديه رضي الله عنه وأرضاه.

فهذا فيه منقبة كبيرة لعلي ، من جهة أن الله فتح على يديه، ومن جهة أن الرسول ﷺ وصفه بأنه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وهذا لا شك فيه، وهو ممن شهد له النبي ﷺ بالجنة، وهو رابع الخلفاء الراشدين، وهو المعروف بالشجاعة والإقدام والفضل العظيم، والعلم الكبير رضي الله عنهم وأرضاهم، ولكن لا يستقيم هذا مع الشيعة، لأن الشيعة يغلون فيه، وبعضهم يجعله إلهًا مع الله قبحهم الله، فهو صحابي جليل ومن بني آدم، يمرض وتصيبه اللأواء، وقتل ولم يدفع عن نفسه، قتل في .. سنة أربعين من الهجرة، قتله الخوارج، ولو كان إلهًا لدفع عن نفسه، ولكن الرافضة لا يعقلون ولا يفهمون، نسأل الله العافية .

المقصود أنه من خيرة الصحابة، ومن أفاضل الصحابة، بل هو أفضلهم بعد الثلاثة، بعد الصديق وعمر وعثمان هو الأفضل، وهو الرابع، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأرضاه، ولكنه بشر لا يجوز أن يعبد من دون الله، إذا كان الرسل وهم أفضل الخلق لا يعبدون، فعلي وغيره من باب أولى أن لا يعبد، بل عبادته والتعلق به والزعم أنه إله والاستغاثة به، أو الزعم أنه يعلم الغيب، كل هذا كفر بالله، وشرك أكبر نعوذ بالله من ذلك.

ثم قال: فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم هذا فيه دلالة على فضل الدعوة، وأن الإنسان كونه يهتدي على يديه جماعة، أو أفراد، خير له من الدنيا وما عليها، فلا ينبغي له أن يحرص على القتال لا، يكون حرصه أولًا على الدعوة لعل الله يهديهم، يكون حرصه على هذا أكثر وأكبر، إذ المقصود هو الدعوة ليس المقصود القتال، مقصود الرسل والدعاة إلى الله مقصودهم هداية الناس، مقصودهم إنقاذ الناس من الشرك، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، هذا المقصود الأول، فإذا أصروا وعاندوا وكابروا جاء القتال بعد ذلك، حتى يستراح منهم، وحتى لا يصدوا الناس عن سبيل الله، وحتى يستعان بأموالهم ونسائهم وذرياتهم على دين الله وطاعته.

يقسم وهو الصادق وإن لم يحلف، هذا فيه دلالة على أنه لا بأس بالقسم للتأكيد إذا كان صادقًا، بل قد يستحب ويشرع عند الحاجة للتأكيد، حتى يفهم المخاطب أن هذا حق وأنه أمر مطلوب فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم، حُمْر بضم الحاء وتسكين الميم جمع أحْمَر، أما حُمُر بالضم فهو جمع حمار، وليس المراد هنا، المراد هنا الحمر جمع حمراء وأحمر، يعني خير لك من جميع الإبل الحمر التي تعرف عند العرب، ويعظمونها، ويرونها أشرف الإبل، فبين هذا الشيء للدلالة على أن الدعوة إلى الله والهداية إلى سبيل الله ليس لها ... والمعنى خير من الدنيا وما عليها.

فينبغي للمؤمن أن يكون همه إصلاح الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وأن لا يكون همه أن يأخذ أموالهم أو يقتلهم لا، المقصود الأول والحكمة الأولى والهدف الأول هداية الناس، إخراجهم من الظلمات إلى النور، تعليمهم، إرشادهم، لعلهم يهتدون، هذا المقصود من دعوة الرسل ومن الجهاد، فإذا لم يتيسر هذا وعاند الناس وكابروا حينئذ يشرع قتالهم، وعدم الإبقاء عليهم، حتى يستعان بما عندهم من مال وذرية ونساء في مصالح المسلمين، وحتى يفتح الطريق لغيرهم من المسلمين، وحتى لا يقفوا عقبة في طريق المسلمين، ولا عقبة في طريق الدعوة إلى الله .

والشاهد من هذا قوله ادعهم إلى الإسلام دل ذلك على أن العلماء يدعون إلى الله كما دعا النبي ﷺ، يعني الباب باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، فالشاهد قوله: ادعهم إلى الإسلام وأن الشريعة جاءت بالدعوة إلى الإسلام، وإعلام الناس الخير وإرشادهم إلى الحق قبل قتالهم، ويجوز أن يغار عليهم من غير تكرار الدعوة إذا كانوا قد دعوا كما أغار النبي على بني المصطلق وهم غارون، فقتل مقاتلتهم وسبى ذريتهم، هذا جائز إذا دعوا وأنذروا فأبوا وأصروا، جاز أن يغار عليهم على غفلة، لكن لو كررت الدعوة لهم للمصلحة لأهداف أخرى فلا بأس أن يكرر الدعوة لهم لعلهم يهتدون، لعلهم يستجيبون، كما فعله النبي مع اليهود عليه الصلاة والسلام والله أعلم.