65 من: (باب في النَّهي عن البِدَع ومُحدثات الأمور)

 
18- باب في النَّهي عن البِدَع ومُحدثات الأمور
قَالَ الله تَعَالَى: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ [يونس:32]، وَقالَ تَعَالَى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، وَقالَ تَعَالَى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] أيِ: الكتاب والسنة، وَقالَ تَعَالَى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]، وَقالَ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، وَالآياتُ في البَابِ كَثيرةٌ مَعلُومَةٌ.
وَأَمَّا الأحادِيثُ فَكَثيرَةٌ جدًّا، وَهيَ مَشْهُورَةٌ، فَنَقْتَصِرُ عَلَى طَرَفٍ مِنْهَا:
1/169- عن عائشةَ رَضِي اللَّه عنها قَالَتْ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: مَنْ أَحْدثَ في أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فهُو رَدٌّ متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ لمسلمٍ: مَنْ عَمِلَ عمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُو ردٌّ.
2/170- وعن جابرٍ قَالَ: كَانَ رسولُ اللَّه ﷺ إِذَا خَطَب احْمرَّتْ عيْنَاهُ، وعَلا صوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبهُ، حتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ ومَسَّاكُمْ، وَيقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا والسَّاعةُ كَهَاتَيْن، وَيَقْرنُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيرَ الْحَديثِ كِتَابُ اللَّه، وخَيْرَ الْهَدْي هدْيُ مُحمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدثَاتُهَا، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، ثُمَّ يقُولُ: أَنَا أَوْلَى بُكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ تَرَك مَالًا فَلأهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِليَّ وعَلَيَّ رواه مسلم.
وعنِ الْعِرْبَاض بن سَارِيَةَ حَدِيثُهُ السَّابِقُ في بابِ الْمُحَافَظةِ عَلَى السُّنَّةِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات الكريمات والأحاديث النبوية كلها تدل على وجوب الحذر من البدع ومحدثات الأمور، وتدل على أنَّ الواجب التمسك بالسنة التي درج عليها رسول الله ﷺ وأصحابه، والحذر مما أحدثه الناس، هذا هو الواجب على جميع الثقلين: السير على الصراط المستقيم الذي درج عليه رسولُ الله ﷺ وأصحابُه رضي الله عنهم، والحرص على اتباع ما جاء به ﷺ، والحذر مما أحدثه الناس، قال الله جل وعلا: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ [يونس:32]، الحق هو: ما بعث الله به نبيه ﷺ، وما كان ضده فهو الضلال، قال جل وعلا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، فالمغفرة والسعادة في اتباع ما جاء به عليه الصلاة والسلام، وذلك سببٌ لمحبة الله لعبده وتوفيقه له، وقال جل وعلا: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، وقال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة:92].
فالواجب على جميع الثقلين -الجن والإنس- طاعة الله ورسوله، والسير على الصراط المستقيم الذي رسمه الله لعباده، وهو اتباع الكتاب والسنة.
وقد ذمَّ  الله من شرع في الدين ما لم يأذن به الله: فقال سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، وقال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:153]، وقال تعالى يُعلِّم عباده: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] الصراط المستقيم هو: توحيد الله، وطاعته، واتباع شريعته، والإيمان به، وبرسله عليهم الصلاة والسلام، ولا سيَّما خاتمهم نبينا محمد ﷺ، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، والسير على المنهاج الذي سار عليه رسول الله ﷺ: بأداء الفرائض، وترك المحارم، والوقوف عند حدود الله، هذا هو الصراط المستقيم.
الحديث الأول
وفي الحديث: عن عائشة رضي الله عنها: يقول النبيُّ ﷺ: مَن أحدث في أمرنا يعني: في ديننا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ، وفي اللفظ الآخر: مَن عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ، فالمعنى: مَن أحدث في الدين شيئًا -صلاةً أو صيامًا أو غير ذلك- لم يشرعه الله فهو مردودٌ، يجب على الناس اتِّباع ما شرعه الله، أمَّا الحوادث فيجب ردّها، ولهذا قال ﷺ: مَن عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ.
الحديث الثاني
وفي حديث جابر: يقول ﷺ: إنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة، ومن ذلك ما أحدثه الناسُ من البناء على القبور، واتِّخاذ المساجد عليها، هذه من وسائل الشرك -والعياذ بالله- اتخاذ القباب على القبور كل هذا من وسائل الشرك، واتخاذ المساجد عليها، أو وضعهم في المساجد وجعل القبور في المساجد، كل هذا من وسائل الشرك ومن البدع المحدثة.
ومن هذا: الاحتفال بالأعياد: عيد مولد النبي ﷺ، أو مولد الحسن، أو الحسين، أو مولد فلان، أو فلان، كل هذا من البدع التي أحدثها الناس، أو تخصيص ليلة بقيامٍ غير ليلة القدر، كليلة الجمعة، هذا من البدع، ولهذا يقول ﷺ في حديث جابر: كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، ويقول في حديث العرباض بن سارية : يقول عليه الصلاة والسلام: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي يعني: الصديق وعمر وعثمان وعلي، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة.
فالواجب على الأمة الحذر مما أحدثه الناسُ، والتمسك بالقرآن والسنة، والسير على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم بالقول والعمل، وعلى ما درج عليه أصحابُه رضي الله عنهم، هذا هو الواجب على الجميع، كما قال الله سبحانه: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3]، وقال جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108]، وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
فليس لأحدٍ أن يخرج عمَّا شرعه الله، فالخروج عن ذلك إلى ما حرَّمه الله هذه المعاصي، والخروج من شرع الله إلى البدع هذه البدع والحوادث.
فالواجب لزوم الشرع: بأداء الفرائض، وترك المحارم.
هذا هو الواجب: لزوم شرع الله الذي جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة، وعدم الخروج عن ذلك، لا بقولٍ، ولا بفعلٍ.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: بعض الشباب ذُهِبَ إليهم ونُصحوا ووُجِّهوا بأن يدعوا إلى توحيد الله عز وجل، فغضبوا وحزنوا وضاقت صدورهم بنا، فهل حفظك الله نبقى معهم أم يُتركوا؟
ج: يُعلَّمون ويُنصحون، فالتوحيد هو الأول، فإذا كان المسلمون على التوحيد يُعلمونهم ما يجهلون في صلاتهم، وفي صومهم، أما إذا كانوا في أناسٍ عندهم شرك فيبدؤون بالتوحيد، يُعلِّمونهم التوحيد أولًا؛ لأن الأعمال ما تصحّ إلا بعد السلامة من الشرك، أما إذا كانوا مثل هذا المجتمع السعودي أو أشباهه –في مجتمع إسلامي طيب- فيدعونهم إلى ما يظنون أنهم قصَّروا فيه، أو يخفى عليهم، ويُنَبِّهونهم عليه إذا كانوا أهل توحيدٍ، يُنَبِّهونهم على الأشياء التي تخفى عليهم: في صلاتهم، في صومهم، في زكاتهم، في حجِّهم، في معاملاتهم، أما إذا كانوا في قومٍ كفار فيبدؤون بالتوحيد، ويُحذِّروهم من الشرك.
س: ... يقولون: أنتم تُنَفِّروننا وتُنَفِّرون غيرنا؟
ج: الدعوة إلى التوحيد ليست تنفيرًا إذا كانت في مجتمعٍ فيه شرك، هكذا دعا الأنبياء، بدؤوا بالدعوة إلى التوحيد، فالرسول ﷺ بدأ بالدعوة إلى التوحيد، وظلَّ عشر سنين كلها دعوة إلى التوحيد قبل أن تُفرض الصلاة.
س: المتصوفة هل يدخلون في جملة الكفار؟
ج: لا، المتصوفة أقسام، هناك صوفية عندهم بعض البدع، وهم مشركون يعبدون غير الله، يعبدون أصحاب القبور، وهم أقسام وأنواع.
س: الذين يعبدون أصحابَ القبور؟
ج: الذين يعبدون أصحابَ القبور هؤلاء كفار.
س: هؤلاء من جملة الكفار؟
ج: يعبدون البدوي، والحسين، والحسن، وابن علوان، وأشباههم، فلهذا هم كفار، أو يعبدون النبي ﷺ، أو يعبدون غيره من الأموات، أو يعبدون الجن، يستعيذون به، ويلجئون إليه، هذا من الشرك الأكبر.
س:  هؤلاء يُبْدَؤُون بالتوحيد؟
ج: هؤلاء يبدؤون بالتوحيد، ويُعلَّمون التوحيد.
س: سائل: ما رأي سماحتكم في استقدام خادمة مسلمة من بلد الإسلام بدون محرمٍ لحاجةٍ ضروريةٍ؟
ج: الواجب على جميع النساء ألا يُسافرن إلا بمحرمٍ، سواء خادمة أو ...،  لكل امرأةٍ لا بد من محرمٍ لها، النبي ﷺ يقول: لا تُسافر المرأةُ إلا مع ذي محرم، هذا هو الواجب على الجميع، وعلى أهلها أن يجعلوا معها محرمًا.
س: القول بأن البدع تنقسم إلى قسمين: بدعة ضلالة وبدعة؟
ج: لا، كل البدع ضلالة، الانقسام غلط، الرسول ﷺ يقول: كل بدعةٍ ضلالة، ما فيها تقسيم.
س: التخلف عن صلاة الفجر هل هو من محدثات الأمور؟
ج: التخلف عن صلاة الفجر: إن كان صلَّى في الوقت فهذا معصية، وإن كان تخلَّف حتى خرج الوقتُ عمدًا فهذا كفر، هذا ليس بدعة، هذا من الكفريات، التَّخلُّف عن الجماعة معصية، والتخلف عن الوقت كفر -نسأل الله العافية.
البدعة معناها: إحداث شريعةٍ في الدين، هذه هي البدعة، كونه يُحْدِث شيئًا ويقول: "هذا مشروع"، والله ما شرعه، هذا يُسمَّى بدعة، أما إذا فعل شيئًا منكرًا فهذا يُسمَّى معصيةً، ما يُسمَّى بدعة.
س: مَن وقع في تأويل الصفات هل هي من الأمور الاجتهادية؟
ج: لا، لا، هذا باطل، هذا من الضلال، هذا من دين الجهمية والمعتزلة، كفر أكبر -نسأل الله العافية- نفي الصفات كفرٌ أكبر؛ لأنَّه تكذيبٌ لله -نسأل الله العافية- وتكذيبٌ للرسول ﷺ، فالذي يقول: "إن الله ليس له رحمة، ولا يُوصَف بالعزة، ولا بالعفو، ولا بالمغفرة، ولا بالرحمة" فهذا كفرٌ أكبر.
س: يُؤوِّلها مثلًا؟
ج: كلها كفرٌ أكبر.
س: بالنسبة للبدع: بعض الناس يستدلون بكلام عمر عندما جمع الصحابة في صلاة التراويح وقال: "نعم البدعة"!
ج: هذا من جهة اللغة، بدعة من جهة اللغة، وإلا فهي سنة فعلها النبيُّ ﷺ وشرعها ودعا إليها، لكن الرسول ﷺ مات وما جمعهم على إمامٍ واحدٍ، فأحدث عمرُ هذا، فجمعهم وسماها بدعة من حيث اللغة –لغة العرب- لا من حيث الشرع.
س: مَن يستدل بهذا حجته باطلة؟
ج: ثم لو سلَّمنا أن عمر قال ذلك، فعمر ما هو معصوم، عمر واحد من الصحابة، ليس حُجَّةً في قول الله ورسوله، لكن يُحمل كلام عمر على الشيء الحسن، حتى لا يُساء به الظن.
س: مَن يُسَمِّي عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين، مع أن ... معاوية؟
ج: يُسميه بعضهم، وهو إن شاء الله خليفة راشد، لكن الخلفاء الراشدون هم الأربعة، لكن هو خليفة راشد، وكل إمام عدل يُسَمَّى خليفة راشد، كل إمام صالح يُسَمَّى خليفة راشد.
س: العلماء متفقون على أن معاوية أحسن منه؟
ج: معاوية صحابي، معاوية أفضل منه، من الصحابة .