68 من: ( باب التعاون على البر والتقوى)

21- باب في التعاون عَلَى البر والتقوى
قَالَ الله تَعَالَى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وَقالَ تَعَالَى: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1- 3].
قَالَ الإمام الشافعي رَحِمَهُ الله كلامًا معناه: "إنَّ الناس أو أكثرهم في غفلةٍ عن تدبُّر هذه السورة".
1/177- عن أَبي عبدِ الرحمن زيدِ بن خالدٍ الْجُهَنيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا في سَبِيلِ اللَّه فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا في أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا متفقٌ عَلَيهِ.
2/178- وعن أَبِي سعيدٍ الخُدْرِيِّ : أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ بَعَثَ بَعْثًا إِلى بَني لِحيانَ مِنْ هُذَيْلٍ فقالَ: لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا، وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا رواه مسلم.
3/179- وعن ابنِ عباسٍ رضي اللَّه عنهما: أَنَّ رسُولَ اللَّه ﷺ لَقِيَ ركْبًا بالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: مَنِ الْقَوْمُ؟ قالُوا: المُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رسولُ اللَّه، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعمْ، وَلَكِ أَجْرٌ رواه مسلم.
4/180- وَعَنْ أَبِي موسى الأَشْعَرِيِّ ، عن النبيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: الخَازِنُ المُسْلِمُ الأَمِينُ الَّذِي يُنَفِّذُ مَا أُمِرَ بِهِ، فَيُعْطِيهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا، طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ؛ أَحَدُ المُتَصَدِّقين متفقٌ عَلَيهِ. وفي روايةٍ: الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الآيات والأحاديث كلها تتعلق بالتعاون على البر والتقوى، فالله سبحانه شرع لعباده وأوجب عليهم التعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق والصبر عليه، وبيَّن أنَّ ذلك من أسباب الربح والسعادة، والنجاة من الخسران، والفوز بالجنات، قال جل وعلا: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، وقال سبحانه: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1- 3]، وقال جل وعلا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، وقال : وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].
فالواجب على المؤمنين التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق، والتناصح، حتى ينتشر الخير، ويقل الشر، ويتعلم الجاهل، ويتذكر الناسي.
قال الشافعي رحمه الله -وهو أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله المتوفى سنة 204هـ أحد الأئمة الأربعة المشهورين: "لو تدبَّر الناسُ هذه السورة –سورة العصر– لكفتهم"؛ لما فيها من الأشياء الجامعة، فهي سورة جامعة، مع اختصارها، تدل على أنَّ مَن تجمعت فيه هذه الخصال الأربعة فهو رابح، سعيد، ومَن حاد عنها فهو خاسر، ومَن فاته بعضُ ما فيها ناله من الخسران بقدر ذلك.
وقد أقسم الله على هذا -وهو الصادق وإن لم يُقسم- أن الإنسان في خسران، والله سبحانه له أن يُقسم من خلقه بما يشاء، كما أقسم بالذاريات، والعصر، والليل إذا يغشى، والطور، وغير ذلك؛ لأنها  مخلوقات تدل على عظمته، وأنه ربّ العالمين، وأنه الخلَّاق العليم، أما العبد فليس له أن يحلف إلا بالله، الإنسان ليس له أن يحلف إلا بربه، كما قال النبي ﷺ : مَن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت، وقال ﷺ: مَن حلف بغير الله فقد أشرك، فالمسلم ليس له أن يحلف إلا بالله .
وفي هذه السورة العظيمة التي أقسم الربُّ جل وعلا بالعصر عليها: دلالة على أنَّ من أسباب السعادة: الإيمان الصادق بالله ورسوله، مع العمل الصالح، مع التواصي بالحق، والتواصي بالصبر، هذه الخصال الأربع هي أسباب السعادة في الدنيا والآخرة.
فلا بدّ من الإيمان بالله ورسوله، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، ولا بدّ من العمل بعد ذلك لأداء فرائض الله، وترك محارم الله.
وأمرٌ ثالثٌ: وهو التَّواصي بهذا والتناصح.
وأمرٌ رابع: وهو الصبر على ذلك، وبهذا يسلم من الخسران.
ومَن فاته شيءٌ منها ناله من الخسران بقدر ذلك.
ويقول النبي ﷺ: مَن جهَّز غازيًا فقد غزا، ومَن خلفه في أهله بخيرٍ فقد غزا، هذا من التعاون، فإذا غزا واحدٌ وخلفه الثاني في أهله فكلاهما غازٍ؛ لأن الأول غزا بمساعدة الثاني بالقيام على أهله، فكلاهما غازٍ، هذا بعمله، وهذا باستخلافه وقيامه بحقِّ أخيه.
ويقول ﷺ لما جهَّز جيشًا: لينبعث من كلِّ رجلين أحدُهما، والأجر بينهما، أمرهم أن يخرجوا في الجهاد، وأن يكون من كل رجلين واحد، إذا كان في البيت رجلان يخرج منهما واحد، والأجر بينهما، وإذا كان فيه أربعة يخرج اثنان، والأجر بين الجميع، من باب التعاون على البر والتقوى.
كذلك حديث قصة المرأة التي معها الصبي لما لقوا النبيَّ ﷺ بالروحاء، قالت امرأةٌ معها صبي: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر، هذا تعاون أيضًا؛ لأنها تحج به، وتُعينه، وهو صبي، فيكون لها أجر، وله أجر، هذا من فضل الله ورحمته .
فهذا يدل على أنَّ الحج بالصبيان الصغار يكون أهله مأجورين على ذلك، حج أو عمرة؛ لما فيه من الإشراك في الخير، وتمرينهم عليه.
كذلك حديث أبي موسى -حديث عام- عن الخازن المسلم الأمين الذي يؤدي ما أُمِر به، طيبةً به نفسه، أحد المتصدقين، فصاحب المال متصدق، والخازن الذي تطيب نفسه بذلك متصدق، والخادم الذي ينفذ متصدق، كلهم شركاء، كل واحدٍ له مثل أجره، لا ينقص بعضُهم من أجر بعضٍ شيئًا، هذا متصدق بماله، وهذا بخزانته وسماحه، وهذا بتوسطه في إيصالها إلى الفقير، وإذا كان كلُّ واحدٍ مُحتسِبًا، قد أدَّاها بحسب الطاقة على وجهٍ لا مضرةَ فيه؛ فكلهم شريك في الأجر، كلُّ واحدٍ شريكٌ في الأجر، وهذا من فضل الله وجوده سبحانه.
الأسئلة:
س: في المسعى: هل يُرَكَّب الطفلُ في العربة إذا كان عمره سبع سنوات؟
ج: إذا شقَّ عليهم نعم، يُرَكِّبه بالعربة ويطوف به، ويسعى به، مثل الكبير.
س: قال: مَن القوم؟ قالوا: المسلمون، فأوضح هويتهم؟
ج: نعم، قال: مَن أنتم؟ قالوا: المسلمون، يكفي، فلا يلزم أن يقول: من قريش ولا من كذا؟ يكفي ما قالوا؛ لأنهم يسألون عن دينهم.
س: هل للمسؤول أن يُخفي هويته إذا رأى؟
ج: ما في مانع، إذا قال: أنا مسلم، لا يلزمه أن يقول: أنا فلان بن فلان؛ لأنه يسأل عن أمرٍ ما يختص بواحدٍ من قبيلةٍ، أو واحدٍ من شعبٍ، فهو أمرٌ بتشريع عام.
س: شخص يعمل في بنكٍ ربويٍّ، ونُوصِح فقال: "إذا وجدتُ وظيفةً أخرى سأترك هذا العمل"، فهل يتركه فورًا أم يظل فيه إلى أن يجد عملًا آخر؟
ج: الآن الواجب عليه أن يتركه فورًا.
س: يقول: أنا حججتُ، وعندي أولاد، وكذا؟
ج: ولو، ولو، يتسلَّف أو يستدين، لا بدّ من تركه.
س: حجة الصبي تُجزئ عن حجة الإسلام؟
ج: حجته نافلة حتى يبلغ.
س: دوابٌّ مثل الضَّبِّ ونحوه يُخاف من أذيتها، فعند شكه أنها تكون ممسوسةً بالجن هل تُخَوَّف أم تُقتل مباشرةً عند أذيتها؟
ج: تُحَذَّر لعل الله يُنجي من شرها، سواء هرّ أو غيره، فإذا ما نفع فيه التحذير يُقتل، إذا كان يُؤذيهم بأكل دجاجهم أو نحوه ...... من شرِّه: اتركنا، اغرب عنا وإلا قتلناك، وإلا فعلنا، من النقاط التي تدل على المعنى.
س: رجل طلع من منزله يريد الذهابَ للدوام، وكان موجود في السيارة، وما حسَّ به، لكن بعدما دقَّ (سيلف) تيقن أنَّ المروحة مانعة البس هذا (الهر)، وبعد ذلك يقول: لاحظتُ أن البس نزل من السيارة يسحب رجله مكسورةً، فيقول: في مساء ذاك اليوم ابتُلينا ببيتنا، وبيتهم أخذ له تقريبًا ثمانية عشر يومًا وهو على هذا الحال: تشتعل النار فيه في اليوم مثلًا ثلاث مرات أو أربع؟
ج: يمكن أنه جني دعاهم لينتقمون، فيتعوذ بالله، يقول: أعوذ بالله منكم، أعوذ بالله منكم، أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق، وأنا وإن كنتُ صاحب هذا الهر لكن ما تعمدتُه، هو الذي بلانا بنفسه، ويتعوذ بكلمات الله التامات، ويقول: فكُّونا من شرِّكم، ويسأل ربَّه العافية من شرِّهم، ويُخَوِّفهم من الله، ويقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين ثلاث مرات صباحًا ومساءً وعند النوم أيضًا، وإن شاء الله يكفيه.
س: يقول: كلما دخلتْ هذه البسة أراها على وضعها، ولكن يقول: بعد دخولها تشتعل النار؟
ج: دخولها ظاهره أنها تُحرِّضهم على هذا؛ لأنهم من ربعها، كأنَّها من شياطين الجن، على كل حالٍ يتعوَّذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق، ويسأل ربَّه العافية من شرِّهم، ويتوعَّدهم ويقول: اتَّقوا الله، خافوا الله، راقبوا الله، فُكُّونا من شرِّكم، ويقرأ السور الثلاث: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين ثلاث مرات، ويقرأ آية الكرسي، كل هذه من أسباب السلامة.
س: ما يقرأ سورة البقرة؟
ج: إن قرأها طيب، ما في بأس، كله طيب.