08 من باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

عن أبي شُريح أنه كان يُكنى: أبا الحكم، فقال له النبيُّ ﷺ: إنَّ الله هو الحكم، وإليه الحكم، فقال: إنَّ قومي إذا اختلفوا في شيءٍ أتوني، فحكمتُ بينهم، فرضي كلا الفريقين، فقال: ما أحسن هذا! فما لك من الولد؟ قال: شريح ومسلم وعبدالله، قال: فمَن أكبرهم؟ قلت: شريح، قال: فأنت أبو شريح رواه أبو داود وغيره.

الشيخ: هذا الباب في وجوب احترام أسماء الله، يجب احترامها وتغيير الاسم من أجل احترامها، فأسماء الله سبحانه لا يُسمَّى بها، أسماؤه التي لا يُسمَّى بها غيره: كالرحمن، وخالق الخلق، والخلاق، والرزاق، ورب العالمين، ونحو ذلك، بل يجب تغيير الاسم إذا كان يُضاهي أسماء الله ، تقدم قوله ﷺ: إن أخنع اسم عند الله رجلٌ تسمَّى: ملك الأملاك، لا مالك إلا الله، فالأسماء التي لا تليق إلا بالله لا يجوز أن يُسمَّى بها المخلوق.

ومن هذا حديث أبي شريح: كان يُكنى: أبا الحكم، فقال له النبيُّ ﷺ: إنَّ الله هو الحكم، وإليه الحكم، فهل لك من ولدٍ؟ قال: نعم، قال: مَن هو أكبرهم؟ قال: شريح، قال: فأنت أبو شريح، استدل به جمعٌ من أهل العلم على أنَّ "أبا الحكم" يُكره التَّسمي به، ولكن يُكنى بغير ذلك.

وبعض أهل العلم أعلَّ هذا الحديث، ورأى أن هذا الاسم لا حرج فيه، كما في الأسماء التي تسمَّى بها بعض الصحابة: حكيم بن حزام، والحكم بن عمرو الغفاري، وجماعة تسموا بهذه الأسماء ولم يُغيرها النبيُّ ﷺ، فإذا تكنى بغير هذا يكون أحوط؛ خروجًا من الخلاف، ولا يتكنَّى بأبي الحكم، ولكن يتكنى بأكبر أولاده أفضل، والكنية تكون بأكبر الأولاد هذا هو الأفضل، وإن تكنَّى بشيءٍ آخر لا محذور فيه فلا بأس، لكن التكني بأكبر الأولاد مثلما قال ﷺ: فأنت أبو شريح.

أما أسماء الله فالواجب احترامها، وألا يتسمى بها أحد، وألا يتكنى بها؛ لأنها تختص بالله ، مثل: الخلاق، الرزاق، وخالق الخلق، ورب العالمين، والرحمن، ونحو ذلك، أما الأسماء التي يتسمَّى بها المخلوقون فيقال: فلان رحيم، فلان سميع، فلان بصير، هذه مشتركة يجوز أن يتسمَّى بها المخلوق، فالله سميع بصير، والمخلوق سميع بصير، وهكذا إذا كان عنده علم يقال: عليم، وعنده حكمة يقال: حكيم، تليق به، كلٌّ يليق بما يُسمَّى به: بصير، قدير، هذه أسماء مشتركة، فالاسم الكامل لله وحده، الاسم الكامل لله وحده، والمخلوق له نصيب منها، فهو سميع بسمعه الذي أعطاه الله، وبصير ببصره، وقدير بقدرته، وعليم بعلمه الذي أعطاه الله جلَّ وعلا، فهذه مُشتركة، أما الأسماء التي لا يُسمَّى بها إلا الله مثل: ملك الأملاك، وربّ العالمين، والرحمن، والخلَّاق، والرزاق، هذه تختص بالله .

باب مَن هزل بشيءٍ فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول فهو كافر

وقول الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ [التوبة:65].

عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة -دخل حديثُ بعضهم في بعضٍ- أنه قال رجلٌ في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قُرائنا هؤلاء أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء! يعني: رسول الله ﷺ وأصحابه القُراء، فقال له عوف بن مالك: كذبتَ، ولكنك منافق، لأُخبرنَّ رسول الله ﷺ، فذهب عوف إلى رسول الله ﷺ ليُخبره، فوجد القرآنَ قد سبقه، فجاء ذلك الرجلُ إلى رسول الله ﷺ وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق. قال ابن عمر: كأني أنظر إليه مُتعلقًا بنسعة ناقة رسول الله ﷺ، وإن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب. فيقول له رسولُ الله ﷺ:  أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ۝ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65- 66]، ما يلتفت إليه، وما يزيده عليه.

الشيخ: هذه الترجمة لها شأن عظيم في التَّعلق بالتوحيد وضدّه وهو الشرك؛ ولهذا عقدها المؤلفُ رحمه الله في كتاب "التوحيد"؛ لأنَّ هذا العمل من نواقض الإسلام وضدّ التوحيد، وهو الهزل والاستهزاء بالله، أو بالقرآن، أو بالرسول، أو بما شرعه الله، أو بما نهى الله عنه.

يقول رحمه الله: "باب مَن هزل" تجوز الإضافة والقطع، "باب مَن هزل" يعني: باب حكم مَن هزل، والقطع: "بابٌ: مَن هزل بشيءٍ من ذكر الله أو الرسول أو القرآن" فهو كافر؛ وذلك لقوله جلَّ وعلا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ۝ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65- 66]، فهذا النص صريح في أنَّ مَن استهزأ فقد كفر مطلقًا؛ لأنه يدل على تكذيبه وإنكاره وحقده واحتقاره، إلى غير هذا من الدلائل، هذا الكلام القبيح يدل على أن قائله غير مصدقٍ ولا مؤمنٍ، ويدل على احتقار ما جاء به الرسولُ ﷺ، واحتقار الرسول وأصحابه.

ذكر جماعةٌ -ابن عمر وزيد بن أسلم وقتادة وجماعة- في تفسير الآية أنها نزلت في أناسٍ من المنافقين قالوا في غزوة تبوك: "ما رأينا مثل قُرائنا هؤلاء أرغب بطونًا!" يعني: أكثر أكلًا، "ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء" يعنون الرسولَ وأصحابه، وهذا كلام شنيع، نعوذ بالله، فسمع هذا عوفُ بن مالك الأشجعي، فقال: كذبتَ، ولكنَّك منافق، لأُخبرن رسول الله ﷺ، فذهب ليُخبره فوجد القرآنَ قد سبقه، قد نزلت الآية في شأنهم، فجاء ذلك الرجلُ يعتذر ويقول: إنا كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق، يعني: ما قصدنا، ما عندنا قصد ولا عزم ولا حقيقة، إنما حديث الماشي، والرسول يقول له: أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ۝ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، ولا يزيده على هذا الكلام.

فهذا يدلنا على أن الاستهزاء كفر وردة، وأنه متى وقع ممن يتظاهر بالإسلام دلَّ على نفاقه وكفره، وله حكم المرتدين، والمرتد معروف حكمه، يقول ﷺ: مَن بدَّل دينه فاقتلوه.

فالواجب على المؤمن أن يحذر شرَّ لسانه، وأن يصون لسانه، وألا يتكلم في القرآن أو في الرسول أو في الصحابة أو في أهل الإيمان أو في الرسل أو في الكتب المنزلة إلا بالحقِّ والهدى، وليحذر شرَّ لسانه من التكذيب أو الاستهزاء أو الاحتقار والتنقص، أو غير هذا مما يدل على سوء الطوية، نسأل الله العافية والسلامة.

باب قول الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي [فصلت:50]

قال مجاهد: "هذا بعملي، وأنا محقوقٌ به".

وقال ابن عباسٍ: "يريد: من عندي".

وقوله: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص:78] قال قتادة: "على علمٍ مني بوجوه المكاسب".

وقال آخرون: "على علمٍ من الله أني له أهل"، وهذا معنى قول مجاهد: "أوتيتُه على شرفٍ".وعن أبي هريرة: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول:

إن ثلاثةً من بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكًا، فأتى الأبرص فقال: أي شيءٍ أحبّ إليك؟ قال: قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناسُ به. قال: فمسحه فذهب عنه قذره، فأُعطي لونًا حسنًا، وجلدًا حسنًا. قال: فأي المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل أو البقر -شكَّ إسحاق، إلا أنَّ الأقرع أو الأبرص قال أحدُهما: الإبل، وقال الآخر: البقر- فأُعطي ناقةً عُشراء، وقال: بارك الله لك فيها.

قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيءٍ أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناسُ به. فمسحه فذهب عنه، وأُعطي شعرًا حسنًا، فقال: أي المال أحبّ إليك؟ قال: البقر أو الإبل. فأُعطي بقرةً حاملًا، قال: بارك الله لك فيها.

فأتى الأعمى فقال: أي شيءٍ أحبّ إليك؟ قال: أن يرد الله إليَّ بصري فأُبصر به الناس، فمسحه فردَّ الله إليه بصره، قال: فأي المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم، فأُعطي شاةً والدًا، فأنتج هذان، وولد هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم.

قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجلٌ مسكين قد انقطعت بي الحبالُ في سفري، فلا بلوغَ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرًا أتبلغ به في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرًا فأعطاك الله المال؟ فقال: إنما ورثتُ هذا المال كابرًا عن كابرٍ. فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنتَ.

وأتى الأقرع في صورته فقال له مثلما قال لهذا، وردَّ عليه مثلما ردَّ عليه هذا. فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنتَ.

قال: وأتى الأعمى في صورته، فقال: رجل مسكين وابن سبيلٍ قد انقطعت بي الحبالُ في سفري، فلا بلاغَ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي ردَّ عليك بصرك شاةً أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنتُ أعمى فردَّ الله إليَّ بصري، فخذ ما شئتَ، ودع ما شئتَ، فوالله لا أجهدك اليوم بشيءٍ أخذتَه لله. فقال: أمسك مالك فإنما ابتُليتم، فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك

.

الشيخ: ومن ذلك ما يتعلق بشكر النِّعم والاعتراف بها لله سبحانه، وأن غالب الخلق يحيدون عن هذا، وينسبون النعم إلى غيره جلَّ وعلا، هذه من طبيعة الإنسان إلا مَن رحم الله، يقول جلَّ وعلا: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي [فصلت:50] يعني: أنا محقوق به، أنا جدير به، أنا أهل له، أو يقول: هذا من كسبي ومن عملي، أو: من شرف آبائي وأسلافي، وما أشبه ذلك، ينسى النعمة التي أنعم الله بها عليه، ويسر له كسب الرزق.

والواجب على المؤمن أن يشكر الله على إنعامه؛ إن كان على حرفةٍ على أن علَّمه الحرفة، وإن كان ميراثًا يسَّر الله هذا الميراث، وإن كان هديةً يشكر الله عليها، إلى غير هذا، يشكر الله على أنعامه التي ساقها إليه .

أما غالب الخلق فينسبون النعم إلى أسبابهم أو آبائهم أو قبائلهم أو غير هذا، ويقول: هذا لي، يعني: هذا بسببي، هذا بعملي، أنا محقوق بهذا بشرفي، بآبائي، إلى غير هذا مما قال السلف.

والمقصود من هذا الحثّ على شكر الله، وأن العبد إذا رُزق نعمة الصحة أو المال أو الزوجة أو الذرية أو غير هذا من النِّعم يشكر الله فيقول: هذا من فضل الله، هذا من رحمة الله، أشكر الله على ذلك، أحمد الله على ذلك، كله من فضله، هو الذي ساق النعم، وأعطاك الصحة، وجعلك تتكسب وتبيع وتشتري، جعلك مُوظفًا تستطيع العمل، كله من فضله .

فالواجب شكر الله على إنعامه فيقول: أنا أعمل كذا وكذا والفضل لله والشكر لله الذي أنعم عليَّ ويسر أمري، ونحو ذلك.

ثم ذكر المؤلفُ رحمه الله قصةَ الثلاثة من بني إسرائيل الذين ابتُلوا بالسراء والضَّراء، ولم يصبروا عند البلاء، ولم يشكروا عند الرخاء، إلا الثالث منهم وهو الأعمى، وهؤلاء الثلاثة: أبرص وأقرع وأعمى، البرص معروف: بياض في الجسم يعتري الإنسان، والقرع معروف: زوال شعر الرأس، والعمى معروف، ابتلاهم الله بالقرع والبرص والعمى، واحد أبرص، وواحد أقرع، وواحد أعمى، ابتلاهم الله بالضراء، ثم ابتلاهم بالسراء، أرسل الله إليهم ملكًا جرى الامتحانُ على يديه، فجاء إلى الأبرص وقال: أي شيءٍ أحبّ إليك؟ قال: أن يذهب عني هذا البرص الذي قذرني الناسُ به. فمسحه الملكُ بأمر الله وذهب عنه، واستقام أمره، وحسن رأسه وبدنه، وذهب عنه البرص، وقال: أي المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل، فأُعطي ناقة عُشراء، فقال له: بارك الله لك فيها.

ثم أتى الأقرع فقال: أي شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يذهب عني هذا القرع الذي قذرني الناسُ به، فمسحه فذهب عنه قرعه، فقال: أي المال أحبّ إليك؟ قال: البقر، فأُعطي بقرةً حاملًا، وقال له الملك -لكل واحدٍ يقول له: بارك الله لك فيها.

ثم أتى الأعمى وقال: أي شيءٍ أحبّ إليك؟ قال: أن يرد الله إليَّ بصري فأُبصر به الناس، فمسحه الملك وردَّ الله عليه بصره، وقال: أي المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم، فأُعطي شاةً والدًا، يعني: ولودًا، فأنتج هذان: الأبرص والأقرع، توليا نتاج دابتيهما؛ نتاج الناقة، وولد هذا، ولدت شاته، وما حصل من الأولاد، كل واحدٍ رزقه الله منها، الناقة جاءت منها إبل، والبقرة كذلك، وصاحب الشاة جاءه كذلك، أعطاهم الله صحة البدن، وردَّ البصر، وأعطاهم المال، جمع لهم بين الخيرين: الصحة في الأبدان، وأعطاهم مالًا الثلاثة؛ امتحان وابتلاء.

ثم بعد مدةٍ ودهرٍ جاءهم الملكُ -ابتلاء آخر- يسألهم، بعدما أعطاهم الله السراء وزالت الضَّراء جاءهم الملك في صورة إنسانٍ غريبٍ، فجاء الأبرص فقال له: أنا ابن سبيلٍ، وجاء في صورة البرص الذي أصاب الأول، أصابه، قد تقطعت بي الحبال في سفري هذا، يعني: تقطعت بي الأسباب، أنا مسافر، أنا على جناح سفر، ما أنا في وطني، أنا غريب، أسألك بالذي أعطاك الجلد الحسن والمال بعيرًا أتبلَّغ به في سفري، فقال له الأبرص: الحقوق كثيرة، ما عندنا شيء، علينا حقوق، وعلينا واردات كثيرة، ونسي برصه، ونسي فقره الأول، فقال الملك: ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرًا فأعطاك الله المال؟ يعني: نسيتَ حالك الأولى، قال: إنما ورثتُ هذا المال كابرًا عن كابرٍ، جدّ عن جدٍّ، يعني: كذب الملك، يقول: ما عندك خبر أنت، مع أن الملك جاء في صورة أبرص فقير حتى يتذكر حاله الأولى، فلم ينفع فيه ذلك، فقال له الملك: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت. والأقرب والله أعلم أنه عاد إلى حاله الأولى؛ أن الله قبل دعوةَ الملك، وأنه رجع إلى برصه وفقره.

ثم أتى الأقرع فقال: رجل مسكين وابن سبيل، جاء أقرع في صورته مثله أقرع؛ حتى يتذكر حاله الأولى، فقال له: رجل مسكين وابن سبيل. ابن طريق يعني، ابن السبيل: ابن الطريق. وانقطعت بي الحبال. يعني: الأسباب في سفري هذا، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. يعني: ما عندي شيء أُسافر به، أسألك بالذي أعطاك الشعر الحسن واللون الحسن والمال بقرةً أتبلغ بها في سفري. فقال مثل صاحبه الأول: الحقوق كثيرة، ما عندنا شيء، علينا واردات، وعلينا نفقات كثيرة، وتعذر، قال: ألم تكن أقرع يقذرك الناس فقيرًا فأعطاك الله المال؟ يعني نسيت حالك الأولى، فقال: إنما ورثتُ هذا المال كابرًا عن كابرٍ، نسي مثل الأبرص، يعني: أبًا عن جدٍّ، ما عندك خبر، مع أنه جاءه في صورته أقرع حتى يتذكر، فقال: إن كنتَ كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنتَ. والأقرب والله أعلم أنه رجع إلى حاله الأولى أقرع فقير، نسأل الله العافية.

ثم أتى الأعمى فقال له: رجل مسكين وابن سبيلٍ -ابن طريقٍ يعني- قد انقطعت بي الحبال في سفري هذا، فلا بلاغَ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك شاةً أتبلغ بها في سفري. فقال الأعمى: قد كنتُ أعمى فردَّ الله إليَّ بصري، وكنت فقيرًا فأعطاني الله المالَ، خذ ما شئتَ، ودع ما شئتَ، ما أردك عن شيءٍ. شكر الله، اعترف بنعمة الله عليه وقال له: خذ ما شئتَ من الغنم، ودع ما شئتً، ما هو واحدة، خذ ما تريد، فوالله لا أمنعك اليوم من شيءٍ، "لا أجهدك بشيءٍ أخذته لله" يعني: ما أمنعك ولا أحول بينك وبين شيءٍ تأخذه لله؛ لفقرك وحاجتك. فقال له: بارك الله لك، أمسك عليك مالك، فإنما ابتُليتم، هذا ابتلاء، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك.

فالأعمى اعترف بالنِّعمة وقال: خذ ما شئتَ، ودع ما شئتَ، ما أمنعك من شيءٍ، أنا كنت أعمى وردَّ الله إليَّ بصري، وفقير أعطاني الله المال، ما أمنعك، هذه الغنم بين يديك، خذ ما شئتَ، ودع ما شئتَ، فقال له الملك: بارك الله لك في مالك، وإنما ابتُليتم، إنما هو ابتلاء من الله، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك.

هذا فيه الدلالة على أن أكثر الخلق مثلما قال الله لا يشكرون: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقال تعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13]، ثلاثة، جحد اثنان، واعترف واحد، فيه الحثّ على الاعتراف بالنعم وشكر الله عليها، والحذر من جحدها كهؤلاء، فالواجب على المؤمن أن يعترف بالنعمة، ويشكر الله عليها، ويستعين على طاعته، وأن يحذر طاعة الهوى والشيطان في جحد النعم وعدم الاستعانة بها على طاعة الله.

باب قول الله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:190]

قال ابن حزم: اتَّفقوا على تحريم كل اسمٍ مُعبدٍ لغير الله: كعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك، حاشى عبد المطلب.

وعن ابن عباسٍ في الآية قال: "لما تغشاها آدمُ حملت، فأتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتُكما من الجنة، لتُطيعاني أو لأجعلنَّ له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه، ولأفعلنَّ ولأفعلنَّ، يُخوِّفهما، سمياه: عبد الحارث. فأبيا أن يُطيعاه، فخرج ميتًا، ثم حملت فأتاهما فقال مثل قوله، فأبيا أن يُطيعاه، فخرج ميتًا، ثم حملت فأتاهما فذكر لهما، فأدركهما حبُّ الولد، فسمياه: عبد الحارث، فذلك قوله: جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا" رواه ابن أبي حاتم.

وله بسندٍ صحيحٍ عن قتادة قال: "شركاء في طاعته، ولم يكن في عبادته".

وله بسندٍ صحيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا [الأعراف:189] قال: "أشفقا أن لا يكون إنسانًا". وذكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما.

الشيخ: قد عقد المؤلفُ رحمه الله هذه الترجمة في كتاب "التوحيد"؛ لأنَّ التعبيد لغير الله مما يقدح في التوحيد، ومما يحرم ويمنع، فناسب عقد هذا الباب، فناسب أن يعقد هذا الباب للتحذير من التعبيد لغير الله، قال الله جلَّ وعلا: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا السياق في آدم وحواء، والقصة من الامتحان والابتلاء، ابتلاهما الله بالشيطان في الجنة، وابتلاهما به بعد ذلك، وهذا من الامتحان والابتلاء.

فدلَّ ذلك على أنه لا تجوز التسمية بعبد عمر، أو عبد النبي، أو عبد الكعبة، أو ما أشبه ذلك، وإنما يُسمَّى ويُعبد بالله: عبدالله، عبدالرحمن، عبدالرحيم، عبدالمجيد، عبدالقدير.

ولهذا حكى ابنُ حزم -وهو أبو محمد ابن حزم- اتفاق العلماء على تحريم كل اسمٍ معبدٍ لغير الله: كعبد عمر، وعبد الكعبة، ونحو ذلك، ما عدا عبد المطلب؛ لأنَّ النبي ﷺ أقرَّ عبد المطلب، من أسماء الصحابة عبد المطلب، ولم يُغيره، فدلَّ على استثنائه.

وفيها قصة آدم وحواء أنهما بعدما امتُحنا بهذا الأمر سمياه: عبد الحارث في المرة الثالثة، والحارث من أسماء الشيطان، قال قتادة: "شركاء في طاعته، ولم يكن في عبادته" فالمقصود أنهما أطاعاه بالتَّسمية فقط، فدلَّ ذلك على أنه لا تجوز طاعة المخلوق في معصية الخالق، لا في التسمية، ولا في غيرها، يجب مُخالفة عدو الله، والحذر من طاعته في كل شيءٍ، ومن ذلك التَّعبيد، فلا يُعبد بغير اسم الله، لا عبد الحارث، ولا عبد النبي، ولا عبد الكعبة، ولا عبد عمر، ولا غير ذلك.

وقوله: لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف:189] يعني معناه: شخصًا سويًّا، والمقصود أنَّ حبَّ الولد من الفتن: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15] فحبّ الولد من الفتن، فجرى ما جرى من آدم وحواء؛ لأن السياق فيهما.

وقال بعضُ السلف: إنَّ هذا في بعض مَن مضى قبلنا، ولكن ظاهر القرآن أن السياق فيهما: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ آدم وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا يعني: حواء فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا [الأعراف:189]، السياق في آدم وحواء، فلا يجوز حمله على غيرهما، ولكن هذه غلطة وقعت من آدم وحواء، كما وقع منهما الأكل من الشجرة، والله جلَّ وعلا هو الغفور: ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:122] اصطفاه واجتباه والحمد لله عليه الصلاة والسلام.

والمهم من هذا أن نعلم أنه لا يجوز التَّعبيد لغير الله، فلا يقال في زيد ولا في عمرو أنه يُسمَّى: عبد الكعبة، أو عبد النبي، أو عبد عمر، أو عبد الحارث، أو ما أشبه ذلك، بل يجب التَّعبيد لله وحده .

باب قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]

ذكر ابنُ أبي حاتم، عن ابن عباسٍ: يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ: "يُشركون".

وعنه: "سمّوا اللات من الإله، والعُزَّى من العزيز".

وعن الأعمش: "يُدخلون فيها ما ليس منها".

الشيخ: هذه الترجمة لبيان عقيدة أهل السنة والجماعة في ذلك، وأن أهل السنة والجماعة يُؤمنون بأسماء الله وصفاته، ويُمرونها كما جاءت من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، بل يُثبتونها لله على الوجه اللائق بالله، كما قال سبحانه: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا يعني: اسألوه بها، وتضرعوا إليه بها.

وقد قرر أهل السنة والجماعة أن الواجب إمرارها كما جاءت، والإيمان بمعناها، وأنها أسماء لله دالَّة على معانٍ تليق بالله، لا يُشابه فيها خلقه جلَّ وعلا؛ ولهذا قال سبحانه: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، والإلحاد: الميل عن الصواب، يعني: واتركوا الذين يميلون عن الصواب فيها ويحيدون عن الحقِّ، سوف يُجزون بأعمالهم، يعني: سوف يُعاقبون بما أجرموا.

فالواجب على الأمة تلقيها بالقبول، والإيمان بها، وإمرارها كما جاءت، واعتقاد معناها، وأن معانيها حقّ تليق بالله، لا يُشابه فيها خلقه ؛ ولهذا فسَّر السلفُ "يُلحدون" بهذا؛ بأن معناها: يميلون، ومن ذلك: إدخال ما ليس منها فيها، ومن ذلك: سلب معانيها، أو نفيها بالكلية، كل هذا إلحاد؛ فالجهمية ألحدوا فيها بنفي الأسماء والصفات جميعًا، والمعتزلة وأشباههم ألحدوا فيها بنفي معانيها، وأنها أسماء جامدة، وأما أهل السنة والجماعة من الصحابة -أصحاب النبي ﷺ- وأتباعهم بإحسانٍ فآمنوا بها، وأنها أسماء دالَّة على معانٍ تليق بالله؛ فالله دالٌّ على الألوهية، وأنه ربّ العالمين، وأنه الإله الحق، والرحمن الرحيم دالَّان على الرحمة .....، والعزيز دالٌّ على العزة، وأنه العزيز الذي لا يُغالب، وهكذا الرحيم والكريم والمجيد والبصير والسميع، كلها دالة على معانيها، كلها حقٌّ، ومعانيها حقٌّ تليق بالله، وهو إله مُستحق للعبادة، جواد كريم، سميع بصير، لا يُشابه خلقه في شيءٍ، وسميع وليس كسمع المخلوقين، رحيم وليس كرحمتهم، بصير وليس كبصرهم، وهكذا له وجه ويد وقدم وإصبع، كلها تليق بالله، لا يُشابه فيها خلقه جلَّ وعلا، يقول سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، فهو سبحانه أثبت لنفسه، وأخبر أنه ليس له فيها مثيل، ويقول جلَّ وعلا: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، ويقول سبحانه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:74]، فهو سبحانه لا مثيلَ له، ولا شبهَ له، ولا كفء له، ولا يُقاس بخلقه.

ثم هي أيضًا لا تُخيل؛ لا يقال: كيفيتها كذا، ولا كيفيتها كذا، كما قال السلف: فنُمرّها كما جاءت بلا كيفٍ، قال مالك رحمه الله والأوزاعي والثوري وغيرهم: أمرُّوها كما جاءت بلا كيفٍ، لا يعلم كيفيتها إلا هو ، فهي حقٌّ، وهو الإله الحقّ، السميع البصير، الرحمن الرحيم، العزيز الحكيم، إلى غير هذا، صفات تليق بالله، دالَّة على معانٍ عظيمةٍ تليق بالله، لا يُشابه فيها خلقه؛ ولهذا قالوا في هذا الباب: نُمرّها كما جاءت من غير تكييفٍ ولا تمثيلٍ ولا تشبيهٍ ولا تعطيلٍ، بل نُؤمن بها، وأنها حقٌّ، دالَّة على معانٍ تليق بالله، لا يُشابه فيها خلقه، وليس له بها كيفية، لا يُكيف، لا تُكيف صفاته بصفات المخلوقين.

وفَّق الله الجميع.

باب لا يُقال: السلام على الله

في الصحيح: عن ابن مسعودٍ قال: "كنا إذا كنا مع النبي ﷺ في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلانٍ، فقال النبيُّ ﷺ: لا تقولوا: السلام على الله؛ فإنَّ الله هو السلام.

الشيخ: "باب لا يقال: السلام على الله" يعني: من العبادة، فإنَّ الله جلَّ وعلا هو السلام، ومنه السلام؛ ولهذا قال: "باب لا يقال: السلام على الله"، ولكن يُقال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

ولهذا ثبت من حديث ابن مسعودٍ : أن النبي ﷺ لما علَّمهم التَّشهد قال: لا تقولوا: السلام على الله؛ فإنَّ الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصَّلوات والطَّيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، هكذا علَّمهم ﷺ التَّحيات، ونهاهم أن يقولوا: السلام على الله؛ لأنَّ الله هو السلام جلَّ وعلا، ومنه السلام ، فيقال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ومعنى "السلام" يعني: السالم من كل نقصٍ وعيبٍ، يعني: الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، مثلما قال ابنُ القيم رحمه الله في النُّونية:

وهو السلام على الحق سالم من كل تمثيلٍ ومن نقصانِ

فله الكمال المطلق، والسلامة المطلقة من كل نقصٍ وعيبٍ، وهو الكامل جلَّ وعلا بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، لا نقصَ فيها، ولا يُنسب إليه النقص، بل له الكمال المطلق من جميع الوجوه: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ [الأعراف:180]، وهو له المثل الأعلى، يعني: الوصف الأعلى في السَّماوات والأرض.

وفَّق الله الجميع.

باب قول: اللهم اغفر لي إن شئتَ

في الصحيح: عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: لا يقل أحدُكم: اللهم اغفر لي إن شئتَ، اللهم ارحمني إن شئتَ، ليعزم المسألة; فإنَّ الله لا مُكره له.

ولمسلم: وليعظم الرغبة، فإنَّ الله لا يتعاظمه شيءٌ أعطاه.

الشيخ: يقول رحمه الله في كتاب "التوحيد": "باب لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئتَ، اللهم ارحمني إن شئتَ" المقصود من هذا الباب أنه لا يجوز تعليق الدعاء بالمشيئة، بل يجزم الإنسان في دعائه ولا يُعلق: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم انصر دينك، اللهم أعز الإسلام، لا يقل: إن شاء الله، فيها؛ لأنَّ قول "إن شاء الله" معناه: عدم الرغبة، يعني: إن شئتَ أعطني، وإن شئتَ لا تُعطني، هذا ليس بصحيحٍ.

فالمؤمن يكون عظيم الرغبة، إذا دعا ربَّه يُلح في الدعاء، ويجزم في الدعاء؛ ولهذا يقول ﷺ: لا يقولنَّ أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئتَ، اللهم ارحمني إن شئتَ، ليعزم المسألة؛ فإنَّ الله لا مُكره له، يُعطي بمشيئته جلَّ وعلا، لا أحد يُكرهه ، وفي اللفظ الآخر: وليعظم الرغبة؛ فإنَّ الله لا يتعاظمه شيء أعطاه، المؤمن إذا دعا يكون عظيم الرغبة لما عند ربه، جازمًا في الدعاء، مُلحًّا في الدعاء، لا يستثنِ: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم أنجني من النار، اللهم بارك لي فيما رزقتني، اللهم انصر دينك وكتابك .. إلى آخره، يجزم، لا يقل: إن شاء الله، المشيئة تكون في الوعد، إذا وعد يقول له: إن شاء الله أزورك، إن شاء الله أسافر، إن شاء الله أتزوج، إن شاء الله ما يخالف، أما فيما يتعلق بأفعال الله وما يفعله مع عباده فلا يقل العبد: إن شاء الله، يقول: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم أنجني من النار، اللهم لا تُسلط عليَّ الأعداء، اللهم اكفني شرَّ الأعداء، لا يستثنِ.

أما إذا كان الكلام مع المخلوق يقول له: لعلك تتزوج إن شاء الله، سأزورك إن شاء الله، سأُجيب دعوتك إن شاء الله، سأنفذ ما قلتَ لي إن شاء الله، مع المخلوق لا بأس، المخلوق مشيئته مُقيدة، لا يدري، وقد يشاء الله فعله، وقد لا يشاء: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:30]، فإذا قال المخلوق: سأفعل هذا إن شاء الله، هذا هو الواجب، سأزورك إن شاء الله، طيب، وأما مع ربِّه: اللهم اغفر لي إن شئتَ، لا، لا يستثنِ مع الله: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم أعذني من النار، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم ارزقني الرزق الحلال، يجزم ولا يُعلق.

وفَّق الله الجميع.

باب لا يقول: عبدي وأمتي

في الصحيح: عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: لا يقل أحدُكم: أطعم ربَّك، وضِّئ ربَّك، وليقل: سيدي ومولاي. ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي وغُلامي.

الشيخ: هذا الباب من أبواب التوحيد عقده المؤلفُ في كتاب "التوحيد" لما فيه من كمال التوحيد، والبُعد عن وسائل الشرك، والأدب مع الله .

يقول رحمه الله: "باب لا يقول: عبدي وأمتي"؛ لأنَّ العبيد عبيد الله، والإماء إماء الله، ولكن يقول: غلامي، فتاي، فتاتي، جاريتي.

وفي الحديث قوله ﷺ: لا يقولنَّ أحدكم: أطعم ربك، وضِّئ ربك يعني: سيده وليقل: سيدي ومولاي، المملوك يقول لمالكه: سيدي ومولاي، ولا يقول: ربي، ولا يُقال له: أطعم ربك، وضِّئ ربك، ولكن يقال: وضئ سيدك، وأطعم سيدك ومولاك؛ لأنَّ السيد بمعنى المالك، ولا يقال: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي؛ تأدبًا مع الربوبية، فالعبيد عبيد الله، والإماء إماء الله، ولكن يقول: فتاي، فتاتي، غلامي، مملوكي، وما أشبه ذلك من الآداب الشرعية للألفاظ، أما غيره فالأفضل ألا يقول: سيدي، ولكن يقول: أبو فلان، أو فلان؛ لأنَّ الرسول لما قيل له: أنت سيدنا، قال: السيد الله تبارك وتعالى، قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستهوينَّكم الشيطان هذا يدل على أنه لا يُخاطب الناس: بسيدي، أو مولاي، ينبغي التَّزه عن هذه العبارة، وأن يقول: يا أبا فلان، أو: يا فلان، بكُنيته أو باسمه أو بألقابه تأدبًا كما قاله النبيُّ عليه الصلاة والسلام، أما "سيد بني فلان" فلا بأس كما كان النبيُّ يقول للقبائل: مَن سيدكم؟ يعني: مَن رئيسكم، ومثلما يُقال لسعد بن معاذ: سيد الأوس، ولسعد بن عُبادة: سيد الخزرج، يعني: رئيسهم، لا بأس بهذا.

باب لا يرد مَن سأل بالله

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله ﷺ: مَن سأل بالله فأعطوه، ومَن استعاذ بالله فأعيذوه، ومَن دعاكم فأجيبوه، ومَن صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تُكافئونه فادعوا له حتى تروا أنَّكم قد كافأتُموه رواه أبو داود والنَّسائي بسندٍ صحيحٍ.

الشيخ: عقد المؤلفُ رحمه الله هذا الباب في كتاب "التوحيد" لما فيه من النَّهي عن ردِّ مَن سأل بالله لتعظيم مقام التوحيد، وتعظيم مقام السؤال بالله ، والاستعاذة به ، فإنَّ من توحيد الله تعظيمه، والإخلاص له، وتعظيم أوامره ونواهيه، هذا من كمال التوحيد؛ أن يُعظم العبدُ أوامر الله ونواهيه، وأن يُسارع إلى مراضيه، وأن يقف عند حدوده، كل هذا من تعظيم التوحيد، كل هذا من تعظيم الإخلاص لله، كل هذا من تعظيم الله والقيام بحقِّه؛ ولهذا يقول المؤلفُ: "باب لا يرد مَن سأل بالله" يعني: إذا لم يعتدِ، أما إذا اعتدى يُردّ، فالذي يسأل ما لا يحلّ له، أو يُسيئ السؤال يرد، أما مَن سأل بالله بشيءٍ له فيه حقّ أو أمرٍ يستحقه فإنه يُعطى، أما مَن سأل بالله ما لا يستحقّ: كأن يسأل بالله ألا يُقام عليه الحدّ، أو لا يلزم بما أوجب الله عليه، فلا يُسمع له، ولا يُقبل.

لهذا ذكر حديثَ ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبي ﷺ قال: مَن سأل بالله فأعطوه، ومَن استعاذ بالله فأعيذوه، ومَن دعاكم فأجيبوه، ومَن صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تُكافئوه فادعوا له حتى تروا أنَّكم قد كافأتموه هذه خصال مهمة: مَن سأل بالله يُعطى تعظيمًا لله، ولا سيما إذا كان فقيرًا محتاجًا، أو مظلومًا فإنه يجب أن تُدفع عنه المظلمة؛ أن تسدّ حاجته ممن يعرف حاله، وبكل حالٍ إذا سأل بالله فمن تعظيم الله أن يُعطى ما لم يعتدِ في السؤال.

الثاني: مَن استعاذ بالله، وكذلك مَن استعاذ بالله من شيءٍ يُعاذ منه، أما إذا استعاذ بالله أن يُقام عليه الحد، أو يُلزم بالحقِّ فلا تُقبل منه استعاذته، أما إذا استعاذ بالله من شيءٍ يلزمه فلا بأس: مَن استعاذ بالله فأعيذوه، ومَن دعاكم فأجيبوه، كذلك مَن دعا إلى وليمةٍ ليس فيها منكر: عرس أو غيره، يُجاب، إلَّا إذا كانت الوليمةُ فيها منكر فلا يُجاب، بل يستحق أن يُهجر، أما إذا كانت الوليمةُ سليمةً فإنه يُجاب؛ لأن الرسول قال: مَن لم يُجب الدَّعوة فقد عصى الله ورسوله، فالواجب على مَن دُعي إلى وليمةٍ ليس فيها منكر –ولا سيما وليمة العرس- أن يُجيب، إلَّا أن يعذره الدَّاعي، وما ذاك إلا لأنَّ في هذا تأليف القلوب في إجابة السائل، وإعانة المستعين، وإجابة الدَّاعي فيه تأليف القلوب، والتعاون، والتقارب، والتآلف، فإنك متى أجبت دعوته وأعذته وأجبت سؤاله كان هذا من أسباب التقارب والتعاون والأُلفة والمحبَّة بين المؤمنين.

الرابع: مَن صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تُكافئوه فادعوا له مَن صنع معروفًا إلى إنسانٍ: دفع مظلمة عنه، أو إعانته على مهمةٍ، أو مُسامحته من دينٍ، أو إنظاره لإعساره، أو ما أشبه ذلك، فإنه يُكافأ على معروفه الطيب، إذا صنع معروفًا يُكافأ بالكلام الطيب، والفعل الطيب بالمال وغيره؛ لأنَّ من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال مكافأة المحسن على إحسانه، والعفو عن المسيء، والله جلَّ وعلا شرع لعباده العفو والصفح والإحسان والجود والكرم، فالمؤمن يُشرع له أن يجود، وأن يُحسن، وأن يُكافئ مَن أحسن إليه، هذا من مكارم الأخلاق.

فإن لم تجدوا ما تُكافئوه حُذفت النون للتَّخفيف، أو لمراعاة رؤوس الجمل، والأصل: تُكافئونه، فادعوا له إذا كان الإنسانُ لا يستطيع أن يُكافئ فالدُّعاء، أحسن إليك بأشياء لا تستطيع أن تُكافئه تدعو له: جزاه الله خيرًا، ضاعف الله مثوبته، غفر الله له، أحسن الله إليك، كلمات طيبة، حتى تروا يعني: حتى تعلموا كما في الرواية الأخرى: حتى تعلموا، تروا بفتح التاء بمعنى تعلموا، وتروا بضمِّها بمعنى تظنوا، وجاءت في روايةٍ أخرى: حتى تعلموا، فتكون الرواية بالفتح: حتى تروا يعني: تعلموا، يعني: اجتهدوا في مكافأته حتى لا يبقى شكٌّ أنكم كافأتموه على معروفه بالدَّعوات الطيبة.

وفَّق الله الجميع.

باب لا يُسأل بوجه الله إلا الجنَّة

عن جابرٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة رواه أبو داود.

باب ما جاء في اللّو

وقول الله تعالى: يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا [آل عمران:154].

وقوله: الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا [آل عمران:168].

في الصحيح: عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزنَّ، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلتُ لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان.

الشيخ: يقول رحمه الله: "باب لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة"، واحتجَّ بالحديث: أن الرسول نهى أن يُسأل بوجه الله إلا الجنة، والمعنى: أن الجنة هي سلعة الله الغالية، هي أعظم المطالب، فلا يُسأل بوجه الله إلا أعظم المطالب وهي الجنة وما يقرب إليها.

وقد جاء في الأحاديث ما يدل على سؤاله الجنَّة وما يقرب إليها بوجهه سبحانه، فإذا سأل ربَّه الجنة بوجهه جلَّ وعلا، أو سأله أن يُميته على الإسلام، وأن يُحسن له الختام بوجهه، فهذا مما يقرب إلى الجنة، فالمراد: لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة وما يُقرب إليها، ويُباعد من ضدِّها وهي النار؛ وذلك لعظم المطلب، وجلالة المطلب، وهو سؤال الجنة.

والباب الثاني يقول: "باب ما جاء في اللّو" يعني في قوله: "لو"، لا ينبغي للإنسان عند الحوادث أن يقول: لو كان كذا، لو رحنا للطبيب صار كذا، لو تداوينا صار كذا، بل يقول: قدر الله وما شاء فعل، إذا غلبه الأمرُ عليه بالأخذ بالأسباب، فإذا غلبه أمرٌ فلا يقل: لو أني فعلتُ لكان كذا، ولكن يقول: قدر الله وما شاء فعل؛ لأنَّ الله ذمَّ مَن فعل هذا فقال: يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا [آل عمران:154] قول المنافقين، لا ينبغي للإنسان أن يتأسَّى بالمنافقين، ولكن إذا أصابه شيء فليقل: قدر الله وما شاء فعل، ولا يقل: لو كان كذا لكان كذا، لو كان كذا لكان كذا؛ لقوله ﷺ: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزنَّ، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلتُ لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل.

فالمؤمن يجتهد في الأسباب النافعة، ودفع الأسباب الضارة، فإذا غلبه أمرٌ فليقل: قدر الله وما شاء فعل، يعني: هذا قدر الله، أو يقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، كما قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:155- 156]، أما أن يقول: لو أني سافرتُ صار كذا، لو أني أتيتُ الطبيبَ صار كذا، هذا لا ينبغي؛ اعتراض على القدر؛ ولهذا قال ﷺ: لا يقل: لو أني فعلتُ لكان كذا، وعليه بالأول الأخذ بالأسباب، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله يأخذ بالأسباب: يتداوى، يتعاطى الأسباب التي يراها نافعةً ومباحةً يتعاطها: يبيع ويشتري، يزرع، يغرس، يتعاطى الأسباب، لكن متى غلبه أمرٌ فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل، ولا يقل: لو أني جئتُ الطبيب، لو أني سقيتُ المزرعة كان كذا، لو أني سافرتُ كان كذا، لا، هذا من باب الاعتراض على القدر، ولا ينبغي، ولكن يقول: قدر الله وما شاء فعل.

أما تمني الأعمال الطيبة: لو استقبلتُ من أمري، لو فعلتُ كذا، لو علمتُ أن فلانًا في البلد لزرتُه، لو علمتُ أن فلانًا مريض لعُدته، هذا ما فيه بأس، هذا من باب تمني الخير، لكن الممنوع الاعتراض على القدر؛ أن يقول إذا أصابه حادثٌ يقول: لو أني فعلتُ ما أصابني هذا الحادث، لو أني سافرتُ ما صار لي هذا المرض، لو أني فعلتُ كذا ما كان هذا، هذا هو الممنوع، أما كونه يتمنى الخير فقد قال النبيُّ ﷺ: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ فهذا معناه أن الرسول ﷺ تمنى أنه فعل هذا الشيء مُستقبلًا لما استدبر.

فلو قال الإنسانُ: لو علمتُ أن فلانًا موجود لزرتُه، لو علمتُ أن فلانًا مريض لعُدته، لو علمتُ أنَّ هذا ينفع لفعلته، ما فيه بأس هذا، إنما الممنوع الاعتراض على القدر: لو فعلتُ كذا ما أصابني المرضُ، لو ما سافرتُ ما أصابني هذا المرض، لو فعلتُ كذا ما أصابني كذا، هذا هو الممنوع، ولكن يقول: قدر الله وما شاء فعل، يعني: هذا قدر الله وما شاء فعل.

وفي قوله ﷺ: احرص على ما ينفعك الأمر بالأسباب، وأن الإنسان مأمور بالأسباب، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله عليه أن يعمل ما يستطيع: يغرس الزرع، يزرع، يبيع ويشتري، يتعاطى أسباب الخير، يتعاطى أسباب الرزق، يستعين بالله، مأمور بهذا، قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الملك:15]، وقال تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الجمعة:10].

فالمؤمن يبتغي من فضل الله؛ يطلب الرزق ولكن يستعين بالله، ويعتمد على الله، ويعلم أنه مقدر الأمور، ومُسبب الأسباب، ولكن عليه فعل الأسباب، مع الاستعانة بالله، والثقة به، والتوكل عليه، فإذا غلبه أمرٌ فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل.

باب النَّهي عن سبِّ الريح

عن أُبي بن كعبٍ : أن رسول الله ﷺ قال: لا تسبُّوا الريحَ، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أُمِرَتْ به، ونعوذ بك من شرِّ هذه الريح، وشرِّ ما فيها، وشرِّ ما أُمِرَتْ به صححه الترمذي.

الشيخ: هذا الباب عقده المؤلفُ رحمه الله في كتاب "التوحيد" للنَّهي عن سبِّ الريح؛ لأنَّ سبَّها نقص في الإيمان، ونقص في التوحيد، فهي جند مسخر مأمور؛ فلهذا نهى النبيُّ عن سبِّ الريح وقال: لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أُمِرَتْ به، ونعوذ بك من شرِّها، وشرِّ ما فيها، وشرِّ ما أُمرت به، وفي اللفظ الآخر: وشرِّ ما أُرسلت به، وفي اللفظ الآخر: اللهم اجعلها رياحًا، ولا تجعلها ريحًا، اللهم اجعلها رحمةً، ولا تجعلها عذابًا، والله جلَّ وعلا قال: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [الأعراف:57]، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ [الروم:46].

فإذا رأى من الريح شدةً فلا يسبّها، بل يقل: اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أُرسلت به، أو خير ما أُمرت به، وأعوذ بك من شرِّها، وشرِّ ما فيها، وشرِّ ما أُمرت به، أو شرِّ ما أُرسلت به -كما جاء الحديث- اللهم اجعلها رياحًا، ولا تجعلها ريحًا، اللهم اجعلها رحمةً، ولا تجعلها عذابًا. يستجير بالله الذي خلقها، وقد عذَّب اللهُ قومَ هودٍ بالريح فهلكوا عن آخرهم بسبب ظُلمهم وعُدوانهم وكفرهم، فالريح تأتي بالخير والشرِّ، فالإنسان يسأل الله خيرها، ويعوذ بالله من شرِّها، هذا من كمال التوحيد وكمال الإيمان؛ ألا تسبّ الريح، بل تسأل الله خيرها، وتعوذ بالله من شرِّها.