05 من حديث ( صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعاً وعشرين درجة.. )

 
1- باب الإِخلاصِ وإحضار النيَّة في جميع الأعمال والأقوال والأحوال البارزة والخفيَّة
10/10- وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: صَلاَةُ الرَّجُلِ في جماعةٍ تزيدُ عَلَى صَلاَتِهِ في سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بضْعاً وعِشْرينَ دَرَجَةً، وذلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِد لا يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ، لا يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ، لَمْ يَخطُ خُطوَةً إِلاَّ رُفِعَ لَهُ بِها دَرجةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطيئَةٌ حتَّى يَدْخلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كانَ في الصَّلاَةِ مَا كَانَتِ الصَّلاةُ هِيَ تحبِسُهُ، وَالْمَلائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدكُمْ مَا دَامَ في مَجْلِسهِ الَّذي صَلَّى فِيهِ، يقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مالَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ متفقٌ عليه، وهَذَا لَفْظُ مُسْلمٍ.
وَقَوْلُهُ ﷺ: ينْهَزُهُ" هُوَ بِفتحِ الْياءِ وَالْهاءِ وَبالزَّاي: أَي يُخْرِجُهُ ويُنْهِضُهُ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة الصحيحة عن النبي ﷺ كلها تدل على عظم شأن النية وأن الأعمال بالنيات كما قال ﷺ: الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فهذه النية الطيبة تجعل العمل عظيمًا ومقبولاً وإذا كانت النية خلاف ذلك جعلت العمل باطلاً أو جعل العمل آثمًا مؤذيًا لا ينفع بل يضر، وبكل حال هذا يبين لنا عظم شأن النية وأن شأنها عظيم، وهكذا الإنسان يخرج من بيته، إن خرج من بيته إلى الصلاة أو إلى عيادة مريض أو اتباع جنائز أو طلب علم فهو على خير خطواته خير له تكتب له حسنات.
كل خطوة يرفعه الله بها درجة ويحط عنه بها خطيئة فإذا دخل المسجد فهو في صلاة، والملائكة تصلي عليه قبل الصلاة وبعدها تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه ما لم يؤذ ما لم يحدث إذا خرج لا نية له إلا الصلاة، نيته طلب العلم نيته عيادة المريض، نيته اتباع الجنائز نيته طلب العلم فهو على نيته الأعمال بالنيات؛ فالذي خرج للصلاة في جماعة يصلي في الجماعة يريد وجه الله والدار الآخرة خطواته تكتب له حسنات تحط خطيئات والملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه قبل صلاة وبعدها ولا زال في صلاة يعطى أجر المصلين ما لم يؤذ أو يحدث، يؤذي بكلام منكر أو فعل منكر كالغيبة والنميمة وأشباه ذلك، أو يحدث ينقض الطهارة فإذا أحدث توقف استغفار الملائكة له، يعني بعد الصلاة ما دام جالسًا في مصلاه على طهارته ولم يؤذ فالملائكة تصلي عليه، وهو في صلاه مأجور ما لم يؤذ أو يحدث، وبكل حال فالمشروع للمؤمن أن يصطحب النية الطيبة دائمًا حتى إذا خرج للبيع والشراء يطلب الرزق، يريد الكسب الحلال، يريد أن يستغني عن الحاجة إلى الناس، فهو بنيته يطلب الحلال يريد الحلال فله نيته في تجارته في زراعته في غير ذلك، يريد الكسب الحلال الذي يغنيه عما في أيدي الناس، وفي اللفظ الآخر: ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكله دابة أو طير أو إنسان إلا كان له صدقة ولا سيما إذا احتسب ذلك فأجره عظيم.
وفق الله الجميع، وثبت الجميع على الهدى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 
11/11 وَعَنْ أبي الْعَبَّاسِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عبَّاسِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلب رَضِي اللهُ عنهما، عَنْ رَسُول الله ﷺ، فِيما يَرْوى عَنْ ربِّهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: إِنَّ اللهَ كتَبَ الْحسناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلِكَ: فمَنْ همَّ بِحَسَنةٍ فَلمْ يعْمَلْهَا كتبَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلةً، وَإِنْ همَّ بهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عَشْر حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمَائِةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كثيرةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسيِّئَةِ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِها فعَمِلهَا كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً متفقٌ عليهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذان الحديثان العظيمان الصحيحان يدلان على عظم شأن النية في الأعمال، وأن لها شأنًا عظيمًا في صلاح العمل وثمرته والانتفاع به في الدنيا والآخرة، ولاسيما عند الشدائد والكروب كما تقدم في الأحاديث الكثيرة، ومن هذا سبق قوله ﷺ: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فهذا الحديث العظيم الذي حصر الأعمال بالنيات فكل الأحاديث التي بعده تفسره، وأن العمل إنما ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة إذا قارف نية صالحة، ويضره إذا كان عن نية سيئة، ومن هذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: أنه سبحانه كتب الحسنات والسيئات التي يفعلها العباد، سيئات العباد وحسناتهم كل مكتوب عمله وهو في بطن أمه رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، فإذا هم العبد بالحسنة ولم يعملها كتبها الله له حسنة فضلاً منه سبحانه، هم أن يزور مريضًا يعود مريضًا ما تيسر يكتب له هذه الزيارة الحسنة، هم أنه يتصدق فلم يتيسر يكتب له صدقة حسنة، هم أنه يأمر بمعروف فلم يتيسر يكتب له، هم أنه يترك معصية يكتب له وهكذا.. يكتب له ما هم به من الحسنات، فإن فعل الحسنة كتبها الله له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، هم أن يعود المريض فعاده كتب الله له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، هم أن يتصدق فتصدق بريال، بعشرة، بمائة كتب الله له أجر ذلك مضاعفًا عشر مرات إلى أضعاف كثيرة، قد يضاعف إلى سبعمائة ضعف، وقد يضاعف إلى آلاف الأضعاف حسب نيته وحسب إتقان عمله وكمال عمله من جهة الإخلاص والمتابعة.
وهكذا السيئة، إذا هم بسيئة فلم يعملها خوفًا من الله وتعظيمًا له كتبها الله له حسنة كما في الحديث: إنما تركها من جرائي يعني من أجلي، فإن تركها تشاغلاً عنها لا عن نية، عن تشاغل لم تكتب عليه؛ لكونه لم يفعلها، فإن تركها عجزًا بعدما عمل كتبت عليه إن ترك السيئة عجزًا أو قد عمل تكتب عليه.
فصار ترك السيئة على أقسام ثلاثة:
القسم الأول: يتركها خوفًا من الله، فهذا تكتب له حسنة؛ لأنه تركها من أجل الله.
الثاني: يتركها تشاغلاً لا عن نية، تشاغلاً أو نسيانًا أو نحو ذلك فلا تكتب عليه ولا يكتب له شيء.
الثالث: أن يعمل ما يستطيع ولكن عجز فهذا تكتب عليه؛ لقوله ﷺ: إذا التقى المسلمان بسيفهما، فالقاتل والمقتول في النار قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما شأن المقتول؟ قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه لكن ما تيسر عجز، هكذا السارق مثلاً نقب البيت وهتك الحرز ولكن حيل بينه وبين السرقة؛ انتبه له أهل البيت، أو انتبه له الحارس؛ يكتب عليه ما فعل؛ لأنه فعل المقدمات السيئة فيكتب عليه وزر ذلك. وهكذا لو عالج إنسانًا لأخذ ما في يده من المال فعجز؛ يكتب عليه هذه السيئة التي عجز عنها؛ لأنه فعل.
أما إذا هم بالسيئة وفعلها تكتب عليه هي نفسها، إذا هم بها تكتب عليه وعليه إثمها.