19 من حديث ( كان ابن لأبي طلحة رضي الله عنه يشتكي، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي..)

 
20/44- وعنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ ابْنٌ لأبي طلْحةَ يَشْتَكي، فَخَرَجَ أبُو طَلْحة، فَقُبِضَ الصَّبِيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحةَ قَالَ: مَا فَعَلَ ابنِي؟ قَالَت أُمُّ سُلَيْم وَهِيَ أُمُّ الصَّبيِّ: هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فرغَ قَالَتْ: وارُوا الصَّبيَّ، فَلَمَّا أَصْبحَ أَبُو طَلْحَة أَتَى رسولَ اللَّه ﷺ فَأَخْبرهُ، فَقَالَ: أَعرَّسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهمَّ باركْ لَهُما فَولَدتْ غُلاماً فقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْمِلْهُ حتَّى تَأَتِيَ بِهِ النبيَّ ﷺ، وبَعثَ مَعهُ بِتمْرَات، فَقَالَ: أَمعهُ شْيءٌ "قَالَ: نعمْ، تَمراتٌ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ﷺ فَمضَغَهَا، ثُمَّ أَخذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا في فِيِّ الصَّبيِّ ثُمَّ حَنَّكَه وسمَّاهُ عبدَاللَّهِ متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ للْبُخَاريِّ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَة: فَقَالَ رجُلٌ منَ الأَنْصارِ: فَرَأَيْتُ تَسعة أَوْلادٍ كلُّهُمْ قدْ قَرؤُوا الْقُرْآنَ، يعْنِي مِنْ أَوْلادِ عَبْدِ اللَّه الْموْلُود.
وَفي روايةٍ لمسلِم: ماتَ ابْنٌ لأبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ لأهْلِهَا: لاَ تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بابنِهِ حتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ، فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً فَأَكَلَ وشَرِبَ، ثُمَّ تَصنَّعتْ لهُ أَحْسنَ مَا كانتْ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذلكَ، فَوقَعَ بِهَا، فَلَمَّا أَنْ رأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعِ وأَصَابَ مِنْها قَالتْ: يَا أَبَا طلْحةَ، أَرَأيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْماً أَعارُوا عارِيتهُمْ أَهْل بيْتٍ فَطَلبوا عاريَتَهُم، ألَهُمْ أَنْ يمْنَعُوهَا؟ قَالَ: لا، فَقَالَتْ: فاحتسِبْ ابْنَكَ. قَالَ: فغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: تركتنِي حتَّى إِذَا تَلطَّخْتُ ثُمَّ أَخْبرتِني بِابْني، فَانْطَلَقَ حتَّى أَتَى رسولَ اللَّه ﷺ فأخْبَرهُ بِمَا كَانَ، فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: بَاركَ اللَّه لكُما في ليْلتِكُما.
قَالَ: فحملَتْ، قَالَ: وكَانَ رسولُ اللَّه ﷺ في سفَرٍ وهِي مَعَهُ وكَانَ رسولُ اللَّه ﷺ إِذَا أَتَى الْمَدِينَةِ مِنْ سَفَرٍ لاَ يَطْرُقُها طُرُوقاً فَدنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَضَرَبَهَا الْمَخاضُ، فَاحْتَبَس عَلَيْهَا أَبُو طلْحَةَ، وانْطلَقَ رسولُ اللَّه ﷺ. قَالَ: يقُولُ أَبُو طَلْحةَ إِنَّكَ لتعلمُ يَا ربِّ أَنَّهُ يعْجبُنِي أَنْ أَخْرُجَ معَ رسولِ اللَّه ﷺ إِذَا خَرَجَ، وأَدْخُلَ مَعهُ إِذَا دَخَلَ، وقَدِ احْتَبَسْتُ بِما تَرى. تقولُ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا طلْحةَ مَا أَجِد الَّذي كنْتُ أَجِدُ، انْطَلِقْ، فانْطَلقْنَا، وضَربهَا المَخاضُ حينَ قَدِمَا فَولَدتْ غُلاماً. فقالَتْ لِي أُمِّي: يا أَنَسُ لا يُرْضِعُهُ أَحدٌ تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رسُول اللَّه ﷺ، فلمَّا أَصْبحَ احتملْتُهُ فانطَلقْتُ بِهِ إِلَى رسولِ اللَّه ﷺ. وذَكَرَ تمامَ الْحَدِيثِ.
21/45- وعنْ أَبِي هُريرةَ أَن رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: لَيْسَ الشديدُ بالصُّرَعةِ إِنمَّا الشديدُ الَّذي يمْلِكُ نَفسَهُ عِنْد الْغَضَبِ متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فهذان الحديثان يتعلقان بالصبر، وقد سبقت آيات كثيرات وأحاديث كثيرة كلها تتعلق بالصبر، وسبق أن الصبر واجب من الواجبات وفرض من الفرائض وعبادة من العبادات العظيمة والله أمر به في مواضع كما قال جل وعلا: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]، وقال سبحانه: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127] فالصبر على طاعة الله الواجبة واجب، والصبر عن المعاصي واجب، والصبر عند المصائب واجب، فالمؤمن يصبر عند الأوامر فيؤدي أوامر الله عن إخلاص وصدق ورغبة ويصبر عن محارم الله؛ فيبتعد عن معاصي الله ويكف عنها عن إيمان وعن رغبة بما عند الله، ويصبر عند المصائب فلا يجزع إذا أصابه مرض أو موت قريب أو فقر أو غيرها لا يجزع، بل يتحمل ويصبر ويكف لسانه عما لا ينبغي وجوارحه عما لا ينبغي ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة، اللهم آجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها يسأل ربه العون ويتصبر ويتحمل.
ومن هذا قصة أم سليم، أم أنس وصبرها العظيم ذكرت في الحديث أنها ولدت ابنها عبدالله وكان مريضاً فأخفت موته على أبيه أبي طلحة، فلما جاء قربت عشاءه وتعشى ووقع بها؛ لأنها قد تصنعت له ولم تخبره، فلما انتهى من أمره قالت يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قومًا استعاروا عارية من قوم ثم طلب القوم عاريتهم، أيردونها؟ قال: نعم يردون عاريتهم قالت: احتسب ابنك، قد توفي عارية عندنا من الله، الله أعطانا إياه وأخذه، فهو عارية ما لنا حيلة إلا الصبر والاحتساب، فغضب عليها وقال: تركتني حتى فعلت وفعلت ثم أخبرتني، فذهب إلى النبي ﷺ أخبره يشكوها فقال النبي ﷺ: بارك الله لكما في ليلتكما يعني ما حصل من الجماع، دعا لهما النبي ﷺ بالبركة في تلك الليلة التي حصل فيها الجماع ومات فيها الطفل، فحملت من ذلك الجماع، فلما ولدت أمرت أنس أن يذهب بالطفل إلى النبي ﷺ قبل أن يرضع قبل أن يمسه أحد، فذهب به إلى النبي ﷺ ومعه تمرات ليحنكه فأخذ بعض التمرات ثم مضغها ﷺ ثم مجها في فم الصبي، ثم حنكه وسماه عبدالله.
قال الراوي: ولقد رأيت تسعة كلهم من أولاد عبدالله قد قرأوا القرآن، يعني بارك الله فيه وهو صحابي صغير ورزقه الله تسعة من الولد كلهم قد حمل القرآن.
ففي هذا فوائد، منها: الصبر والاحتساب؛ لأن الرسول ﷺ ما أنكر أم سليم ما فعلت ولها صبرها العظيم وتحملها لهذه المصيبة.
وفيه أيضاً: الدعاء للمولود وللمجامع بالبركة بارك الله لكما في ليلتكما.
وفيه من الفوائد: أنه لا بأس أن يسمى المولود في أول يوم، إن سمى في أول يوم فلا بأس وإن سمى في اليوم السابع فلا بأس. وفي هذا سماه النبي ﷺ في أول يوم، وهكذا ابنه إبراهيم، قال ﷺ: ولد لي الليلة ابنًا فسميته إبراهيم فالتسمية تكون في أول يوم والعقيقة في اليوم السابع، وفيه التحنيك وأنه يحنك الطفل بالتمرة يعني ترفع لهاته يمضغها أبوه أو أمه ويحنكه بالتمرة.
وفيه أنه لا بأس بإخفاء موت القريب لمصلحة ثم يبين لأهله موته إذا دعت المصلحة إلى ذلك.

كذلك حديث: ليس الشديد بالصرعة الصرعة اللي يطرح الناس، يصرع الناس، يسمونه اللي يطرح الناس إذا طرحهم طرحهم بقوته ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب يعني أولى بهذا الاسم وأولى بهذا المدح الذي يملك نفسه عند الغضب، مثل قوله ﷺ: ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، وإنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس هذا أولى باسمه بالمسكنة اللي يطوف مسكين، لكن الذي يتعفف أولى وأولى باسم المسكنة وأولى بالصدقة والمساعدة، فهكذا الذي يملك نفسه عند الغضب أولى بهذا الاسم من اللي يصرع الناس؛ لأن الغضب نار تغلي في قلب الإنسان، فإذا أعانه الله على كظمه والصبر صارت نعمة كبيرة، فالغضبان قد يضرب وقد يلعن قد يطلق من شدة التغير، فالذي يملك نفسه عند الغضب له مزية عظيمة وفضل كبير. وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: أحسن الله إليك لو كان غير التمر هل يصلح؟
ج: ما أعلم شيء، لكن الأولى التمر مثل ما فعله النبي ﷺ التحنيك بالتمر مستحب التحنيك...
س: إن كان هناك رجل فاضل...؟
ج: لا هذا خاص بالنبي ﷺ.
س: أحسن الله عملك بالنسبة للتحنيك يعني أول ما يولد يعني قبل ما ترضعه أمه؟
ج: أفضل في أول الولادة.
س: ما هو بشرط يعني؟
ج: لا، ما هو بلازم لو بعد يوم يومين ما يضر.
س: أحسن الله إليك ما الفرق بين الصبر والاصطبار؟
ج:  والاصطبار التصبر يعني في كونه يجاهد نفسه على الصبر؛ يعني الذي يرزق الصبر من غير تكلف أزين وأزين، وإذا ما تيسر له يجاهد نفسه حتى يكفها عما لا ينبغي، فلا يجزع ولا يتكلم بما لا ينبغي ولا يفعل ما لا ينبغي؛ ولهذا قال ﷺ: أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة وقال ﷺ: ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية وعقد النساء وعاهدن على ألا ينحن.
س: بالنسبة للأسماء؟ راكان؟
ج: ما فيه شيء راكان من أسماء البادية ما فيه شيء.