14 من حديث ( كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر..)

 
6/30- وَعَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: كَانَ مَلِكٌ فيِمَنْ كَانَ قبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِك: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابعَثْ إِلَيَّ غُلاَماً أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلاَماً يعَلِّمُهُ، وَكَانَ في طَريقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلاَمهُ فأَعْجَبهُ، وَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بالرَّاهِب وَقَعَدَ إِلَيْه، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِر فَقُلْ: حبَسَنِي أَهْلي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحرُ. فَبيْنَمَا هُو عَلَى ذَلِكَ إذْ أتَى عَلَى دابَّةٍ عظِيمَة قدْ حَبَسَت النَّاس فَقَالَ: اليوْمَ أعْلَمُ السَّاحِرُ أفْضَل أم الرَّاهبُ أفْضلَ؟ فأخَذَ حجَراً فقالَ: اللهُمَّ إنْ كَانَ أمْرُ الرَّاهب أحَبَّ إلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فاقتُلْ هَذِهِ الدَّابَّة حتَّى يمْضِيَ النَّاسُ، فرَماها فقتَلَها ومَضى النَّاسُ، فأتَى الرَّاهب فأخبَرهُ. فَقَالَ لهُ الرَّاهبُ: أىْ بُنيَّ أَنْتَ اليوْمَ أفْضلُ منِّي، قدْ بلَغَ مِنْ أمْركَ مَا أَرَى، وإِنَّكَ ستُبْتَلَى، فإنِ ابْتُليتَ فَلاَ تدُلَّ عليَّ، وكانَ الغُلامُ يبْرئُ الأكْمةَ والأبرصَ، ويدَاوي النَّاس مِنْ سائِرِ الأدوَاءِ. فَسَمعَ جلِيسٌ للملِكِ كانَ قدْ عمِىَ، فأتَاهُ بهداياَ كثيرَةٍ فقال: ما هاهُنَا لَكَ أجْمَعُ إنْ أنْتَ شفَيْتني، فَقَالَ إنِّي لا أشفِي أحَداً، إِنَّمَا يشْفِي اللهُ تعَالى، فإنْ آمنْتَ بِاللَّهِ تعَالَى دعوْتُ اللهَ فشَفاكَ، فآمَنَ باللَّه تعَالى فشفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، فأتَى المَلِكَ فجَلَس إليْهِ كَما كانَ يجْلِسُ فقالَ لَهُ المَلكُ: منْ ردَّ علَيْك بصَرك؟ قَالَ: ربِّي. قَالَ: ولكَ ربٌّ غيْرِي؟، قَالَ: رَبِّي وربُّكَ اللهُ، فأَخَذَهُ فلَمْ يزلْ يُعذِّبُهُ حتَّى دلَّ عَلَى الغُلاَمِ فجئَ بِالغُلاَمِ، فَقَالَ لهُ المَلكُ: أىْ بُنَيَّ قدْ بَلَغَ منْ سِحْرِك مَا تبْرئُ الأكمَهَ والأبرَصَ وتَفْعلُ وَتفْعَلُ فقالَ: إِنَّي لا أشْفي أَحَداً، إنَّما يشْفي الله تَعَالَى، فأخَذَهُ فَلَمْ يزَلْ يعذِّبُهُ حتَّى دلَّ عَلَى الرَّاهبِ، فجِئ بالرَّاهِبِ فَقيلَ لَهُ: ارجَعْ عنْ دِينكَ، فأبَى، فدَعا بالمنْشَار فوُضِع المنْشَارُ في مفْرقِ رأْسِهِ، فشقَّهُ حتَّى وقَعَ شقَّاهُ، ثُمَّ جيء بجَلِيسِ المَلكِ فقِيلَ لَهُ: ارجِعْ عنْ دينِكَ فأبَى، فوُضِعَ المنْشَارُ في مفْرِقِ رَأسِهِ، فشقَّهُ به حتَّى وقَع شقَّاهُ، ثُمَّ جيء بالغُلامِ فقِيل لَهُ: ارجِعْ عنْ دينِكَ، فأبَى، فدَفعَهُ إِلَى نَفَرٍ منْ أصْحابِهِ فَقَالَ: اذهبُوا بِهِ إِلَى جبَلِ كَذَا وكذَا فاصعدُوا بِهِ الجبلَ، فإذَا بلغتُمْ ذروتهُ فإنْ رجعَ عنْ دينِهِ وإِلاَّ فاطرَحوهُ فذهبُوا بِهِ فصعدُوا بهِ الجَبَل فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكفنِيهمْ بمَا شئْت، فرجَف بِهمُ الجَبَلُ فسَقطُوا، وجَاءَ يمْشي إِلَى المَلِكِ، فقالَ لَهُ المَلكُ: مَا فَعَلَ أَصحَابكَ؟ فقالَ: كفانيهِمُ الله تعالَى، فدفعَهُ إِلَى نَفَرَ منْ أصْحَابِهِ فَقَالَ: اذهبُوا بِهِ فاحملُوه في قُرقُور وَتَوسَّطُوا بِهِ البحْرَ، فإنْ رَجَعَ عنْ دينِهِ وإلاَّ فَاقْذفُوهُ، فذَهبُوا بِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكفنِيهمْ بمَا شِئْت، فانكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفينةُ فغرِقوا، وجَاءَ يمْشِي إِلَى المَلِك. فقالَ لَهُ الملِكُ: مَا فَعَلَ أَصحَابكَ؟ فَقَالَ: كفانِيهمُ الله تعالَى. فقالَ للمَلِكِ إنَّك لسْتَ بقَاتِلِي حتَّى تفْعلَ مَا آمُركَ بِهِ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: تجْمَعُ النَّاس في صَعيدٍ واحدٍ، وتصلُبُني عَلَى جذْعٍ، ثُمَّ خُذ سهْماً مِنْ كنَانتِي، ثُمَّ ضعِ السَّهْمِ في كَبدِ القَوْسِ ثُمَّ قُل: بسْمِ اللَّهِ ربِّ الغُلاَمِ ثُمَّ ارمِنِي، فإنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتنِي. فجَمَع النَّاس في صَعيدٍ واحِدٍ، وصلَبَهُ عَلَى جذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سهْماً منْ كنَانَتِهِ، ثُمَّ وضَعَ السَّهمَ في كبِدِ القَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِسْم اللَّهِ رَبِّ الغُلامِ، ثُمَّ رمَاهُ فَوقَعَ السَّهمُ في صُدْغِهِ، فَوضَعَ يدَهُ في صُدْغِهِ فمَاتَ. فقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الغُلاَمِ، فَأُتِىَ المَلكُ فَقِيلُ لَهُ: أَرَأَيْت مَا كُنْت تحْذَر قَدْ وَاللَّه نَزَلَ بِك حَذرُكَ. قدْ آمنَ النَّاسُ. فأَمَرَ بِالأخدُودِ بأفْوَاهِ السِّكك فخُدَّتَ وَأضْرِمَ فِيها النيرانُ وقالَ: مَنْ لَمْ يرْجَعْ عنْ دينِهِ فأقْحمُوهُ فِيهَا أوْ قيلَ لَهُ: اقْتَحمْ، ففعَلُوا حتَّى جَاءتِ امرَأَةٌ ومعَهَا صَبِيٌّ لهَا، فَتقَاعَسَت أنْ تَقعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الغُلاَمُ: يَا أمَّاهْ اصبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الحَقِّ روَاهُ مُسْلَمٌ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الحديث العظيم في أخبار من قبلنا يخبر به النبي عليه الصلاة والسلام للعبرة والعظة وأن المؤمن لا بدّ أن يبتلى بهذه الدار فالواجب عليه الصبر، قد يبتلى بمرض، قد يبتلى بالفقر، قد يبتلى بالأعداء، قد يبتلى بغير ذلك فالواجب الصبر على طاعة الله، والكف عن محارم الله كما قال الله جل وعلا: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۝ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157]وقال جل وعلا: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، ويقول جل وعلا: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]، ويقول لنبيه ﷺ: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127].
وتقدم الحديث يقول ﷺ: عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن.
وهذه قصة هذا الملك الجائر الخبيث فيمن قبلنا كان عنده ساحر يخبره ببعض المغيبات التي يسترقها من الشياطين التي تسترق السمع ويخدمها في هذه الأشياء التي يلبس بها على الناس، فلما كبرت سنه وقرب أجله، قال للملك: أريد شابًا أعلمه حتى يحل محلي إذا مت. يعلمه السحر، فجيء له بهذا الشاب ليعلمه، فكان الشاب يأتي إليه وفي طريقه راهب عابد من العباد، فمر عليه يستمع له فأرشده الراهب إلى أن ربه الله، وأن هذا الملك وهذا الساحر كلاهما ضال كافر، وأن ربه هو الله وحده فعلمه، وقال له الراهب: إذا قال لك الساحر لماذا تأخرت؟ فقل:أخرني أهلني، وإذا قال لك أهلك: لم تأخرت؟ فقل: أخرني الساحر، فلم يزل هكذا في طريقه الساحر يمر على الراهب، ويتعبد حتى جرى ما جرى لبعض جلساء الملك إنسان أصيب في عينيه فدله الغلام على الراهب فنفث عليه فأبرأه الله، وكان الله جل وعلا قد نفع به ويبرئ الأكمة والأبرص ويشفي المريض من أمراض كثيرة بسبب ما تعلم من الراهب، ويقول للناس: إني لا أشفي إنما يشفي الله، إنما أنا أقرأ أتسبب والشافي هو الله سبحانه وتعالى، فلم يزل هذا دأبه حتى جرى ما جرى لجليس الملك وعالجه الشاب ورد الله عليه عينيه وبصره.
فلما جلس عند الملك أخبره سأله: من رد عليك بصرك، قال: الله، فقال: وهل لك رب غيري؟! قال: نعم، ربي وربك الله! فلم يزل به يعذبه حتى دل على الغلام، فلما جيء بالغلام عذب حتى دل على الراهب، ثم جاء بالراهب فأمر الملك بنشر جليسه بالمنشار، وهكذا الراهب إن لم يرجعا عن دينهما وقتلهما، وقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى أن يرجع عن دينه، فأمر أن يذهب به إلى جبل فيلقى من رأسه إذا لم يرجع، فرجف الجبل بأصحابه فسقطوا وسلم هو، وجاء إلى الملك وخبره، فأمر أن يذهبوا به في قرقور (سفينة صغيرة) إلى البحر فإن رجع وإلا يلقوه في البحر، فانكفأت به السفينة؛ لأنه قال: اللهم اكفنيهم بما شئت فكفاه الله شرهم، وكان قصد الغلام أن يظهر الدعوة بين الناس، فقال له: إنك لن تستطيع قتلي، حتى تجمع الناس في صعيد وتأخذ سهمًا من كنانتي، ثم تصلبني وترميني بالسهم، وتقول: بسم الله رب الغلام؛ حتى يسمع الناس؛ فإذا سمعوا حصل المقصود، هذا مقصود الغلام حتى يؤمنوا بالله وحده.
فلما فعل ذلك وقال: بسم الله رب الغلام وأصابه، قال الناس: آمنا برب الغلام! فوقع ما خافه الملك وجنوده، ودخل الناس في دين الله وآمنوا برب الغلام، وأمر الخبيث بخد الأخاديد في الأرض وأوقد فيها النيران، وأمر من لم يرجع عن دينه يلقى فيها كما قال الله في قصته وأمثاله: قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ ۝ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ [البروج:4-5].
والمقصود من هذا أن الواجب الصبر حتى جاءت امرأة ومعها صبي فقيل لها: إما أن ترجعي، وإما ان تلقي في هذه الأخدود، فكأنها تكأكأت وتوقفت فقال لها ولدها: اصبري، فإنك على الحق! فهذا يدل على أن الناس قد يبتلوا والواجب عند الابتلاء الصبر والاحتساب، الصبر  على الحق والثبات عليه، ولو مات الإنسان ولو قتل، وإن كان في ديننا المكره له أن يترخص المكره، كما قال الله جل وعلا: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106] في ديننا دين محمد يجوز الترخص بالإكراه إذا أكره أظهر الكفر المطلوب وقلبه مطمئن بالإيمان ليسلم من ظلم الظالمين ومن صبر فهو على خير عظيم.
والمقصود من هذا الحديث أن الواجب على المؤمن عند الابتلاء الصبر والاحتساب والثبات على الحق عملاً بقوله سبحانه: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] قد يصيبه المرض فيصبر ويحتسب، ولا مانع من العلاج، العلاج جائز بل مشروع، ولكن مع الصبر وعدم الجزع.
وهكذا في فقره وحاجته، أو إذا ابتلي بالظلمة يصبر ويحتسب ويأخذ بالأسباب الشرعية. وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: أحسن الله عملك، هذه القصة الواردة في هذا الحديث، هي قصة أصحاب الأخدود نفسها؟
ج: قد يكونوا كثيرين هذا منهم، يكون هذا من أصحاب الأخدود.
س: شرع من قبلنا..؟
ج: شرع لنا إذا لم يرد شرعنا بخلافه، شرعنا جاء بالرخصة في الإكراه.
س: يعذرون بالكذب أحسن الله إليك؟
ج: بالإكراه نعم. إذا أكره.