10 من قوله: (وإِنْ يَمُتْ آخَرُ قَبْلَ الْقِسْمَهْ)

 
باب المناسخة
وإِنْ يَمُتْ آخَرُ قَبْلَ الْقِسْمَهْ  فَصَحِّحِ الْحِسابَ واعْرِفْ سَهْمَهُ
واجْعَلْ لَهُ مَسْأَلةً أُخْرَى كَما قدْ بُيِّنَ التَّفْصيلُ فِيما قُدِّمَا
وإنْ تَكُنْ لَيْسَتْ عَلَيْها تَنْقِسِمْ فارْجِعْ إلى الْوَفْقِ بِهَذَا قَدْ حُكِمْ
وانْظُرْ فإِنْ وافَقَتِ السِّهامَا فَخُذْ هُدِيتَ وَفْقَها تَمامَا
واضْرِبْهُ أوْ جَمِيعَها في السَّابِقهْ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُما مُوافَقَهْ
وكُلُّ سَهْمٍ فِي جَميعِ الثَّانِيهْ . يُضْرَبُ أوْ فِي وَفْقِها عَلانِيهْ
وأسْهُمُ الأُخرى فَفِي السِّهامِ ... تُضْرَبُ أوْ فِي وَفْقِها تَمَامِ
فهذه طَرِيقَةُ الْمُناسَخَهْ ... فارْقَ بِها رُتْبَةَ فَضْلٍ شامِخَهْ

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه.
بعد أن فرغ المؤلف من بيان الفروض والتعصيب والحجب والحساب شرع هنا يذكر المناسخات، وبعدها مسائل الحمل والمفقود والخنثى والغرقى؛ لأن هذه المسائل مهمة وتقع للناس وقد يشتبه أمرها على الفرضي، فلهذا أراد أن يبينها مستقلة وإن كانت تفهم مما تقدم؛ يعني إذا فهم ما تقدم من مسائل الفروض والتعصيب والحجب عرفنا مسائل النسخ؛ لأنها أموات ميت بعد ميت، فإذا أتقنا ما تقدم من مسائل التعصيب والفروض سهل عليه حساب المناسخات وما بعدها.
لكن لما كان على الطريقة المعروفة أراد أن يبين لنا رحمه الله الطريقة حتى يسير عليها الطالب بالقسمة حتى لا يتعب، فالمناسخات فيها النسخ.
وهو في اللغة يطلق على معان منها: الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل إي أزالته، ومنها التغيير نسخت الرياح آثار الديار أي غيرتها، ومنها النقل نسخت الكتاب نقلته.
وأما في اصطلاح الفرضيين: فمرادهم بالمناسخات أن يموت شخص ثم لا تقسم تركته حتى يموت آخر أو أكثر .......
إذا مات الشخص، ثم بعد موته مات بعض ورثته قبل قسمة التركة أو مات أكثر من ذلك؛ قيل لها مناسخة.
وهي من المفاعلة مما ليس له الطرف الآخر مقابل، مثل جاوز وجادل وضارب ونحو ذلك مما ليس له الطرف الآخر مقابل، فما ضربه أحد ولا جادله أحد.
وكأنها سميت بهذا لأنه ينسخ بعضها بعضًا، والثانية تنسخ الأولى، والثالثة تنسخ الثانية، والرابعة تنسخ ما قبلها، وهكذا كلما جاءت المسائل انتقلت الجامعة إلى جامعة أخرى، وتغيرت السهام وتغيرت الجامعات، وصار بعضها يسقط بعضًا ويغير بعض ويزيل ........ بعض ....... النسخ اللغوي.
والنسخ في الأحكام معروف وهو: ثبوت حكم متأخر بعد حكم متقدم دل الشرع على أنه ناسخ له بحكم ثابت بدليل ثابت ينسخ حكما سابقًا ........ يزيله.
مثل: استقبال جهة الشام وقد ازيل باستقبال القبلة.
يقول رحمه الله:
وإِنْ يَمُتْ آخَرُ قَبْلَ الْقِسْمَهْ ... إلى آخره
يأتي الكلام على الأبيات إن شاء الله في درس آخر.
والمناسخات لها أحوال:
الحالة الأولى: أن يكون ورثة الميت الثاني فأكثر هم ورثة الأول ولم يتغير إرثهم، بل إرثهم من الثاني كالأول، وهكذا إرثهم من الثاني والرابع.
فهذه المسائل تختصر قبل العمل فيقال لها اختصار المسائل؛ لأن حساب المسائل يطول ولا حاجة إليه فيختصر، سواء كان إرثهم بالتعصيب كالبنين والإخوة لغير أم والأعمام وأبناء العم، أو كان إرثهم بالفرض فقط كالإخوة لأم والبنات وأشباه ذلك، أو كان إرثهم بالفرض والتعصيب كالإخوة لأم إذا كانوا بني عم، فإنها تختصر المسائل ولا حاجة إلى تطويلها.
فإذا مات ميت عن عشرة بنين، ثم ماتوا واحدًا بعد واحد حتى لم يبق إلا ثلاثة، يقال التركة من ثلاثة .......، وانتهى الأمر ولا حاجة إلى حساب لأنهم هم ورثة الأول، وهم ورثة الثاني، وهم ورثة الثالث، وهكذا ما خالطهم غيرهم، فصارت التركة لهم وتقسم من عدد رؤوسهم.
وهكذا لو كان فيها فرض ثم تحولت تعصيبا  ........ عشرة بنين وزوجة هي أمهم، ثم يموت واحدًا بعد واحد ثم تموت هي عنهم مالها وارث غيرهم ففرضها تحول تعصيبًا لهم، فلا حاجة إلى مسائل .......
وهكذا لو كانوا بالفرض إن مات ميت عن بنات ما له عصبة .........، الصحيح لهن الرد وهم عشر بنات ماتوا جميعًا فلم يبق إلا بنتان فالتركة بينهما فرضًا وردًّا.
أو إخوة لأم ماتوا واحدًا بعد واحد ولم يبق إلا اثنان؛ فالتركة بينهم فرضًا وردًّا على الصحيح بالرد، فإذا مات ميت ....... وليس له عاصب؛ فإن المال يرد عليه كما تقدم في حديث المرأة التي وهبت جارية لأمها فماتت أمها وسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: (وجب أجرك على الله، وردها عليك الميراث) رواه مسلم ..........
وردها الميراث لكن على وجهين نصف بالفرض ونصف بالرد.
ومثل ذلك لو كانوا وارثين بالفرض والتعصيب كالإخوة لأم وهم بنو وعم فإنهم يرثون بالفرض والتعصيب؛ فإذا مات ميت عن عشرة أخوة لأم وهم بنو عم ثم ماتوا واحدًا بعد واحد وبقي اثنان أو ثلاثة تقسم التركة بينهم على عدد رؤوسهم فرضًا وتعصيبًا.
وقد يرثون الأول بالفرض فقط، وليس فيه رد بل هو مستوف للتركة، فهذا يشترط فيه مع ما تقدم ألا تختلف الفروض وأن تعود المسألة الأولى ....... الثاني أو أكثر.
فهذا إذا كان الورثة الباقون يرثون بالفرض، وفروضهم مستوفية التركة وليس فيها رد .........
لكن إذا كانوا ورثوا بالفرض واستوفوا المسألة؛ فالأولى تختصر المسألة بالشروط الثلاثة ........ هم ورثة الأول .. تختلف ........ وأن تؤول إلى ....... الثاني أو أكثر .
كما لو مات شخص عن زوج وعن شقيقة وعن أخت لأب؛ ثم لم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأب، بعد ذلك تزوجها الزوج؛ زوج أختها، فإنها تختصر من اثنين للزوج النصف من الأولى والثانية، والأخت الشقيقة النصف من الأولى والثانية ولا حاجة إلى جعل مسألتين.
ومثل ذلك: لو مات ميت عن زوجة أو مات ميت عن زوج وأخت شقيقة وأخت لأب أو جدة أم أب، ثم تزوج الزوج الأخت لأب، ثم ماتت فإنها تختصر تكون من سبعة ...........
للزوج النصف وللشقيقة النصف والجدة السدس.
................
 
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم على رسول الله.
أما بعد: فقد سبق أن في ورثة المناسخات أحوال، وتقدمت الحال الأولى وهي أن يكون ورثة الميت الثاني هم ورثة الأول بدون زيادة ولا نقص ولا تغير إرث، وتقدم أن هذا المختصر على الأخيرين، ولا حاجة إلى إعمال مسائل، بل تقسم التركة على الأخيرين الموجودين ويكفي، وتقدم في هذا أمثلة قد يكون إرثهم بالتعصيب، وقد يكون إرثهم بالفرض فقط، وقد يكون بالفرض والتعصيب، فكل هذا تقدم فيه الاختصار ويقال له اختصار المسائل.
وحال ثانية وهي أن يكون ورثة كل ميت لا يرثون غيره، كل ميت له ورثة يخصونه، وتقدم كيفية العمل في هذا وأنه يجعل لهم مسألة مستقلة أولًا، ثم لكل ميت مسألة تنظر بينها وبين سهامه، فإن انقسمت صحت مما صحت منه الأولى، وإن لم تنقسم نظرت بين سهامها ومسائله؛ فإما أن تباين وإما أن توافق، ثم تثبت الوفق أو الكل، وهكذا المسألة الثانية والثالثة والرابعة إلى أن تنتهي.
ثم ينظر بينها بالنسب الأربع المعادلة والمداخلة والموافقة والمباينة، ثم بعد تحصيل السهم يضرب في أصلها ثم يعطى ورثة الميت نصيبهم عن ميتهم مضروبة في ........ ومنقسمًا عليهم كما تقدم.
أما الحالة الثالثة فهي التي ذكرها المؤلف:
وإِنْ يَمُتْ آخَرُ قَبْلَ الْقِسْمَهْ فَصَحِّحِ الْحِسابَ واعْرِفْ سَهْمَهُ
واجْعَلْ لَهُ مَسْأَلةً أُخْرَى كَما قدْ بُيِّنَ التَّفْصيلُ فِيما قُدِّمَا

فهذه حالة الورثة في المناسخات إذا كان ورثة الثاني هم ورثة الأول ولكن معهم غيرهم أو نقصوا أو تغير إرثهم؛ ففي هذه الحال يذكر ما قاله المؤلف.
ويجعل لهم مسألة تعطى ما تستحق من العمل، ثم يجعل للميت الثاني مسألة ........ ورثته، ثم ينظر بينها وبين سهامه؛ فإن قسمت سهامه على مسألته صحت الثانية مما صحت منه الأولى، ولم يحتاج إلى عمل، وإن لم تنقسم نظرت بين سهامه ومسألته فإما أن تباين وإما أن توفق؛ فإن باينت أثبتها جميعها، وإن وافقت أثبت وفقها، ثم اضربها في أصلها، فما بلغ فهو الجامعة ومنه تصح وهذا معنى قوله:
وانْظُرْ فإِنْ وافَقَتِ السِّهامَا فَخُذْ هُدِيتَ وَفْقَها تَمامَا
واضْرِبْهُ أوْ جَمِيعَها في السَّابِقهْ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُما مُوافَقَهْ
تكون هذه جامعة المسألتين، ثم يضرب نصيب كل واحد من الأولى في الجامعة؛ فينظر في نصيب كل واحد من الأولى في وفق المسألة، أو في جميع مسألة الميت الثاني، فما بلغ فهو نصيبه حتى ينتهوا، وإن كان يرث من الأولى والثانية جمعت نصيبه من هذا ومن هذا، فنصيبه من الأولى يضرب في وفق الثانية أو جميعها، ونصيبه من الثانية يضرب في سهام الميت الثاني أو وفقها وهو معنى قوله:
وكُلُّ سَهْمٍ فِي جَميعِ الثَّانِيهْ يُضْرَبُ أوْ فِي وَفْقِها عَلانِيهْ
وأسْهُمُ الأُخرى فَفِي السِّهامِ تُضْرَبُ أوْ فِي وَفْقِها تَمَامِ

وما لا ينتهى من ذلك، وتقسم على هذا ينظر إذا كان هناك ميتًا ثالثًا فيعمل به كذلك ....... المسألة، وتقسم بين ورثته، ثم ينظر بينها وبين سهامه بين الجامعة؛ فإن وافقت سهامه عليها انتهت وصحت مما صحت منه الجامعة، وإن لم تنقسم: فإما أن تباين وإما أن توافق؛ فإن باينت أثبتها وإن وافقت أثبت وفقها، ثم اضرب الوفق أو الجميع في الجامعة الأولى؛ فما بلغ صحت منه المسائل الثلاث وصارت جامعة ثانية، فكل واحد له نصيب في الجامعة الأولى يضرب في وفق المسألة الثالثة أو تمامها مع المباينة، ويجمع له نصيبه إن كان له نصيب في الثالثة، وكل واحد من الثالثة التي صارت الثانية بعد ذلك يضرب في وفق سهامه أو جميعها عند المباينة، وهكذا إذا كان الميت ميتًا رابعًا؛ تفعل له مسألة مستقلة وتقسم على ورثته، ثم ينظر بينها وبين سهامه، فإن انقسمت صحت مما صحت منه الجامعة الثانية، وإن لم تنقسم أثبت الوفق أو الجميع وضربته في الجامعة الثانية، فما بلغ صحت منه المسائل وصار جامعة ثالثة، ثم يخرج نصيب الأموات في الجامعة الثانية التي جمعت الثلاث المسائل ويضرب في وفق الثانية أو جميعها وفق الجامعة الثالثة، ثم يؤخذ نصيب الميت من المسألة الرابعة ويضرب في سهامها أو وفقها وهكذا.
وهذا عند كثرة الجامعات يحتاج إلى جدول لئلا ينسى الحاسب، يذكر فيه الأولى والثانية والثالثة والجامعات حتى لا تشتبه عليه الأمور، يضع جدول أول في المسألة الأولى والسهام، والجدول الثاني في نصيبهم من المصح، والجدول الثالث فيه نصيبهم من الجامعة الأولى، ثم يحط المسألة الثانية في الجدول  الرابع ....... وسهامهم، ثم الجدول الخامس يكون فيه الجامعة إلى آخره، حتى لا ينسى هذه السهام. لأن كثرتها ينسي بعضها بعضًا فيحتاج الحاسب إلى نوع جدول وهو مبين ...... ومن أراده وجده، وهو لا بدّ منه لضبط الحساب والحذر من الغلط.
والمناسخات إنما عقد له باب لما فيها من الحساب والاشتباه عند كثرة المسائل؛ وإلا فهي مبنية على ما تقدم في أصول المسائل والتعصيب، والفروض والحجب هي من جملة المسائل السابقة فمن أتقن الفروض والتعصيب والحجب عرف حسابها وأمكنه أن يحسبها بأي طريقة أراد، إذ المقصود إيصال كل حق إلى صاحبه بأي طريقة، لكن الطريقة التي سلكها الفرضيون وأوضحوا حسابها تكون أضبط له وأبعد عن الغلط، ولكثرة الأموال احتيج إلى عقد باب مستقل وبيان طريقة الحساب فيها وكيفية العمل لضبط الحقوق وإيصالها إلى مستحقيها، وإلا فهي من جملة المسائل التي تقدمت في الأصول وفي التعصيب والحجب، ومن أتقن الأبواب المتقدمة عرف كيف يقسم في مسائل المناسخات واحتاج إلى شيء من المزيد لضبط المسائل في الجداول ........ على القواعد التي سلكها الفرضيون حتى لا يخطئ في حسابه.
وقوله:
فهذه طَرِيقَةُ الْمُناسَخَهْ فارْقَ بِها رُتْبَةَ فَضْلٍ شامِخَهْ

هو مثل ما قال المؤلف: أن من عرف مسائل الحساب في باب المناسخات وضبطها يكون له رتبة شامخة يكون له فضل كبير؛ لأن كثير من الفرضيين يقسمون المسائل واحدة أو مسألتين إذا كانت واحدة، لكن إذا جاءت المسائل كثيرة صعب عليهم قسمها وصعب عليهم وضع الجداول لها، فمن يحسن ذلك ويتقنه يكون له رتبة فضل شامخة لأنه أتقن هذا الشيء وعلمه وأحصاه واستطاع الحساب والقسم به؛ فيكون له مزية على غيره ورتبة فضل شامخة بالنسبة إلى من عجز عن ذلك ولم يتقنه.