83 من حديث: (لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد..)

 
14/216- وعن عمر بن الخطاب قَالَ: لمَّا كَانَ يوْمُ خيْبرَ أَقْبل نَفرٌ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ، وفُلانٌ شهِيدٌ، حتَّى مَرُّوا علَى رَجُلٍ فقالوا: فلانٌ شهِيدٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: كلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّها -أَوْ: عَبَاءَةٍ رواه مسلم.
15/217- وعن أَبي قَتَادَةَ الْحارثِ بنِ ربعيٍّ الأنصاري ، عن النبي ﷺ أَنَّهُ قَام فِيهمْ، فذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهادَ فِي سبِيلِ اللَّه وَالإِيمانَ بِاللَّه أَفْضلُ الأَعْمالِ، فَقَامَ رَجلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّه، تُكَفَّرُ عنِّي خطاياي؟ فَقَالَ لَهُ رسولُ اللَّه ﷺ: نَعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّه وأَنْتَ صَابرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غيْر مُدْبرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: كَيْف قُلْتَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيل اللَّه، أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَاياي؟ فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: نَعمْ وأَنْتَ صابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقبِلٌ غَيْر مُدْبِرٍ، إِلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ قال لِي ذلِكَ رواه مسلم.
16/218- وعن أَبي هُريرةَ : أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قال: أَتَدْرُون ما الْمُفْلِسُ؟ قالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقيامةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وزَكَاةٍ، ويأْتِي وقَدْ شَتَمَ هَذَا، وقذَف هذَا، وَأَكَلَ مالَ هَذَا، وسفَكَ دَم هذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيُعْطَى هذَا مِنْ حسَنَاتِهِ، وهَذا مِن حسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَناتُه قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِح في النَّارِ رواه مُسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة تدل على شدَّة خطر الظلم، وأنَّ عاقبته وخيمة، وتدل على أن الغلولَ من جملة الظلم، كونهم يغلوا من الغنيمة وهي مشتركة بينهم وبين إخوانهم الغانمين هذا من الظلم، يظلم الغانمين كلهم، فالواجب على كل مؤمنٍ وعلى كل مؤمنةٍ الحذر من الظلم في جميع الأحوال، من القول والعمل.
ولهذا خطب النبيُّ ﷺ الناسَ في حجة الوداع في يوم عرفة وفي يوم النحر وبيَّن لهم، قال: إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحُرْمَة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وقال ﷺ: كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعِرْضه، وقال ﷺ: اتَّقوا الظلم؛ فإنَّ الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، والله يقول في كتابه العظيم: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19]، ويقول سبحانه: وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [الشورى:8]، ويقول الله جل وعلا في الحديث القدسي: إني حرمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا، فلا تظالموا.
وفي هذا الحديث أن الناس كانوا يعدون الشُّهداء: فلان، وفلان، في بعض الغزوات، فمروا على رجلٍ فقالوا: هذا شهيد، فقال النبي ﷺ: كلَّا، إني رأيتُه في النار؛ بسبب شيءٍ غَلَّه في سبيل الله: عباءة أو نحوها غلَّها في سبيل الله، يعني: أخذها بغير حقٍّ فصارت سببًا لدخوله النار، فالواجب الحذر من الغلول؛ لأن عاقبته وخيمة، ولو كان قليلًا لا يأخذ إلا ما أُذِنَ له، وما مُنِعَ منه يتركه؛ لأن الله جل وعلا جعل الغنيمة شركة، فالواجب على المؤمن أن يكتفي بحصته التي كتب الله له، وليحذر الغلول.

وفي الحديث الآخر يقول ﷺ لما سأل أصحابَه: ما تعدُّون المفلسَ فيكم؟ قالوا: مَن لا درهمَ له ولا متاع، قال: لكن المفلس مَن يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصومٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، فيُعْطَى هذا من حسناته، ويُعْطَى هذا من حسناته، فإذا فنيتْ حسناتُه ولم يُقْضَ ما عليه أُخِذَ من سيئاتهم فطُرِحَ عليه، ثم طُرِحَ في النار.
هذا فيه الحذر من أخذ أموال الناس بغير حقٍّ، وأنه يُقْتَصُّ لهم يوم القيامة، ويُعطون من حسناته إذا لم يحصل له توبة ورجوع إلى الله جل وعلا، لكن متى تاب العبدُ توبةً صادقةً وأخلص لله، فالله سبحانه يُرْضِي صاحبه منه، كما قال النبيُّ ﷺ: مَن أخذ أموال الناس يُريد أداءها أدَّى الله عنه، ومَن أخذها يُريد إتلافها أتلفه الله، ولهذا لما قال له رجل: يا رسول الله، أرأيتَ إن قُتلتُ في سبيل الله، أتُغْفَر خطاياي؟ قال: إن قُتِلْتَ وأنت صابرٌ مُحتسبٌ مُقبلٌ غير مدبرٍ، ثم سأله: ماذا قلتَ؟ استفهم منه، قال: قلتُ: كذا وكذا، قال: إن قتلتَ وأنت صابرٌ محتسبٌ مقبلٌ غير مدبرٍ غُفِرَتْ خطاياك إلا الدَّيْن يعني: الدَّيْن يبقى لصاحبه ولا يضيع حقُّ الدين، وإذا صدقت التوبةُ واجتهد العبد في العمل الصالح فالله يقضي الدَّيْنَ عنه، ولا سيَّما إذا أخذه يريد الأداء، ما أخذه ظلمًا، ولا بقصدٍ سيِّئٍ، إنما أخذه لحاجته ونيتُه الوفاء، فالله يُوفي عنه .
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: لو أنَّ الشخص سرق وتاب فهل تكفي التوبة؟
ج: التوبة تجُبُّ ما قبلها، لكن يرضي أصحاب الحقوق، فإذا تاب توبة صادقة يرضي الله أصحاب الحقوق، ولا تضيع حقوقهم، فحقوقهم تبقى ويُرضيهم الله عنها إذا صحَّت التوبة.
س: مَن قال بأن الدَّيْنَ مكروهٌ إلا لحاجةٍ؟
ج: وجيهٌ، فالدين الذي ما له حاجة تركه أولى، لا يستدين إلا لحاجةٍ، فالدَّيْنُ خطرٌ؛ فقد يُبْتَلَى ولا يتيسَّر له قضاؤه.
س: لكن ما ورد عن بعض الصحابة أنهم كانوا يستدينون لسماعهم بعض الأحاديث التي وردت عن النبي ﷺ في فضل التَّداين والقضاء، فهل هي صحيحة؟
ج: ما أتذكر منها شيئًا، لكن إذا قضى حاجة أخيه وسلَّفه وأعطاه فهو مأجورٌ، وفي الحديث الصحيح: مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا نفَّس اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يوم القيامة، والدَّين لا بأس به إذا أخذه للبيع والشراء وهو يريد الوفاء، فلا بأس، يقول النبيُّ ﷺ: مَن أخذ أموالَ الناس يريد أداءها أدَّى الله عنها، ما فيها شيء، لكن إذا تركها خوفًا من مَعَرَّتِها ما في بأس، فالأمر واسع.
س: ما ورد عن ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها شيءٌ في ذلك؟
ج: ما أتذكر شيئًا.
س: رجلٌ يُسافر لجدة قبل أذان العصر بربع ساعة، يقول: كيف أصلي وأنا في الطائرة، وستصل الطائرة قبل المغرب بقليل؟
ج: يصلي في الطائرة، إن كان سافر قبل دخول وقت الصلاة ويخشى أن يفوته الوقتُ فيُصلي في الطائرة، ولكن من الرياض لجدة يصل في وقت العصر.
س: طيب، القبلة يا شيخ؟
ج: يستقبل القبلة مع الطائرة، ينحرف حتى يكون وجهه إلى القبلة في الفريضة.
س: ما يتسنى له في الطائرة؛ لأنه لا يوجد في الطائرة مكانٌ مُخصَّصٌ؟
ج: ولو يحط ........ وجهه، يدور مع الطائرة حتى يستقبل القبلة.
س: يُصلي وهو قائم أو وهو قاعد؟
ج: وهو قاعد.
س: ولو آخر الوقت؟
ج: يُصلي في الوقت.
س: لو كان سيُدرك العصرَ في جدة في آخر الوقت؟
ج: إذا أدركها لا بأس، وإن صلَّى في الطائرة فلا بأس، لكن إذا لم يكن يُدْرِك العصرَ إلا بعد أن تصفَرَّ الشمسُ فيُصلي في الطائرة.
س: هذا طالبٌ يسأل عن درجة حديثين، يقول: الحديث الأول: أكثر موت أمتي بعد قضاء الله وقدره من العين، ما درجة صحته؟
ج: ما أعرفه.
س: والحديث الثاني يقول: مَن حُلِفَ له بالله فليَرْضَ، ومَن لم يَرْضَ فليس من الله؟
ج: حديث لا بأس به، جيد، النبي ﷺ قال: مَن حلف بالله فليصدق، ومَن حُلِفَ له بالله فليرضَ، ومَن لم يرضَ فليس من الله، هذا في الخصومات، إذا توجَّهت اليمينُ عليه، ما عند المدعي بينة، إذا حلف الخصمُ يرضى بحكم الله، والحساب يوم القيامة إن كان كاذبًا، إذا قال: نعم عندك مئة ريـال، أو ألف ريـال، أو أكثر، ما عنده بينة، فليس له إلا اليمين، فعلى صاحب اليمين أن يتَّقي الله، وعلى المدعي أن يرضى بحكم الله.
س: الكافر إذا أسلم هل يبقى عليه الدَّيْن؟
ج: نعم، ديون الناس تبقى، فيُعطيهم إذا كان يعرفهم، فالإسلام لا يُسقط الدَّيْنَ، حقوق الناس يُعطيهم إيَّاها، الإسلام يسقط حقَّ الله، فجميع ما سلف من الشرور يعفو الله عنها، لكن إذا كان عنده أموال للناس أمانة أو حقوق أو دَيْن فلا بدّ أن يُؤدِّيها.
س: إذا كانوا بعيدين؟
ج: يُرسلها لهم بالطرق التي يرجو وصولها.
س: وإذا كانوا كفَّارًا حربيين، كان قد استدان منهم قبل أن يُسلم؟
ج: ولو، الظاهر أنه يُعطيهم حقوقهم.
س: قصة أبي موسى الأشعري لما فقد عمر بن الخطاب، فذهبوا إلى رجلٍ معه رِئْيٌ من الجن، فسألوه فأخبرهم، استدل به بعضُ مشايخنا على جواز استخدام الجن في الأمور المباحة؟
ج: لا أعرف له أصلًا.
س: قلتَ: مَن غلَّ فهو من الشرك؟
ج: هو من المعاصي، الغلول من المعاصي.
س: ولا يُخَلَّد صاحبه في النار؟
ج: لا، متوعد بالنار وتحت المشيئة، مثل وعيد الزاني والسارق.
س : إذا ظُلم الإنسانُ فهل الأفضل أن يعفو أو ما يعفو بناءً على حديث المفلس؟
ج: ينظر الأصلح.