2- من حديث: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه)

- وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبيَّ ﷺ حين تُوفي سُجِّيَ ببُرْدٍ حَبِرَةٍ. متفقٌ عليه.

- وعنها رضي الله عنها: أن أبا بكرٍ قبَّل النبيَّ ﷺ بعد موته. رواه البخاري.

- وعن أبي هريرة ، عن النبيِّ ﷺ قال: نفس المؤمن مُعلَّقَةٌ بدَيْنِه حتى يُقْضَى عنه رواه أحمد والترمذي وحسَّنه.

- وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبيَّ ﷺ قال في الذي سقط عن راحلته فمات: اغْسِلُوه بماءٍ وسِدْرٍ، وكفِّنوه في ثوبين متفقٌ عليه.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالموتى:

فالحديث الأول: تقول عائشةُ رضي الله عنها: أنه ﷺ لما تُوفي سُجِّيَ ببرد حبرةٍ، يعني: لُحف وغُطِّي بالبُرد الحبرة، والحبرة: بُرود مخططة تأتي من اليمن، فيها خطوطٌ يُقال له: برود، ويُقال لها: حبرة، وهذا يدل على أنه يُستحبُّ أن يُغطَّى الميت إذا خرجت روحُه بشيءٍ؛ لأنه قد يتغيَّر منظره أو يقع عليه شيءٌ، فيُسجَّى أصون له من كلِّ شيءٍ، حتى يُحمل إلى الغُسل والتَّكفين، يُسجَّى ببردٍ أو لحافٍ أو رداءٍ أو غير ذلك من الأشياء الخفيفة التي تستره عن الأذى وعن التراب وعن الرياح وعن نظر الناس إليه، هذا هو الأفضل صيانةً له، حتى يُنقل إلى الغسل.

والحديث الثاني حديث عائشة: أنَّ أبا بكر الصّديق لما قدم والنبيُّ ﷺ قد تُوفي قبَّله ﷺ بعد الوفاة، وكان الصّديقُ حين تُوفي النبيُّ في محلِّه بالسُّنْحِ، فلمَّا جاء أخبروه، فدخل عليه ﷺ وكشف عن وجهه وقبَّله بين عينيه، وقال: "بأبي أنت وأمي، طِبْتَ حيًّا وميتًا". رواه النَّسائي بإسنادٍ صحيحٍ.

هذا يدل على جواز تقبيل الميت، إذا قبَّله الرجلُ، أو زوجته، أو أمه، أو أخوه؛ لا حرج، فإذا قبَّل الرجلَ بعضُ محارمه لا حرج في ذلك، وهذا من شدَّة محبته له أن قبَّله بين عينيه وقال: "طِبْتَ حيًّا وميتًا".

والحديث الثالث حديث أبي هريرة: يقول ﷺ: نفس المؤمن مُعلَّقة بدَيْنِه حتى يُقْضَى عنه، هذا فيه الحثُّ على المسارعة في قضاء الدَّين إن كان عليه دَينٌ لله أو للناس، لله مثل: زكوات، أو كفَّارات، أو للناس فيُبادر بها، وهي مُقدَّمة على الورثة، وعلى الوصايا كلها، فالميت يُبدأ بما عليه من الدَّين، ولا يُعطى الورثة والموصَى لهم إلا بعد قضاء الدين، ولهذا لما تُوفي عبدُالله بن عمرو بن حرام والد جابر بدأ ﷺ بالغُرماء فقضى لهم دُيونهم، ثم قسم الباقي بين الورثة. والحديث صحيحٌ: رواه أحمد والترمذي بسندٍ جيدٍ.

فينبغي لأهل الميت أو وصيّه -إن كان له وصيٌّ- أن يجتهد في المسارعة لقضاء الدَّين، وهذا التَّعليق تعليقٌ مُجمَلٌ، ما بيَّن معناه، لكن يدل على شرعية المسارعة لقضاء دَينه، حتى لا يبقى مُعلَّقًا.

والحديث الرابع حديث ابن عباس في الذي وَقَصَتْه راحلتُه: وفيه أنه ﷺ قال: اغسلوه بماء وسدرٍ، وكفِّنوه في ثوبين، وفي رواية البخاري ومسلم: ولا تُحَنِّطوه، ولا تُخَمِّروا رأسه؛ فإنه يُبْعَثُ يوم القيامة مُلَبِّيًا، هذا يدل على أنَّ الإنسان إذا مات وهو مُحْرِمٌ يبقى على إحرامه، ما يبطل إحرامُه؛ ولهذا قال ﷺ: فإنه يُبعث يوم القيامة مُلَبِّيًا، وقال: لا تُحَنِّطوه، والتَّحنيط: الطِّيب؛ لأنَّ المحرم ما يتطيَّب بعد إحرامه، ولا تُخَمِّروا رأسَه؛ لأن الرجلَ المحرم يكشف رأسَه.

وفي رواية مسلم: ولا تُخَمِّروا رأسه ووجهه؛ فإنَّه يُبْعَث يوم القيامة مُلَبِّيًا، فيُفيد هذا أن الميت المحرم يُغسل بالماء والسدر، ويُكفَّن في ثيابه: إزاره وردائه، ولا يلبس قميصًا ولا عمامةً، ولا يُستر رأسُه، ولا يُطَيَّب، ولا يُستر وجهه، وهذا يدل على أنَّ المحرم لا يُستر وجهه كالرأس.

فإنه يُبْعَث يوم القيامة مُلَبِّيًا يعني: فإنه يُبعث محرمًا باقيًا على إحرامه، ولا يحتاج أن يُقضى عنه شيءٌ مما بقي؛ لأنَّ الرسول ﷺ ما قال: اقضوا عنه، وما قال: تمموا عنه؛ فدلَّ على أنَّ حجَّه تامٌّ، ولا يُقضى عنه شيء، ولو كان يُقضى عنه لقال: كمّلوا، فلمَّا لم يقل: كمّلوا؛ دلَّ على أنه بقي على إحرامه وعلى حجِّه، وأنَّ حجَّه كفاه، سواء مات بعرفة أو مات بعد عرفة؛ لأنَّ عرفة هي الركن الأكبر: الحج عرفة، فإن أدركه فقد أدرك الحجَّ، ويسقط عنه الباقي؛ لأنَّه بقي محرمًا، يأجره الله على حجِّه.

وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: إذا وُضِعَ المُحْرِمُ الميِّت في اللَّحد هل يُغَطَّى رأسُه؟

ج: لا يُغطَّى رأسه، ولا وجهه، لا في القبر، ولا في غير القبر.

س: مَن قال أنَّ معنى حديث: أنَّ نفس المؤمن مُعلَّقة بدَينه: معناه أنه يُشغل في القبر بدَيْنِه؟

ج: الله أعلم، ليس لنا أن نقول على الله ما لا نعلم، هي مُعلَّقة ويكفي، كما قال الرسولُ، والله أعلم.

س: الحديث الرابع والأخير: أنَّ الحجَّ ما يكون إلا بعد الإحرام، فلو مات قبل الإحرام وهو في طريقه إلى الحج؟

ج: لا، هذا يُغَسَّل ويُصلَّى عليه، فالحديث جاء فيمَن أحرم.

س: يدل حديث ابن عباس على جواز الطَّهارة بالماء والسِّدر؟

ج: نعم، يُغسَّل الميتُ بالماء والسدر، فالسّدر ما يضرُّ الماء.

س: بالنِّسبة لوضع الجنازة في الثلاجة ستة أشهر حتى تنتهي إجراءاتها، هل فيه شيء؟

ج: إذا كان ذلك لمصلحةٍ ............ لا بأس.

س: يُبدأ بحقوق الآدميين أم حقوق الله؟

ج: دَيْنُ الله أحقُّ بالقضاء تُوزَّع بالمحاصَّة.

س: يعني: هكذا هي على التَّرتيب؟

ج: إذا كان لله مثلًا ما يُعادل ألفًا، وللمخلوقين ما يُعادل ثلاثة آلاف؛ فالذي لله يأخذ الربع، ولأولئك ثلاثة أرباع؛ إذا كانت التركةُ قليلةً ما تكفي، هذه هي المحاصَّة.

س: إذا مات المحرمُ قبل عرفة؛ كأن مات مثلًا في منى وهو ذاهبٌ إلى عرفة؟

ج: ما دام قد أحرم فإنه يُبْعَث يوم القيامة مُلَبِّيًا.

س: كنتُ أُصلي وأقرأ في سورة البقرة: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة:255]، وكنتُ أقرأها دائمًا كل يوم، وفي يومٍ جئتُ أقرأها فقرأتُها غلطًا: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [البقرة:284]؟

ج: هذه آية، وهذه آية، هذه آخر سورة البقرة: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.

س: أقرأها دائمًا: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؟

ج: هكذا تُقرأ بعد كلِّ صلاةٍ، وعند النوم.

س: وعند النوم أقرأها.

ج: طيب، هذا حسنٌ.

س: لكني غلطتُ فيها؟

ج: إذا غلطتَ ما عليك بأسٌ، وأصلح الغلطَ بعد ذلك.

س: قوله: اغسلوه بماءٍ وسدرٍ يدل على وجوب استخدام السّدر؟

ج: المشهور والمعروف عند العلماء أنه سنة، فالأمر للسّنية، والأصل في الأوامر الوجوب، لكن المعروف عند العلماء أنَّ جعل السّدر في غسل الميت واغتسال الحائض أفضل؛ لأنَّه أبلغ في الإنقاء، وإذا ما تيسر السدر يكون الصَّابون أو الأُشنان أو ما يقوم مقامه.

س: لماذا خصّ السّدر؟

ج: الله أعلم، يمكن لأجل النَّظافة وأنه ليِّنٌ ويُنظّف ولا ييبس.

س: هل يُكْشَف وجهُ الميت في القبر إذا لُحِدَ؟

ج: لا، الميت غير المحرم يُستر كله، لا يُكشف شيءٌ منه، لا وجه، ولا غيره، أمَّا المحرم فلا يُغطَّى رأسه، ولا وجهه.

س: .............. الرسول عليه الصلاة والسلام على مَن مات وعليه دَيْنٌ؟

ج: هذا منسوخٌ، وكان أولًا لأجل تحريضهم على قلَّة الدَّين، وعلى وفاء الدَّين، ثم نُسخ؛ فصلَّى على مَن عليه دَيْنٌ ومَن لا دَينَ عليه، صلَّى عليهم أخيرًا عليه الصلاة والسلام.

س: بعض الناس إذا وضعوا الميت في القبر كشفوا وجهه، ووضعوا فيه حجرًا وقالوا: هذا حنوط؟

ج: لا، هذا غلطٌ، لا يُكْشَف وجهه، ولا يُوضَع حجرٌ، كل هذا ما له أصلٌ.

س: هل هذا من البدع؟

ج: ما له أصل، هذا جهل.

س: هل حديث: اقرؤُوا على موتاكم يس صحيح؟

ج: لا بأس به، صحَّحه جماعةٌ، وضعَّفه جماعةٌ، ولا بأس به، فإذا قرأها على الميت فلا بأس إن شاء الله.

س: قال في الحاشية: "قبَّل من التَّقبيل، وفيه جواز تقبيل الميت تعظيمًا وتبرُّكًا؛ لأنَّه لم يُنْقَل أنه أنكر الصَّحابةُ على أبي بكرٍ، وكان إجماعًا". قاله الشَّوكاني.

ج: لا بأس، ما فيه شيء.

س: مَن مضى في حجٍّ فاسدٍ ثم مات هل يُحنَّط؟

ج: حكمه حكم الحجّ الصَّحيح: لا يُحَنَّط ولا شيء، يُكمّله إن كان حجُّه صحيحًا، ففاسد الحجّ والعمرة كالحج الصحيح يُكَمَّل ويُقْضَى.

س: في الحديث الثاني أنه قبَّل الرسول، فهل هذا جائزٌ لأهل الميت أن يُقبِّلوا الميت؟

ج: لا حرج.

س: أبناؤه أو والدتُه؟

ج: مَن قبَّله فلا حرج عليه، من الرجال، أو من المحارم النساء: كالزوجة، أو الأم، لا حرج.

س: أول ما يُؤخذ من تركة الميت لو كان الحنوط والتَّكفين ..؟

ج: أول ما يُؤخذ منه حاجاته: كفنه، وأجرة الغاسل؛ لأنَّ الرسول ﷺ أمر بهذا قبل كل شيءٍ، فأول شيءٍ ما يحتاج إليه الميتُ: من كفنٍ، وتغسيلٍ، هذا أولًا، ثم بعد ذلك الدُّيون التي فيها رَهْنٌ مُقدَّمة على الدُّيون التي لا رهنَ فيها، ثم الدّيون التي لا رهنَ فيها، ثم الوصية، ثم الإرث، فهي خمسة أحكامٍ: أولًا: مؤنة التَّجهيز، هذه يُبدأ بها، ثم الدّيون المتعلقة بعين التركة، ثم الدّيون غير المُتعلِّقة، ثم الوصايا، ثم الإرث.

س: بالنسبة لزيارة القبور يوم الجمعة هل فيها فضلٌ؟

ج: ما فيها فضلٌ، ما ورد فيها تخصيصٌ، في أي يومٍ حسب التيسير.

س: هناك أُناسٌ يخُصُّون يوم الجمعة؟

ج: ما لها أصل، ما رأينا عليها دليلًا.

س: بعض المُغسلين إذا غسَّلوا الميتَ يُصلُّون عليه في نفس المغسلة؛ لأنَّهم لن يحضروا الصلاةَ، مع استطاعتهم؟

ج: إن صلُّوا عليه فلا بأس، الحمد لله، جزاهم الله خيرًا، ولو صُلِّيَ عليه مئة مرة.

س: يعني: لا يلزمهم؟

ج: ما يضرُّ، إذا صلُّوا عليه في البيت، أو صلّوا عليه في مسجدٍ، ثم ذهبوا به إلى مسجدٍ آخر وصلّوا عليه لا مانع.

س: بالنسبة للسلام على القبور: هل يكفي مرة واحدة عند دخول المقبرة؟

ج: تُسلِّم على كلِّ جهةٍ إن كانت مُتباعدةً.

س: الصَّلاة على القبر بعد مضي شهر؟

ج: تركه أحوط؛ لأنَّ فيه خلافًا بين العلماء، وأغلب ما ورد عن النبيِّ ﷺ شهرٌ، والأصل عدم الصلاة على القبور، فالذي ورد شهرٌ وما حوله ويكفي.

س: مَن مات وعليه دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، هل يُستحبُّ إخراجه في الحال؟

ج: إذا أحبُّوا أن يُعَجِّلوه فجزاهم الله خيرًا، وإلا فما يلزمهم حتى يحلّ أجلُه، فهو حقٌّ من حقوق الميت.

س: تقسيم التركة هل هو على الفور أو على التَّراخي؟

ج: على الفور أو على التراخي هذا لهم، بينهم، وإذا طلب واحدٌ منهم أن يُعجِّلوا لزمهم أن يُعجِّلوا، إلَّا من عِلَّةٍ: كأن تكون عليه ديونٌ ويُريدون أن ينتهوا منها، فلا تُقسم التركة حتى يُبْرِئُوا الميتَ من دَيْنِه، أما تعطيل الورثة بدون حقٍّ فلا، لا يُعطِّلونهم، لكن إذا كان هناك شيءٌ ينتظرونه: كإنسانٍ ذهب ليُحْضِر بيِّنَةً على دَيْنِه أو أشياء تُوجِب التأخير فلا بأس.

س: أحيانًا عند القبر يقف واحدٌ ويَعِظُ الناسَ، هل في ذلك شيءٌ؟

ج: لا بأس؛ فالنبي ﷺ وعظ مرات عند القبر.