95 من: (باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين)

 
32- باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين
قَالَ الله تَعَالَى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ [الكهف:28].
1/252- عن حَارِثَة بْنِ وهْبٍ قَالَ: سمعتُ رسولَ اللَّه ﷺ يقولُ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجنَّةِ؟ كُلُّ ضَعيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ أَقْسَم عَلَى اللَّه لأبرَّه، أَلا أُخْبِرُكُمْ بَأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ متفقٌ عَلَيهِ.
2/253- وعن أَبي العباسِ سهلِ بنِ سعدٍ الساعِدِيِّ قَالَ: مرَّ رجُلٌ عَلَى النَّبيِّ ﷺ فقالَ لرجُلٍ عِنْدهُ جالسٍ: مَا رَأيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَب أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَع أَنْ يُشَفَّعَ، فَسَكَتَ رسولُ اللَّه ﷺ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخرُ، فَقَالَ لَهُ رسولُ اللَّه ﷺ: مَا رأيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّه، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هذَا حريٌّ إِنْ خطَب أَنْ لا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَع أَنْ لا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لا يُسْمَع لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هذَا متفقٌ عَلَيهِ.
3/254- وعن أَبي سعيدٍ الخدري ، عن النبي ﷺ قَالَ: احْتجَّتِ الجنَّةُ والنَّارُ، فقالتِ النَّارُ: فيَّ الجبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ، وقَالتِ الجَنَّةُ: فيَّ ضُعفَاءُ النَّاسِ ومسَاكِينُهُم، فَقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُما: إِنَّكِ الجنَّةُ رحْمتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَإِنَّكِ النَّارُ عَذابِي أُعَذِّب بِكِ مَنْ أَشَاءُ، ولِكِلَيكُمَا عَلَيَّ مِلؤُها رواه مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على الفضل الكبير للفقراء من المسلمين إذا صبروا واحتسبوا، وأنَّ لهم عند الله منزلةً عظيمةً، وأجرًا كبيرًا إذا صبروا على ما أصابهم من الفقر والحاجة، واستقاموا على دين الله، وأنهم خير من الأغنياء والأشراف الذين لم يقوموا بالواجب كما قاموا هم، ولهذا قال جل وعلا: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ يعني: احبسها مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28]، فأمر سبحانه نبيَّه أن يكون مع أصحاب الحاجة والمسكنة وأهل الدين والاستقامة، وألا ترتفع عينُه عنهم إلى غيرهم من ذوي الجاه والشرف ونحو ذلك.
والمقصود من هذا كله: إذا استقاموا على دين الله فإنَّ الفقر والحاجة لا يضرهم، فقد صبر الأنبياء على الفقر، وصبر غيرهم من أهل الإيمان والتقوى، فما ضرّهم ذلك، فإذا استقام العبدُ على دين الله وعلى فقره وصبره فله خيرٌ عظيمٌ وأجر كبير، ولهذا يقول ﷺ في بيان أهل الجنة: كلُّ ضعيفٍ مُتضعِّفٍ، لو أقسم على الله لأبرَّه، وأهل النار: كل عُتُلٍّ جبارٍ مُتكبِّرٍ، فأهل النار هم أهل الجفاء والغفلة والعُتُلّ الجافي.
والعُتُلّ: هو الجَوَّاظ، الغليظ، المتكبر، والمتكبر معروف.
فالمقصود أنَّ أهل النار: هم أهل الجفاء، والغفلة، والإعراض، والتكبر، والمعصية، وأهل الجنة: هم أهل الاستقامة، والطاعة لله، وإن كانوا فقراء.
وكذلك: احتجَّت الجنة والنار، فقالت النار: فيَّ الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: فيَّ ضُعفاء الناس ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنَّكِ الجنة رحمتي أرحم بك مَن أشاء، وإنكِ النار عذابي أُعذِّب بك مَن أشاء، ولكلِّ واحدٍ منهما ملؤها.
فهذا يُبين أن أهل الفقر والحاجة أقرب إلى السلامة، بخلاف أهل المال والجاه، فقد يغرّهم مالهم، وتغرهم مناصبهم وشرفهم؛ فيقعون فيما حرَّم الله، فالفقر والحاجة من أعظم أسباب السعادة والتواضع، فليصبر على ما أصابه ولا يجزع، وليس معنى هذا أنه يطلب الفقر، لا، معناه أنه يصبر إذا أُصيب، ولكن يطلب الرزقَ، يطلب الأعمال التي تُعينه على طاعة الله، وتُغنيه عن عباد الله، يطلب الرزق ويتسبَّب، ولكن لا يجزع إذا أصابه الفقر والحاجة: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، فالصبر كله خير: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46].
وهكذا يقول ﷺ لما مرَّ به بعضُ الأشراف وعنده بعض أصحابه، فقال: ما تقول في هذا؟ قال: هذا من أشراف الناس، حريٌّ إن خطب أن يُنكح –يعني: أن يُزَوَّج– وحريٌّ إن شفع أن يُشَفَّع، فسكت النبي ﷺ، ثم مرَّ آخر من فقراء المسلمين، فقال: ما رأيك في هذا؟ قال: هذا من فقراء المسلمين، حريٌّ إن خطب ألا يُزوَّج، وإن شفع ألا يُشَفَّع، يعني: لفقره، فقال النبيُّ ﷺ: هذا خيرٌ من مِلْءِ الأرض مثلَ هذا.
والأصل في هذا الاستقامة والتقوى، فالفقر لا يضرهم ولا يعيبهم، فإذا استقاموا على دين الله، وثبتوا على الحق؛ فهم من أهل الجنة، ومن أهل السعادة، ومن أهل الشرف عند الله، وإن فاتهم المال، وإن فاتهم الجاه، وإن فاتتهم الوظائف الكبيرة، فالله يُعوضهم عن هذا بالرضا والكرامة والجنة، أما مَن رُزق مع ذلك شرفًا أو مالًا أو وظائفَ واستقام على دين الله فله خيرٌ عظيمٌ إذا اتَّقى فيها ربَّه، واستقام على دين الله، فلا تضره الأموال ولا الوظائف إذا استقام على دين الله، بل تنفعه؛ فقد يكون أفضل من كثيرٍ من الفقراء إذا بذل ما أعطاه الله في وجوه الخير، من المال، والجاه، ونحو ذلك.
ولهذا جاء في الحديث الصحيح: لما اشتكى فقراءُ المسلمين وقالوا: يا رسول الله، ذهب أهلُ الدُّثور بالأجور: يُصلون كما نُصلِّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدَّقون ولا نتصدَّق، ويعتقون ولا نعتق. يعني: ما عندنا أموال، فقال ﷺ: ألا أدلكم على شيءٍ تُدركون به مَن سبقكم، وتسبقون مَن بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلا مَن صنع مثلما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تُسبِّحون وتحمدون وتكبرون دُبر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، ففعل الفقراءُ، ثم جاءوا إلى النبي ﷺ فقالوا: يا رسول الله، سمع إخواننا أهل الأموال ففعلوا مثلنا، صاروا يُسبحون ويحمدون مثلما قلتَ لنا، فقال النبيُّ ﷺ: ذلك فضل الله يُؤتيه مَن يشاء.
فدلَّ هذا على أنَّ الغني إذا رزقه الله العملَ الصالحَ وساهم في الخيرات واتَّقى ربَّه فله منزلةٌ عليا، وفضل كبير بما فعل من الخير في ماله وجاهه، وقد يسبق الفقراءَ بدرجات كثيرة إذا اتَّقى ربَّه في المال، وفي الجاه، وفي الشرف، ونفع المسلمين، لكن الفقر مصيبة، والحاجة مصيبة، فالواجب على مَن أُصيب بها أن يصبر، وأن يحتسب، وأن يستقيم على أمر الله، وله البُشرى بما وعد الله به الفقراء الصابرين.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: يحصل من بعض التجار أنه يشتري كميةً كبيرةً، مثلًا: نحو عشرة آلاف كرتونة صابون، أو عشرة آلاف كيس أرز، وما أشبه ذلك، فتكون هذه أحيانًا مستوردةً، وأحيانا غير مستوردةٍ، فهل يُشترط في هذه الحالة قبل أن أبيعها أن أنقلها؟ وإذا نقلتها يقول: ما الفائدة حينئذٍ ما دمتُ سأبيعها؟ ما الفائدة؟
ج: إذا شقَّ عليه النقلُ فلا يلزم، فالشيء الذي يشق يُعْفَى عنه؛ لعظمه وكثرته، كالمنزل والأرض، فقبضها التَّخلية، أما إذا تيسر النقلُ فالنبي ﷺ أمر بالنقل، فقد نهى رسول الله ﷺ أن تُباع السلع حيث ابتيعتْ حتى يحوزها التُّجار إلى رحالهم، فإذا تيسَّر حوزها فليحوزها.
س: بعضهم قال أنَّ أسباب الانحراف .........؟
ج: تارةً وتارةً، بسبب المال أكثر، الانحراف بسبب المال ......... أكثر؛ لقدرته على المعاصي.
س: .........؟
ج: اختلف الناسُ في هذا: أيهما أفضل: الفقير الصابر أو الغني الشاكر؟ على قولين، وأصحهما أنَّ الغني الشاكر أفضل؛ لأنَّه مع قدرته صبر واستقام.
س: حديث: إنَّما الدنيا لأربعة: رجل آتاه الله مالًا وعلمًا، فهو يتَّقي الله في ماله، ويعرف الله في حقّه، فهو في أحبِّ المنازل إلى الله صحيح؟
ج: صحيح، وإذا صار مع العمل الصالح فهو أفضل.
س: الفقر هل يدخل في أنواع الابتلاء من الله؟
ج: كلها ابتلاء، الغنى والفقر، هذا يُبتلى بالسراء، وهذا يُبتلى بالضراء، هذا يُبتلى بالصحة، وهذا يُبتلى بالمرض، هذا يبتلى بالغنى، وهذا يبتلى بالفقر، هذا يبتلى بالوظيفة، وهذا يبتلى بحرمانها، كلها ابتلاء وامتحان.
س: ما مقياس أن نقول أن الفقر من أسباب الانحراف وأحيانا يأخذوه شماعة ...؟
ج: لا الغنى أكثر.